بين التطبيع الأمني والضربة الاستباقية.. لماذا تتمسك إسرائيل بجبل الشيخ السوري؟

مصعب المجبل | منذ ١١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة ومساعي واشنطن لإعادة ترتيب خرائط النفوذ في الشرق الأوسط، تبدو إسرائيل اليوم في موقع القلق إزاء طبيعة التقارب الجديد بين "سوريا الجديدة" والولايات المتحدة.

وقد تجسّد هذا القلق في تصريحات وزير الدفاع في حكومة الاحتلال، يسرائيل كاتس الذي أكد أن القوات الإسرائيلية لن تنسحب من قمة جبل الشيخ، وأنها ستبقى في "المنطقة الأمنية" جنوب سوريا.

احتلال جبل الشيخ

وأضاف كاتس في منشور على منصة "إكس" بتاريخ 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 أن "سياسة إسرائيل واضحة، وتقوم على عدم السماح بقيام دولة فلسطينية، وأن الجيش سيبقى متمركزًا على قمة جبل الشيخ وفي المنطقة الأمنية".

كانت العلاقة بين سوريا وإسرائيل محكومة باتفاقية فضّ الاشتباك الموقّعة مع نظام حافظ الأسد عام 1974، قبل أن تعلن تل أبيب، فور سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وقف العمل بها.

وعقب إلغاء اتفاقية "فض الاشتباك"، احتلت إسرائيل جبل الشيخ وعددًا من الأراضي والقرى بعمق يتجاوز 25 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، لتُضاف هذه المناطق إلى هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967.

ويُعد جبل الشيخ، أو "جبل حرمون"، موقعًا جغرافيًا بالغ الأهمية؛ إذ يقع بين سوريا ولبنان ويُشرف على الجولان المحتل، ويمكن رؤيته أيضًا من الأراضي الأردنية.

وتبدو التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع الإسرائيلي بشأن التمسك بالبقاء في قمة جبل الشيخ السوري، أكبر من مجرد موقف أمني؛ إذ تعكس مخاوف سياسية عميقة من أن يؤدي الانفتاح الأميركي على القيادة السورية الجديدة، عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد إلى إعادة ترتيب المشهد في الجنوب السوري بما يضع إسرائيل أمام معادلة جديدة تهدد امتيازاتها الإستراتيجية في الجولان ومحيطه.

وقد شهدت العلاقات الأميركية ـ السورية تحسنًا ملحوظًا بلغ ذروته باستقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في البيت الأبيض بتاريخ 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

وأسفر لقاء الشرع بترامب عن إعلان انضمام سوريا رسميًا، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الذي تقوده واشنطن، لتصبح العضو رقم تسعين فيه، في تحول إستراتيجي يعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية والدولية.

وتثير تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، حول تمسك تل أبيب بالبقاء في قمة جبل الشيخ، تساؤلات حول دوافع هذا الإصرار في وقت تشهد فيه المنطقة حراكًا دبلوماسيًا متسارعًا بين واشنطن ودمشق.

لكن في المقابل، يشكّل استمرار إسرائيل في احتلال واحدة من أكثر النقاط الإستراتيجية حساسية في الشرق الأوسط عامل تهديد لاستقرار "سوريا الجديدة"، وفق تقديرات المراقبين.

لا سيما أن وسائل إعلام إسرائيلية، بينها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أشارت إلى خشية تل أبيب من ضغوط محتملة قد يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدفعها نحو الانسحاب من منطقة جبل الشيخ جنوبي سوريا التي احتلتها عقب سقوط نظام الأسد.

ورصدت الصحيفة، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، تقدّم جرافات إسرائيلية على الطريق المؤدي إلى قمة جبل الشيخ على ارتفاع 2800 متر، للمشاركة في أعمال ترميم موقعين عسكريين، في خطوة قالت إنها تشير إلى أن موسم الشتاء الحالي لن يكون الأخير للجيش الإسرائيلي في تلك المنطقة.

وأضافت الصحيفة: "أما في واشنطن ودمشق، فقد يعتقدون خلاف ذلك، لا سيما بعد الاستقبال التاريخي للرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض".

ولفتت إلى أن الاتصالات الأخيرة بين دمشق وتل أبيب "لم تُثمر بعد"، في إشارة إلى اللقاءات التي جمعت وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني برئيس الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي السابق رون ديرمر في باريس ولندن.

وبشأن تلك اللقاءات، أكدت الصحيفة أن الهدف منها هو البحث عن اتفاق جديد يحلّ محلّ اتفاقية فصل القوات الموقّعة بين إسرائيل وسوريا عام 1974، والتي أعلنت تل أبيب انهيارها من جانب واحد بعد سقوط نظام الأسد.

ضربة استباقية

لكن اللافت أن هيئة البث الإسرائيلية ذكرت، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أن المفاوضات مع ⁧‫سوريا‬⁩ وصلت إلى طريق مسدود، رغم مساعي وسطاء دوليين للتوصل إلى اتفاق أمني بين الاحتلال الإسرائيلي والحكومة السورية الجديدة يستند إلى اتفاق عام 1974.

وأضافت الهيئة أن "المفاوضات مع سوريا تجمّدت بعد خلاف حول الانسحاب من الجنوب السوري"، وهي المناطق التي توغلت فيها قوات الاحتلال بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 عقب سقوط نظام الأسد.

وأشارت الهيئة إلى أن "إسرائيل لا ترغب في التوقيع على (اتفاق أمني)، بل على (اتفاق سلام) مع سوريا"، موضحة أن حكومة الاحتلال أبدت استعدادها للانسحاب فقط في حال توقيع اتفاق سلام كامل مع ⁧‫دمشق.

كما أكدت أن "إسرائيل ترفض طلب الشرع الانسحاب من المناطق التي احتلتها بعد سقوط نظام ⁧‫الأسد".

وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حثّت نتنياهو على عدم الانسحاب من جبل الشيخ، بوصفه يتيح لتل أبيب "مراقبة واسعة للجولان المحتل ومسارات تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان"، وفق الصحيفة.

ومن فوق قمة ترتفع نحو 2800 متر، يرسّخ الجنود الإسرائيليون مواقعهم في مشهد بدا، وفق مراقبين، رسالة مزدوجة لكلٍّ من دمشق وواشنطن: هذا خط أحمر لا تفاوض عليه.

ويبقى السؤال الأهم: لماذا يتحول جبل الشيخ اليوم إلى عقدة إستراتيجية جديدة في مسار العلاقات الأميركية – السورية – الإسرائيلية؟

ترى أوساط إسرائيلية أن التقارب الأميركي ـ السوري قد يفتح الباب أمام ترتيبات أمنية جديدة تعيد بعض السيادة لدمشق، في حين تسعى إسرائيل إلى تثبيت وجودها العسكري بذريعة "ضمان أمن الجولان" ومراقبة تحركات حزب الله على الحدود اللبنانية.

من جانبها، تصف دمشق الجبل بأنه "أرض سيادية لا يمكن التنازل عنها"، وتؤكد استعدادها للعودة إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 "بشروط محسَّنة" تضمن إشرافًا أميركيًا أوسع على تنفيذ بنود وقف إطلاق النار.

وفي هذا السياق، يؤكد رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية، العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، لـ"الاستقلال"، أن "تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس تعكس بطبيعة الحال رغبة في توجيه ضربة استباقية للاتصالات الأميركية ـ السورية التي تتطور بشكل ناجح ومستمر".

وأضاف الأسعد أن "إسرائيل تسعى للضغط على دمشق للإسراع في الترتيبات الأمنية بما يخدم مصالحها وحدها، وهي ترتيبات تُبحث عبر وسطاء بين سوريا وإسرائيل لإنهاء التوتر ووضع حد للخروقات الإسرائيلية المتزايدة".

ورأى الأسعد أن "إسرائيل لا ترغب في الانسحاب من مرصد جبل الشيخ؛ لأنها أنشأت هناك منطقة عمليات أمنية جديدة خارج منطقة الفصل الحدودية، ولا تريد وجود قوات سورية داخلها؛ إذ تعدها منطقة انتشار محتملة لعمليات قريبة مما بعد المنطقة العازلة".

ورأى الأسعد أنه من الواضح "وجود حساسية مفرطة داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تجاه أي تقارب سوري أميركي قد يفضي إلى ترتيبات تُقلّص النفوذ الأمني الإسرائيلي في الجنوب".

ولهذا، يرى الأسعد أن "سوريا الجديدة تعتمد في هذه المرحلة على النفس الطويل في المفاوضات، وتجنب الانجرار إلى الاستفزازات الإسرائيلية، وصولًا إلى اتفاق أمني — ولو محدود — يهدف إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية الأحادية".

البحث عن معادلة

بين واقعٍ إقليمي متحوّل وتوازنات داخلية مضطربة في إسرائيل، يبدو أن جبل الشيخ السوري بات أكثر من مجرد موقع عسكري مرتفع؛ إذ أصبح — وفق الخبراء — معيارًا لمدى استعداد تل أبيب للتكيّف مع هندسة إقليمية جديدة، يتصدّرها انفتاح أميركي حذر على دمشق، مقابل رفض إسرائيلي لأي تنازل ميداني قد يُفهم على أنه تراجع عن "خطوطها الحمراء".

ويشير كبير الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، يوحنان تسوريف، في تصريحات تلفزيونية، إلى أنه "إذا حصل تقدّم في العلاقات الأميركية – السورية، فإن إسرائيل تريد الاطمئنان إلى أن الوضع داخل سوريا مستقر، وأن النظام الجديد في دمشق لا يشكّل تهديدًا لإسرائيل".

وأضاف تسوريف: "المشكلة في سوريا ليست مع النظام بحد ذاته، بل مع قدراته وعدم استقراره. فهناك جهات أخرى قد تهدد النظام القائم، وحتى الآن لم يثبت أنه قادر على التغلب على هذه التحديات. ومن هنا يأتي التبرير الإسرائيلي لضرورة وجودها في جبل الشيخ والمناطق الأخرى".

وأردف: "لا أعتقد أن إسرائيل تنوي البقاء في قمة جبل الشيخ لفترة طويلة؛ فهي تريد العودة إلى اتفاق 1974 للحفاظ على الأمن بين الطرفين، لكن ما يجرى الآن هو محاولة إسرائيلية لتجاوز التغيرات السياسية التي حدثت في سوريا بهدف توفير الاستقرار. ولهذا تسعى للوصول إلى معادلة تمنحها الاطمئنان قبل أن تنسحب إلى خطوط عام 1974".

وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، استبعد الرئيس السوري أحمد الشرع الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل في الوقت الحالي.

وأكد الشرع أن الوضع السوري يختلف كليًا عن وضع الدول التي انضمت إلى "اتفاقات أبراهام"، موضحًا أن إسرائيل لا تزال تحتل أراضي سورية منذ عام 1967.

وأضاف: "ربما يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دور الوسيط عبر إطار اتفاقات أبراهام في المستقبل، لكن هذا الأمر غير مطروح حاليًا".

وسبق أن نفى المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، ما تردد عن فشل المفاوضات بين سوريا والاحتلال الإسرائيلي للتوصل إلى اتفاق أمني، قائلًا: "ليس صحيحًا أن الاتفاق الأمني انهار في اللحظات الأخيرة".

وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد توغلت داخل الأراضي السورية بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، ولا تزال تنفّذ انتهاكات شبه يومية على طول خط الحدود السورية، بما في ذلك حملات توغل تصل أحيانًا إلى حد الاعتقال والقتل بحق مواطنين سوريين.