أسقطت الطائرة الأذرية.. هل تشعل نيران روسيا منطقة القوقاز من جديد؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

رغم اعتذار الرئيس الروسي عن حادثة إسقاط الطائرة الأذرية التي أودت بحياة 38 شخصا، فإن  رئيس أذربيجان إلهام علييف، اتهم موسكو في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2024 بـ"السعي إلى التستر على مسؤوليتها".

في هذا السياق، نشر مركز أنكاسام للدراسات التركي مقالا للكاتب "أرجون ماميدوف"، ذكر فيه أن تحطم الطائرة الأذربيجانية يشير إلى أن التوتر في العلاقات الأذربيجانية الروسية قد دخل حقبة جديدة.

علاقة هشة

تتسم العلاقات بين أذربيجان وروسيا بروابط تاريخية وتعاون إستراتيجي عميق، ومع ذلك فإن الأزمات التي تحدث بين الحين والآخر تظهر هشاشة هذه العلاقة.

وتعد حادثة تحطم الطائرة التابعة للخطوط الجوية الأذربيجانية بالقرب من مدينة أكتاو الكازاخستانية في 25 ديسمبر 2024 وما تبعها من توترات بين الطرفين، دليلا ملموسا على هذه الهشاشة.

وهذا الحادث لم يكن مجرد مأساة إنسانية، بل ألقى بظلاله على التوازنات الإقليمية ولفت انتباه الرأي العام الدولي. فالحادث الذي أودى بحياة 38 راكباً ونجاة 32 آخرين سرعان ما تحول إلى قضية دبلوماسية. 

وأكدت الحكومة الأذربيجانية أن الطائرة تعرضت للاستهداف من قبل شظايا صواريخ من نظام الدفاع الجوي الروسي "بانتسير-إس"، أثناء تحليقها فوق مدينة غروزني. 

وعلى الرغم من محاولات الطيارين للهبوط في روسيا، فإن الطائرة لم تُمنح إذنا بالهبوط في أي من مطاراتها، بل تم توجيهها بدلا من ذلك عبر بحر قزوين إلى أكتاو. 

إلى جانب ذلك تم الإبلاغ عن تشويش في أنظمة تحديد المواقع، ما يعزز فكرة أن الحادث كان ناتجا عن خطأ دبلوماسي وعسكري فادح وليس مجرد خلل فني.

وتلا الحادثة ردود فعل من الحكومة الأذربيجانية، حيث طالب رئيسها إلهام علييف بشكل صريح من روسيا بالاعتذار والاعتراف بخطئها ومعاقبة المسؤولين، ودفع التعويضات للدولة الأذربيجانية وللضحايا. 

وقد صرّح علييف أيضا بأن هذه المطالب تستند إلى المعايير الدولية، وأكد عزم أذربيجان على حل القضية بشكل عادل. 

كما انتقد التصريحات المتناقضة من روسيا، وأشار إلى أن المزاعم مثل انفجار أسطوانة الأوكسجين أو اصطدام الطائر كانت "سيناريوهات سخيفة" ولا تعكس الواقع.

وأوضح أن الأدلة مثل الثقوب في هيكل الطائرة والإصابات الناتجة عن أجزاء غريبة تؤكد تدخلا خارجيا. وأكد علييف أن جميع التفاصيل ستتضح بعد الانتهاء من فحص الصندوق الأسود.

تصريحات الجانبين

وعلى الرغم من محاولات حكومة أذربيجان إرسال رسالة قوية إلى المجتمع الدولي بشأن الحادث، فإن التصريحات الأولى التي أدلت بها روسيا قدمت صورة مختلفة تماما. 

فقد وصفت وزارة الخارجية الروسية الأخبار التي تتحدث عن محادثات بين وزارة الخارجية الأذربيجانية والكازاخستانية حول تقييم الحادث بأنها "تضليل بدوافع سياسية"، وأشارت إلى أن التحقيق في أسباب الحادث يتم بواسطة المؤسسات المختصة. 

ومع ذلك لم تجد هذه التصريحات صدى إيجابيا لدى أذربيجان، التي أكدت عزمها على كشف الحقائق من خلال عرض التناقضات الروسية على الرأي العام الدولي.

وكان الحادث سببا لإعادة فتح النقاش حول سلامة النقل الجوي في أذربيجان ومسؤولياتها الدولية. 

ففي أعقاب الحادث قررت الخطوط الجوية الأذربيجانية تعليق الرحلات الجوية على مسارات باكو-غروزني وباكو- ماخاتشكالا، بينما استمرت الرحلات الأخرى كما هو مخطط لها. 

وقد أكدت الشركة أن هذا القرار هو جزء من سياستها التي تضع سلامة الركاب في المقام الأول، حيث تعد هذه التدابير خطوة مهمة نحو تعزيز أمن النقل الجوي ومنع تكرار مثل هذه المآسي في المستقبل. 

اختبار صعب

وفي 27 ديسمبر 2024 أعلن رئيس أذربيجان علييف أن روسيا قامت بتلبية أول مطالب أذربيجان من روسيا، والمتعلق بالاعتذار عن حادثة تحطم الطائرة في أكتاو. 

ومع ذلك، لا تزال بقية المطالب مثل الاعتراف بالجريمة ومعاقبة المسؤولين ودفع التعويضات دون رد. 

وأكد علييف ضرورة إجراء تحقيق دولي شامل في الحادث، داعيا إلى تشكيل لجنة مستقلة من خبراء دوليين للبحث في القضية. 

وأشار الكاتب إلى أن هذا الموقف يعكس أن أذربيجان لا تقتصر على الدفاع عن مصالحها الخاصة فقط، بل تسعى أيضا للحفاظ على أمن الطيران الدولي. 

وأن التوتر بين أذربيجان وروسيا لا يؤثر فقط في مستقبل الروابط الاقتصادية والثقافية بين البلدين، بل له تأثيرات كبيرة على التوازنات الجيوسياسية في المنطقة.

وتابع الكاتب: لقد حظي موقف أذربيجان الحازم في كشف الحقائق بدعم واسع من الرأي العام الدولي، مما سمح بسير التحقيقات بشكل شفاف. 

ففي 24 ديسمبر أشار سفير أذربيجان لدى روسيا رحمان مصطفايف إلى أن العلاقات بين موسكو وباكو وصلت إلى مرحلة حرجة، مما أبرز تأثير حادثة تحطم الطائرة في أكتاو على هذه العلاقات. 

حيث كشفت هذه الحادثة عن فترة حرجة تتعلق بمستقبل سلامة النقل الجوي الدولي والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وتمر العلاقات بين روسيا وأذربيجان بامتحان صعب بعد التوتر الدبلوماسي الذي نشأ إثر الحادث. 

فقد طالبت أذربيجان روسيا بالاعتذار والتعويض والاعتراف بالمسؤولية أمام الرأي العام الدولي، وهو ما سلط الضوء على قضايا تتعلق بأمن الطيران الدولي والمسؤوليات الدبلوماسية. 

وفي هذا السياق، يتعين على روسيا اتباع دبلوماسية حذرة لتجنب مزيد من التقارب بين أذربيجان والغرب. 

ورغم أن بعض الخطوات مثل الاعتذار من روسيا قد تكون مؤشرا على محاولتها السيطرة على التوتر، فإن مقاومة روسيا تجاه مطالب مثل تقبّل المسؤولية بشأن هذه الجريمة ودفع العويضات تشير إلى أن التوترات قد تستمر بدرجة منخفضة. 

في الوقت نفسه، قد تهدد احتمالية تعميق أذربيجان لعلاقاتها مع الغرب تأثير موسكو على التوازنات الإقليمية.

مشاريع إستراتيجية

ممّا يبدو أن روسيا تسعى إلى تعزيز تعاونها الاقتصادي مع أذربيجان في محاولة لإعادة تقوية العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل المشاريع الإستراتيجية في قطاع الطاقة التي من المتوقع أن تلعب دورا محوريا في استمرارية هذه العلاقات. 

إلا أن بعض التصرفات، مثل الفيديو الذي تم نشره وتصويره بطريقة فكاهية في روسيا وهي استهداف سانتا كلوز بواسطة نظام الدفاع الجوي، قد أثارت انطباعا لدى البعض بعدم جدية موسكو في إدارة الأزمة. 

ومن الممكن أن ترد أذربيجان على هذه المحتويات الرمزية بصفتها محاولة للتقليل من خطورة الحادث، وهو ما قد يعزز من إستراتيجيتها لجذب المزيد من التأثير على الساحة الدولية. 

ومثل هذا التفاعل قد يؤثر بشكل سلبي على صورة روسيا الدولية، مما سيجبرها على اتباع إستراتيجية أكثر حذرا. 

ويمكن القول إن العلاقات بين أذربيجان وروسيا لن تشهد انقطاعا دائما على المدى الطويل، بسبب هذه الحادثة، لكن من الممكن أن  تأثيرات التوتر واضحة على المستويين الاقتصادي والدبلوماسي. 

وكمثال على ذلك يمكن عد تقييد أذربيجان للإقامة المؤقتة للمواطنين الروس وتعليق بعض الرحلات الجوية أحد الانعكاسات الملموسة لرد الفعل.

وعلى الرغم من ذلك، من المرجح أن تكون هذه الإجراءات بمثابة ضغط على موسكو على المدى القصير، بينما من المتوقع أن تستمر العلاقات العميقة بين البلدين في تجاوز مثل هذه الأزمات مستقبلا. 

وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: من المحتمل أن يسعى الجانبان إلى التوصل إلى تسوية عقلانية تأخذ في الحسبان استقرار المنطقة والمصالح الاقتصادية، مما يعني أن هذا التوتر سيظل في حدود نزاع دبلوماسي محدود.