الاتفاق البحري بين تركيا وسوريا.. لماذا يمثل بداية حقبة جديدة في ميزان القوى الإقليمي؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

اتفاق الولاية البحرية المحتمل بين تركيا وسوريا قد يعيد تشكيل التوازنات في شرق البحر الأبيض المتوسط، ويؤثر على التحالفات الإقليمية والصراعات حول الموارد الطبيعية في المنطقة.

وبالعودة إلى الوراء، نشر مركز "أنكاسام" مقالا للكاتب التركي، إسماعيل شاهين، قال فيه إن “تركيا وليبيا وقعتا في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 مذكرة تفاهم حول تحديد الصلاحية البحرية”.

تغيير القواعد 

وأشار المركز التركي إلى أن "تلك الخطوة أثارت قلقا كبيرا لدى كل من اليونان وإدارة جنوب قبرص الرومية، حيث كان القلق الأساسي متمثلا في احتمال توقيع تركيا اتفاقيات مشابهة مع دول أخرى مثل مصر وسوريا". 

بالإضافة إلى ذلك، فقد جاءت هذه الاتفاقية في وقت كانت فيه التطورات في شرق البحر المتوسط تسير لصالح اليونان وإدارة جنوب قبرص اليونانية، فلم يكن متوقعا حدوث أي تغيير لصالح تركيا.

وسبق أن قامت إدارة جنوب قبرص اليونانية بعقد اتفاقيات مع نظام مصر ولبنان وإسرائيل بشأن مناطق الصلاحية البحرية، رغم اعتراضات تركيا وقبرص التركية، التي رأت أن هذه الاتفاقيات تتجاهل حقوق المجتمع القبرصي التركي المتساوية في الموارد الطبيعية، وأنّها تنتهك الجرف القاري التركي.

وأضاف شاهين: “لقد عارضت تركيا بشدة شرعية قيام إدارة جنوب قبرص اليونانية بعقد اتفاقيات تمثل الجزيرة بأكملها قبل التوصل إلى حل شامل لقضية قبرص، ورأت أن مثل هذه الاتفاقيات التي تخدم فقط مصالح الجانب اليوناني تُعد غير قانونية وفقا للقانون الدولي".

وبدلا من ذلك، فقد دعت تركيا إلى مقاربة شاملة لتقسيم مناطق الصلاحية البحرية وموارد الطاقة في المنطقة بناء على مشاركة جميع الأطراف ومبادئ الإنصاف، كما اقترحت عقد مؤتمر إقليمي كخطوة لتسوية النزاعات. 

إلا أن هذا الاقتراح قوبل بالرفض من قبل إدارة جنوب قبرص اليونانية وأثينا، حيث عُد تهديدا لمصالحهما الإستراتيجية.

وبالمثل، لم يُستَجَب لمقترح الجانب القبرصي التركي بإنشاء لجنة مشتركة تحت إشراف الأمم المتحدة لإدارة وتقاسم الغاز الطبيعي.

وعوضا عن قبول نماذج الحل القائمة على الإنصاف التي اقترحتها أنقرة وقبرص التركية، سعت أثينا وإدارة جنوب قبرص اليونانية إلى تشكيل تحالفات دبلوماسية وإستراتيجية، حيث حصلتا على دعم من الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة لتعزيز عزل تركيا في المنطقة والحد من علاقاتها مع الدول الإقليمية.

ومع ذلك، انهارت هذه الإستراتيجية مع توقيع الاتفاق البحري بين أنقرة وطرابلس، حيث نجحت تركيا من خلال هذه الاتفاقية في ضمان مناطق صلاحيتها البحرية في شرق المتوسط، كما حددت حدودا بحرية مع ليبيا.

وفي هذه الخطوة الإستراتيجية لم تؤمّن تركيا مصالحها فحسب، بل أبطلت أيضا مطالب اليونان التوسعية عبر مناطق الصلاحية البحرية تجاه قبرص ومصر.

وقال شاهين: “بهذا، شكلت الاتفاقية التركية-الليبية نقطة تحول في معادلة الصراع على النفوذ في شرق المتوسط، وأكدت على قدرة تركيا على تغيير موازين القوى عبر تحركات دبلوماسية وإستراتيجية مدروسة”.

فوائد إستراتيجية

ولفت الكاتب التركي إلى أن "المنطقة شهدت في السنوات الأخيرة تطورات إستراتيجية أثرت بشكل كبير على موازين القوى في شرق البحر المتوسط، وكان من أبرز هذه التطورات تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر، وكذلك انهيار نظام البعث في سوريا بعد 61 عاما من الحكم". 

وأشار إلى أن "هذه التطورات أثارت قلقا كبيرا في أثينا وإدارة جنوب قبرص اليونانية، حيث إن تعزيز التعاون بين أنقرة وكل من دمشق والقاهرة يُهدد بإضعاف مواقعهم الإستراتيجية في المنطقة".

وأضاف: "كان لإعلان وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو عن قرب توقيع اتفاقية صلاحية بحرية بين تركيا وسوريا وقع كبير في ديناميكيات المنطقة، حيث تُعد هذه الخطوة تطورا إستراتيجيا يُسهم في إعادة تحديد حدود مناطق الصلاحية البحرية بما يخدم مصالح البلدين". 

وتابع: "كما أن الاتفاقية المقترحة تُعد جزءا من الجهود التركية لتعزيز نفوذها البحري وتأكيد حقوقها في مواجهة الطموحات التوسعية لبعض الأطراف الإقليمية".

وأردف الكاتب: "بالنسبة لسوريا تُوفر الاتفاقية فرصة ذهبية لتوسيع مناطق صلاحيتها البحرية، فوفقاً للقانون الدولي تعد تركيا في موقع مميز بسبب طول سواحلها في شرق المتوسط، مما يُتيح لها القدرة على توقيع اتفاقيات تُساعد الشركاء الإقليميين على تحقيق مكاسب بحرية ملموسة". 

وأكد أن “هذه الاتفاقية ستُمكن سوريا من تعزيز مكانتها البحرية ومواجهة المطالب المبالغ فيها من قبل إدارة جنوب قبرص اليونانية، علاوة على ذلك ستساهم في تسهيل استكشاف واستغلال الموارد البحرية السورية بفضل الخبرات التركية”.

وذكر أن "تركيا تمتلك بنية تحتية متطورة وخبرة تقنية في استكشاف الطاقة، مما يجعلها شريكا إستراتيجيا لسوريا في هذا المجال، فمن خلال السفن البحثية وشركات الطاقة التركية يمكن لسوريا تسريع عمليات التنقيب عن الموارد البحرية والاستفادة منها بشكل أكثر فعالية".

وأشار الكاتب إلى أن "مثل هذا الاتفاق يمكن أن يعزز وصول سوريا إلى طرق التجارة البحرية ويوسع أنشطتها البحرية في البحر الأبيض المتوسط". 

واستطرد: “كما يمكن أن تُستخدم البنية التحتية المتطورة للموانئ واللوجستيات في تركيا، خاصة موانئ إسكندرون ومرسين، بشكل فعال لدعم المصالح الاقتصادية السورية، مما يُساهم بشكل كبير في إعادة بناء شبكة التجارة السورية بعد سنوات من التحديات”.

وشدد شاهين على أن "الدور الإقليمي القوي الذي تلعبه تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط يتيح أيضا فرصة لسوريا لتعزيز علاقاتها مع الأطراف الأخرى في المنطقة". 

وأوضح أنه "من خلال هذا التعاون يمكن لسوريا أن تستفيد من خبرات تركيا في المجالات البحرية واللوجستية، وهو ما سيسهم في تعزيز موقعها التجاري الإقليمي".

واستدرك الكاتب التركي: “هذا الاتفاق سيؤثر بشكل إيجابي كبير على تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية أيضا”.

وأوضح أن “تأثيره كالتالي، أولا، يُمكن لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا أن يُبطل الخرائط المتطرفة التي تطرحها أثينا وإدارة قبرص اليونانية، وهو الأمر الذي سيمكّن أنقرة وقبرص التركية من الدفاع بشكل أقوى عن حقوقهما المستندة إلى القانون الدولي البحري”. 

وأكد أن “هذا التطور سيُعزز التفوق السياسي والقانوني والدبلوماسي لأنقرة في شرق البحر الأبيض المتوسط، ويزيد من قدرتها على التأثير في المشاريع البحرية والطاقة الإقليمية”.

واستطرد: “ثانيا، يُمكن لهذا الاتفاق أن يُسهم في زيادة الدعم غير المباشر لنموذج الحل القائم على الدولتين، مما يُعزز مكانة وحقوق وسيادة القبارصة الأتراك في المعادلات السياسية الإقليمية، وهكذا سيصبح بإمكانهم اتخاذ موقف أكثر قوة في قضية قبرص”.

وختم الكاتب مقاله قائلا إن "هذا التعاون المحتمل بين سوريا وتركيا يمثل فرصة حقيقية لإعادة صياغة التوازنات الاقتصادية والسياسية في شرق البحر الأبيض المتوسط".

وتابع: "فمن خلال تعزيز التجارة البحرية وتوسيع نطاق التعاون الإقليمي، يُمكن أن يسهم كلا البلدين في تحقيق استقرار اقتصادي وسياسي يخدم مصالحهما المشتركة، ويُعزز من أدوارهما الإقليمية والدولية".