بعد الإعلان رسميا عن بناء سد النهضة.. هل تتحول إثيوبيا إلى قوة إفريقية عظمى؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

عادت قضية الطاقة والمياه إلى صدارة المشهد الإفريقي والدولي بعد تدشين إثيوبيا سد النهضة رسميا في 9 سبتمبر/ أيلول 2025، بعد نحو 14 عاما من التشييد والخلافات مع مصر والسودان بسبب الملء والتشغيل.

المشروع الذي يعد الأكبر من نوعه في القارة الإفريقية بطاقة إنتاجية تصل إلى 6 آلاف ميغاواط، يطرح رهانات ضخمة تتجاوز البعد التنموي إلى أبعاد جيوسياسية حساسة. وفق مجلة جون أفريك الفرنسية.

فبينما تعده أديس أبابا رمزا للسيادة وأداة لتحقيق التنمية المستدامة وتصدير الكهرباء إلى دول الجوار، ترى فيه القاهرة والخرطوم تهديدا مباشرا لأمنهما المائي. 

وترى شخصيات أوروبية السد نموذجا للتحول نحو الطاقات المتجددة، فيما تتصاعد المنافسة الدولية على تمويله بين الصين والهند وأوروبا. 

وفي الوقت الذي يبدو فيه السد انتصارا لإثيوبيا، فإنه يمثل، في ذات الوقت، شرارة محتملة لصراع جديد حول مياه النيل، وفق المجلة الفرنسية.

مركز إقليمي للطاقة

وفي تعليقها على مشهد تدشين السد من قبل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، قالت: إن "الصورة بدت قوية وذات دلالة".

وتوقعت أن يُحدث السد بطاقته الطاقية الإنتاجية الكبيرة، نقلة نوعية في توفير الكهرباء للبلاد، فضلا عن تغذية جزء من المنطقة بالطاقة الخضراء.

وأشارت المجلة إلى أن السد لا يعمل حاليا سوى بنصف قدرته، موضحة أن إثيوبيا تنتج بالفعل كهرباء تفوق قدرة شبكتها المحلية على استيعابها.

وهو ما يجعل الحاجة ماسة لضخ استثمارات ضخمة بالبنية التحتية لنقل الكهرباء، لضمان الاستفادة الكاملة من إمكانات السد الاقتصادية والاجتماعية.

وجاء افتتاح السد تزامنا مع انعقاد القمة الإفريقية الثانية للمناخ في أديس أبابا، بحضور شخصيات بارزة، مثل تيريزا ريبيرا، نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية لشؤون التحول المناخي.

وأكدت ريبيرا أن “إثيوبيا تجسد الحاجة المُلحّة والفرصة المتاحة لنموذج طاقي قائم على مصادر الطاقة المتجددة”.

لكنها حذرت من أن "تأثيرات المناخ تمثل تهديدا جديا للتنمية والاستقرار المجتمعي، وحتى السلام"، وأن "إفريقيا مُعرّضة للخطر بشكل خاص".

وعليه، رأت أن "سد النهضة، إلى جانب تعزيز شبكة الكهرباء، يُمكن أن يُجسد نموذجا للطاقة الخضراء".

وأطلقت المسؤولة الأوروبية خلال زيارتها مشروعات كبرى، منها: برنامج الطاقة القاري في إفريقيا (CEPA)، بتمويل قدره 17.5 مليون دولار لتحسين الربط الكهربائي العابر للحدود.

إضافة إلى شراكة استثمارية مع إثيوبيا بقيمة 156 مليون دولار لتطوير شبكتها الداخلية وتصدير الكهرباء لجيرانها مثل كينيا وجيبوتي.

وأكَّدت أن "هذا المشروع سيساعد المنطقة على الانتقال إلى نموذج كهرباء يعتمد بشكل أكبر على الطاقة المتجددة".

ولفتت المجلة إلى أن أديس أبابا تصدر بالفعل الكهرباء إلى جيرانها، لكن مع سد النهضة، يمكن أن تزداد هذه التدفقات، مما يسهم في تحويل إثيوبيا إلى مركز إقليمي للطاقة، على غرار جنوب إفريقيا في قطاع الفحم وموزمبيق في قطاع الغاز.

معركة النفوذ

من جانب آخر، أوضحت المجلة أن المشروعين السابق ذكرهما يعدان جزءا من برنامج البوابة العالمية الأوروبية، الذي يطمح إلى حشد 175 مليار دولار أميركي من استثمارات المناخ في إفريقيا. لكنه لفت إلى أن "التجارب السابقة أظهرت محدودية هذا النهج". 

واستدلت على ذلك بالقول: "بينما كانت المؤسسات تأمل في تحويل المليارات إلى تريليونات من خلال جذب القطاع الخاص، لم يُجمع سوى 20 مليار دولار أميركي من الاعتمادات الخاصة لإفريقيا في 2023، وهو مبلغ أقل بكثير من المساعدات العامة التي تلقتها في العام نفسه".

ولذا، أكدت تيريزا ريبيرا أن "علينا إعادة تركيز جهودنا، وتحسين أدواتنا للحد من المخاطر، ومواصلة المحاولة". 

ومع زيادة استثمارات الصين والهند ودول الخليج في القارة، أفادت المجلة بأن الاتحاد الأوروبي يريد إعادة التأكيد على دوره الرئيس في القارة.

وحسب أرقام المفوضية الأوروبية، لا تزال أوروبا المستثمر الأجنبي الأبرز في إفريقيا؛ إذ بلغت استثماراتها المباشرة فيها 280 مليار دولار أميركي عام 2023، متفوقة بفارق كبير على الصين، التي تبلغ استثماراتها 42 مليار دولار أميركي فقط.

وإلى جانب الطاقة، تؤكد المجلة الفرنسية أن "سد النهضة الإثيوبي الكبير لا يزال مصدر توتر دبلوماسي كبير".

وأشارت إلى أن "مصر والسودان تدينان تشييده بصفته تهديدا مباشرا لأمنهما ومواردهما المائية، بينما تعد أديس أبابا أداة للسيادة والتنمية".

وبدأ بناء السد في 2011، ومنذ ذلك الحين تطالب القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي قانوني ملزم، بشأن الملء والتشغيل على تقدير أنه ينتقص من حقوقهما المائية؛ حيث تتشارك الدول الثلاث نهر النيل إلى جانب بلدان إفريقية أخرى.

ولذلك، أكدت المجلة أن "افتتاح السد العملاق، مثّل انتصارا رمزيا بقدر ما أنه يشكل تحديا اقتصاديا وسياسيا يكمن في كيفية تحويله إلى حافز للنمو المشترك دون إشعال فتيل صراع حول نهر النيل".