تغير محتمل.. هل تكبح الولايات المتحدة النفوذ الإماراتي في السودان؟

منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

بعد تدبيرها سلسلة من الهجمات المروعة في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور السودانية، أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2025، أعلنت مليشيا "الدعم السريع" قبولها هدنة إنسانية من جانب واحد، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

وُضعت الاتفاقية من قِبل الرباعية التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تضمّ أيضا مصر والسعودية والإمارات، لكن بعد أقل من 24 ساعة، خُرق وقف إطلاق النار بهجمات بطائرات مسيّرة على قاعدة عسكرية ومحطة كهرباء في الخرطوم، العاصمة التي يسيطر عليها الجيش السوداني.

إبعاد الإمارات

وفي هذا السياق، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مقالا لـ"سهى موسى"، وهي صحفية ومحللة أميركية من أصل سوداني، شددت فيه على أنه "إذا كان الرئيس دونالد ترامب حقا يريد أن يكون صانع سلام، فإن عليه إبعاد الإمارات عن طاولة المفاوضات".

وقالت الكاتبة: إن "هجمات الدعم السريع في الفاشر أبرزت مستوى جديدا من الوحشية في مسار أسوأ أزمة إنسانية في العالم"؛ "حيث قُتل أكثر من 460 شخصا داخل مستشفى للولادة، وأظهرت صور الأقمار الصناعية رمالا ملطخة بالدماء يمكن رؤيتها من الفضاء، وحاول عشرات الآلاف من المدنيين الفرار من هذا العنف الذي يفوق الوصف".

وترى الكاتبة أن "جهود المجتمع الدولي لإنهاء الحرب بشكل دائم أقرب إلى الاستعراض منها إلى الفعل الجاد".

"فبينما يرتكب مقاتلو الدعم السريع جرائم حرب بلا أي محاسبة، وفي ظل استمرار الإمارات في تمويل وتسليح ودعم الدعم السريع، تتحول محادثات السلام إلى مجرد حملة علاقات عامة في حرب خلّفت أكثر من 150 ألف قتيل و12 مليون نازح".

ورغم أن تفاعل واشنطن مع السودان خلال العقود الثلاثة الماضية كان معقدا ومتقلبا -بحسب المقال- إلا أن إنهاء النزاع فعليا يتوقف على قدرة الولايات المتحدة على مساءلة حليفها الخليجي وإجبار الإمارات على الانسحاب من السودان.

وأضافت: "مع اقتراب الحرب من عامها الثالث في أبريل/نيسان 2026، لا يمكن تفسير استمرارها إلا من خلال الدور النشط الذي يمارسه الفاعلون الدوليون".

"وقد جرى توثيق دور الإمارات، على وجه الخصوص، بوصفها ممولا ومصدرا للسلاح للدعم السريع؛ ففي مارس/آذار، رفع السودان دعوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، متهما إياها بدعم الدعم السريع والتواطؤ في الإبادة الجماعية بحق قبيلة المساليت في غرب دارفور".

وقالت الكاتبة: "يمكن تتبع الدور الإماراتي الواسع في السودان منذ صعود (محمد حمدان دقلو) حميدتي إلى السلطة بوصفه قائد الدعم السريع".

"فهذه القوات التي خرجت من رحم الجنجويد - المليشيات التي شكّلها عمر البشير لشن الحرب في دارفور منذ عام 2003 وما رافقها من فظائع- مثّلت محاولة لإعادة تشكيل الصورة وفتح طريق للعودة إلى الدوائر الدبلوماسية العليا في السودان".

"ومع إرسال البشير الدعم السريع كمقاتلين مرتزقة إلى اليمن لصالح الإمارات عام 2015، حظي حميدتي بفرصة فريدة للحصول على التمويل والأسلحة والمال".

تهريب الذهب

علاوة على ذلك، "يشكّل تهريب الذهب أحد أبرز المصالح الحيوية للإمارات، وهو مسار حرص حميدتي على دعمه مع توسّع سيطرة قواته على احتياطات الذهب ومناجمه في أنحاء السودان، خصوصا في دارفور".

وفي عام 2022، أي قبل اندلاع الحرب بعام واحد، كانت الإمارات تعد أكبر مستورد لهذا المعدن النفيس ضمن التجارة الإفريقية غير القانونية.

وأوضحت أنه "منذ بداية الحرب، ضمن دعم الإمارات للدعم السريع نفوذا إستراتيجيا للإماراتيين، وحال دون صعود الإسلاميين، وحافظ على بنيتها التحتية الاقتصادية القائمة".

وكشفت تقارير استقصائية لوكالة "رويترز" وجهات إعلامية ومنظمات أخرى عن اتهامات بأن الإمارات استخدمت مدارج طيران في تشاد المجاورة لتهريب أسلحة إلى السودان رغم استمرار حظر السلاح المفروض على دارفور منذ عشرين عاما.

كما موّلت وقدّمت إمدادات لمرتزقة أجانب يقاتلون إلى جانب الدعم السريع، وأسهمت في تمويل حصار هذه القوات لمدن وقرى مقابل ضمان استمرار وصولها إلى مناجم الذهب والحقول الزراعية.

وأكّد المقال على أنه "بوجود الإمارات كعضو في فريق الوساطة الخارجية الرئيس، يصعب عد الرباعية كيانا جادا مكرسا لإنهاء الحرب مهما كررت هذا الادعاء".

"فمشاركة أبو ظبي في محادثات السلام ليست سوى آلية دعائية تهدف إلى تجنّب ردود الفعل الدولية على دورها في الحرب". بحسب تقييم المقال.

“وطالما يجلس المفاوض الأميركي إلى جانب المندوب الإماراتي في غرف الاجتماعات ويوقّع البيانات المشتركة من دون محاسبة الإمارات على دورها، فإن واشنطن تصبح متورطة بدورها في إطالة أمد الحرب”. وفق الكاتبة.

عقوبات واسعة

وقالت: "رغم التاريخ المتوتر بين واشنطن والخرطوم، والقلق المبرر لدى كثير من السودانيين والمراقبين الدوليين تجاه أي دور أميركي، قد تكون الولايات المتحدة اللاعب الوحيد القادر على الضغط على الإمارات لسحب دعمها للدعم السريع".

واستطردت: "فالإمارات تتمتع بعلاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، وتستفيد من التدريب العسكري الأميركي والمعلومات والمعدات".

“ومع تزايد كشف وسائل الإعلام عن دور أبو ظبي في دعم الإبادة والانتهاكات التي ترتكبها الدعم السريع، يمكن لاهتزاز صورتها الدولية أن يشكل دافعا لواشنطن لاتخاذ خطوة حاسمة لإنهاء الحرب، ولتحقيق ذلك، يمثل إبعاد الإمارات عن دور الوساطة الخطوة الأولى”. وفق الكاتبة.

وأوضحت أن "العقوبات الواسعة، إضافة إلى تقييد التعاون العسكري مع الإمارات، وفرض ضوابط على الصادرات، وفتح تحقيقات بقيادة أميركية، تمثل أدوات مهمة يمكن للولايات المتحدة استخدامها لتوجيه نفوذها نحو ضبط سلوك حليفها الخليجي في الملف السوداني".

وأشارت إلى أن ذلك قد يمنح ترامب أحد "انتصارات إنهاء الحروب" التي يحرص على تحقيقها، مؤكدة أن "الحقيقة التي لا يجوز التقليل من شأنها هي أن واشنطن تمتلك بالفعل نفوذا حقيقيا على الإمارات، وإذا امتنعت عن استخدامه بشكل حاسم، فإنها تكون قد اختارت القبول بالتواطؤ".

وأردفت أنه "إذا لم يكن مستوى الانهيار الإنساني الهائل كافيا لتحفيز الجهات الأميركية على الانخراط بجدية في إنهاء هذه الحرب، فعليها أيضا التفكير في مدى تعريض مصالحها للخطر".

وحذرت من أنه "إذا سمحت الولايات المتحدة باستمرار الوضع الراهن، فإن الفرصة تتسع أمام الجهات الخارجية الخبيثة لترسيخ وجودها في بلد هش".

وشددت على أن الطريق الوحيدة للوصول لهدنة مستدامة في السودان تكمن في بذل جهد حازم ومُركّز لمعالجة الواقع الراهن على الأرض.

“فهناك إبادة جماعية في السودان، تُنفّذها الدعم السريع بدعم إماراتي، ولضمان الوصول لوقف إطلاق النار، يجب محاسبة كلا الطرفين على جرائمهما وإبعادهما عن طاولة التفاوض”. بحسب تأكيد المقال.