بعد زيارة الشرع واشنطن وموسكو.. هل أصبحت سوريا هدفا يستحق القتال من أجله؟

منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

بعد زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع للبيت الأبيض بدأت التحليلات تتحدث عن أن سوريا لم تعد ساحة للحرب العسكرية، بل تحولت إلى ساحة مواجهة دبلوماسية بين روسيا والولايات المتحدة.

ويرى الباحث البارز نيكولاي سوخوف أن "الزعيم السوري الجديد يسعى إلى الموازنة بين القوى العظمى، وهو ما يعد تحولا جوهريا في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط".

ووصفت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية زيارة الشرع إلى البيت الأبيض في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 بـ"التاريخية"، لافتة في الوقت ذاته إلى أن الاجتماع بين الرئيس الأميركي والرئيس السوري عُقد خلف أبواب مغلقة.

وهو ما عدته صحيفة (ذا هيل) الأميركية "أمرا غير معتاد من ناحية البروتوكول الحالي، فعادة ما يتيح الرئيس الأميركي وصولا واسعا للصحفيين المحليين والأجانب إلى لقاءاته في المكتب البيضاوي".

وأشارت الصحيفة الروسية إلى أنه "في البداية، حضر المفاوضات ممثلو الحكومة الانتقالية السورية وإدارة الرئيس الأميركي فقط، لكن لاحقا انضم إلى المشاورات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان".

وعقبت على حضور فيدان قائلة: "هذا ليس مفاجئا، إذ تُعد أنقرة حليفا مهما للإدارة التي وصلت إلى الحكم في ديسمبر/ كانون الأول 2024".

خطوات ملموسة

وبناء على هذه الاتصالات، وقعت دمشق مع واشنطن مذكرة تفاهم بشأن التعاون السياسي مع التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة". 

وتابعت الصحيفة: "ورغم أن الوثيقة تحمل طابعا رمزيا إلى حد كبير، إلا أنها عدت حدثا بارزا في مسار تعزيز التعاون الثنائي، بحسب مراقبين".

علاوة على ذلك، حصل الوفد السوري على موافقة رسمية لمباشرة البعثة الدبلوماسية السورية في واشنطن عملها.

والجدير بالذكر، أنه قبيل المحادثات في البيت الأبيض، أعلنت الإدارة الأميركية تمديد بعض الاستثناءات في نظام العقوبات المفروض على سوريا بموجب "قانون قيصر".

وفي هذا السياق، شدد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على أن واشنطن تتوقع من الحكومة الانتقالية في دمشق اتخاذ "خطوات ملموسة من شأنها طي صفحة الماضي والعمل على تحقيق السلام في المنطقة".

ورجحت الصحيفة أن "المقصود هو التوصل إلى اتفاق شامل مع إسرائيل؛ إذ ترى إدارة ترامب أن البلدين، اللذين ما زالا رسميا في حالة حرب، ينبغي أن يقيما علاقات دبلوماسية كاملة في إطار (اتفاقات أبراهام)".

ومع ذلك، تشير إلى أن "المفاوضات بين سوريا وإسرائيل لا تزال تواجه صعوبات حتى في إبرام صفقة محدودة تهدف إلى نزع السلاح من المناطق الجنوبية السورية وتقليص النشاط العسكري الإسرائيلي في الأراضي المجاورة".

ومن أبرز محطات زيارة الشرع أيضا، لقاؤه مع أعضاء الكونغرس، الذين يُعد موقفهم -بحسب الصحيفة- حاسما في مسألة رفع القيود المفروضة على سوريا بشكل كامل.

وحضر الاجتماع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، برايان ماست، وهو محارب قديم فقد ساقيه خلال المعارك ضد تنظيم القاعدة في جنوب آسيا.

وفي تعليق على لقائه الشخصي مع الشرع، قال ماست: "نحن اثنان من الجنود السابقين واثنان من الأعداء السابقين. سألته مباشرة: لماذا لم نعد أعداء؟ فأجاب بأنه يريد التحرر من الماضي والانخراط في هدف نبيل من أجل شعبه وبلده، وأن يصبح حليفا مهما للولايات المتحدة".

تناغم نادر 

وفي تعليقه على الزيارة، قال الباحث البارز نيكولاي سوخوف في حديثه لموقع "آر تي في آي" الروسي، إن "زيارة الرئيس السوري للبيت الأبيض، ليست مجرد محطة على الأجندة الدولية".

وأردف: "فبعد أقل من شهر من محادثاته مع فلاديمير بوتين في الكرملين في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، يجد الزعيم السوري نفسه في قلب تناغم دبلوماسي نادر".

وتابع موضحا: "ففي سنوات الحرب وإعادة الإعمار، لم يوازن أي زعيم سوري بين روسيا وأميركا بمثل هذه الحرية".

وأضاف أن "واشنطن وموسكو، في تناغم شبه تام، ترحبان بالرئيس السوري الجديد، مؤكدتين بذلك أن سوريا ما بعد الأسد لا تزال ساحة للتنافس العالمي".

وبحسب رأيه، "تُمثل هذه الزيارات المتتالية مرحلة جديدة نوعيا، فقد أصبحت سوريا مرة أخرى هدفا يستحق القتال من أجله، ليس في ساحة المعركة، بل على طاولة المفاوضات".

ويقدر أنه "بالنسبة للولايات المتحدة، تبقى سوريا أداة وليست هدفا بحد ذاتها، فإستراتيجية واشنطن لم تعد قائمة على التدخل المباشر، بل على إدارة المخاطر".

وأوضح أن "الاهتمام الأميركي الأساسي يتمثل في صياغة استقرار مُدار، يكفي لتحقيق ما يلي: منع تصاعد نفوذ الجماعات المتطرفة (وهو هدف يُعلن أكثر مما يُطبق عمليا)، وكبح نفوذ روسيا والصين خارج شرق المتوسط، وأخيرا، فتح ممر لمشاريع الطاقة واللوجستيات التي تربط الشرق بالغرب عبر الساحل السوري".

في هذا السياق، يعتقد سوخوف أن "دعوة الشرع إلى البيت الأبيض تمثل أول خطوة واضحة نحو إعادة صياغة الحضور الأميركي، من السيطرة العسكرية إلى النفوذ الاقتصادي والمؤسسي".

وتابع: "فالجيش الأميركي يخطط لمغادرة الأراضي السورية (رغم أنني لا أعتقد أن ذلك سيتم قريبا وبشكل كامل)، بينما تدخل الشركات الأميركية إلى الاقتصاد السوري بالفعل".

ووفق تقديره، فإن "واشنطن لا تنتظر من الشرع إصلاحات، بل تنتظر مرونة سياسية".

ممر دبلوماسي

في هذا الإطار، يرى سوخوف أن سوريا "بعد سقوط نظام الأسد، تحولت تدريجيا إلى فضاء انتقالي تتقاطع فيه مصالح معظم القوى الخارجية، فبينما كانت تُرى سابقا كملف أمني، أصبحت اليوم ممرا للتواصل وتدفقات الاقتصاد".

"أما دول الخليج فركزت على الاستثمارات في القطاع الزراعي، حرصا على أمنها الغذائي، والصين بحذر شديد وبصورة شبه غير مرئية، تتحرك عبر القروض والبنية التحتية، مروجة لمبادرة (الحزام والطريق)".

"في المقابل، تبرز إسرائيل كطرف وحيد لا يسعى إلى استقرار سوريا، بل إلى بقائها في حالة ضعف ليسهل التحكم بها"، وفق الموقع.

في هذا السياق، يعتقد سوخوف أن "زيارة الشرع إلى واشنطن لا تشكل مفاجأة دبلوماسية، بل خطوة طبيعية لدولة (ممر) تبحث عن ضمانات لبقاء نظامها لدى القوتين العظميين".

وأضاف: "سوريا ما تزال ساحة لعبة جيوسياسية معقدة، حيث تسعى واشنطن وموسكو ليس فقط إلى الحفاظ على نفوذهما، بل إلى تحديد شكل السلطة وآليات التحكم بمستقبل الدولة السورية".

بالعودة إلى زيارة الشرع إلى روسيا وأميركا، قال الخبير الروسي: إن "استقبال موسكو وواشنطن للرئيس السوري خلال شهر واحد، لا يعني أن هناك توازنا فعليا بينهما، فبينما تتمسك روسيا بالأدوات العسكرية والرمزية، تعتمد الولايات المتحدة على الأدوات المالية والمؤسسية".

مع ذلك، يرى أن "المنطق المشترك واضح: كلا الطرفين يسعى إلى إدماج سوريا في مشروع جديد لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، حيث تؤدي كل دولة دورا وظيفيا محددا".

وأردف: "للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، تمتلك دمشق فرصة للتفاوض على الشروط، لا مجرد محاولة البقاء".

وبالنسبة للشرع، قدر سوخوف أن "هذه الزيارة بمثابة اختبار دبلوماسي، يحاول من خلالها أن يثبت قدرته على تحويل سوريا من مجرد أداة إلى شريك، أما بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة، فهي اختبار لمدى استعدادهما للتعايش في إطار منافسة مضبوطة".

واستطرد: "إذا كانت زيارة الكرملين قد جسدت الاعتراف بسوريا كحليف، فإن زيارة البيت الأبيض تجسد الاعتراف بها كعامل مؤثر".

واسترسل: "سوريا لم تعد دولة تابعة، لكنها لم تصبح بعد دولة فاعلة مستقلة، إنها تقاطع مصالح؛ حيث تعدها كل قوة انعكاسا لإستراتيجيتها الخاصة".

وفسر سوخوف حديثه قائلا: "فروسيا تبحث في سوريا عن تأكيد لدورها كقوة عظمى، والولايات المتحدة تراها أداة لتحقيق استقرار مُدار، أما الممالك العربية فتعدها ضمانة غذائية وسياسية".

وأضاف: "تفعل سوريا، في سعيها لتحقيق التوازن بين هذه المشاريع، ما عجزت عنه لعقود: التصرف باستقلالية، وإن كان ذلك حاليا وفقا لقواعد الآخرين".

بالإضافة إلى ذلك، "تحمل زيارة الشرع إلى البيت الأبيض رسالة إلى تركيا ومصر والسعودية مفادها أن سوريا تتحول إلى ساحة للشرعية الدبلوماسية، حيث يسعى كل طرف لترسيخ نفوذه عبر مشاريع اقتصادية وإنسانية".

وأشار إلى أنه "من ينجح في التفاهم مع دمشق اليوم، سيحصل غدا على منفذ إلى شرايين الاقتصاد والبنية التحتية في شرق المتوسط".

تقليص التعاون 

روسيا من جهتها، علقت على زيارة الشرع للبيت الأبيض على لسان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الذي أكد أن تطور العلاقات الروسية السورية لا يرتبط بكيفية بناء دمشق لعلاقاتها مع واشنطن، قائلا: "نبني علاقاتنا مع القيادة الجديدة في سوريا". 

وأضاف: "تعلمون أن الشرع قام أخيرا بزيارة ناجحة وذات مضمون عميق إلى موسكو (15 أكتوبر/ تشرين الأول 2025)، حيث عقد محادثات مطولة مع الرئيس فلاديمير بوتين".

وأعرب بيسكوف عن أمله في أن "يتطور المسار الثنائي بين موسكو ودمشق بشكل مستقل، بعيدا عما يجرى في إطار الاتصالات السورية الأميركية".

من جانبها، "شددت دمشق على استعدادها لتوسيع التعاون الدولي مع الأطراف كافة، إذ أوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا أن العلاقات مع موسكو تفتح المجال لتبادل الخبرات والمعلومات الاستخباراتية بما يخدم أمن البلدين"، وفقا لما أوردته صحيفة "إزفيستيا" الروسية.

وكشفت مصادر سورية للصحيفة أن "مستوى التفاهم مع روسيا يشهد نموا ملحوظا، يشمل إمكانية توقيع اتفاقيات مشتركة لمواجهة التهديدات، ومناقشة ملفات الطاقة، وتنظيم تدريبات للقوى الأمنية".

في هذا السياق، يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط كيريل سيميونوف أن "دعوة واشنطن للشرع لا ترتبط فقط بمسألة التسوية السورية الإسرائيلية، بل تعكس أيضا قلق الولايات المتحدة من تنامي الاتصالات الروسية السورية". 

وأوضح أن "الإدارة الأميركية تتابع عن كثب وتيرة الحوار بين موسكو ودمشق، وتخشى من تعزيز النفوذ الروسي في سوريا".

وبحسب تقديره، فإن "إدارة دونالد ترامب ستسعى لدفع الرئيس الانتقالي نحو تقليص مستوى التعاون مع موسكو، مشيرا إلى أن واشنطن بدأت بالفعل باتخاذ خطوات لإضعاف هذا التعاون عبر دعم أجندة مناهضة لروسيا داخل سوريا".

ولفت إلى أن "الضغوط على الشرع تصاعدت تحديدا بعد زيارته الأخيرة إلى موسكو".

استياء كردي

فيما يتعلق بموقف الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" من زيارة الشرع للبيت الأبيض، قالت "إزفيستيا": إن "زيارة الشرع إلى واشنطن أثارت استياء بين القوى الكردية التي خاضت خلال السنوات العشر الماضية معارك ضد تنظيم الدولة بدعم أميركي".

وذكرت أن "ممثلي هياكل مرتبطة بـ(قسد) أشاروا إلى أنهم كانوا يتوقعون على الأقل المشاركة في الوفد، مقدرين أن استبعادهم يجعل وضعهم هشا للغاية، رغم تأكيدات الإدارة الأميركية بأن تعميق الحوار مع القيادة السورية الجديدة يهدف إلى تعزيز أمن الأقليات".

وأشارت الصحيفة الروسية إلى أن "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا صرحت أن السلطات الحالية في دمشق لا تظهر نهجا شاملا يضمن مشاركة جميع الأطراف".

وأضافت: "ترى القوى الكردية أن تشكيل الحكومة المؤقتة، وإصدار الإعلانات الدستورية، وتنظيم الانتخابات البرلمانية، جرى من دون الأخذ برأيها، وهو ما يتعارض -بحسبهم- مع روح اتفاقات الشراكة الموقعة في مارس/ آذار 2025".

وفي تعقيبه على المشهد بين دمشق والأكراد، قال الخبير السوري محمد نادر العمري: إن أي مواجهة عسكرية مباشرة بين السلطات السورية وقوات سوريا الديمقراطية قد تترتب عليها عواقب خطيرة، بل كارثية، على الوضع الداخلي في البلاد".

وأضاف العمري لصحيفة "إزفيستيا" أن "مثل هذا التطور سيفتح الباب أمام تدخل خارجي في الشأن السوري".

ولفت إلى أن "التصريحات الصادرة عن الجانب الكردي متناقضة، فبينما يتحدث بعض ممثليه عن حوار إيجابي مع دمشق، يؤكد آخرون أن اتفاق مارس يوشك على الانهيار، وهو ما يعكس وجود خلافات داخلية في البنى السياسية والعسكرية لـ (قسد)".

وفي هذا السياق، أشارت الصحيفة إلى أن "كثيرين يستذكرون قرار ترامب خلال ولايته الأولى بالسماح لتركيا بتنفيذ عملية عسكرية شمال شرق سوريا عام 2019، والتي انتهت بخسارة  مسلحي قسد مدينتي رأس العين وتل أبيض".

واختتمت حديثها قائلة: "واليوم، يخشى المسلحون تكرار السيناريو ذاته، فاستبعادهم من العملية السياسية إلى جانب تقارب واشنطن مع القيادة السورية الجديدة، يعزز مخاوفهم من أن أي صفقة محتملة بين دمشق وأنقرة وواشنطن ستتم على حساب مصالح التشكيلات الكردية مرة أخرى".