من رمز تفوق تكنولوجي إلى نموذج للهشاشة..كيف تنتصر المقاومة على "الميركافا"؟

منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

نشر المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية (IARI) تقريرا تحليليا معمقا يتناول الأداء الميداني لدبابة "ميركافا" الإسرائيلية خلال العمليات البرية في قطاع غزة.

مسلطا الضوء على التحول الدراماتيكي من رمز للتفوق التكنولوجي إلى نموذج مكشوف للهشاشة في الحروب الحضرية.

ويشير التقرير إلى أن الخسائر المتكررة لهذه المدرعة، سواء عبر عبوات ناسفة بدائية أو صواريخ مضادة للدروع محلية الصنع، تهدّد جوهر العقيدة الأمنية الإسرائيلية القائمة على الردع المطلق والسيطرة التكنولوجية. 

كما يرصد التقرير تطور التكتيكات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، التي استثمرت في البساطة والمرونة والمعرفة الجغرافية، مما أدى إلى كسر "أسطورة الحصانة" التي أحاطت بدبابة ميركافا لعقود.

وهم الحصانة التكنولوجية

وفي هذا السياق، يؤكد التقرير الإيطالي أن حرب المدن حطمت أسطورة "الميركافا". مشيرا إلى أن "الدبابة التي وصفت بأنها الأكثر تقدما في العالم أصبحت هدفا سهلا وسط أنقاض غزة". 

وتابع أن "هذه الآلية، التي شكلت رمزا للتفوق التكنولوجي الإسرائيلي، تحوّلت إلى رمز للهشاشة والضعف الإستراتيجي، بعد أن استهدفت بالصواريخ المصنعة محليا، والعبوات الناسفة والطائرات المسيرة.

وبحسب التقرير، فإن "إسرائيل لم تخسر فقط آليات مصفحة، بل فقدت أيضا يقينها بأنها القوة التي لا تقهر".

وأوضح التقرير أن الأشهر الأخيرة من القتال في غزة قد طرحت تساؤلات جدية بشأن أحد أعمدة التفوق العسكري الإسرائيلي. 

فقد تعرضت دبابة ميركافا "إم كي 4"، التي يطلق عليها كثير من المحللين وصف "الأكثر تطورا عالميا"، لخسائر غير متوقعة على يد مقاتلين فلسطينيين مسلحين بقاذفات "آر بي جي" محلية الصنع وعبوات ناسفة وتكتيكات غير تقليدية.

وأشار التقرير، نقلا عن مصادر إسرائيلية ودولية، إلى أنه منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى اليوم، تمَّ تدمير أو إتلاف أكثر من 500 مركبة مدرعة إسرائيلية، من بينها وحدات عديدة من طراز ميركافا "إم كي 4"، النسخة الأحدث من الدبابة الثقيلة.

وطرح التقرير تساؤلات بنيوية تأسيسية: “هل لا يزال نموذج التفوق التكنولوجي قابلا للاستمرار في سياق الحروب الحضرية وغير المتكافئة؟ وكيف ستتغير العقيدة الإستراتيجية الإسرائيلية في مشهد بدت فيه أدوات الردع التقليدية تتصدع؟”

معطيات تقنية 

وفيما يتعلق بالخصائص الرئيسة لدبابة الميركافا "إم كي 4"، قال التقرير: إن الدبابة تمثل جوهرة سلاح المدرعات الإسرائيلي. 

مشيرا إلى أنها "أُدخلت إلى الخدمة عام 2004، لتلبية حاجة جوهرية في العقيدة الدفاعية الإسرائيلية: حماية الطاقم بأي ثمن، حتى ولو على حساب السرعة أو المرونة في البيئات المعادية".

وأوضح أن "هذا المبدأ يتجسد في تصميم الدبابة؛ حيث وُضع المحرك في الجهة الأمامية ليشكل حاجزا إضافيا عند حدوث اختراق محتمل".

وعلى المستوى التقني، أفاد التقرير بأن ميركافا "إم كي 4" مزودة بما يلي:

  • دروع مركبة تفاعلية، مصممة للتصدي للرؤوس الحربية الكبيرة (HEAT) والمقذوفات الخارقة للدروع (APFSDS).
  • محرك ديزل V12 بقوة 1500 حصان، يسمح بسرعة قصوى تقارب 64 كم/ س على الطرق.
  • مدفع أملس بعيار 120 ملم، متوافق مع مجموعة واسعة من الذخائر الحديثة.
  • نظام C4I كامل (قيادة وتحكم واتصالات وحوسبة واستخبارات)، يتيح للدبابة العمل ضمن شبكة رقمية متكاملة مع باقي الوحدات.

لكن -حسب التقرير- "يبقى العنصر الأبرز والأكثر احتفاء في ميركافا هو نظام الحماية النشط (تروفي) الذي طورته شركة Rafael Advanced Defense Systems". 

ويقول التقرير: إن "هذا النظام يعدّ من التقنيات القادرة على اعتراض وتحييد الصواريخ المضادة للدبابات، من خلال شبكة رادارات ومستشعرات تفعل قذائف مضادة قبل وصول المقذوف المعادي إلى الهدف". 

وقد اختُبر هذا النظام على نطاق واسع ميدانيا، ويعد حاليا الأكثر فاعلية على مستوى العالم.

وأشار التقرير إلى أن النسخة المطورة "ميركافا إم كي 4 - باراك"، دخلت الخدمة بدءا من عام 2022، وقد صممت خصيصا للقتال في بيئات حضرية عالية التهديد. 

وأفاد بأن هذه النسخة تضمنت بنية إلكترونية متقدمة، تشمل مستشعرات متعددة الطيف، ورادارات مدمجة، وقدرات حوسبة فائقة. إضافة إلى أنظمة ذكاء اصطناعي مدمجة، تساعد القائد على التعرف على التهديدات وإدارة المعركة. وخوذة عرض افتراضي (VR) متقدمة من طراز Elbit IronVision، تتيح رؤية محيطية من داخل الدبابة، مستفيدة من معطيات المستشعرات الخارجية.

قصة مغايرة

وفي حين كان من المفترض أن تشكل "باراك" الحل الأمثل لحرب المدن، يقول التقرير: إن الوقائع الميدانية تروي قصة مغايرة.

حيث نقل التقرير عن مصادر ميدانية متعددة في غزة، أن ما لا يقل عن 12 دبابة ميركافا قد دُمّرت أو تُخلي عنها، العديد منها من النسخة الأحدث. 

وأفاد بأن أبرز الخسائر سجلت شمال القطاع، في منطقة جباليا، وجنوبا، في الأحياء المدمرة بمنطقة خان يونس.

وبحسب ما أورده موقع "Defence Blog" في تقرير نشر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، فإن دبابة ميركافا باراك قد دمرت بالكامل بواسطة عبوة ناسفة شديدة الانفجار زرعت تحت الإسفلت. 

وأوضح أن "العبوة، التي فعّلت عن بعد، أصابت الجزء السفلي من الدبابة، وهو أحد المناطق القليلة التي لا يغطيها نظام تروفي بشكل كامل". 

لافتا إلى أن "الضربة تسببت بمقتل الطاقم وتدمير وحدة المحرك والبرج بالكامل". كما أكدت صور أقمار صناعية لاحقة حجم التدمير الشامل للآلية.

كذلك وثق موقع "The Electronic Intifada"، في ديسمبر/ كانون الأول 2024، حادثة أخرى، تعرضت فيها دبابة ميركافا لضربة جانبية بصاروخ آر بي جي محلي الصنع خلال كمين في شرق خان يونس. 

وذكر التقرير أن المقاتلين الفلسطينيين استخدموا شحنات مجوفة معدلة محليا، مثل "الياسين 105". 

وأفاد بأنها قادرة على تجاوز مستشعرات تروفي الجانبية من خلال زوايا منخفضة وهجمات متزامنة من عدة اتجاهات. 

وذكر أن الدبابة تُركت في الموقع، ثم فجرتها قوات الاحتلال لاحقا لتفادي استيلاء الحركات الفلسطينية عليها.

وخلص التقرير إلى أن "هذه الحوادث، رغم أنها ليست منهجية بعد، إلا أنها تكسر أسطورة مناعة دبابة ميركافا، وتؤكد أنه حتى أكثر الآليات تطورا قد تربكها تكتيكات قتالية خفيفة ومرنة ومصممة خصيصا للبيئة الحضرية".

أفاد التقرير بأنه "بينما راهنت إسرائيل بالكامل على التفوق التكنولوجي، سلكت الفصائل الفلسطينية في غزة المسار المعاكس".

موضحة أن هذا المسار يشتمل على "تعظيم فاعلية الموارد المتاحة، وتكييفها مع بيئة القتال الحضري بذكاء تكتيكي لافت". 

وأوضح أن "المقاومة، في أرض محاصرة وبنية تحتية مدمرة ووصول محدود إلى أسلحة تقليدية، طورت سلسلة إنتاج محلية لصناعة أسلحة بسيطة ولكنها قاتلة؛ تحديدا لأنها صممت لضرب نقاط ضعف الآليات الإسرائيلية".

كما أشار التقرير إلى أن "من أبرز رموز التسليح لدى المقاومة تبرز قاذفة الياسين 105، المصنوعة يدويا في غزة، والتي تعد تطورا لسابقاتها (ياسين 1) و(ياسين 2)". 

وأوضح أن طراز 105 مزود برأس حربي مزدوج، صمم خصيصا لتجاوز الدروع التفاعلية المركبة مثل تلك المستخدمة في دبابة "ميركافا إم كي 4".

وأفاد بأن "الشحنة الأولى من الرأس الحربي تهدف إلى (حرق) الدرع التفاعلي، بينما تخترق الشحنة الثانية المعدن المتبقي وتحدث أضرارا بنيوية جسيمة".

وأكد التقرير، نقلا عن موقع "Electronic Intifada"، أن "هذه القاذفات استخدمت مرارا ضد دبابات ميركافا، خصوصا في مناطق مكتظة مثل الشجاعية وخان يونس؛ حيث مكنت الزوايا الجانبية أو المائلة من استهداف المناطق الأقل تحصينا من الدبابة، مثل مؤخرة البرج أو نقطة التقاء الهيكل بالبرج".

عبوات ناسفة ومسيرات

إضافة إلى ذلك، تحدث التقرير عن سلاح آخر بالغ الفاعلية؛ يتمثل في العبوات الناسفة، التي يقول: إنها "غالبا ما أثبتت فعاليتها الكبرى في تدمير أو تعطيل الدبابات الإسرائيلية، متجاوزة حتى نظام تروفي". 

وأوضح أن "هذه العبوات تزرع في المسارات المتوقعة لحركة الآليات، وتخفى غالبا تحت الأنقاض أو في شوارع ضيقة تعدل عمدا لهذا الغرض". 

وأشار إلى أن "بعض هذه العبوات، بحسب مصادر Defense-Blog وArmy Recognition، يتم التحكم بها عن بعد وتفجر بدقة عندما تكون الآلية مباشرة فوق نقطة التفجير، ما يعظم التأثير".

وأضاف أن "النماذج المتطورة، المصنوعة من متفجرات عالية القدرة مثل TNT أو RDX، تستطيع اختراق ما يصل إلى 500 ملم من الفولاذ المركب، مما يجعل حتى حماية ميركافا السفلية غير ذات جدوى". 

كما وثق التقرير حالات متعددة انقلبت فيها الدبابات بالكامل، ما أدى إلى مقتل الطاقم وتدمير العربة.

كذلك أفاد التقرير بأن المقاومة الفلسطينية بدأت، منذ عام 2023، في استخدام طائرات مسيرة معدلة لتنفيذ هجمات عمودية. 

وأوضح أن "هذه الطائرات الصغيرة المصنوعة يدويا تحمل بعبوات ناسفة أو قنابل تسقط سقوطا حرا، وتوجه نحو الدبابات لاستهداف سطح البرج أو فتحات التهوية؛ حيث تكون الحماية في أدنى مستوياتها".

وأشار إلى تحليل نُشِر للكاتب جون إلمر في Electronic Intifada، يظهر أن "هذه الهجمات تنسق غالبا مع كمائن أرضية، ما يؤدي إلى تداخل محاور الهجوم ويربك نظام تروفي، المصمم أصلا للتعامل مع تهديد واحد من جهة واحدة".

ويؤكد المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية أن "الميزة الإستراتيجية الحقيقية لهذه الأسلحة لا تكمن فقط في قدرتها التدميرية، بل في التلاقي بين التكتيك والتوقيت والمعرفة الدقيقة بالأرض".

مضيفا أن "المقاتلين الفلسطينيين يعملون في بيئة يعرفونها بعمق، مستغلين الأبنية والأنفاق والممرات الضيقة لحصر الدبابات في مصائد معدة مسبقا، وضربها من الزوايا العمياء، وشل حركتها قبل تدميرها".

ومن بين هذه التكتيكات، ذكر التقرير ما أسماه "التضييق الحضري"؛ أي تعديل المسارات عمدا لدفع الدبابات نحو نقاط محددة مزروعة بالعبوات.

إلى جانب شن هجمات متزامنة من ثلاث جهات (جانبية وخلفية وعلوية). وكذلك اختيار الأهداف؛ حيث يستهدف المقاومون الدبابة الأولى والأخيرة ضمن الرتل لإغلاق المسار على باقي التشكيلات، وفق التقرير.

ونقل التقرير عن مصادر إسرائيلية أن هذه الأساليب دفعت إلى مراجعة كبيرة في طريقة استخدام دبابات ميركافا؛ حيث بات العديد من الوحدات تحدّ من استخدامها في المناطق الحضرية، وتعتمد بدلا من ذلك على الطائرات المسيرة والمراقبة الأرضية.

وأشار موقع "Defense Security Asia" إلى أنه بحلول منتصف 2024، تجاوز عدد المركبات المدرعة الإسرائيلية التي دمرت أو عطلت في غزة الـ500، وهو رقم يعكس، بحسب التقرير، "صمودا تكتيكيا للمقاومة يفوق التوقعات".