إضراب سنغالي في موريتانيا والسلطات تشن حملة اعتقالات.. ما الأسباب؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

تعيش موريتانيا على صفيح ساخن بسبب ممارسات السلطات المحلية ضد المهاجرين السنغاليين، وسط جدل بشأن حقوق المهاجرين من جهة، والتزامات الدولة في مواجهة الهجرة غير النظامية من جهة ثانية.

حيث أعلن الاتحاد العام للجمعيات والتجمعات السنغالية في موريتانيا (FAGSEM)، تعليقا شاملا للعمل لمدة 48 ساعة في عموم البلاد، خلال يومي 16 و17 يوليو/تموز 2025، احتجاجا على ما وصفه بـ"التوقيفات التعسفية والممارسات غير الإنسانية" التي يتعرض لها بعض أفراد الجالية.

ووفق موقع "السراج" الموريتاني أكد الاتحاد، أن "قراره يأتي بعد توقيف مواطنين سنغاليين في منازلهم وأماكن عملهم، بل وحتى في الشوارع".

واسترسل: "فضلا عن تمزيق بعض الوثائق القانونية، مما تسبب في حالة من الخوف دفعت العديد من أفراد الجالية إلى التوقف عن العمل أو تجنب الذهاب إلى المستشفيات".

وطالب الاتحاد بوقف التوقيفات العشوائية، واحترام الوثائق القانونية، وتوسيع مراكز استقبال طلبات الإقامة، وتعزيز الدعم القنصلي للجالية.

وأكد "ضرورة معاملة الجالية السنغالية في موريتانيا باحترام، أسوة بالمعاملة التي يحظى بها المواطنون الموريتانيون في السنغال".

وسبق أن قامت الحكومة الموريتانية في مارس/آذار 2025 بحملة تهجير للأجانب الذي يقيمون على أرضها بطريقة غير قانونية، ونالت الحملة عددا من الأجانب من ضمنهم رعايا بعض الدول المجاورة مثل السنغال ومالي وغامبيا.

وردا على الحملة التي شملت السنغاليين، قالت وزيرة الخارجية والتكامل الإفريقي في السنغال ياسين فال وقتها: إن "السلطات العليا تعرب عن أسفها واستيائها من ظروف الاحتجاز والترحيل القسري الذي نال رعاياها في موريتانيا".

في المقابل، لوّح رئيس الوزراء في السنغال عثمان سونكو، بإمكانية اللجوء إلى مبدأ المعاملة بالمثل تجاه الجالية الموريتانية التي تقيم في السنغال، إذا لم تفض المناقشات الجارية بين البلدين إلى حل يسمح للسنغاليين بالإقامة في موريتانيا من دون إجراءات معقدة.

اتفاقية ثنائية

تأتي هذه التطورات رغم التوقيع على اتفاقية ثنائية جديدة بين موريتانيا والسنغال، والتي قيل إنها ستُحدث نقلة نوعية في الحصول على تصاريح الإقامة لمواطني البلدين.

ووفق موقع "seneplus" السنغالي، 06 يوليو 2025، فقد انخفضت تكلفة تصريح الإقامة بشكل كبير بفضل هذه الاتفاقية، والتي انتقلت من 30 ألف أوقية إلى 3 آلاف أوقية، أي بنسبة 90 بالمئة.

وذكر أن هذا التخفيض الكبير يأتي استجابة لمطلب قديم من الجالية السنغالية في موريتانيا، مشيرا إلى أنه تم الاتفاق أيضا على أن يتقدم المهاجر بعد ثلاثة أشهر من الإقامة بأرض شنقيط، بنسخة من وثيقة الهوية البيومترية وبطاقتهم القنصلية إلى دوائر الهجرة لتجديد إقامتهم.

لكن، يستدرك الموقع، ورغم هذا التقدم، يُعرب ممثلو الجالية السنغالية عن قلقهم، إذ يتطلب تجديد البطاقات الآن إثبات الدخل، وهو شرط مُعقد للعديد من عمال القطاع غير الرسمي - عمال البناء، وعمال النظافة، والنجارين - الذين يُشكلون غالبية المهاجرين السنغاليين.

وذكرت أن زعماء المجتمع المحلي السنغاليين بالبلدين طالبوا الحكومتين إلى تعميق المفاوضات لتخفيف متطلبات التجديد، مؤكدين أن سهولة الحصول على التصريح الأولي ستفقد فعاليتها بدون إجراء تجديد يتكيف مع الواقع الاقتصادي للمهاجرين.

وتمثل الاتفاقية، التي ما تزال بحاجة إلى المصادقة عليها من قبل الجمعيات الوطنية في كلا البلدين، خطوة مهمة في تسهيل التنقل بين البلدين الجارين.

هذا واتخذت السنغال خطوات دبلوماسية عديدة في هذا الملف، ففي يناير/كانون ثاني 2025، زار رئيس الوزراء عثمان سونكو نواكشوط لمناقشة تسوية أوضاع المواطنين السنغاليين. وفي أعقاب هذه الزيارة، وافقت موريتانيا على خفض رسوم تصاريح الإقامة وتسهيل الإجراءات.

وفي مارس/آذار 2025، زارت وزيرة الخارجية ياسين فال موريتانيا أيضا. واستقبلها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وسلمته رسالة من الرئيس السنغالي بسيرو ديوماي فاي، حيث كان موضوع الهجرة القضايا الثنائية المشتركة وفق إعلام البلدين.

تنبه موريتاني

دفعت هذه المستجدات بمفوض حقوق الإنسان الموريتاني، سيدي أحمد اعلي ولد بنان، إلى التأكيد أن "الشراكة الإستراتيجية المعتمدة من قبل موريتانيا في التعامل مع ملف الهجرة لا تتضمن استقبال مهاجرين غير نظاميين، عكس ما يشاع بهذا الخصوص".

وشدد ولد بنان وفق موقع "الأخبار" المحلي، في 14 يوليو 2025، أن "موريتانيا ترحب بجميع المهاجرين الذين يتمتعون بوضع قانوني".

وأوضح المسؤول الحقوقي الموريتاني أن بلاده "تتبنى مقاربة شاملة تعالج قضايا الهجرة وفقا للالتزامات الوطنية والدولية"، لافتا إلى أن الحوار الإقليمي المشترك يعكس الموقف الوطني في هذا المجال.

وأشار ولد بنان إلى أن قطاعه يعمل على تنفيذ إصلاحات جوهرية تهدف إلى تحسين المنظومة القانونية الخاصة بحقوق الإنسان، وتعزيز أطر العدالة الجنائية، بالإضافة إلى تطوير البنى المؤسسية وتحسين أداء الهيئات العاملة في هذا المجال.

ونوه ولد بنان إلى جهود الحكومة في ملف المهاجرين غير النظاميين، مشيرا إلى أن موريتانيا لا تنطلق من فراغ، بل من إرادة سياسية قوية تحكمها رؤية منسجمة مع متطلبات الأمن واحترام حقوق الإنسان.

وخلص إلى أن "الدولة لا تقبل استغلال هذا الملف في غير محله، أو تحميلها أعباء لا تستند إلى اتفاقيات واضحة".

رأى رئيس جمعية "معا من أجل مستقبل أفضل" عبد الله ديالو، أنه لا يمكن وصف الوضع بموريتانيا سوى بأنه حرج، وبشكل خاص بالنسبة للمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى.

وتابع ديالو لـ "الاستقلال"، حيث تنفذ موريتانيا منذ نهاية فبراير/شباط 2025، حملة اعتقالات وطرد للمهاجرين غير النظاميين.

وذكر الناشط الحقوقي السنغالي المقيم في موريتانيا أن "هناك عمليات ترحيل يومية، حتى إن الشرطة تعتقل أشخاصا من منازلهم، ورجالا في طريقهم إلى العمل..."، مردفا: "لم تعد عمليات الترحيل تؤثر على المهاجرين العابرين فحسب، بل على الجميع".

وأوضح أنه تم إرسال العديد من المهاجرين المعتقلين إلى روسو في السنغال على الحدود الموريتانية. وهذا ما حدث معه هو نفسه، بعد أن ألقت الشرطة القبض عليه في نواكشوط العاصمة.

وزاد: "يقولون لك: أنت أجنبي، أليس كذلك؟ وما أن تقول نعم، يتم اعتقالك لمدة يومين"، مردفا: "تعرضنا للسجن في مركز حيث إذا لم يكن لدى الشخص المال لشراء الطعام، فسوف يموت في الزنزانة".

وأردف: "رغم أن موجات الاعتقالات التي كانت تحدث في السابق، أثرت بشكل رئيس على المهاجرين الذين تم اعتراضهم في طريقهم إلى أوروبا، إلا أن الاعتقالات التي وقعت أخيرا شملت جميع المهاجرين".

وأشار ديالو إلى أن العديد من المواطنين السنغاليين في موريتانيا تم اعتقالهم ثم إعادتهم إلى بلادهم، واليوم هناك خوف حقيقي من التوقيف والاعتقال. يحدث ذلك كل يوم.

وهذا الخوف محسوس في الشوارع، بحسب عبد الله ديالو، الذي شرح أنه في السابق، كان المهاجرون يشغلون الكثير من الوظائف البسيطة مثل سائقي سيارات الأجرة وسائقي التوك توك، لكن الآن، "نشهد غيابا حقيقيا للمهاجرين في المدينة. الناس يختبئون".

من جانبه، قال الكاتب الموريتاني محمد عالي الهاشمي، إنه على الرغم من محاولات الحكومة الموريتانية تنظيم ملف الهجرة، إلا أن هناك ملاحظات عدة يمكن تسجيلها في هذا الصدد.

وأضاف الهاشمي لـ "الاستقلال"، فقد تلقى النظام الموريتاني إشادات من بعض المنظمات الدولية على تعامله المتوازن مع المهاجرين، بينما انتقدته بعض المنظمات الحقوقية، التي رأت أن السياسات الموريتانية قد تكون قاسية في بعض الأحيان على المهاجرين..

وذكر الكاتب أن منظمات دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" تؤكد على ضرورة أن تواكب السياسات الموريتانية التزاماتها الدولية في حماية حقوق الإنسان.

واسترسل، في المقابل، يعبر البعض عن قلقهم من تأثير هذه الظاهرة على التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، في ظل الارتفاع المستمر لتدفع المهاجرين غير الشرعيين إلى موريتانيا.

ورأى أن تنامي هذه الهجرة، يجعل السلطات الموريتانية ما تزال تواجه تحديات كبيرة في التعامل مع أعداد المهاجرين، على الرغم من الجهود المبذولة لتنظيم الهجرة وتأمين حقوق المهاجرين.

وشدد الهاشمي أن "ظاهرة الهجرة إلى موريتانيا تظل قضية معقدة ومتعددة الأبعاد، تتطلب حلولا شاملة ومتوازنة تراعي حقوق المهاجرين، وفي الوقت نفسه تحافظ على الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي".

واسترسل، أن "الاستجابة لهذه التحديات تتطلب تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وتنفيذ سياسات هجرة قانونية، تعزز دمج المهاجرين بشكل شرعي في المجتمع الموريتاني، مع ضمان احترام حقوقهم الإنسانية".

وفي هذا الإطار، يخلص الهاشمي إلى أن "هذا الوضع يبرز الحاجة الماسة إلى إستراتيجيات مرنة، تضمن التوازن بين القيم الإنسانية ومتطلبات الأمن والاستقرار".

استطلاع برلماني

خلال مارس 2025، قامت السلطات الأمنية الموريتانية بعمليات ترحيل واسعة، لإبعاد أعداد من المتسللين الأفارقة الموجودين في موريتانيا بطريقة غير نظامية، ما أثار استياء رؤساء الجاليات السنغالية والمالية في موريتانيا، إذ اشتكوا من عمليات الترحيل وطالبوا حكوماتهم بالتدخل.

ودفعت القضية وقتها بالنائب في البرلمان السنغالي عن حزب "باستيف" الحاكم، غوي ماريوس سانيا إلى الدعوة لإنشاء لجنة استطلاع إلى موريتانيا، للاطلاع على أوضاع السنغاليين، ومواطني دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ودول كمالي، ومهاجرين من دول أخرى.

وبحسب موقع "صحراء ميديا"، قال ماريوس سانيا، النائب في برلمان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، إن "أخبارا سيئة تصله عن وضع مواطنين سنغاليين ومن جنسيات أخرى في موريتانيا".

وأوضح النائب البرلماني، أن معلومات وصلت إليه عن وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان وحملة عنصرية، ضد مواطني هذه الدول، حسب تعبيره.

وأضاف أن "عمليات التوقيف تحضيرا لترحيل هؤلاء غير إنسانية، وفقا لما قال إنها معلومات تصل إليه منذ أيام".

وأشار النائب عن حزب "باستيف" إلى أن "موريتانيا بلد مستقل ذا سيادة، يضع قوانينه وفقا لما يراه مناسبا، وعلى السنغاليين الراغبين في السفر إليها الامتثال لهذه القوانين.

غير أن وزير الثقافة والاتصال الموريتاني والناطق الرسمي باسم الحكومة، الحسين ولد مدو، رأى أن التعليقات على عمليات الترحيل تلك "مبالغ في تصويرها"، مشيرا إلى أنها تهم أشخاص دخلوا البلاد بشكل غير شرعي.

وأكد ولد مدو في تصريحات صحفية، أن العملية "جاءت تنفيذا للاتفاقيات الدولية والثنائية في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية"، وأن "هذه العمليات تمت بالتنسيق مع دول أولئك الذين تم ترحيلهم".

بدوره، حذر أستاذ علم الاجتماع بجامعة غاستون بيرجي في سانت لويس ورئيس المرصد السنغالي للهجرة، ألي تانديا، من أن غياب التنسيق بين دول المنطقة يجعل من الهجرة غير النظامية قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار الإقليمي.

وأضاف تانديا في تصريح صحفي محلي، أنه "لا يمكن لأي دولة بمفردها إيقاف هذه الظاهرة، لأن دوافعها عابرة للحدود الحل الوحيد يكمن في التعاون الإقليمي ووضع سياسات شاملة تراعي أبعاد الهجرة الاقتصادية والإنسانية والأمنية".

وأكد تانديا أن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي، بل يجب التفكير في حلول تنموية حقيقية وتوفير بدائل واقعية للشباب داخل بلدانهم، وإذا لم يتم التحرك بسرعة فقد تنفجر الأزمة، وتتحول إلى نزاع إقليمي مفتوح.