رغم قرار البرلمان الإيراني.. لماذا تدخل السيسي في “الاتفاق النووي”؟

"مبادرة من السيسي لإعادة تقديم نفسه كطرف مفيد إقليميا لترامب"
رغم أن البرلمان الإيراني أصدر قانونا في أغسطس/آب 2025 بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تدخل رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي وأشرف على اتفاق بالقاهرة، تخرق بموجبه طهران قرار برلمانها وتسمح بعودة تفتيش منشآتها النووية.
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وقع مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل جروسي، بالعاصمة القاهرة في 10 سبتمبر/ أيلول 2025 اتفاقا لاستئناف عمليات التفتيش على المواقع النووية الإيرانية بعد أشهر من تعليقها.
وجاء الاتفاق بعد مشاورات استضافتها الخارجية المصرية، برعاية السيسي، وانتهت إلى وثيقة تحدد الآليات الفنية لعودة المفتشين الدوليين إلى المنشآت الإيرانية وزيادة إجراءات الشفافية.
لكن تدخل القاهرة لإبرام الاتفاق يثير التساؤلات حول سر تدخل السيسي شخصيا، وهل هو بطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟ أم مبادرة ذاتية لإعادة تقديم نفسه كطرف مفيد إقليميا لترامب، والحصول على ثقته.
أم أن الأمر تم برغبة وربما طلب إيراني، بعد إعطاء أوروبا مهلة لها حتى أول أكتوبر/ تشرين الأول 2025، وقبل تفعيل آلية العقوبات ومن ثم إعطاء أميركا وإسرائيل مبررا جديدا للعدوان على إيران؟
دلالات الاتفاق
ففي 9 سبتمبر 2025 حضر لمقر وزارة الخارجية المصرية عراقجي وجروسي، واستقبلهما وزير الخارجية بدر عبد العاطي، حيث جمعهما به لقاء أولي، ثم جلسا إلى طاولة واحدة في قصر التحرير نحو ساعتين للتفاوض، بعدما تركهما الوزير المصري يتفاوضان.
البيان الذي أصدرته الخارجية المصرية كان مؤشرا على دلالات ما جرى من توقيع اتفاق لاستئناف التعاون بين طهران والوكالة الذرية، بعدما أوقفته إيران في 2 يوليو/تموز 2025، إثر العدوان الإسرائيلي، وأشارت إلى أدلة تجسس وكالة الطاقة الذرية لصالح إسرائيل.
البيان تحدث عن "استئناف التعاون الفني بينهما"، أي عودة مفتشي الوكالة الذرية إلى تفتيش منشآت إيران النووية، والتجسس عليها مجددا، في ظل غموض نتائج العدوان الإسرائيلي ثم الأميركي عليها.
وحرص على إظهار دور "الوساطة المصرية" وكشف أنها بدأت منذ يونيو/ حزيران 2025، ونجاحها أخيرا في "تهيئة الظروف لاستئناف المفاوضات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الملف النووي".
وذلك "بعدما شهدت الفترة الأخيرة اتصالات مكثفة للوزير المصري بنظيره الإيراني ومدير الوكالة الذرية لتقريب وجهات النظر، وتحقيق التهدئة واستعادة الثقة".
وتحدث البيان عن "خطوات عملية للتحقق في المنشآت النووية الإيرانية وزيادة إجراءات الشفافية"، ما يعني قبول إيران ما تطالب به الوكالة الذرية، رغم أن برلمانها أصدر قانونا سابقا يمنع التعاون معها.
ووصف جروسي الاتفاق بـ"التاريخي" وخطوة في الاتجاه الصحيح، ويرى أن نجاح المفاوضات لم يكن ليحدث لولا "وزن مصر ومكانتها وإشراف الرئيس المباشر على المسار التفاوضي". بحسب موقع "يورونيوز" في 9 سبتمبر 2025.
وثمن عراقجي جهود القاهرة التي قال: إنها "مهَّدت للتفاهم الجديد". مؤكدا أنها "ستؤسس لمرحلة جديدة وتمنح الفرصة لعودة الدبلوماسية إلى واجهة الملف النووي".
ورأى عبد العاطي أن الاتفاق "يعكس إرادة واضحة للحوار والتفاهم ويؤسس لعودة المفاوضات مع القوى الدولية، بما فيها الولايات المتحدة، حول البرنامج النووي الإيراني"، في إشارة إلى عدم الحاجة لحلول عسكرية مستقبلا بعد تهديدات إسرائيل بجولة حرب ثانية.
وقبل اللقاء والاتفاق، عُقد لقاء ثلاثي ضمَّ السيسي وجروسي وعراقجي، أكد خلاله الأول أن الاتفاق "يفتح المجال أمام الدبلوماسية ويهيئ الأجواء لتسوية سلمية".
اتهامات التجسس
لكن الاتفاق الذي جرى توقيعه في القاهرة ليس نهائيا في كل التفاصيل؛ فقد أكّدت إيران أن هناك جوانب "تقنية" و"إجرائية" يجب الاتفاق عليها لاحقا. بحسب وكالة "رويترز" في 9 سبتمبر 2025.
كما حذرت طهران من أن الاتفاق قد يُعدّ ملغى إذا فُرضت ضدها عقوبات جديدة أو تم انتهاك سيادتها بما قالت إنه "أعمال عدائية"، أي هجمات إسرائيلية أو أميركية جديدة.
وهو ما يعني أنه ليس واضحا إلى أي مدى يمكن للقاهرة أن تؤثر عمليا على تصرفات كل الأطراف (إيران، إسرائيل، الولايات المتحدة) أو أن توفر ضمانات لتنفيذ الاتفاق، وقد حذر دبلوماسيون من أن "الشيطان يكمن في التفاصيل".
وفي 2 يوليو/تموز 2025، أعلنت طهران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عبر العضو البارز في لجنة الأمن القومي في البرلمان، علاء الدين بروجردي، الذي تحدى الغرب بأن إيران "ستقوم بتخصيب اليورانيوم 90 بالمئة".
ووقع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان القانون الذي أقره برلمان بلاده، ويقضي بتعليق جميع أشكال التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في اليوم نفسه.
وجاء القرار الإيراني، عقب اتهامات عديدة للمفتشين الدوليين بالتجسس على منشآتها ونقل معلومات عنها لإسرائيل، ولعبهم دورا غير مباشر في تسهيل الضربات الجوية الإسرائيلية، وقتل علماء بارزين في 13 يونيو 2025.
ووفق تقديرات مصرية، كانت القاهرة تتخوف من تصعيد عسكري إسرائيلي جديد ضد إيران ومحاولة جر ترامب للحرب مرة ثانية، وسعت لنزع فتيل الحرب، بإعادة الرقابة على برنامج إيران بدل الصّدام.
وقبل القرار ظلت إيران تتهم مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتجسس ضدها، أو تسريب معلومات وبيانات برنامجها لأعداء لطهران.
فقد وصف الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية فريدون عباسي، مفتشي الوكالة بـ"الجواسيس" أو يسربون "بيانات ومعلومات نووية إيرانية" إلى "جواسيس".
كما اتهم رئيس السلطة القضائية الإيرانية غلام حسين محسني إيجئي، في 28 يونيو 2025، الوكالة الذرية بتسريب المعلومات الخاصة بالملف النووي الإيراني إلى أعداء طهران. مؤكدا أنها "ليست محل ثقة ولا تلتزم المهنية".
سر التدخل
ومنذ مايو/ أيار 2023 تشهد العلاقات بين القاهرة وكل من إيران وتركيا تحركات لإعادة التموضع والتقارب إقليميا للتصدي للمخططات الإسرائيلية، المدعومة من ترامب.
وقد طرح انخراط مصر في دور وساطة مكثفة بين إيران والوكالة الذرية تساؤلات حول سبب وسر تدخل السيسي شخصيا، وهل هو بطلب من ترامب، أم مبادرة ذاتية أم بطلب إيراني؟
وكان السبب الأول المحتمل هو أنها مبادرة ذاتية من جانب نظام السيسي لإعادة تقديم نفسه كطرف مفيد إقليميا لترامب، والحصول على ثقته خاصة أن قصف إسرائيل لقطر قد يعيد وساطة القاهرة في ملف غزة أيضا.
ويدعم هذا الاحتمال حرص السيسي على لقاء وزير خارجية إيران ورئيس الوكالة الذرية، وتواصله هاتفيا مع الرئيس بزشكيان، وتأكيد الخارجية المصرية أن محاولات إقناع إيران بدأت في يونيو 2025.
إذ إن التدخل في القضايا الإقليمية بهذه الصيغة يُظهر السيسي “كزعيم قادر على حماية الأمن القومي المصري والمساهمة في حل الأزمات، ويعطي دفعة للمكانة المصرية أمام العالم”.
والسبب الثاني، أن يكون ترامب هو الذي طلب من السيسي القيام بهذا الدور.
ومعروف أنه في 19 يونيو 2025، أعطى ترامب إيران مهلة أسبوعين للتوصل إلى اتفاق، وهنا بدأ التحرك المصري، لكن العدوان الإسرائيلي والحرب التي استمرّت 12 يوما، ثم القصف الأميركي، عرقل هذا التحرك، ثم عاد مع التهديدات بجولة جديدة من الحرب.
وتشير مصادر تحليلات أجنبية ومصرية إلى عدة أسباب دفعت القاهرة للتدخل في هذا الملف.
وتشير التقديرات المصرية والغربية لاحتمالية تدخل السيسي من أجل تجنب العواقب الأمنية والاقتصادية، إذ إن أي تصعيد نووي أو عسكري كبير قد يحمل تبعات في شكل موجات لاجئين، واضطرابات أمنية، وأسعار طاقة مرتفعة، وتأثير على الملاحة البحرية (قناة السويس مثلا).
وأشار تحليل لـ"الأهرام أون لاين" إلى أن القاهرة تريد التأكد من ألا يصل الصدام لمرحلة التأثير المباشر على أمنها القومي، وهناك تصريحات بأن "العسكرة ليست الحل" ومصر تفضل الحلول الدبلوماسية.
“آلية الزناد”
السبب الثالث لتدخل السيسي أن ذلك ربما تمّ برغبة أو طلب إيراني، بعد إعطاء أوروبا مهلة أخيرة لها حتى منتصف أكتوبر 2025، قبل تفعيل "آلية العقوبات"، ومن ثم إعطاء أميركا وإسرائيل مبررا جديدا للعدوان على طهران.
بعدما أعلنت إيران رفضها التعامل مع الوكالة الذرية عقب العدوان الإسرائيلي والأميركي، هددت الدول الأوروبية بتفعيل ما يُسمى "آلية الزناد"، أي العقوبات الاقتصادية والسياسية التي كانت مُعلقة لتعاون إيران مع المنظمة الدولية.
وأطلقت هذه القوى الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، المعروفة باسم الدول الثلاث (E3) ما يُسمى بعملية "آلية الزناد" أو "العودة السريعة" (snapback).
أي فرض العقوبات، ما لم تسمح إيران باستئناف عمليات التفتيش، وأفصحت عن مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب.
ولردعها حتى تتراجع وتقبل بالتفتيش الدولي وتُبرم اتفاقا مع أوروبا بشأن نسب تخصيب اليورانيوم النووي، حددت القوى الأوروبية مهلة لإيران بشأن برنامجها النووي، حتى مطلع سبتمبر 2025.
وقد جرت جلستا مفاوضات منذ انتهاء الحرب بين إيران وإسرائيل، انتهت آخرها في 26 أغسطس 2025، دون اتفاق بين ممثلي هذه الدول وإيران في جنيف دون نتائج، ما رجح إعادة العقوبات وربما عدوان إسرائيلي أميركي جديد.
وفقا للإنذار الذي وجهته القوى الأوروبية، يتعين على الإيرانيين الموافقة على استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي.
والسماح لمفتشي الأمم المتحدة بالوصول إلى المنشآت النووية التي تضررت في الهجوم الإسرائيلي، وإلى مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، والذي لا يزال موجودا في إيران.
ورغم أنباء تعرض مواقع التخصيب في إيران لأضرار بالغة أو دمرت، تخشى القوى الأوروبية وأميركا من مصير مخزون اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء تصل إلى 60 بالمئة، القريبة من درجة إنتاج سلاح نووي (حوالي 90 بالمئة).
ولم يتمكن مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية من التحقق من مخزون إيران من المواد النووية التي تقترب من الدرجة اللازمة لصنع القنابل منذ بدء الحرب في 13 يونيو 2025، وهو ما وصفته الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنه "مسألة تثير قلقا خطيرا".
وقال تقرير سري صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومقرها فيينا أنه بدءا من 13 يونيو 2025، كان لدى إيران 440.9 كيلوجرام (972 رطلا) من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 بالمئة والتي إذا تمّ تخصيبها بشكل أكبر، لصنعت 10 قنابل نووية.
وبعد تحديد مهلة 31 أغسطس 2025، قررت القوى الأوروبية إعطاء إيران مهلة أخيرة حتى أكتوبر 2025، التي يُعتقد أن لها صلة بمفاوضات الوساطة المصرية التي لم تكن معلنة، ونجحت في إبرام اتفاق أولي بين طهران والوكالة الذرية.
وردّ نائب رئيس لجنة المادة 90 بمجلس الشورى الإيراني حسين علي حاجي دليجاني، على التهديد الأوروبي، في 29 أغسطس 2025، مهددا ببدء صياغة "مشروع قانون عاجل يقضي بانسحاب إيران الكامل من معاهدة حظر الانتشار النووي".
ولو أعيد فرض العقوبات فستعود كل التدابير التي فرضها مجلس الأمن على إيران في ستة قرارات من 2006 إلى 2010.
ومن هذه التدابير، حظر على الأسلحة, وتخصيب وإعادة معالجة اليورانيوم, وعمليات الإطلاق والأنشطة الأخرى المتعلقة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية.
وأيضا حظر نقل تكنولوجيا الصواريخ الباليستية والمساعدة التقنية, وتجميد عالمي مستهدف للأصول, وحظر السفر على أفراد وكيانات من إيران، وتفتيش شحنات خطوط الشحن التابعة لإيران بحثا عن بضائع محظورة.
المصادر
- Iran, IAEA announce agreement on resuming nuclear inspections
- Iran and nuclear watchdog sign agreement seeking path to restart cooperation
- Egypt rejects military escalation over Iran’s nuclear program
- بعد المهلة الأوروبية.. إيران قد تنسحب من معاهدة النووي
- Iran and nuclear watchdog sign agreement seeking path to restart cooperation