"تماس مباشر".. لماذا ساند الأردن القيادة السورية في احتواء أحداث السويداء؟

"لدى الأردن مخاوف تتعلق بمسألة الانفصال الجغرافي في سوريا"
دور الأردن عقب اندلاع الاشتباكات في محافظة السويداء السورية المجاورة، تجاوزَ التحركات السياسية لخفض التوتر؛ نظرا لوجود عوامل مؤثرة على التركيبة الاجتماعية في المملكة.
فمنذ دخول قوات العشائر العربية السورية لمساندة البدو في مواجهة فصائل محلية درزية موالية لرئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء حكمت الهجري، قادت الأردن جهودا إقليمية لنزع فتيل التوتر.
احتواء الأزمة
وأدّت مشاهد القتل وتهجير عوائل من بدو ريف السويداء جنوب البلاد من قبل مليشيات موالية لحكمت الهجري، في 17 يوليو/تموز 2025 إلى زحف عشرات الآلاف من المقاتلين الذين ينتمون إلى العشائر السورية نحو هذه المدينة.
وأعلن شيوخ القبائل والعشائر من كل المحافظات النفير العام؛ دعما لعشائر البدو في السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وقالت العشائر خلال بيان في 17 يوليو: "نتابع بقلق بالغ ما ترتكبه مليشيا الهجري الإرهابية من جرائم قتل وإبادة بحق عشائر البدو في السويداء، وما خلَّفته من تهجير وتشريد للأهالي الأبرياء".
وأضافت "انطلاقا من واجبنا الأخلاقي والقبلي، نطالب الحكومة بعدم التدخل أو عرقلة تحرك المقاتلين الذين قَدِموا من خارج المنطقة، فزعة ونصرة لإخوانهم من عشائر البدو، فهؤلاء يمارسون حقهم المشروع في الدفاع عن المظلومين وردّ العدوان عن النساء والأطفال والشيوخ".
ووجَّه البيان المصوَّر "نداء للعشائر في كل المحافظات السورية للتوجه فورا إلى السويداء لإنقاذ أهلنا من المذبحة والتطهير العرقي".
وأمام ذلك، ظهر استنفار كامل للجيش الأردني على الحدود مع سوريا منذ 18 يوليو 2025 بعد تصاعد التوترات في السويداء، ووقوع قتلى بالعشرات من الطرفين.
يأتي ذلك وسط ارتفاع حدة الخطاب التحريضي، وخشية وقوع صدامات عشائرية في الجانب الأردني نظرًا لوجود ترابط عشائري هناك بين البلدين المجاورين.
إلا أن جهودا دولية كانت تحثّ الخطا مسرعة لتهدئة التوتر في السويداء؛ حيث أعلنت وزارة الخارجية الأردنية، عبر بيان في 19 يوليو 2025 التوصل إلى تفاهم ثلاثي أردني سوري أميركي مشترك، بشأن اتخاذ خطوات عملية تستهدف دعم سوريا في تنفيذ اتفاق تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء.
وجاء هذا الإعلان بعد عقد لقاءين، الأول ثنائي جمع بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي والمبعوث الأميركي إلى سوريا وسفير الولايات المتحدة لدى تركيا توم باراك.
ثم لقاء ثلاثي جمعهما مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني؛ لبحث تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُنجز في محافظة السويداء، "حماية لسوريا ووحدتها ولمواطنيها، وبما يحقن الدم السوري، ويضمن حماية المدنيين، وسيادة الدولة والقانون".
مصلحة جيوبوليتيكية
وأكد رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان أن المملكة “لعبت دورا كبيرا في احتواء الأزمة” التي شهدتها محافظة السويداء خلال الأيام الماضية، مشيرا إلى أن الأمور على الحدود "تتجه نحو الاستقرار".
وأوضح حسان في كلمة خلال جلسة لمجلس الوزراء في 22 يوليو، أن المملكة "تقف بجانب السوريين في تحقيق أهدافهم بكل الوسائل الدبلوماسية، وتساعدهم في مختلف المجالات، سواء في الدفاع المدني أو الخبرات الفنية أو المساعدات الإنسانية أو التعاون في مجال الإدارة وغيرها".
وأضاف أن "العلاقة مع الحكومة السورية ممتازة، وهناك تواصل وتعاون في جميع القطاعات، وقد بدأنا مشاورات في غاية الإيجابية، وهناك تفاؤل كبير بالمستقبل". بحسب ما نقلت قناة "المملكة".
وأشار حسان إلى أن الأردن يهدف إلى أن تنهض سوريا وتكون قوية، مستقرة، مزدهرة، وموحدة، وأن تحافظ على سيادة أراضيها. مضيفا "قمنا بدور أساسي في سوريا خلال الأيام الماضية، وكان لنا دور دبلوماسي كبير في احتواء الأزمة، وإن شاء الله تستقر الأمور ونمضي قدما".
وسبق ذلك تأكيد العاهل الأردني عبد الله الثاني دعم بلاده لأمن سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها.
وأفاد الديوان الملكي بأن العاهل عبد الله أكد خلال لقائه برئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، في أوتاوا، دعم الأردن لأمن سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها، بما يضمن سيادتها وسلامة مواطنيها.
تأكيد الأردن على دعم القيادة السورية الجديدة جاء في ظل تجاهل المملكة طلبَ حكمت الهجري في 17 يوليو 2025 بفتح ممرات من محافظة السويداء، باتجاه مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمال شرقي البلاد، ومن الأردن المجاورة.
ودعا الهجري، عبر بيان في 16 يوليو، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "لإنقاذ السويداء"، في استقواء علني بعدوِّ السوريين ومن يحتل أرضهم.
وعقب بيان الهجري بساعات قليلة، وتزامنا مع عمليات الجيش في السويداء لحفظ الأمن، شن الجيش الإسرائيلي عدوانا كبيرا على سوريا، شمل غارات على أكثر من 160 هدفا في 4 محافظات؛ هي السويداء ودرعا المتجاورتان، وريف دمشق ودمشق التي قصف فيها مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي بالعاصمة.
وضمن هذا السياق، قال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد: إن "الأردن ساعد بشكل كبير جدا الحكومة السورية الجديدة في مواجهة ما جرى في السويداء، وذلك لأسباب كثيرة ترتبط بالبُعْد العشائري الذي يمتدّ من حوران ومنطقة السويداء إلى الأردن".
وأضاف الأسعد لـ"الاستقلال" أن "الامتداد الاجتماعي والعشائر على طرفي الحدود يجعل عشائر الأردن على تماسّ مباشر بالأحداث بالسويداء من الاعتداء على عشائر البدو من قبل مليشيا الهجري، خاصة من ناحية وجود مصاهرة بين تلك العشائر في سوريا والأردن".
ولفت إلى أن "الأردن خشي منذ البداية من انتقال تأثير ما جرى في السويداء إلى محطيه الداخلي الذي يحتوي بطبيعة الحال عشائر درزية أيضا".
ونوَّه الأسعد إلى أن "الطرف الأردني كان ضامنًا إلى جانب الأتراك والأميركان؛ نظرا لوجود مصلحة جيوبوليتيكية للأردن في سوريا والعكس صحيح؛ إذ إن العشائر الموجودة بمحيط الحدود الأردنية هم عرب الجبل".
مخاوف حقيقية
لقد بدا الموقف الأردني غير متردد في منع محاولات عزل السويداء من قبل الهجري، وفتح الباب أمام إسرائيل للتدخل بشكل أكبر في الشأن السوري.
وظهرت حشود متأهبة، وأرتال عسكرية ضخمة أردنية، وجنود على أتمّ الاستعداد للتحرك فورا، خاصة في محافظة الزرقاء الأردنية، بعد تفاقم الأوضاع على الجانب الآخر من الحدود مع سوريا؛ خشية امتداد الاشتباكات إلى الطرف المقابل.
ودلت تلك التحركات على حجم الضغط الأردني على الهجري، خاصة أن السويداء تقابل الأردن ويطمح الهجري في فتح معبر كشريان حياة إليها تنفيذا لمشاريعه، إلا أن عمّان رفضت ذلك.
وهذا ما يشير إليه أستاذ العلوم السياسية في الأردن، بدر الماضي، بقوله: إن “لدى الأردن مخاوف تتعلق بمسألة الانفصال الجغرافي في سوريا وتأثيراتها المستقبلية على الأمن القومي الأردني وهي قضية تقلق الأردنيين إلى حد كبير”.
وأوضح الماضي خلال تصريحات صحفية في 19 يوليو، أن "مخاوف الأردن تأتي من التدخل الإسرائيلي الهادف إلى بقاء المنطقة مضطربة، بمعنى أن تكون سوريا غير موحدة بما يعني إمكانية نقل هذه الاضطرابات إلى الأردن فيما بعد".
وأكَّد أن "مصلحة الأردن تكمن في بقاء السويداء جزءا لا يتجزأ من سوريا، وألا يكون هناك أي انفصال أو تقسيم على أساس جغرافي أو إثني أو اجتماعي، لكون هذه الانقسامات سينتقل أثرها السلبي للدول المجاورة، ومن ثم السماح باختراقات مجتمعية هنا وهناك من قبل إيران وإسرائيل".