أهمها القواعد العسكرية.. ما مصير اتفاقيات نظام الأسد المخلوع مع روسيا؟

منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

ما تزال روسيا تبث رسائل طمأنة إعلاميا بشأن وجودها العسكري في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وتسلم إدارة جديدة شؤون البلاد.

فرغم أن تدخل روسيا في سوريا نهاية سبتمبر/ أيلول 2015 كان لدعم بشار الأسد في قمع ثورة السوريين، فإن الإدارة السورية الجديدة لم تبدِ بعدُ رغبة في فك العلاقة مع الروس.

مراجعة العلاقات

فقد قال القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع: إن روسيا وسوريا تتمتعان بعلاقات إستراتيجية قديمة، وأكد بقاء القواعد الروسية على الأراضي السورية "مبدئيا".

وخلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أشار الشرع، الذي قاد تحالفا من الفصائل لإسقاط الأسد، إلى أن سوريا لن تستطيع أن "تنفك انفكاكا سريعا عن روسيا بهذه السرعة".

 وشدد الشرع (42 عاما) على أن الإدارة السورية الجديدة مهتمة "ببناء علاقات إستراتيجية وإعادتها مع روسيا على أساس سيادة الدولة السورية واستقرار أمنها واستقلال قرارها".

من جانبه، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في 26 ديسمبر أنه يتفق مع وصف أحمد الشرع العلاقات السورية الروسية بأنها "طويلة الأمد وإستراتيجية"، مشيرا إلى أن بلاده تعول على استئناف التعاون مع السلطات الجديدة.

وفرّ الأسد فجر 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 إلى روسيا بترتيب من الأخيرة عبر قاعدة حميميم الروسية بريف اللاذقية، ليعلن السوريون انتصار الثورة، ونهاية حقبة الاستبداد التي انطلقت منذ تولي أبيه حافظ السلطة عام 1971 بانقلاب عسكري أذاقوا فيها الشعب القتل والتشريد والدمار.

وبررت موسكو منح اللجوء لبشار الأسد وزوجته أسماء وأبنائه الثلاثة (حافظ - كريم - وابنته زين) بأنه جاء لدواعٍ إنسانية.

إلا أن الرئيس الروسي قال إنه لم يلتقِ بشار الأسد بعد وصوله إلى موسكو، لكنه أعرب عن عزمه التحدث إليه.

ورأى بوتين أن بلاده حققت أهدافها في سوريا، وأن سقوط نظام الأسد لا يشكل هزيمة لبلاده.

ولم تعلن بعد ذلك موسكو عن حدوث لقاء بين بوتين والأسد الهارب، بينما اكتفى مستشار الكرملين للسياسة الخارجية يوري أوشاكوف بالقول في 23 ديسمبر 2024: إن الرئيس فلاديمير بوتين سيلتقي الأسد.

وأضاف أوشاكوف أنه لم يتم تحديد موعد للقاء بعد، مشيرا إلى أن بلاده على اتصال مع الإدارة السورية الجديدة على المستويين الدبلوماسي والعسكري.

وكان الهدف الأساسي لموسكو من تدخلها في سوريا، هو نجاحها في توقيع عقد استئجار طويل الأجل عام 2017 لقاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية لمدة 49 عاما قابلة للتمديد لمدة 25 سنة أخرى.

وذلك إلى جانب القاعدة البحرية الروسية على ساحل طرطوس التي جرى استئجارها أيضا لـ 49 عاما والتي شكلت نقطة دعم لوجستي لقاعدة حميميم التي تبعد نحو 50 كيلومترا عنها.

وأمام ذلك، بدأت تطرح تساؤلات في الوقت الراهن، حول مصير تلك القواعد الروسية التي أعطت للكرملين نفوذا على البحر المتوسط ومنه إلى شمال إفريقيا، سواء من ناحية بقائها أو الانسحاب الكامل من سوريا.

إذ لا تخفي موسكو وجود تفاوض يمكن أن يوصف "بالبارد" مع الحكومة الجديدة في دمشق حول الوجود الروسي وشكله مستقبلا.

ونقلت وكالة "تاس" الروسية عن مصدر دبلوماسي (لم تسمّه) في 27 ديسمبر 2024، أن السلطات الجديدة في سوريا لا تعتزم إنهاء الاتفاقيات المتعلقة بالقواعد العسكرية الروسية في المستقبل المنظور.

وأكدت الوكالة أن روسيا تسعى للحفاظ على الوضع القانوني لقواعدها في حميميم وطرطوس، بما يضمن استمرار عملها وفقا للاتفاقيات المبرمة مع النظام البائد.

وأضافت "تاس" أن الجانبين يناقشان حاليا سبل ضمان عدم استخدام ظروف القوة القاهرة كذريعة لإلغاء الاتفاقيات، كما يبحثان حجم القوة العسكرية الروسية التي يمكن أن تبقى في سوريا ضمن إطار هذه التفاهمات.

 فرصة للتصحيح

وبعد سقوط نظام بشار الأسد، بدا واضحا أن الإدارة الجديدة في سوريا تميل إلى منح روسيا "فرصة لتصحيح علاقاتها" مع الشعب السوري.

وبحسب المراقبين، فإن قاعدتي حميميم وطرطوس تشكلان التهديد الأكثر إلحاحا لمستقبل موسكو في سوريا، كون تفكيك تلك القواعد سيقوض النفوذ الجيوسياسي لروسيا في الشرق الأوسط وقدرتها على فرض قوتها في المنطقة، عبر البحر المتوسط وفي إفريقيا.

ولهذا فإن موسكو تدرك أنها بحاجة لمزيد من الوقت لترتيب شكل العلاقة مع الإدارة السورية الجديدة أو المستقبلية.

 كما يهدد ذلك بإحداث انتكاسة محرجة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعد تدخل روسيا في سوريا مثالا على قدرة موسكو على استخدام القوة لرسم مجريات الأحداث في أماكن بعيدة والتنافس مع الغرب.

ولهذا نشرت "إدارة العمليات العسكرية" التابعة للإدارة السورية الجديدة قوة منها عند مدخل قاعدة حميميم الجوية.

وذلك لمنع أي اعتداءات ضدها، فضلا عن منع ضباط من نظام الأسد البائد من اللجوء إليها خلال حملة الملاحقات التي أطلقتها وزارة الداخلية الجديدة للقبض على المتورطين بجرائم ضد السوريين.

ولوحظ مع تهاوي نظام بشار الأسد نهاية نوفمبر 2024 عدم مساندة الطيران الروسي لقوات النظام السوري البائد الذي انسحب سريعا من عدد من المحافظات السورية منذ 27 من الشهر المذكور حينما بدأت الفصائل عملية عسكرية تحت اسم "ردع العدوان" للإطاحة ببشار الأسد.

وضمن هذه الجزئية، قال العقيد المنشق عن جيش النظام السوري إبان اندلاع الثورة، إسماعيل أيوب، إن "الإدارة الجديدة تهتم بهذا الملف نظرا لكون قاعدة حميميم أعطاها نظام الأسد البائد بشكل مجاني لروسيا، وبالتالي لا توجد قواعد عسكرية تمنحها الدول بشكل مجاني".

وأضاف لـ“الاستقلال”، أن الإدارة السورية الجديدة تدرك أن سلاح الجيش السوري هو بمعظمه صناعة روسية وعليه لا تستطيع الانفكاك عن العلاقة مع الروس بهذه السرعة خاصة مع وجود اتفاقيات أبرمتها روسيا مع نظام الأسد البائد تتعلق بالغاز وبالاستثمارات في كثير من القطاعات".

وأردف: "يعني أن تلك الاتفاقيات بحاجة إلى مراجعة وتصحيح لطبيعتها من قبل الحكومة السورية فعلى سبيل المثال لا يمكن إعطاء مطار حميميم لروسيا وهو المطار المدني الدولي الوحيد على الساحل السوري". 

وتابع قائلا: "على سبيل المثال القاعدة البحرية الروسية بطرطوس يمكن أن تعدل الأجور والبنود وتحتاج لمفاوضات جديدة بشكل هادئ وتعديلها بما يناسب مصالح الدولة السورية الجديدة". 

مناقشات غير سهلة

ويرى بعض المراقبين في الشأن السوري أن العهد الجديد في سوريا سيخوض مناقشات غير سهلة بشأن إعادة تقييم العلاقة مع روسيا بشكل يخدم المصالح المشتركة للبلدين.

وبما أن روسيا وقعت ما يقارب 40 اتفاقا وصفقة تجارية مع النظام السوري البائد خلال العقد الأخير، فإن هناك من يرى أن الحكومة السورية التي ستحصل على اعتراف دولي يمكنها النظر في العقود وإبقاء ما هو جيد ومفيد وفيه مصلحة للشعب السوري، وإذا كان العقد فيه بعض الشروط المجحفة تزال أو يجرى تعديلها.

وضمن هذه الجزئية يرى المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي، العقيد أحمد حمادة، أن "الإدارة السورية الحالية لا تستطيع حسم أمور كبيرة كالقواعد العسكرية الروسية ومستوى العلاقات المتشابكة مع روسيا ". 

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن هروب بشار الأسد إلى روسيا ومعه الأموال إضافة إلى ضباط كبار، يشير إلى أن العلاقة مع موسكو تحتاج إلى مفاوضات هائلة ينبغي إبداء روسيا فيها بعض المرونة في بعض الملفات سواء في مصير القواعد بسوريا أو إعادة ترتيب العلاقات".

وأردف:"لا سيما أن الإدارة الجديدة التي شكلت حكومة انتقالية لثلاثة أشهر ليست في حالة عداء شديد مع روسيا، لهذا فالعلاقة مع روسيا مرهونة بالحكومة السورية القادمة وبمجلس الشعب وبالرئيس القادم". 

يشار إلى أن بشار الأسد وعائلته وأقاربه كانوا موجودين بالفعل في روسيا، على مدى سنوات يستثمرون مبالغ كبيرة من المال في موسكو.

وقد كان لافتا أنه لم تنشر وسائل الإعلام الروسية الرسمية حتى الآن أي صور للأسد داخل البلاد، وهي إشارة واضحة إلى حرص موسكو على إبعاده عن عناوين الأخبار، بينما تعمل على بناء علاقات مع الرجال الجدد المسؤولين عن سوريا لرسم شكل العلاقة بين البلدين.