حالة من الترقب الحذر بالقارة السمراء.. ماذا تريد إيران وإسرائيل من إفريقيا؟

“الدعم الشعبي الواسع للفلسطينيين ما زال يقوض صورة إسرائيل في القارة”
تشهد القارة الإفريقية هذه الأيام حالة من الترقب الحذر، في ظل تقييم دقيق لتداعيات المواجهة العسكرية الأخيرة والهدنة الهشة بين طرفين بارزين في المشهد الإقليمي والدولي، هما إيران وإسرائيل.
وعلى الرغم من أن ساحة الصراع لا تشمل الأراضي الإفريقية بشكل مباشر، إلا أن موقع "الدبلوماسية الإيرانية" يعتقد أن آثار هذا التصعيد تلقي بظلالها على مواقف العديد من الحكومات الإفريقية.
ولفت إلى أن العديد من الدول البعيدة عن ساحة المواجهة -ومنها دول إفريقية- بدأت في حساب كلفة هذا التصعيد على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي.
فمن الناحية الاقتصادية، تتمثل أبرز المخاوف الإفريقية في تأثيرات محتملة على قطاعي الطاقة والملاحة البحرية.
فضلا عن ذلك، تجد هذه الحكومات نفسها في حالة ارتباك دبلوماسي، خصوصا أن الطرفين أظهرا في السنوات الأخيرة رغبة متزايدة في تعزيز علاقاتهما مع دول القارة، وهي رغبة باتت معلقة بفعل التصعيد العسكري الأخير.
في هذا السياق، تناول الموقع تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية (في 13 يونيو/حزيران 2025 واستمرت 12 يوميا) على دول شمال إفريقيا، مفسرا أسباب اتخاذ العديد من دول القارة مبدأ "الحياد الدبلوماسي".
كما سلط الضوء على النشاط الإيراني في إفريقيا خلال العقدين الماضيين، متناولا فرص تعزيز طهران لنفوذها في القارة السمراء في ظل تصاعد التنافس الإقليمي على مواردها الإستراتيجية.

شمال إفريقيا
وأشار الموقع إلى أن "دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتمتع بشبكة مصالح مشتركة تربطها بممرات إستراتيجية عبر القارة الإفريقية وصولا إلى المحيط الأطلسي".
ومع ذلك، شدد على أن "تأثير الأزمة يختلف من دولة لأخرى باختلاف موقعها وحساباتها".
فعلى سبيل المثال، تعد مصر، وفقا للموقع، أكثر الدول تضررا.
وتابع: "فمع اندلاع المواجهات، أوقف الكيان الصهيوني تشغيل حقلي الغاز (كاريش) و(ليفياثان) كإجراء احترازي، وهما مصدران كانا يلبيان نحو 20 بالمئة من احتياجات مصر من الغاز الطبيعي".
ويقدر أن "تجدد المواجهة ينذر بعودة محتملة لانقطاعات الكهرباء على نطاق واسع، ويعيد إلى الواجهة أزمات اقتصادية واجتماعية كانت قد وضعت حكومة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي تحت ضغط شديد عام 2024".
في الوقت ذاته، أفاد الموقع بأن "إسرائيل دأبت في الآونة الأخيرة على تعزيز حضورها مع عدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، إلى جانب قوى إقليمية أخرى كتركيا والسعودية والإمارات، التي وسعت هي الأخرى نطاق نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي في القارة".
على النقيض، ظلت العلاقات الرسمية بين إيران وإفريقيا، أكثر محدودية، حيث اقتصرت على زيارات متفرقة من قادة بعض الدول الإفريقية إلى طهران.
وبالانتقال إلى المغرب العربي، يرى الموقع أن "علاقة ليبيا وتونس المحدودة مع كلا الطرفين تجعل تأثير الصراع عليهما ضئيلا، سواء من حيث المكاسب أو الخسائر المباشرة".
لكن الأمر يختلف مع الجزائر والمغرب، إذ يقدر أن "انتصار إيران قد يعزز مكانة الجزائر، الحليف التاريخي لطهران، في المشهد الإقليمي".
وأردف: "في المقابل، قد يشكل ذلك مصدر قلق للمغرب، التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران منذ عام 2018، بدعوى دعم طهران لجبهة البوليساريو".
واستطرد: "هذا الموقف المغربي يتعارض مع سياسة الجزائر الرافضة لأي حضور صهيوني في المحافل الإفريقية".
وهي سياسة، لفت الموقع إلى أنها ازدادت حدة بعد اتفاقيات "إبراهام" التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.
الحياد الدبلوماسي
وحول الموقف العام لدول القارة من الحرب بين الطرفين، قال الموقع إن "معظم الدول الإفريقية اتخذت موقفا حذرا تجاه التصعيد، رغم القلق المتزايد من اتساع نطاق المواجهة".
وأضاف أن "هذه الدول حرصت على عدم الانحياز لأي طرف في التصريحات الرسمية، مفضلة التعامل مع الأزمة بمنطق الحياد الدبلوماسي".
"وتتركز المخاوف الإفريقية بشكل رئيس حول احتمالات زعزعة الاستقرار الاقتصادي وتهديد الأمن الإقليمي، وهي مخاوف لم تتحقق فعليا بعد"، وفق تقدير الموقع.
وبحسبه، "يتمثل القلق الأكبر لهذه الدول من احتمال امتداد الصراع إلى البحر الأحمر أو خليج عدن، ما قد يؤدي إلى اضطرابات في خطوط الملاحة البحرية وارتفاع تكاليف الاستيراد وظهور أزمات اقتصادية جديدة".
علاوة على ذلك، أوضح الموقع أن "بعض الدول تخشى من أن تؤدي هجمات محتملة على مصالح الكيان الصهيوني في إريتريا أو على قواعد أميركية في جيبوتي، لانتقال حالة عدم الاستقرار إلى داخل القارة".
ومن بين الأمثلة البارزة على هذا الموقف، نيجيريا، باعتبارها واحدة من أهم دول القارة، التي تربطها علاقات سياسية واقتصادية مع كل من إيران وإسرائيل.
وتابع: "رغم أن أبوجا أدانت الهجوم الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، فإنها اتبعت نهجا حذرا في بقية المواقف".
إذ يرى الموقع أنه "على المستوى السياسي، لا ترغب نيجيريا في التضحية بعلاقاتها مع أي من الطرفين عبر تبني موقف علني حاد".
واستدرك: "غير أن التعاطف الشعبي الواسع مع فلسطين داخل البلاد قد يؤثر في نهاية المطاف على الموقف الرسمي للحكومة".
على الصعيد الاقتصادي، أفاد الموقع بأن "اقتصاد نيجيريا يعتمد بدرجة كبيرة على صادرات النفط، وهو ما يدفعها إلى متابعة تحولات أسواق الطاقة العالمية بدقة".
نضال مشترك
وينظر موقع الدبلوماسية الإيرانية إلى "ميدان العلاقات السياسية باعتباره المجال الذي يشهد تغيرا ملحوظا في القارة".
فوفقا له، "تعكف العديد من الحكومات الإفريقية حاليا على إعادة تقييم علاقاتها مع كل من إيران وإسرائيل، في وقت يواصل فيه الطرفان، رغم انشغالهما بالمواجهة، تحركاتهما الدبلوماسية داخل القارة".
وأوضح أن "46 دولة إفريقية تعترف رسميا بالكيان الصهيوني وتقيم علاقات معه، بينما ترتبط إيران بعلاقات سياسية واقتصادية مع أكثر من 32 دولة إفريقية".
وأضاف: "تاريخيا، قطعت غالبية الدول الإفريقية علاقاتها مع إسرائيل خلال حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، غير أن تل أبيب نجحت خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، عبر حملة دبلوماسية مكثفة، في استعادة جزء كبير من هذه العلاقات".
ومع ذلك، لفت الموقع إلى أن "الدعم الشعبي الواسع للفلسطينيين -والذي يرى فيه كثير من الأفارقة انعكاسا لنضالاتهم التحررية ضد الاستعمار- ما زال يقوض صورة إسرائيل في القارة".
واستشهد بـ"شكوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال حرب غزة، إلى جانب موجة الاحتجاجات الشعبية في عدة دول إفريقية؛ كدليل واضح على هشاشة مكانة إسرائيل في الرأي العام الإفريقي".
في سياق متصل، تطرق الموقع الفارسي إلى النشاط الإيراني في القارة السمراء، موضحا أنه "خلال العقدين الماضيين، اعتمدت طهران في حضورها بالقارة على ثلاثة محاور رئيسة، العلاقات السياسية، والتعاون الاقتصادي، والأنشطة الثقافية والتعليمية".
وأنشأت طهران مراكز ثقافية في عدد من الدول الإفريقية، وهو ما عده الموقع "رغبة إيرانية لبناء روابط أيديولوجية واجتماعية".
وتابع: "كما استثمرت -وإن بشكل محدود- في قطاعات إستراتيجية مثل استخراج اليورانيوم والصناعات التعدينية ومصادر الطاقة المتجددة، خصوصا في شرق القارة وغربها".
وأضاف: "علاوة على ذلك، أسهم حضور إيران في مجالات التعليم والصحة، وتقديم المنح الجامعية، والتعاون التقني في الزراعة والصحة، في خلق صورة إيجابية للتعاون غير المشروط في بعض الدول".
ورغم أن هذه الأنشطة توقفت مؤقتا بفعل الأزمة الراهنة، إلا أن الموقع شدد على أنها "تعكس النظرة الإيرانية طويلة الأمد لإمكانات القارة".
تعزيز القوة
مع ذلك، يقر الموقع الفارسي بأن "السياسة الإيرانية تجاه إفريقيا تفتقر إلى إطار شامل ومنسق ومستدام".
وأردف: "إذ ظلت التحركات في معظمها ظرفية ومرتبطة بفرص سياسية أو ضغوط دولية أكثر منها جزءا من رؤية استراتيجية بعيدة المدى".
وهو ما يفسر -بحسب الموقع- "لماذا بقي نفوذ طهران محدودا مقارنة بإسرائيل أو حتى القوى الإقليمية المنافسة كتركيا والسعودية والإمارات".
فضلا عن ذلك، أشار إلى أن "الدعاية السلبية ساهمت في دفع بعض الحكومات، مثل مصر والمغرب ونيجيريا، إلى النظر بريبة للأنشطة الثقافية الإيرانية".
وحتى تكون إيران في وضع قوي يسمح لها بتوسيع نفوذها في إفريقيا، دعا الموقع طهران إلى "بلورة سياسة إفريقية متكاملة تقوم على الدمج بين الدبلوماسية الاقتصادية والتعاون التكنولوجي والاستثمار في البنى التحتية، إلى جانب النشاط الثقافي".
وأوضح أنه "يمكن أن تشكل فرص مثل تراجع النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل، وحاجة الدول الإفريقية إلى تكنولوجيا منخفضة التكلفة وتدريب القوى العاملة، والتقارب السياسي في دعم القضية الفلسطينية، منصة انطلاق لتعزيز الحضور الإيراني في القارة".
بناء على ما سبق، خلص الموقع إلى أن "المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل لم تؤثر فقط في معادلات الشرق الأوسط، بل انعكست أيضا على توازنات السياسة والاقتصاد في إفريقيا".
وتابع: "ورغم أن إيران تمتلك شبكة دبلوماسية محدودة مقارنة بإسرائيل، فإن قدرتها على التأثير الأيديولوجي وموقعها كلاعب مستقل ومعارض للهيمنة الغربية، يمنحها جاذبية خاصة لدى العديد من الشعوب والحكومات الإفريقية على المدى الطويل، خصوصا في ظل استمرار التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية".
واستطرد: "بشكل عام، فإن مستقبل موقف إيران في إفريقيا يعتمد إلى حد كبير على الإرادة السياسية لطهران في تجاوز السياسات المؤقتة وتبنّي إستراتيجية شاملة".
وأوضح أن هذه الإستراتيجية تعمل على "تعزيز نقاط القوة الحالية وتقليل نقاط الضعف، ويمكنها في الوقت نفسه الاستفادة من قدرات الرأي العام واحتياجات التنمية والتطورات الجيوسياسية في القارة".