"مستقبل سوريا لن يُرسم بمعزل عنا".. كيف تبدو حسابات أميركا وإسرائيل؟

"منذ طوفان الأقصى يتبنى نتنياهو سياسة تقوم على ترسيخ وضعية الحرب الدائمة، جاعلاً من ذلك ركيزة لبناء مساره السياسي"
بين الفينة والأخرى تقصف إسرائيل أهدافا سورية حساسة عدة، زاعمة أنها تسعى للدفاع عن الأقلية الدرزية التي خاضت أخيرا اشتباكات في السويداء جنوب سوريا ضد عشائر البدو بالمحافظة.
وفي السياق، نشر مركز “سيتا” التركي مقالا للكاتب "قدير أوستون"، ذكر فيه أن سوريا بعد سبعة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد تبدو أمام واقع جديد، يتأرجح بين مساعٍ لإعادة بناء الدولة وخطر الانجرار مجددا إلى صراعات إقليمية.
فإدارة أحمد الشرع نجحت خلال هذه الفترة في إحراز تقدم ملموس على صعيد الاستقرار السياسي، سواء من خلال تحقيق توافق بين مختلف المكوّنات العرقية والطائفية، أو عبر الحصول على قبول دبلوماسي متزايد من القوى الدولية. حيث أسهم رفع العقوبات الدولية وتحسن العلاقة مع المكوّنات المحلية في خلق بيئة مواتية لمرحلة إعادة البناء.
لكنّ أحداث السويداء الأخيرة جاءت لتكشف هشاشة هذا الاستقرار، مذكّرة بأن مستقبل سوريا لن يُرسم بمعزل عن التوازنات الإقليمية.
حيث تدخلت إسرائيل بذريعة "حماية الدروز" بعد تصاعد الاحتجاجات والمواجهات المسلحة؛ حيث شمل التدخل ضربات جوية محدودة ضد مواقع قالت إسرائيل إنها "تشكل تهديدا" للطائفة الدرزية.
بالإضافة إلى أنها أجرت تحركات عسكرية على مقربة من الحدود، في محاولة لردع أي تحركات للقوات الحكومية أو الفصائل المدعومة من إيران باتجاه السويداء.
ولا شك أن التورط الإسرائيلي في هذه الأحداث ليس مجرد تدخل عابر، بل جزء من سياسة أوسع تسعى إلى إعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة، خصوصا بعد الضربات التي وجهتها إسرائيل لإيران، والتي دفعت واشنطن إلى حافة مواجهة مفتوحة.

واشنطن منزعجة
وتدخلت إسرائيل في أحداث العنف في السويداء بذريعة حماية الدروز، حيث إن حكومة نتنياهو تحاول اليوم من خلال تدخلها المباشر ترسيخ حرية حركتها داخل سوريا كأمر واقع، لكنها رضخت للقبول بوقف إطلاق النار تحت ضغط واشنطن.
فمن الواضح أن هذه التدخلات- التي شملت جَعْل قصف دمشق والمناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية أمرا روتينيا- لا تتماشى مع أولويات إدارة ترامب الساعِيَة إلى تحقيق الاستقرار في سوريا، والانسحاب الكامل منها، مع إعطاء فرصة لحكومة دمشق لتثبيت سلطتها.
وقد عبّر المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا والسفير لدى تركيا، توم باراك، عن هذا الانزعاج حين وصف التدخل الإسرائيلي بأنه "مربك للغاية" وأنه "جاء في توقيت خاطئ"، على الرغم من عدِّه ضمن إطار "الدفاع عن النفس".
كما أظهرت تصريحات البيت الأبيض أن الهجمات الإسرائيلية على سوريا وعلى كنيسة كاثوليكية في غزة كانت مفاجئة لترامب، الذي بادر بالاتصال بنتنياهو "لإصلاح الوضع"، فيما بدأت أصوات داخل الإدارة تصف الأخير بـ"الرجل المجنون".
فمنذ طوفان الأقصى يتبنى نتنياهو سياسة تقوم على ترسيخ "وضعية الحرب الدائمة"، جاعلا من ذلك ركيزة لبناء مساره السياسي. فهو يستهدف لبنان وإيران وسوريا واليمن متجاوزاً حدود السيادة الوطنية، وكل ذلك تحت شعار "حماية أمن إسرائيل".
ويسعى إلى صياغة معادلة جديدة تتيح لتل أبيب التدخل في أي بقعة بالمنطقة متى ما رأت ذلك ضرورياً، معتمداً على يقينه بأن الدعم الأميركي لن ينقطع، رغم الإشارات الإعلامية عن استياء واشنطن.
وبهذا، نجح نتنياهو في فرض واقع تُجبر فيه الإدارات الأميركية، سواء بقيادة بايدن أو ترامب، على التعامل مع نتائج سياساته و"لملمة تبعاتها" بدلاً من محاولة ردعه.

حرية الحركة المطلقة
ويرى نتنياهو أن سقوط نظام الأسد وفر لإسرائيل فرصة تاريخية لترسيخ وجودها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط.
ومن خلال تدخلاتها المباشرة، واستثمارها الورقةَ الدرزية وعلاقاتها مع ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية"، تحاول تل أبيب أن تضمن لنفسها تأثيراً دائماً في التوازنات السياسية الداخلية لسوريا.
وتعكس الأحداث التي شهدتها سوريا خلال الأشهر السبعة الماضية – من اشتباكات داخلية شملت جماعات علوية ودرزية، إلى الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية – بوضوح سياسة إسرائيل القائمة على إبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة، وغير قادرة على تحقيق سيادة كاملة، حيث يسمح ذلك لإسرائيل الحفاظ على حرية حركة عسكرية شبه مطلقة في الإقليم.
في المقابل، تسعى إدارة ترامب إلى انسحاب منظم من سوريا، بحيث يضمن قيام دولة مستقرة قادرة على استيعاب مختلف مكوّناتها ضمن نظام سياسي موحد.
ولا شك أن ترامب، الذي لا يرغب بتكرار فوضى الانسحاب الأميركي من أفغانستان في عهد بايدن، يدرك أن استقرار سوريا ضروري لأمن المنطقة، وأن البلاد لا تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل.
لكنّ هذا التوجه يصطدم بعقبة أساسية: نفوذ نتنياهو واللوبيات المؤيدة لإسرائيل في واشنطن، والتي تضغط لتوسيع هامش مناورة تل أبيب في سوريا.
وبدلاً من ممارسة ضغط منهجي على نتنياهو، يجد ترامب نفسه مضطراً للحديث عن "أمن إسرائيل"، مما يحد من قدرته على فرض سياسة أميركية مستقلة في الشرق الأوسط.
ولفت الكاتب النظر إلى أن ضعف الحسم الأميركي في التعامل مع نتنياهو يعكس معضلة أوسع في السياسة الخارجية لواشنطن، حيث توازن الإدارة بين الرغبة في تقليص الانخراط العسكري في الشرق الأوسط، والحاجة للحفاظ على التحالفات التقليدية، وعلى رأسها إسرائيل.
وهذه الازدواجية تجعل من كل أزمة – مثل أحداث السويداء – اختباراً لمدى قدرة الولايات المتحدة على فرض رؤيتها أو الاستمرار كقوة "تحتوي الأزمات" دون حل جذري.
وبهذا، فإن الخلاف بين واشنطن وتل أبيب حول مستقبل سوريا بات واضحاً. فالولايات المتحدة تفضّل سوريا موحدة ومستقرة، فيما تعمل إسرائيل على إضعافها وإبقائها منقسمة لضمان استمرار تفوقها الإقليمي.
ومع افتقار واشنطن للإرادة السياسية اللازمة لفرض رؤيتها، يبقى نتنياهو اللاعب الأكثر تأثيراً، والذي يقدر على دفع المنطقة إلى أزمات متتالية، حتى لو أدى ذلك إلى اقتراب واشنطن من مواجهة مباشرة مع إيران.