رغم تعويمها الأسد.. لماذا تسعى سوريا الجديدة لتحسين علاقاتها مع السعودية؟
"المدخل الأمني والسياسي في العلاقة مع السعودية كفيل بأن يحرك الجانب الاقتصادي"
رغم مساعيها في السابق لإعادة تعويم بشار الأسد بعد إعادته للجامعة العربية، إلا أن الإدارة السورية الجديدة اختارت السعودية، كي تكون أول وجهة خارجية لها، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
وفي 2 يناير/ كانون الثاني 2025، استقبل نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، في مطار الملك خالد الدولي، وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس الاستخبارات العامة السورية أنس خطاب.
"صفحة جديدة"
وكتب الشيباني عبر منصة إكس: "خلال هذه الزيارة الأولى في تاريخ سوريا الحرة، نطمح إلى أن نفتح صفحة جديدة ومشرقة في العلاقات السورية السعودية تليق بالتاريخ العريق المشترك بين البلدين".
وبحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" فإن الوفد السوري وصل إلى العاصمة السعودية الرياض بدعوة من وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان.
والتقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في مقر الوزارة في الرياض بوفد الإدارة السورية الجديدة.
وأفادت قناة "الإخبارية" السعودية بأن اللقاء "ناقش عددا من الملفات التي تهم البلدين".
بدوره عقد وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، لقاء مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ووزير الدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات العامة في الإدارة السورية الجديدة.
ووصف وزير الدفاع السعودي اللقاء بـ "المثمر"، إذ “بحث في أثناء الاجتماع مستجدات الأوضاع في سوريا، فضلا عن سبل دعم العملية السياسية الانتقالية بما يحقق تطلعات الشعب السوري، ويضمن أمن واستقرار سوريا ووحدة أراضيها”.
وكتب وزير الدفاع السعودي عبر إكس: "لقد عانى إخواننا وأخواتنا في سوريا سنوات من الحروب والدمار والوضع المعيشي الصعب، وآن الأوان أن تستقر سوريا وتنهض وتستفيد مما لديها من مقدرات وأهمها الشعب السوري الشقيق".
وبالتزامن، دشنت السعودية مع مطلع يناير جسرا جويا إلى مطار دمشق الدولي حاملا مساعدات إنسانية من إمدادات طبية وغذائية وإيوائية "للتخفيف من الأوضاع الصعبة" على السوريين.
وقال عبدالله الربيعة المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة إن "الجسر الإغاثي الجوي الذي انطلق اليوم سيتبعه جسر بري آخر خلال الأيام المقبلة وسيقدم الإغاثة العاجلة للأشقاء السوريين".
انقلاب دبلوماسي
وقطعت السعودية، على غرار دول خليجية أخرى، علاقاتها الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد المخلوع، وأغلقت سفارتها في فبراير/ شباط 2012، احتجاجا على قمع الثورة التي اندلعت عام 2011.
وقدمت السعودية دعما سياسيا وعسكريا للمعارضة السورية قبل أن تتوقف عقب التدخل الروسي في سوريا عام 2015 عن الدعم العسكري للفصائل السورية.
وفي مارس/ آذار 2023، أعلنت السعودية إعادة علاقاتها مع نظام الأسد البائد، وقادت كذلك المملكة بعدها جهودا دبلوماسية أعادت سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية في قمة جدة التي حضرها بشار الأسد في مايو من العام ذاته.
وفور سقوط نظام بشار الأسد البائد قالت وزارة الخارجية السعودية، في بيان إنه "آن الأوان لينعم الشعب السوري الشقيق، بالحياة الكريمة التي يستحقها، وأن يسهم بجميع مكوناته في رسم مستقبل زاهر يسوده الأمن والاستقرار والرخاء، وأن تعود لمكانتها وموقعها الطبيعي في العالمين العربي والإسلامي".
ودعت الخارجية السعودية في بيان لها، "المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب الشعب السوري ومساندة سوريا في هذه المرحلة بالغة الأهمية".
وعقب ذلك التقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، في قصر الشعب بدمشق "وفدا سعوديا برئاسة مستشار في الديوان الملكي"، دون ذكر اسمه وفق ما نقلت قناة "العربية" السعودية، في 23 ديسمبر 2024،
اللافت أن قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق، اختار قناة "العربية" السعودية في أول ظهور تلفزيوني له على قناة عربية عقب سقوط الأسد.
وخلال المقابلة التي بثت في 29 ديسمبر 2024 توقع الشرع أن يكون للسعودية "دور كبير جدا" في سوريا حيث يمكن أن تستفيد من "فرص استثمارية كبرى" بعد سقوط نظام الأسد.
وأوضح الشرع أن "السعودية تسعى إلى أن يكون هناك استقرار في سوريا، يصب في صالح السعودية بشكل مباشر وصالح الخليج العربي بشكل عام".
وأكد الشرع في المقابلة أنه ولد في الرياض عام 1982 قبل أن يعود مع أسرته إلى دمشق وهو بعمر 7 سنوات.
"دور رئيس"
وضمن هذا السياق، حدد الباحث في مركز "الحوار السوري"، أحمد قربي، لـ "الاستقلال" جملة من العوامل التي تدفع الإدارة السورية الجديدة لتحسين علاقاتها مع السعودية في هذه المرحلة.
أولها كما قال قربي: "مركزية السعودية بالمنطقة خصوصا بالنسبة للدول العربية، لا سيما أن السعودية هي الدولة الأولى التي أسهمت في تعويم نظام بشار الأسد البائد".
وأضاف قربي: "الإدارة السورية الجديدة اليوم تدرك أن علاقاتها جيدة مع قطر وتركيا، لذلك تحتاج إلى استكمال علاقاتها الجيدة تلك مع الدولة المهمة في المنطقة وهي السعودية".
وأشار قربي إلى "أن أهمية السعودية في المجال الاقتصادي عامل مهم بالنسبة لسوريا المدمرة وبالتالي كل مشاريع إعادة الإعمار وما يرتبط بها إذا لم يتم دعمها من قبل السعودية فإن هذه المسار سيضع الإدارة الجديدة في سوريا أمام تحديات كبيرة".
ولفت قربي إلى أن "مفتاح باب الدعم السياسي والاعتراف بشرعية الإدارة السورية الجديدة سواء في الجامعة العربية أو في الأمم المتحدة، هو بيد المملكة العربية السعودية".
وذهب للقول: "إن السعودية لها دور من ناحية ارتباطاتها القبلية والعشائرية مع سوريا والتي لها روابط مصاهرة كذلك، وهذا عامل سيسهم في دعم المرحلة الانتقالية في البلاد".
وأردف: "وجود التعاون أو القبول السعودي سيعطي خيارات أكثر للإدارة السورية الجديدة في تنويع علاقاتها وعدم اقتصارها على قطر وتركيا للتحرك إقليما ودوليا".
حركة دبلوماسية
لقد شهدت العاصمة دمشق حركة دبلوماسية نشطة خلال الفترة الأخيرة، حيث تدفقت إليها وفود عربية ودولية للقاء السلطات الجديدة في البلاد.
وقد كان وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي أول وزير خارجية عربي يصل دمشق ويجري مباحثات مع قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع في 23 ديسمبر 2024.
وفي ذات اليوم بدأ وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي زيارة إلى دمشق على رأس وفد رسمي رفيع المستوى التقى كذلك الشرع.
بينما هاتف وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد نظيره السوري أسعد الشيباني وبحث معه "سبل تعزيز العلاقات الأخوية" في 23 ديسمبر 2024.
كما أرسل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، رئيس جهاز المخابرات العراقية حميد الشطري إلى دمشق والتقى بقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في 26 ديسمبر 2024.
وفي في 28 ديسمبر 2024 زار رئيس جهاز الأمن الإستراتيجي لمملكة البحرين أحمد بن عبد العزيز آل خليفة، دمشق والتقى بالشرع.
وفي ذات اليوم المذكور وصل إلى دمشق، وفد ليبي يرأسه وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي والتقى الشرع.
كما حضر وزير الخارجية الكويتي عبدالله علي اليحيا رفقة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمّد البديوي إلى دمشق والتقيا في 30 ديسمبر 2024 بـ أحمد الشرع في قصر الشعب.
بدوره هاتف وزير الخارجية المصري، بدر عبدالعاطي نظيره السوري، أسعد الشيباني في 1 يناير 2025.
وقالت وكالة "سانا" السوري في تدوينة على صفحتها بمنصة تلغرام: "هنأ الوزير (بدر عبدالعاطي) الشعب السوري بانتصاره، وأكد على وقوف بلاده إلى جانبه لضمان وحدة أراضيه وتعزيز الأمن والسلام.. مشيدا بالقيادة الجديدة لسوريا ومتمنيا لها التوفيق في الخطوات القادمة".
خطوات مبشرة
وعند العودة للرياض، يرى الكاتب والصحفي السعودي جاسر الجاسر، أن زيارة الوفد السوري إلى الرياض هي: "تعزيز سياسي من الدرجة الأولى من السعودية إلى الإدارة السورية الجديدة وإعطاء نوع من الشرعية ورفع مستوى التعامل والمصداقية مع هذه الإدارة عربيا وإقليميا".
وأضاف الجاسر في تصريحات تلفزيونية لقناة "العربية": "هناك قناعة سعودية بأن الخطوات السورية الحالية مبشرة، وأن لدى المملكة رغبة في عدم ترك سوريا تعيش في دوامة من الفوضى".
وأرجع الجاسر تدفق المساعدات السعودية إلى سوريا، "بمثابة مشروع إنعاش لسوريا حتى لا يكون عبء على الإدارة السورية في الاقتصادية في هذه المرحلة وأن تلتفت هذه الإدارة السورية إلى ملفات أخرى من تنظيم الدولة وألا يكون هذا التحول الذي شهدته سوريا هشا".
ورأى الجاسر أن "قدوم وزير الخارجية السوري برفقة وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات هو للتأكيد على أن سوريا عادت إلى الحضن العربي وتستحق الدعم والمساندة ودعم الاستقرار ومنع أي خرق يعيق عملية الانطلاق نحو الحكومة الجديدة".
وذهب للقول: "الخطوة التي ستعمل عليها السعودية تجاه سوريا هي المساعدة في رفع العقوبات الدولية عنها، لأن ما تقوم به المملكة ليس دعما مرحليا أو استكشافيا بل دعما مطلقا لتحقيق الأفضل لسوريا".
"إعادة إعمار"
إن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، الذي من شأنه تحسين الظروف المعيشية ودعم جهود التعافي للشعب السوري، وفق المراقبين هو أولوية كذلك في هذه المرحلة كونها تقرب البلاد خطوات نحو الأمن والاستقرار والتنمية، لا سيما أن المدن السورية كذلك بحاجة إلى إعادة إعمار ما دمرته آلة الأسد الحربية خلال السنوات السابقة.
وهنا يشير الخبير الاقتصادي السوري أسامة قاضي إلى أن "أهم بُعد اقتصادي لزيارة وفد الإدارة السورية الجديدة إلى السعودية هو الطلب الرسمي من المملكة أن تدعو لمؤتمر إعادة إعمار ودعوة كل الأشقاء العرب والأصدقاء العالميين من أجل أن تقود المملكة عملية إعمار سوريا بالتعاون مع الحكومة السورية الانتقالية وإنعاش الاقتصاد السوري ووضعه على السكة من جديد في هذه المرحلة الضرورية لتنمية الاقتصاد السوري".
وقال لـ"الاستقلال" إن "هناك أهمية في استمرار الجسر الجوي والبري من المساعدات السعودي إلى الشعب السوري إضافة إلى تقوية البنية التحتية إلى أن يتم مؤتمر المانحين الدوليين بشأن سوريا مستقبلا".
بدوره يرى الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية أيمن الدسوقي، أن "زيارة الوفد السوري يغلب عليها الطابع الأمني والسياسي، ويتضح ذلك من خلفية الوفد المكون من وزيري الخارجية والدفاع للإدارة الجديدة إلى جانب مدير الاستخبارات".
وأضاف الدسوقي لـ "الاستقلال" قائلا: "أعتقد أن الإدارة الجديدة تدرك أن المدخل الأمني والسياسي في العلاقة مع السعودية كفيل بأن يحرك الجانب الاقتصادي، وهذا ما برزت مؤشراته من خلال إرسال المملكة جسرا جويا وبريا من المساعدات الإنسانية والطبية لسوريا".
وأردف الدسوقي: "فضلا عن مراهنة الإدارة الجديدة على الموقف السعودي وعلاقاتها الدولية خاصة مع الولايات المتحدة الأميركية في عهد دونالد ترامب لحلحلة مسألة العقوبات المفروضة على سوريا".
ويعد سعر صرف الليرة السورية من أبرز التحديات المالية في سوريا، حيث كان سعر الدولار أمام الليرة عام 2011، يساوي نحو خمسين ليرة، قبل أن تتهاوى قيمة العملة المحلية بشكل تدريجي وتصل إلى 15 ألف ليرة مقابل الدولار.
لكنه فور سقوط نظام الأسد سجلت ارتفاعا ملحوظا ووصلت إلى 12 ألفا ليرة مقابل الدولار الواحد.
بحسب تقارير أممية فإن سبعة من كل عشرة سوريين يحتاجون إلى المساعدة حاليا من غذاء ودواء ومأوى.
لكن أيضا الدعم المالي مهم لإعادة تنمية سوريا والتي ستشجع السوريين في الخارج للعودة.
وبحسب ما أكدت منظمة الصحة العالمية نهاية ديسمبر 2024 فإن حوالي نصف المستشفيات السورية خارجة عن الخدمة.
وفي 25 مايو/ أيار 2024، قال البنك الدولي في تقريرين أي نحو 5.7 ملايين نسمة من السوريين يعيشون في فقر مدقع حيث تسببت الأزمات الاقتصادية المتلاحقة بعجز السكان عن تأمين احتياجاتهم الأساسية.