قصف الأبراج السكنية في القطاع.. أهداف المخطط الإسرائيلي وكيف يطال مصر؟

شدوى الصلاح | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

ضمن مخطط التهجير القسري، انتقل جيش الاحتلال الإسرائيلي في تدمير البنية التحتية لقطاع غزة إلى عمليات إجرامية جديدة تتمثّل في قصف الأبراج السكنية العالية التي تضم بين جنباتها مئات الفلسطينيين.

وصعّدت قوات الاحتلال من استهدافها للأبراج السكنية في مدينة غزة ووسعت دائرة تدميرها، في سياسة تدفع عشرات الأسر إلى النزوح مرة جديدة نحو منطقة المواصي في جنوب القطاع تمهيدا لحشرهم في مساحة ضيقة ومن ثم تهجيرهم.

وفي أحدث قصف، دمّرت غارات إسرائيلية في 6 سبتمبر/أيلول 2025، "برج السوسي" السكني، في حي تل الهوا جنوب غربي المدينة المكون من 15 طابقا ويضم أكثر من 60 شقة، وسوّته بالأرض، وذلك بعد وقت قصير من تهديد بقصفه وإنذار سكانه الفلسطينيين بإخلائه.

كما أنذر بإخلاء عمارة الرؤيا والخيم المجاورة لها في مفرق بيروت وشارع جامعة الدول العربية بمدينة غزة، بدعوى “وجود بُنى تحتية إرهابية” لحركة المقاومة الإسلامية حماس داخله أو بجواره"، وهي مزاعم يطلقها الاحتلال مع كل عملية لقصف المباني المدنية.

وزعم جيش الاحتلال أن حماس نشرت في البرج وسائل لجمع المعلومات، ونقاط مراقبة لمتابعة تحركات الجنود الإسرائيليين، مدعيا أن عناصر من الحركة زرعوا عبوات ناسفة قربه، لمواجهة العملية البرية في غزة.

وفي السياق، أكّد وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس، أن جيشه سيستمر في تدمير الأبراج، في حين نقلت قناة "آي 24" الإسرائيلية عن مسؤول أمني قوله: إن الأسبوع المقبل سيشهد تصعيدا كبيرا في العمليات بغزة.

وجاء نسف الاحتلال لبرج السوسي بعد استهداف "برج مشتهي"، متعدد الطوابق غرب مدينة غزة والذي كان يؤوي مئات الفلسطينيين ويقع بمنطقة تضم عشرات آلاف النازحين.

وكان البرج واحدا من المباني القليلة المتبقية في مدينة غزة، قبل أن ينال منه القصف الأخير، كحال معظم مباني القطاع التي نالتها الغارات الإسرائيلية.

وبدورها، قالت حركة حماس: إن تدمير الاحتلال برجا جديدا في غزة، والتهديد باستهداف مزيد من الأبنية، إمعان في التهجير القسري، واستكمال للتطهير العرقي الممنهج بحق المدنيين الأبرياء، ومحاولة لاقتلاعهم من مدينتهم، تحت وطأة المجازر وتدمير مقومات الحياة.

وأكدت أن على الأمم المتحدة ومجلس الأمن التحرك فورا "لوقف الهجوم الصهيوني الذي يستهدف تدمير مدينة غزة وتهجير سكانها".

فيما فنّد المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الأكاذيب والمزاعم التي يروجها الاحتلال لتبرير عدوانه الهمجي بوجود "نشاطات عسكرية" لحماس في الأبراج السكنية التي يستهدفها.

وأدان بأشد العبارات جريمة استهداف جيش الاحتلال للأبراج والعمارات السكنية في مدينة غزة التي تضم "51 ألفا و544 مبنى وعمارة وبرجا سكنيا".

وأكد المكتب "بشكل قاطع وبشهادة السكان، أن الأبراج تخضع للرقابة، ولا يُسمح بدخولها إلا للمدنيين فقط، وأن المقاومة لا تعمل من داخلها مُطلقا، وأنها خالية تماما من أي معدات أو أسلحة أو تحصينات، وجميع طوابقها مكشوفة ومفتوحة للعيان".

وأوضح أن "المزاعم الكاذبة التي يروج لها الاحتلال ليست سوى جزء من سياسة التضليل الممنهج التي يتبعها لتبرير استهداف المدنيين والبنية التحتية، ولإرهاب السكان ودفعهم قسرا إلى النزوح".

وقال المكتب الحكومي: إن تلك الأعمال تأتي "في إطار جريمة تهجير قسري ممنهجة ترتقي إلى جريمة ضد الإنسانية وفق القانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".

وأشار إلى أن "الاحتلال يدعي أنه اتخذ إجراءات لتقليل الأضرار المدنية، لكن الحقائق الميدانية تثبت أن القصف الجوي للأبراج موجه بشكل مباشر لمبانٍ مدنية وآلاف الخيام المنتشرة المكتظة بالنازحين، دون أي مبرر عسكري مشروع".

ورأى ناشطون على منصات التواصل أن إسرائيل تهدف من خلال قصف الأبراج إلى زيادة الضغط على القطاع والمفاوضين والجانب المصري والتمهيد لاحتلال مدينة غزة ومزيد من التدمير لتهجير أهل القطاع إلى رفح. 

وتداولوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #برج_السوسي، #برج_مشتهي، #غزة_تباد، وغيرها مقاطع فيديو وصورا لمشاهد توثق  لحظة نسف الاحتلال الإسرائيلي للأبراج مدينة غزة بصواريخ ثقيلة، وأخرى لمشاهد نزوح الأهالي.

وأشار ناشطون إلى أن الأبراج التي يعمد الاحتلال لاستهدافها هي عصب غزة وتؤوي آلاف السكان، والمؤسسات والشركات، صابّين جام غضبهم على الأنظمة العربية الحاكمة الصامتة والخانعة أمام كل هذا العدوان الإسرائيلي المتصاعد ومحذرين من تبعاته وانعكاساته عليهم.

أكاذيب الاحتلال

وتنديدا بمزاعم الاحتلال الإسرائيلي وترويجه للأكاذيب لتبرير جرائمه، قال المغرد أبو فارس: "الصهاينة الكذابون وقت ما بدهم بقولوا حماس في الأنفاق، ووقت ما بدهم بقولوا في الأبراج".

وأكد المغرد عبدالحكيم، أن لجوء الكيان الصهيوني اللقيط لاستهداف الأبراج السكنية في غزة للادعاء أن حماس تدير معاركها منها، أكاذيب مفضوحة، بل ومحاولة للتغطية على عيوب وفشل أجهزته الاستخبارية المضخمة التي استهلكت حيزا كبيرا من إعلامه للترويج والتخويف والتهديد بها منذ بداية الحرب.

وأضاف أن تعمد هذا الكيان اللقيط استهداف الأبراج هي أيضا محاولة لترهيب وترويع سكان غزة ودول الوساطة، بل والمجتمع الدولي المنافق برمته، لإمكانية تحركهم للضغط على حماس وبكل قوة.

وقال المغرد سراج: إن استهداف الأبراج السكنية بذريعة استخدامها من المقاومة أكاذيب مفضوحة بهدف التغطية على جرائم الحرب التي ترتقي إلى جريمة إبادة جماعية.

فيما قال محمد السقاف: “ليعلم العالم أن هذه الأبراج لم تكن موقعا عسكريا للمقاومة فى غزة ولم تستخدمه المقاومة في يوم ما وإنما هى الغطرسة والكبر والاستعلاء الصهيوني”.

عنهجية وسادية

واستنكارا لاعتماد الاحتلال سياسة الأرض المحروقة وتحويل مدينة غزة لصحراء أسمنتية، أكد شوقي السبئي، أن لحظة قصف الأبراج ليست مجرد سقوط بناية من طوابق أسمنتية، بل سقوط أحلام مئات العائلات التي كانت تعيش بين جدرانه.

وأشار إلى أنه في ثوانٍ معدودة تحوّل البرج إلى ركام وتحوّل سكانه إلى مشرّدين، مؤكدا أن هذه اللحظة تُختصر بكلمة واحدة نكبة جديدة فوق نكبات غزّة، حيث لا مأوى آمن ولا مكان ينجو من الاستهداف.

وقال الكاتب عاصم النبهان: “‏قد يظن البعض أن العمارات التي يستهدفها الاحتلال لم تقصف أبدا. والحقيقة أن معظم المباني والعمارات إما مقصوفة أصلا أو متضررة بشكل كبير”.

ولكن لعدم وجود بدائل بسبب تدمير الاحتلال لمعظم المدينة فقد لجأ الناس إلى عمارات مدمرة وشقق محروقة ومنازل فيها أضرار هندسية وإنشائية وبيوت آيلة للسقوط، وفق قوله.

وأوضح أن الناس فعلوا كل ذلك على خطورته كي لا يخرجوا من غزة، مستنكرا أن الاحتلال لا يزال بكل عنجهية وسادية يدمر حتى ما هو مدمر أصلا ويخرب ما خربه سابقا، حالما بأن ينجح هذه المرة بكسر الفلسطيني ليخرجه من القطاع إلى الأبد.

وأوضح محمد مسلم، أن الأبراج هي بقايا غزة، وملجأ اصحابها والنازحين إليهم، مؤكدا أن قصف الأبراج السكنية هو إمعان في خطة التهجير، وتمهيد لغزو المدينة واحتلالها.

واستنكر أن الاحتلال يفعل كل هذا والعالم يتفرج مكتوف اليدين، قائلا: "نحن نقف أمام خيارات صعبة أحلاها أكثر مرارة من العلقم، فأنت أمام خيار ترك المدينة وأنت تعلم أنها ذهاب بلا عودة، وإما أن تواجه كل المآسي التي تراها كل يوم ولكن بجرعات مكثفة".

وأكد محمد عطية، أن تدمير الأبراج العالية ليس "عملية عسكرية"، بل جريمة ممنهجة تستهدف المدنيين وتُخالف بشكل صارخ القانون الدولي الإنساني الذي يحظر استهداف المساكن والممتلكات المدنية.

وقال: إنها سياسة تهجير قسري وعقاب جماعي، الهدف منها كسر صمود الناس وتشريدهم، مضيفا: "سيبقى صوتنا عاليًا: قصف الأبراج = جريمة حرب".

ورأى الباحث في علم القانون والفقه الإسلامي محمد خالد عودة، أن قصف الأبراج السكنية في غزة يطرح تحديات قانونية جديدة.

وأكد أن تدمير الأبراج السكنية لم يترك أثرًا إنسانيًا فحسب، بل فتح تساؤلات قانونية غير مسبوقة: كيف نعيد إعمار هذه المباني في ظل غياب أي سوابق لإعادة إعمار سابقة للأبراج السكنية.

قراءات وتحليلات

واختصر الباحث في العلاقات الدولية علي أبو رزق، المشهد، قائلا: إن العدوّ الصهيوني عندما يقصف برجًا أو عمارة من عشرة طوابق، فهذا يعني أنه قصف حيًّا سكنيا كاملا.

وأشار إلى أن كل عمارة بها سبعون أو ثمانون شقة على الأقل، وعندما يقصف عمارتين أو ثلاثة في اليوم الواحد، فهذا يوازي قصف بلدة أو قرية كاملة، وحتى نصف مدينة صغيرة.

وأوضح أبو رزق، أن هذه المناطق قبل الحرب كانت الأكثر اكتظاظا على الإطلاق، وكانت غزة أكثر منطقة مكتظة بالسكان في العالم مقارنة بمساحتها، لافتا إلى أن من زار مخيمات الشابورة وخان يونس وجباليا والشاطئ يعرف ما هو المقصود، تماما.

وأشار إلى أن التحدي الفظيع الآن، أنه عندما تُقصف هذه العمارات، أو ما تبقى منها، لا يعرف الناس إلى أي المناطق يذهبون، فحتى المواصي، التي يدّعي الاحتلال أنها إنسانية، امتلأت عن بكرة أبيها، وهناك من ذهب إليها وعاد أدراجه، يعني أن حتى الحق في النزوح بات غير متوفر.

وحذر من أن هذه المرحلة هي أخطر مراحل الحرب على الإطلاق، مؤكدا أن التلاسن الحاد، الذي جرى على العلن بين الخارجية المصرية والإسرائيلية (حول معبر رفح وتهجير الفلسطينيين)، يثبت أن الإسرائيلي جاد في مخططاته القذرة.

وأكد أبو رزق، أن هذه أول حرب في التاريخ يُترك الناس لمصيرهم إلى هذا المستوى من الألم والقهر والبشاعة، لا ممرات آمنة ولا أماكن نزوح ولا منظمات دولية عاملة وقصف للمدارس والمستشفيات بالجملة.

وأضاف أن هذه ليست حربا غير عادلة فقط، هذه حرب غير متخيلة، ولم تمر في أسوأ سيناريو درامي وملحمي سابق.

وشدد أبو رزق، على أن من يظن أن الحل هو بالاستسلام "مخطئ" لأن مشكلة الصهيوينة الدينية ليست مع المقاتلين فقط، بل مع الحجر والشجر والهوية والجغرافيا والأرض والمنهاج والمقدسات، مشكلتها مع الطفل والمرأة والشيخ والمهندس والطبيب والأكاديمي ورجل الإسعاف والدفاع المدني.

وجزم بأن الحل الحقيقي يكمن عند أبواب السفارات، وفي أسطول شعبي، وحراك برّي موازٍ ومرافق للأسطول البحري الذي سينطلق بعد أيام، وأن تصل رسالة للبيت الأبيض أن المنطقة بالفعل على شفا الانفجار، وأن جميع المصالح الأميركية باتت في خطر، وخطر حقيقي جدا.

وأوضح الكاتب إبراهيم المدهون، أن الهدف الإستراتيجي من التصعيد واضح وهو تطويق غزة، احتلال المدينة، تهجير سكانها، تحويلها إلى أرض قاحلة تمنع عودتهم وتجعل إعادة إعمارها شبه مستحيلة، مؤكدا أن هذه ليست مجرد عملية عسكرية، بل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.

وحذر من أن التداعيات كارثية، لأن أكثر من مليون فلسطيني محاصرون في مدينة غزة يواجهون القتل والجوع والإبادة والتهجير القسري، وحتى حياة الأسرى الإسرائيليين باتت في مهب الريح، وهو ما حذّرت منه القسام منذ اللحظة الأولى.

وأشار المدهون إلى أن الاحتلال لا يقاتل مواجهة، بل يعتمد على التفجير عن بعد والقصف الجوي الكثيف، متبعًا سياسة "الأرض المحروقة" لتقليل خسائره البشرية، لافتا إلى أنه يستخدم تكنولوجيا ومسيّرات وعربات متفجرة بدلًا من المواجهة المباشرة.

وقدم المؤرخ نور الدين المغربي تحليلا ميدانيا، أوضح فيه أن العدو يصعد تجاه غزة، واستمر في قصف الأبراج لكن بوتيرة أشبه بالطلقات التحذيرية.

كما أعلن العدو عن منطقة الإخلاء جنوب القطاع وألقى منشورات تدعو أهالي مدينة غزة للنزوح جنوبا، لكن استجابة الأهالي كانت متواضعة جدا.

وأشار إلى أن جزءا كبيرا من الاهالي سخر من منشورات العدو، مما جعل الكيان يجن جنونه، متوقعا أن يتصاعد القصف لإجبار الأهالي على النزوح، وأن نشهد جرائم كبيرة.

ولفت المغربي إلى أن أهالي مدينة غزة تعبوا من النزوح، كما لا يوجد مكان يتسع لمليون إنسان ولا حتى المنطقة التي حددها الكيان.

وأشار إلى أن قوات العدو مستمرة في التمركز حول بركة الشيخ رضوان وزادت من الروبوتات المفخخة التي تفجرها في هذا الحي شمال مدينة غزة.

وأوضح أن العدو يستخدم هذه الروبوتات لتدمير المباني وشق محور يمكنه من عزل جباليا شمالي القطاع عن الشيخ رضوان.

ومن الشرق ايضا يستمر العدو في تفجير الروبوتات، وبالتزامن مع ذلك صعدت المقاومة بشكل ملحوظ في خان يونس جنوب القطاع، وفق تقديره.

وأشار المغربي إلى أن المقاومة تعمل أيضا شمال خان يونس وفي مدينة حمد، وكبدت العدو خسائر متعددة حتى أجلى عددا من الجنود قتلى وجرحى.

ولاحظ أن الرقابة العسكرية أصبحت أكثر تشددا، ولم نعد نسمع أين وقعت الكمائن من الإعلام العبري، كما أن المقاومة لأسباب ميدانية لا تعلن عنها بالشكل المعتاد، بل يمكن أن تنتظر لأيام بعدها.

وأكد المغربي أن الأجواء الحالية عبارة عن حالة تأهب لمعركة فاصلة، لكن العدو يتكلم كثيرا ما يجعل خططه المسربة أقرب للتهديد منها للتنفيذ، وهناك تعتيم شبه كامل على موضوع جنود الاحتياط.

ورأى بلال أبو سمك، أن قصف الأبراج يستهدف الضغط على المفاوضين.

فيما رأى مبروك شلوفي، قصف الأبراج السكنية يعني انهيارا تاما للمنظومة العسكرية للعدو الصهيوني، حتى أصبح الهدف انتقاميا من الشعب في غزة.

خذلان عربي

واستهجانا لصمت الأنظمة العربية الحاكمة وخذلانها وخنوعها وتنديدا بصمت العالم، ذكر الأكاديمي إسماعيل المدني، بأن أميركا والعالم اهتزوا غضباً وتنديداً وتهديداً على هدم ثلاثة مبان أثناء حادثة 11 سبتمبر (2001).

واستنكر أن أميركا والعالم في المقابل يصمتون ويتفرجون وكأن الأمر ما يعنيهم على التدمير اليومي لأكثر من عامين للمباني والأبراج، والمساجد، والكنائس، والمستشفيات، وبيدها وقف كل هذه الإبادة في لحظة واحدة.

وانتقد الكاتب أحمد سليمان العمري، انشغال الموقف الرسمي العربي بخطابات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقراراته، ودعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزيارات السفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكابي، منذ اندلاع العدوان على غزّة.

واستنكر اختصار الدور العربي في بيانات إدانة جوفاء وصمت متواطئ يكاد يرقى إلى التآمر، لتغدو الساحة الفعلية محصورة بين يدَي نتنياهو وترامب وحدهما. 

وأشار العمري إلى أنه في ظل هذا الغياب المعيب، تتجلّى سياسة فرض السيادة على الضفة الغربية، فضلا عن التدمير الممنهج للأبراج السكنية والبنى التحتية في غزّة، لا كاستهداف للمدنيين فحسب، بل كمشروع اقتلاع شامل يرمي إلى قتل كل مقومات الحياة.

وأوضح أن المشروع يستهدف أيضا تحويل الأرض إلى فضاء غير صالح للعيش، وسط صمت عربي مخزٍ يغطي على جريمة الإبادة والتهجير والتطهير العرقي بدل أن يواجهها.

وقال الباحث المتخصص في النزاعات والاقتصاد السياسي محمود العيلة: "هنيئا للجماهير العربية الإصدار الجديد من إبادتنا ومشاهد الإثارة في انهيار الأبراج السكنية الشاهقة أمام أعينهم".

وأضاف: "استمتعوا، ولا يهمكم ما يحدث خلف الكواليس من قهر ونزوح وقتل.. لكن اتّعظوا، فغزة جزءٌ من مسلسل إبادة سيلحق بالعرب جميعا لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى.

وأشارت الكاتبة شيرين عرفة إلى تغريدة لوزير الحرب الإسرائيلي كاتس عرض فيها صورة لبرج مشتهي مدمرا وكتب عليه: "مستمرون".

وعلقت قائلة: "هكذا تباهى وزير الدفاع الإسرائيلي في منشور له، تعليقا على فيديو تدمير الأبراج السكنية في #غزة وتسويتها بالأرض، والتي كانت سكناً وملجأً لآلاف النازحين والمُهجَّرين

وأضافت عرفة، أن ما لم يكتبه كاتس هو: "مستمرون.. طالما أن حكام الدول العربية عملاء خائنون، مستمرون.. طالما أن الشعوب العربية والإسلامية خانعون صامتون مستمرون.. طالما بقي هذا العالم رهينة لبلطجي مجرم أميركي، يعمل خادما لدى بني صهيون ".

مآلات متوقعة

وتحذيرا من تبعات التصعيد الإسرائيلي بهذا الشكل غير المسبوق وانعكاساته على دول الجوار، أشار المغرد إياد، إلى أن لهجة إسرائيل تجاه القاهرة تتغير بوتيرة سريعة مع اقتراب احتلال مدينة غزة وتهجير سكانها إلى مخيمات الوسطى والمواصي.

وذكر أن لهجة إعلام النظام تتغير أيضا عبر إطلاق تهديدات حول قدرة الجيش المصري على خوض الحرب، مؤكدا أن الثابت في الأمر أن "إسرائيل" ستضغط بالقصف والقتل على سكان غزة كما تفعل الآن حتى يتم تجميعهم على حدود مصر، إما لتهجيرهم إلى سيناء أو عبرها إلى دول تقبل استقبالهم. 

وتوقع إياد، أن أميركا ستبرز بدورها بشكل واضح عندما تنتهي إسرائيل من تجميع السكان في رفح، وتصوّر المشكلة وحلها على أنها قضية إنسانية، بحجة أن القطاع مدمر ولا مكان للفلسطينيين داخله، وعندها ستضغط أميركا وتهدد مصر بضرورة قبول دخولهم إلى أراضيها. 

وأضاف أن حينها سنفهم من هي الدول العربية التي ستصطف خلف مصر في تصديها لهذا المخطط الخطير، داعيا العرب لأن يوفّروا غطاءً اقتصاديًا وسياسيًا للقاهرة حتى لا تبقى وحيدة في مواجهة أميركا وإسرائيل، ودون دعم سياسي ومالي يحصّن موقفها. 

ولفت إلى أن أميركا تظهر في الجانب الآخر دعمها وعدم معارضتها لضم الضفة الغربية، ومن المقرر أن يصل وزير خارجيتها، ماركو روبيو، بعد أسبوع ليبارك لإسرائيل خطتها في ضم الضفة، وإسقاط السلطة، وتهجير كل من يحمل جواز سفر أردني بعد تصنيفه مقيم غير شرعي في الضفة الغربية.

وفي ماليزيا تظاهر مئات الناشطين ضد زيارة مرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2025، وطالبوا الحكومة بالتراجع عن دعوة من وصفوه بمجرم حرب متورط بحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة، ومتجاوز للقوانين الدولية.

وردّد المتظاهرون هتافات ضد الرعاية الأميركية الكاملة لجرائم الإبادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، واتهموا واشنطن بالاستمرار في إمداد إسرائيل بالسلاح والمال والغطاء السياسي، وحملت المسيرة شعار "ترامب – لا تأتي".

وقال الصحفي يوسف الدموكي: "لا أستبعد -بعد الشر- أن تكون خطوة نتنياهو القادمة القريبة هي قصف أسوار رفح، ودفع الشعب المجوَّع المقهور المقتول الصامد في كل أحواله دفعًا إلى سيناء، ليضع مصر في صدمة الأمر الواقع، وصدام العسكري بالسياسي -ولا أدخل بتفاصيل أكثر-.

وأشار إلى أن هذا المخطط كان من الممكن تفاديه حال تثبيت غزة بالسلاح والطعام وإغنائها عن التجويع، وتزويدها بدعم كافٍ غير معلن.

وتوقع الدموكي، أن تلك المواجهة العظمى، قد تقع في غضون أسابيع أو أشهر قليلة جدا، والاحتمالات فيها واردة، بتغييرات لا تخطر على بال بشر، وستحمل صدمات، أقلها النيل الذي في يد إثيوبيا، والغاز في يد "إسرائيل"، والمرافق الحيوية والمواني بيد الحليف المفضل لكليهما، "أبو ظبي". 

كما توقع أن تحمل مفاجآت، الله أعلم بمداها، إن وقعت، مؤكدا أن غزة التي يبيدها نتنياهو عن بكرة أبيها، وقد قتل فيها وأصاب وأسر نحو ربع مليون إنسان وسط برود عربي تام، ومكيّف يروق الأجواء تمامًا، ليست الهدف الوحيد.

وأضاف أنها محطة في عين "تل أبيب"، أما العين فهي فعلا على سيناء، درة تاج الإمبراطورية المزعومة، وبوابة مجدها الموهوم، داعيا للإعداد ليوم يراه الجميع بعيدًا، عدا العدو -وقلة صادقة تعاديه- فيرونه قريبًا.

وأكد المحلل السياسي ياسين عزالدين، أن الاحتلال يحاول حشر سكان قطاع غزة في منطقة ضيقة ومحصورة بالمواصي وقرب الحدود المصرية، مع دعاية لا يصدقها أحد أن هنالك الحياة ستكون وردية، وتساعده دولة الإمارات التي قامت بإنشاء خط للمياه ومستشفى ميداني.

وأوضح أن حشر مئات الألوف في هذه المنطقة الضيقة جدًا سيحولها إلى جحيم مضاعف وسيصبح مطالب الناس الخروج من غزة، ووقتها ستتذرع مصر والأنظمة العربية أنها ستساعدهم بالخروج لأنه سيكون مطلبًا فلسطينيًا وقتها وليس إسرائيليًا كما هو اليوم.

وقال عزالدين، إن هذه مخططات وأوهام نتنياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش وترمب، إلا أن أهل مدينة غزة يدركون ما ينتظرهم لو خرجوا من بيوتهم لذلك فأغلبهم لن يخرج منها رغم أن بقاءهم في مكانهم يعرضهم لخطر كبير.

"صوت هند رجب"

وعلى الصعيد الفني، توج فيلم "صوت هند رجب" الذي استندت مخرجته التونسية كوثر بن هنية، إلى تسجيلات صوتية حقيقية لمكالمة بين الطفلة الفلسطينية الشهيدة وجمعية الهلال الأحمر، طلبا للنجدة قبل مقتلها، بجائزة الأسد الفضي للدورة الـ82 من مهرجان البندقية.

وأثار الفيلم لدى عرضه موجة تأثر عارمة في المهرجان الإيطالي وأبكى الجمهور وحظي بالتصفيق لـ23 دقيقة متواصلة لدى عرضه.

و"هند رجب" طفلة فلسطينية كانت في عمر 5 سنوات حين قتلها جيش الاحتلال مع 6 من أقاربها بقصف سيارة لجأوا إليها جنوب غربي مدينة غزة في 29 يناير/ كانون الثاني 2024.

وظلت هند قبل استشهادها  على الهاتف مع الهلال الأحمر الفلسطيني لمدة 3 ساعات، في حين كان الجنود يطلقون النار على السيارة، وعُثر بعد 12 يوما عليها قتيلة داخل سيارة مثقوبة بالرصاص كانت فيها مع خالها وزوجته وأبنائهما الثلاثة الذين قتلوا جميعا في مدينة غزة.

وترافَق انطلاق المهرجان بمشاركة الآلاف في تظاهرة في شوارع ليدو تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة، في حين عبّر فنانون عن دعمهم بوضعهم دبابيس وحملهم لافتات خلال مرورهم أمام عدسات المصورين على السجادة الحمراء.

وبرز حديث الناشطين عن حصول فيلم "صوت هند رجب" على جائزة الأسد الفضي للدورة الـ82 من مهرجان البندقية، مستحضرين قصتها وكلماتها وصوتها ومتمنين أن يكون برهانا على جرم الاحتلال ومسارا لمحاكمته على جرائمه المتصاعدة.