كيانات وشخصيات عراقية تشجع أميركا على إسقاط نظام بغداد.. هل تنجح؟

مراقبون رأوا أن قوى وشخصيات المعارضة تشكل ضغطا على النظام العراقي
يتزايد وبشكل لافت للنظر، الظهور الإعلامي لشخصيات وتشكيلات تعارض من الخارج النظام الحالي في العراق، الذي تشكّل بعد الاحتلال الأميركي للبلد وإسقاط حكم حزب البعث برئاسة صدام حسين عام 2003.
وعلى عكس عهد "البعث" الذي حكم العراق منذ عام 1968 وحتى 2003، وتشكلت ضده قوى معارضة عدة بالخارج كانت غالبيتها من الشيعة، فإنَّ النظام الحالي تُعارضه تشكيلات ذات صبغة وطنية في غالبيتها- رغم تصدر شخصيات سنية- كلها تقف ضد نفوذ إيران.
ظهور هذه الشخصيات والقوى المعارضة في وسائل الإعلام ونشاطها المتصاعد على مواقع التواصل الاجتماعي، أثار تساؤلات مُلِحّة عن مدى تأثيرها خارجيا، ومدى انعكاس ذلك على الداخل العراقي، لا سيما في ظل التغييرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط؟

ثلاثة تشكيلات
أبرز القوى المناهضة للنظام الحالي، هو “المجلس الوطني للمعارضة العراقية” والذي يعتقد أنه تأسس في تركيا مطلع عام 2019، ويترأسه البرلماني السني السابق، عبد الناصر الجنابي، الذي يطلق عليه أنصاره لقب "جولاني العراق"، في محاولة لتشبيهه بالرئيس السوري الحالي أحمد الشرع.
وفي مؤتمره التأسيسي الأول في 16 يناير/ كانون الثاني 2019، قال المتحدث باسم "المجلس الوطني" محمود السامرائي، إن التشكيل يضم "ممثلين لأكثر من ثلاثين كيانا معارضا عربيا سنيا وشيعيا وكرديا، وقوى أخرى رافضة للاحتلال (الأميركي) ومشروعه التدميري".
ومن أهداف المجلس المعلنة على موقعه الإلكتروني، "استعادة سيادة العراق واستقلاله بمختلف الوسائل الممكنة ومنها استعداده للحوار والتفاهم مع القوى الدولية ذات العلاقة خاصة تلك التي غزت واحتلت البلاد (أميركا وبريطانيا)".
وكذلك من أهدافه، “العمل على تغيير النظام السياسي الفاسد بِرُمّته، والمحافظة على وحدة العراق وشعبه وثوابته الوطنية، والتصدي للمشروع الإيراني وأدواته، ومواجهة التطرف والإرهاب”.
ويقول المجلس: إن له امتدادات واسعة في الطوائف والديانات والقوميات العراقية في الداخل والخارج.
ومن أبرز الشخصيات التي تنضوي ضمنه، البرلماني السابق عمر عبد الستار، والسياسي إسماعيل الوائلي شقيق محافظ البصرة السابق (محمد) -الذي تُتهم إيران باغتياله عام 2012-، والإعلامي العراقي فلاح الفضلي، إضافة إلى آخرين.
والتشكيل الثاني المعارض، يعرف باسم "التحالف الوطني للمعارضة العراقية" وقد تأسس مطلع مارس/ آذار 2024 في الولايات المتحدة الأميركية، بقيادة السياسي الشيعي أحمد الأبيض، ويدخل في عضويته شخصيات سياسية وأكاديمية غالبيتها غير معروفة ومغتربة من مدة طويلة.
ومن أهداف التحالف المعارض التي برزت في مؤتمره التأسيسي الأول، العمل على "تحرير العراق وإعادته لأبنائه كي يبدأوا مشوار إعادة بنائه، وإرساء مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان والأديان والثقافات لجميع أبناء الشعب العراقي".
أما التشكيل الثالث، فهو "الحراك العراقي" بزعامة وزير الكهرباء السابق السياسي السني أيهم السامرائي، المقيم في الولايات المتحدة الأميركية.
وتأسس هذا التشكيل عام 2019، كأحد امتدادات احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، التي شهدتها مدن وسط وجنوب العراق.
ورغم أن "الحراك العراقي" لا يعرف أعضاؤه، لكنه يعلن على موقعه الإلكتروني أن هدفه تخليص العراق من سيطرة النظام الإيراني بزعامة المرشد الأعلى علي خامنئي، وذلك من خلال الاستعانة بالولايات المحتدة الأميركية.
شخصيات معارضة
وعلى الصعيد ذاته، ثمة العديد من الشخصيات السياسية والإعلامية التي تعمل بشكل منفرد على معارضة النظام السياسي الحالي، وتسعى بحسب قولها إلى تخليص العراقيين من هيمنة الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران، وإنهاء المحاصصة الحزبية والطائفية التي تدير الحكم في البلاد.
ومن أبرز الشخصيات المعارضة، النائب السابق في البرلمان، فائق الشيخ علي، والذي يصف نفسه بأنه "فاضح للمليشيات، ومحطم للديكتاتورية، ومُشيع للمدنية في العراق".
رشحته احتجاجات أكتوبر 2019، كشخصية وحيدة لتولي منصب رئيس الوزراء، وأكد في حينها أنه "لن يمارس أيا من صلاحياته إذا وصل إلى رئاسة الحكومة، إلا بعد القضاء على المليشيات بمساعدة الشعب العراقي".
وأضاف الشيخ علي خلال مقابلة تلفزيونية في 25 مارس/ آذار 2021 أنه سيجعل المليشيات "بين مقتول وهارب إلى خارج الحدود، والقاتل أقتله لو يصبح عددهم مليون، ولا يرجف لي جفن".
ووصف الشيخ علي كل عراقي قاتل إلى جانب إيران في الحرب العراقية الإيرانية خلال ثمانينيات القرن العشرين، بأنهم "خونة"، وخص منهم بالذكر زعيم مليشيا بدر هادي العامري، ونائب رئيس الحشد الشعبي السابق أبو مهدي المهندس، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
ومن الشخصيات المعارضة البارزة، السياسي المقرب من الحزب الجمهوري الأميركي، انتفاض قنبر، والذي كان قبل عام 2003 متحدثا باسم حزب "المؤتمر الوطني العراقي" المعارض بزعامة أحمد الجلبي، المعروف بدوره في إقناع الولايات المتحدة باحتلال العراق.
ويظهر قنبر على القنوات الفضائية العراقية والعربية وحتى الغربية والعبرية، ويهاجم نظام بغداد الحالي ويدعو إلى إنهاء سيطرة المليشيات وإيران على البلد، ودائما ما يتحدث عن عقوبات أميركية ستطال شخصيات ومؤسسات رسمية عراقية.
يُنسب إلى قنبر تشكيل لوبي في الولايات المتحدة يهدف إلى تغيير الواقع في بغداد، خصوصا ما صدر عن النائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، جو ويلسن، من قانون أطلق عليه اسم "تحرير العراق من إيران"، منتصف عام 2024، لكن لم يقر حتى الآن.
ومن الشخصيات المعارضة أيضا، النائب السابق، مثال الألوسي، والشيخ ثائر البياتي، والسياسي ناجح الميزان، والإعلامي هاشم العقابي، إضافة إلى عدد من الكُتاب المعروفين، ومن أبرزهم: هارون محمد، ومنقذ داغر، وغسان العطية.
يتفق جميع هؤلاء المعارضين على أن النظام الحالي في العراق تسيطر عليه إيران من خلال أحزاب ومليشيات موالية لها، إضافة إلى أنها تشرعت الطائفية الشعبية والسياسية والفساد المالي والإداري، وانفلات السلاح، وسرقة خيرات البلد وحرمان شعبه من أبسط الخدمات.
وأصدرت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 وحتى اليوم، مذكرات قبض بحق معظم شخصيات المعارضة، وبعضهم صدرت بحقه أحكام قاسية سواء بالمؤبد أو الإعدام.
وغلفت السلطات هذه المذكرات باتهامات تتعلق بالإرهاب، لكن تلك الشخصيات تنفيها بشكل قاطع وتعدها استهدافا سياسيا.

“فزاعة ضغط”
وعن مدى تأثير هذه الشخصيات والتشكيلات المعارضة على الداخل، يرى الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي، أن متابعة أحاديث أيهم السامرائي والتي يقدمها تحت شعار “الحراك العراقي” تتبنى نظرية قرب اندلاع حرب واتخاذ قرار تغيير النظامين في بغداد وطهران من دون رجعة.
وأضاف المهداوي لـ"الاستقلال" أن السامرائي يتحدث بثقة بالغة وحدّية صارمة تجعله يشابه البرلماني السابق، عمر عبد الستار، ولكن بشكل أكثر عقلانية".
ولفت إلى أنه أقرب لنموذج انتفاض قنبر السياسي المقيم في الولايات المتحدة والمعارض السابق لنظام صدام حسين، مبينا أن "هؤلاء كلهم يدورون في الفلك الأميركي".
وأشار الباحث إلى أن "هؤلاء المعارضين تجمعهم مشتركات عدة، منها: الموقف الحاد تجاه إيران والمليشيات الشيعية والحشد الشعبي، وكذلك الموقف المتشدد تجاه التيار الإسلامي عامة، وأهمية ذلك يتضح فيما لو تمت مطابقته مع متغيرات المنطقة، خاصة في سوريا".
ورأى المهداوي أن “نماذج السامرائي وعبد الستار وقنبر وغيرهم - مع اختلاف مستوياتها ودوافعها - يمكن أن تؤثر في الداخل العراقي عبر أمرين”.
أولا أنها تشكل فزاعة ضغط لتحييد النظام وإعادة الابن الضال للولايات المتحدة كونها هي من صنعته بعد عام 2003.
والأمر الثاني، أنها تدفع الجمهور العراقي إلى سلوكيات مقصودة، ومنها العزوف عن الانتخابات البرلمانية المقبلة (11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025) عبر إيهامهم بقرب التغيير.
من جهته، حذر السياسي العراقي ورئيس حزب "الوطن" مشعان الجبوري من “ما يُطرح من رهان على عبد الناصر الجنابي بعدّه جولاني العراق، وتكرار الحالة السورية في البلاد (التخلص من النظام) كما يروّج البعض”.
وقال الجبوري عبر منصة "إكس" في 30 يناير: إن هذا الخطاب (المعارض) "غير مسؤول ولا يراعي التبعات الخطيرة التي قد تترتب عليه".
وذكر أن “الذين يتبنون هذا الطرح أو يعملون لأجله لا يدركون انعكاسات أقوالهم وأفعالهم على السلم الأهلي، ولا على وضع العرب السنة في العراق، نتيجة مثل هذه المغامرات التي لا نعرف حتى اللحظة كيف وأين ستبدأ، ولا إلى أين ستنتهي.”
وتابع: “أذكّر المغامرين أن النظام السياسي في العراق دستوري برلماني ديمقراطي، يحظى بدعم دولي، وهو عكس ما كان في سوريا”.
كما أن الهيمنة على النظام اليوم بيد الأغلبية الشيعية، التي لن تقبل مطلقًا بسقوطه ليحل محله شخص مثل الشيخ عبد الناصر الجنابي أو غيره من السنة، وفق تقديره.
وخاطب الجبوري، عمر عبد الستار وغيره من أعضاء "المجلس الوطني للمعارضة العراقية" بقيادة الجنابي، قائلا: "عليكم أن تتخلوا عن هذه الأوهام، ليس لأننا نعيش في وضع مثالي أو عادل، فهذا غير صحيح على الإطلاق، فلا نزال هدفًا للإقصاء والتهميش والتمييز الطائفي حتى في تطبيق القوانين".
وأردف: "ولكن لأنني أؤمن وأرى أن بإمكاننا تحقيق المساواة، وحق المواطنة، والعدالة عبر إصلاح النظام السياسي القائم، من خلال عملية يمكن أن يجريها عقلاء الحاكمية الشيعية وحكماؤها، وليس عبر مشاريع غير محسوبة العواقب".
وتابع: "وإن لم يتحقق الإصلاح، فهناك من الشيعة من قد يحاولون إسقاط النظام، وعندها يجب ألا نشاركهم، بل نبقى محايدين، وألا نتدخل إلا في إطار مسؤولياتنا الدستورية والمؤسساتية، وأعني بذلك أبناء المكوّن (السني) العاملين في الجهات المخولة دستوريًا بحماية الدولة والنظام السياسي".
وخلص الجبوري إلى أن "الترويج لاستعداد بعض السنة لإسقاط النظام، خطرٌ على السلم الأهلي، وعلى أمن مجتمعاتنا التي تنعم بقدر من التنمية والاستقرار الذي ينشده أهلنا".