الصين تعلق مشاريع التعاون العسكري مع باكستان.. ما علاقة تركيا؟

منذ ٢١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

على مدرج قاعدة إسلام آباد الجوية، تسلط أشعة الشمس ضوءها على صفوف من مقاتلات "JF-17 Thunder"، التي كانت يوما ما فخرا للقوات الجوية الباكستانية، لا سيما أن اسمها ارتبط بالانتصارات الجوية الأسطورية بنتيجة ستة مقابل صفر في المعركة الجوية الأخيرة مع الهند.

لكن في الوقت الحالي، ترى صحيفة "سوهو" الصينية أن هذه المقاتلات باهظة الثمن، التي كانت رمزا للقوة، أصبحت "أسودا منزوعة الأنياب، متوقفة على الأرض دون قدرة على تنفيذ أي مهمة قتالية".

إذ لم تعد هذه الطائرات تحمي سماء باكستان، بل تحولت إلى هياكل ثابتة تثير مشاعر الأسى، وتشير بصمت إلى تكلفة الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها إسلام أباد.

في هذا السياق، تحدثت الصحيفة الصينية عن أزمة عميقة بين بكين وإسلام أباد، مردها تسريب تقني خطير تدعي أن باكستان تورطت فيه مع تركيا.

قرار جريء

وعن تفاصيل الأزمة، أوضحت أن "القصة بدأت عام 2024، حين اتخذت إسلام آباد قرارا جريئا دون دراسة كافية لتبعاته، إذ قررت مشاركة تفاصيل تقنية حساسة لطراز JF-17 Block III مع تركيا".

هذا القرار، بحسب وصف الصحيفة، كان "بمثابة فتح صندوق باندورا (أسطورة لأسرار قادة العالم ارتبطت خلال السنوات بتسريب وثائق دولية حساسة)، إذ قلب على الفور موازين القوى العسكرية في المنطقة رأسا على عقب".

وعزت ذلك إلى أنه: "لم تقتصر عملية نقل التكنولوجيا على تبادل بعض المعايير التصميمية، بل شملت أسرارا جوهرية للطائرة، مثل أنظمة الطيران الإلكترونية المتقدمة، وتقنيات الرادار، ومكونات الدفع الحساسة".

وعلى وجه الخصوص، جرى الكشف عن مواصفات الأداء التفصيلية لرادار المسح الإلكتروني النشط (KLJ-7A)، بالإضافة إلى بيانات التحديثات الرئيسة وسجلات ضبط محرك التوربين المروحي المحسّن (WS-13E).

واستطردت: "هكذا، ببساطة، استطاع مهندسو معامل الطيران في أنقرة الحصول على مستندات تقنية بالغة الأهمية، ودراستها وفحصها بعناية".

وعقبت الصحيفة قائلة: "هذه الأسرار الجوية، التي كان يفترض أن تظل محمية بإحكام، تحولت إلى مورد ثمين لتطوير الصناعة الجوية التركية".

تكمن الإشكالية الأخرى في أن "هذه التقنيات، التي كانت جزءا من تعاون طويل الأمد بين الصين وباكستان، تعد محمية بموجب اتفاقيات صارمة لحماية الملكية الفكرية".

في المقابل، كشفت "سوهو" أن رد فعل الصين "جاء سريعا وحاسما، فخلال ثلاثة أيام فقط من وقوع الحادثة، أعلنت تعليقا شاملا لجميع مشاريع التعاون العسكري مع باكستان، بما في ذلك وقف الدعم الفني وقطع الغيار الحيوية، وعلى رأسها محركات الطائرات".

وأوضحت أن هذا الإجراء "أدى إلى توقف أكثر من 120 مقاتلة JF-17 Thunder عن الطيران بسبب نقص الدعم الفني وقطع الغيار، مما ألحق ضررا بالغا بقدرات القوات الجوية الباكستانية".

وما يزيد من غضب الصين أن تلك الحادثة ليست الأولى، إذ زعمت الصحيفة أن تصميم الطائرة المسيرة التركية "بيرقدار تي بي 2 (Bayraktar TB2)" يُشبه إلى حد كبير الطائرة الصينية كاي هيونغ.

كما ادعت أن "بنيتها الأساسية تكاد تكون مطابقة مع الطائرة الصينية". ونقلت عن أحد الخبراء في المجال العسكري قوله: "هذا ليس تقليدا، بل نسخ فاضح بكل وضوح".

وتشير إلى أن "الأكثر إيلاما للصين أن مسار التسريب يُشتبه في أنه جاء عبر باكستان أيضا". وقد انعكست هذه التطورات سلبا على بكين.

إذ أفادت الصحيفة بأن "الانتشار الواسع للطائرة التركية أدى إلى انهيار السوق الذي كانت بكين تبنيه في الشرق الأوسط على مدار عقد كامل، حيث فقدت نحو 60 بالمئة من طلبياتها بين ليلة وضحاها".

وبررت ذلك قائلة: السعودية والإمارات والعراق تحولوا سريعا نحو السلاح التركي، معللين خيارهم بثلاث كلمات: |أرخص، وأنسب، وبلا قيود".

متعددة الاتجاهات 

ولفتت الصحيفة الصينية إلى أن "الأزمة لم تقتصر على المجال العسكري فقط". ففي إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان، تجري لعبة صامتة أخرى، فالأرض التي تبدو قاحلة تخبئ تحتها احتياطيات هائلة من الغاز والنفط الصخري.

وأردفت: "في أواخر عام 2024، حصلت شركة طاقة ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة على حقوق التعدين الأولوية في المنطقة".

وتقدر أن هذا العقد يحتوي على "تهديد خفي"، إذ تضمن بنودا أمنية تتيح نشر قوات أجنبية لحماية المنشآت، ما يفتح الباب أمام احتمالات تصعيد عسكري في المنطقة.

الأخطر من ذلك أن "مسار خط الأنابيب المخطط له يتطابق إلى حد كبير مع المسار الذي سبق أن استكشفته فرق صينية، لكنه يتعمد تجاوز المناطق الحيوية المرتبطة بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني".

وهو ما يعكس، وفقا للصحيفة، "سعيا للاستفادة من الموارد دون تعزيز نقاط النفوذ الإستراتيجي للصين في المنطقة".

وعقبت الصحيفة: "هذا المشروع الذي تقدر قيمته بمئات المليارات من الدولارات، يعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة بهدوء وفعالية".

وفسرت هذا النهج الباكستاني قائلة: "في السنوات الأخيرة، انتهجت باكستان سياسة دبلوماسية مرنة ومتعددة الاتجاهات، في محاولة لتحقيق التوازن بين القوى العظمى".

واستدركت: "هذه الإستراتيجية تحمل في طياتها مخاطر كبيرة، فبينما تؤكد باكستان على شراكتها الإستراتيجية الدائمة مع الصين، فإنها تميل تدريجيا نحو الولايات المتحدة في بعض القضايا الدولية الحساسة".

واستدلت على ذلك بالقول: "في مايو/ أيار 2025، وخلال اجتماع مهم لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فاجأ الوفد الباكستاني الجميع بدعمه لمشروع قرار أميركي يتعلق بشؤون إقليم شينجيانغ".

وهو موقف وصفته بأنه "يتناقض بشكل صارخ مع مواقف باكستان السابقة، ويثير الكثير من التساؤلات".

وخلصت الصحيفة إلى أن “باكستان تنتهج هذه السياسة بمجالات متعددة، بداية من المستوى العسكري وسماحها لتركيا بإنشاء خطوط إنتاج للطائرات الحربية على أراضيها”.

وأيضا مرورا بمجال الطاقة ومنحها شركات أميركية حقوقا حصرية في استغلال موارد الطاقة الحيوية، وصولا إلى التحول في مجال السياسة الدولية ودعم القرارات الأميركية.

وبينت أن "هذا النهج الذي سعت فيه باكستان إلى تحقيق توازن بين أطراف متعددة، انتهى بها إلى فقدان قدر كبير من مصداقيتها الدولية وسمعتها الدبلوماسية، كما لو أنها تسير على جليد رقيق، يكفي زلة واحدة لتسقط في الهاوية".

تصدع العلاقات

وأفادت الصحيفة بأن "الرد الصيني لم يقتصر على إنهاء التعاون التقني فحسب، بل اتخذت بكين خطوات أكثر تأثيرا".

شمل ذلك تعليق مشروع تطوير طريق كاراكورام مؤقتا (الوحيد الذي يربط البلدين بريا)، وتأجيل تنفيذ أكثر من عشرين مشروعا رئيسا ضمن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.

وأسفرت هذه الإجراءات عن سلسلة من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، فاق تأثيرها السلبي كل التوقعات، كأنها قطع دومينو تتساقط واحدة تلو الأخرى.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، اضطر وزير المالية الباكستاني  محمد أورنغزيب إلى قيادة وفد رسمي توجه على وجه السرعة إلى الصين (لم تذكر زمن الزيارة).

وسعى الوفد للحصول على مساعدات مالية عاجلة بقيمة ستة مليارات دولار إلا أن أجواء هذه الزيارة كانت مختلفة تماما عن سابقاتها.

 إذ قوبل الوفد ببرود غير مسبوق، وسادت الاجتماعات فترات طويلة من الصمت المحرج"، في مشهد رأت الصحيفة أنه "يعكس تغيرا واضحا في موقف بكين، ويُلمح إلى تصدع في العلاقات الثنائية".

وعلى الصعيد العسكري، أشارت إلى أن باكستان "اضطرت إلى اللجوء لمحركات RD-93 الروسية الصنع كبديل، لكن مشاكل التوافق التقني أدت إلى تراجع ملحوظ في أداء المقاتلات، بنسبة وصلت إلى 15 بالمئة".

وأردفت أن الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لإسلام آباد هو توقف إمدادات صواريخ "بل-15 إي"، مما أضعف بشكل كبير القدرة القتالية الفعلية لمقاتلات "JF-17 Block III".

أخطاء قاتلة

وترى الصحيفة الصينية أن هذه السلسلة من الأحداث تكشف عن ثلاثة أخطاء قاتلة في الحسابات الإستراتيجية الباكستانية.

أولها "التقليل من أهمية الاستقلالية التقنية، فالملكية الفكرية الأساسية لمقاتلات JF-17 Thunder ليست من اختصاص باكستان للتصرف فيها منفردة".

وبينت أن: "نقل التقنيات الحيوية إلى طرف ثالث دون اتفاق مسبق أضر بشكل بالغ بالعلاقة مع الشركاء وقلل الثقة المتبادلة".

أما الخطأ الثاني الذي وقعت فيه باكستان فهو "التفاؤل المفرط بشأن قدراتها في اللعبة الجيوسياسية".

وقالت الصحيفة: "حاولت إسلام آباد تحقيق توازن مثالي بين القوتين العظميين، الولايات المتحدة والصين، بل وأدخلت تركيا كقوة ثالثة في المعادلة الإقليمية".

"إلا أن هذا النهج الدبلوماسي أدى بها إلى عزلة دبلوماسية، وفقدان الحلفاء الموثوقين"، وفق تقييم الصحيفة.

فضلا عن ذلك، "أدى التذبذب المتكرر في المواقف الدولية، والانحراف عن المبادئ الثابتة في قضايا محورية، إلى إضعاف ثقة الشركاء الدوليين في باكستان، وتهديد أسس التعاون المستقبلي".

وعقبت "سوهو" على الأخطاء الثلاثة قائلة: "تقدم هذه السلسلة من الأحداث تجربة جيوسياسية بالغة الأهمية، تؤكد أن أي دولة تفتقر إلى القدرة على التطوير الذاتي وبناء رؤية إستراتيجية طويلة الأمد، ستظل رهينة للاعتماد الخارجي، وتجد نفسها مضطرة لقبول ما يُفرض عليها في لعبة الشطرنج الدولية".

أما بالنسبة إلى الصين، فتقدر أن هذه الأزمة "شكلت تحذيرا بضرورة تعزيز آليات حماية التكنولوجيا الحساسة وتطوير منظومات ضبط المخاطر، بما يضمن عدم تسرب التقنيات الجوهرية عبر قنوات غير مشروعة، والحفاظ على المصالح الإستراتيجية الوطنية".

تداعيات واسعة

وزعمت الصحيفة أن "المعلومات التقنية التي حصلت عليها تركيا مكنتها من تسريع وتيرة تطوير مقاتلتها المحلية قآن KAAN، لتختصر زمن الإنجاز بفضل الاختراقات التكنولوجية الجديدة".

في هذا السياق، أعلنت جاكرتا رسميا عن نيتها شراء 48 طائرة من هذا الطراز التركي، في صفقة تتجاوز قيمتها 10 مليار دولار.

وهي صفقة ادعت الصحيفة أنها "كانت ستكون بالأساس من نصيب مشروع مشترك بين الصين وباكستان".

تتسع التداعيات الجيوسياسية في مناطق أخرى، فقد بدأت كمبوديا في إعادة النظر في مشروع تطوير قاعدة ريام البحرية مع شركاء أجانب، الذي كان يُعتقد أنه يجرى بدعم صيني.

وأضافت: "كما قررت صربيا نقل بيانات منظومة الدفاع الجوي الصينية FK-3 إلى خوادم محلية لإدارتها بشكل مستقل".

وأردفت: "فيما اتجهت البحرية التايلاندية إلى تعديل سياستها التسليحية والتعاقد مع شركات ألمانية، متخلية عن قنوات التوريد السابقة التي كانت الصين جزءا منها".

وخلصت الصحيفة إلى أن "هذه التطورات تؤكد قاعدة راسخة في العلاقات الدولية: فقدان الثقة بين الدول أصعب بكثير من بنائها، وإعادة ترميمها يتطلب ثمنا يفوق التوقعات".

وتابعت: "وعندما أدركت باكستان أخيرا أن الأمور خرجت عن السيطرة، كانت نافذة الفرص قد أُغلقت بالفعل".

واختتمت قائلة: "هكذا، تحولت قصة مقاتلة JF-17 Thunder إلى درس جيوسياسي عميق، يُحذر كل دولة من مغبة التسرع في قراراتها، ويدعوها إلى التروي والتفكير العميق قبل أن تخطو على مسرح السياسة الدولية المتقلب".