فتح السجون يكشف كوارث.. كيف حوّل الأسد سوريا إلى مقابر تخدم محور إيران؟
عدد المعتقلين اليمنيين في سجون نظام الأسد يصل إلى نحو 12
كشفت الإطاحة برئيس النظام السوري السابق بشار الأسد، عن تحويل الأخير سوريا إلى سجن كبير تابع للمحور الإيراني في المنطقة، يغيّب فيه الأفراد من مختلف الدول العربية، سواء بعد اختطافهم من بلدانهم أو أثناء وجودهم على الأراضي السورية.
فسجون الأسد لم تكن مخصصة للسوريين المعارضين له فحسب، وإنما جعلها تبتلع كل المناوئين لمليشيات إيران وأذرعها في المنطقة، لا سيما من العراق واليمن والأردن ولبنان وفلسطين والسعودية، والذين جرى إعدام عدد منهم قبل أن يُحرر رفاقهم بزوال النظام.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، تمكنت فصائل الثورة السورية من تحرير آلاف السجناء من سجون النظام السابق الموزعة بين المدن التي كان يسيطر عليها، بعد فرار المخلوع بشار الأسد إلى روسيا، تاركا وراءه أعدادا مهولة من جثث المعارضين في مقابر جماعية لا يزال عددهم غير معلوم.
العراق
مع سقوط نظام الأسد، نشر إعلاميون ووسائل إعلام عراقية قوائم بأسماء مئات العراقيين كانوا يقبعون في سجن صيدنايا- سيئ الصيت- ومنهم من أعدم هناك لأسباب مجهولة.
ولا تزال طريقة وصول هؤلاء إلى سوريا مبهمة، لأن بعضهم فقد في بغداد قبل أن يُكشف عن وجودهم في دمشق.
في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2024، قالت شقيقة أحد المعدومين في سجن صيدنايا ويدعى “أبو عبد الله” إن شقيقها اختطف عام 2012 بالقرب من محل سكنه ولم نسمع عنه شيئا.
وهذا الأخير هو مواطن سني من منطقة اليوسفية جنوب العاصمة بغداد، وكان يعمل صيدلانيا.
وأضافت خلال مقابلة مع تلفزيونية، أنها تواصلت مع منظمة الهلال الأحمر بعدما قرأت أسماء العديد من المعتقلين العراقيين في سجون النظام السوري، وأنهم أبلغوها بأن شقيقها أعدم في سجن صيدنايا وزودوها بنحو 150 صورة لسجناء عراقيين هناك، وكان هو من بينهم.
وقبل ذلك، وتحديدا مع بدايات تحرير المدن السورية من سيطرة نظام بشار الأسد، تحدث الإعلامي العراقي، عمر الجمّال عبر منصة "إكس" في 5 ديسمبر، عن العثور على عشرات المعتقلين العراقيين في سجون النظام.
ونشر الجمّال أسماء معتقلين عراقيين قال إنها وصلته من ناشطين سوريين دخلوا السجون التابعة للنظام، واصفا الأمر بأنه "حدث جلل وكبير"، وشكل صدمة بشأن أعداد السجناء العراقيين في سوريا، وأن هناك من فقد في بغداد عندما كان يمارس عمله سائق تكسي.
وبحسب معلومات أوردتها وكالة "شفق نيوز" العراقية في 29 ديسمبر، فإن رئيس جهاز المخابرات العراقية، حميد الشطري، حينما التقى مع رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، كان ملف المعتقلين حاضرا خلال المباحثات بين الطرفين.
وأكدت الوكالة العراقية أن الشطري والشرع اتفقا على "تسليم العراق البيانات والوثائق الخاصة بكل المعتقلين العراقيين المودعين في سجون النظام السابق أو السجون الأخرى خارج إطار الدولة".
وأوضحت أن "بعض هذه الوثائق الخاصة بالمعتقلين، وصلت إلى الجهات المعنية العراقية"، مؤكدة أن "العراق قد يضع سقفا زمنيا لا يتعدى 6 أشهر لتحديد مدى التزام الشرع بعهوده للوفد العراقي".
وفي 13 ديسمبر، اعترف القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي، عصام شاكر بوجود، أعداد كبيرة من العراقيين معتقلين داخل سجون نظام الأسد في سوريا، واصفا إياهم بأنهم مدرجون على "القوائم السوداء".
وقال شاكر في تحريض ضد المعتقلين إن العشرات من المتهمين من الجنسية العراقية موجودون في عدة سجون سورية بعضهم أطلق سراحه في الأحداث الأخيرة، وبعضهم مطلوب لبغداد، وفق موقع قناة "الرافدين" العراقية.
الأردن
على الصعيد الأردني، أعاد فتح أبواب السجون السورية وتحرير الآلاف من المعتقلين الحديث عن مئات المعتقلين الأردنيين والمفقودين في سوريا.
إذ ناشدت عائلات 236 معتقلا أردنيا في سوريا الجهات المختصة للعمل على الإفراج عن أبنائهم، ومعرفة مصير المفقودين منهم.
وسجلت السلطات الأردنية على مدار العقود الماضية، عشرات الحالات لمواطنين فقدوا في سوريا، جرت استعادة بعضهم والإفراج عنهم، في حين بقي مصير كثير منهم مجهولا.
الكثير من عمليات الاعتقال والخطف وقعت داخل مناطق كانت تخضع لسيطرة نظام الأسد، ومن قبل جهات مجهولة.
بينما اعتقل آخرون من قبل السلطات السورية لأسباب غير معروفة، وفقا للجهات الرسمية الأردنية.
وفي 8 ديسمبر، كشفت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" عن أسماء 236 معتقلا أردنيا في السجون السورية، معظمهم في سجن صيدنايا، كانوا في السابق ضمن قائمة المفقودين.
وناقش البرلمان الأردني، في 10 ديسمبر، ملف المعتقلين الأردنيين في السجون السورية، إذ وجه نواب سؤالا إلى رئيس الوزراء جعفر حسان عن مصيرهم، مطالبين إياه بمتابعة أوضاعهم وتأمين عودتهم في أقرب وقت.
من جهته، رد رئيس الوزراء الأردني خلال جلسة البرلمان، أن "ملف الأردنيين في سوريا يحظى باهتمام بالغ، وأن الموضوع قيد المتابعة والتنسيق، لضمان أمنهم وتأمين عودتهم".
وفي السياق ذاته، طالب النائب صالح العرموطي بالعمل على معرفة مصير المواطنة الأردنية وفاء عبيدات المعتقلة منذ 35 عاما في سجون النظام بسوريا.
ولفت إلى أنها تعد حفيدة كايد مفلح عبيدات، أول شهيد أردني في فلسطين.
وكانت عبيدات ذهبت إلى سوريا للبحث عن شقيقها الذي اختفى هناك، بيد أنها اعتقلت أيضا في سجون النظام، ولا يعرف مصيرها منذ ذلك التاريخ إلى اليوم.
وكان المعتقل الأردني فيصل حماد قد عاد إلى بلاده بعد اعتقال في سوريا دام 28 عاما، عندما ذهب إلى زيارة شقيقه.
ووقتها جرى اعتقاله مع شقيقه الذي توفي في السجن أواخر عام 2020 بعدما تعرض إلى أصناف من العذاب طيلة سنوات الاعتقال.
ومثل ذلك، قصة الأردني إبراهيم الصقور، الذي عاد إلى بلاده بعد اعتقال في سجون الأسد استمر مدة 26 عاما لم يعرف سببه.
وأكد الصقور أن سجانيه كانوا يتلذذون بعمليات التعذيب التي يمارسونها ضد المسجونين، حسبما نقلت قناة "المملكة" الأردنية الرسمية في 29 ديسمبر.
لبنان
وإلى لبنان المجاور، عاد “9 من المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية إلى البلاد” بعد سقوط نظام الأسد، وفق ما أعلن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، بسام مولوي.
ونتيجة التطورات، فعّلت السلطات اللبنانية عمل اللجنة الحكومية لمعالجة قضية المعتقلين في سوريا المنشأة في 2005.
وبحسب ما أعلنه وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال، هنري الخوري، "تكثف اللجنة نشاطاتها وتتواصل مع المحرّرين اللبنانيين للاستماع إلى أقوالهم وتدقيقها".
وأوضح الخوري خلال حديث إعلامي في 12 ديسمبر، أن اللجنة تركز على دراسة ملف المعتقلين قبل عام 1992، ووفقا لأرقامها، يوجد 725 معتقلا لبنانيا في السجون السورية.
وأشار إلى أن “اللجنة اللبنانية لم تتلقَ أي رد من نظيرتها السورية في إطار عملها منذ عام 2005 حتى 2011، وقد رفعت تقاريرها إلى رئيسي الجمهورية والحكومة”.
وعندما زار الرئيس السابق ميشال عون، مدير الأمن الوطني السوري السابق علي مملوك، كان الجواب: "لا يوجد أحد"، وفق الخوري.
وفي 10 ديسمبر، قال الحقوقي والنائب اللبناني السابق غسان مخيبر، قوله إن "النظام السوري الذي كان يحتل لبنان استخدم الخطف والإخفاء القسري كأداة لإسكات المناهضين لتعزيز وجوده ووضع يده على البلاد، وكانت بعض القوى السياسية اللبنانية متواطئة معه".
وأضاف مخيبر لوكالة "الأناضول" التركية إن "الرقم المتداول للمفقودين والمختفين قسرا في لبنان هو 17 ألفاً وفقاً للقوى الأمنية، لكن بعضهم أفرج عنه، أما الملفات الحالية فيبلغ عددها نحو 4 آلاف، ويُقدر أن بين 700 و1500 منهم موجودون في سوريا".
ورأى الحقوقي اللبناني أن عدم دقة رقم اللبنانيين المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا سببه أن كثيرا من العائلات لم تقدم بلاغات، لعدم وجود ثقة لديهم باللجان البرلمانية والحقوقية في السابق.
وأوضح أنه "رغم نفي نظام الأسد، فقد أطلق سراح لبنانيين عدة مرات، إما جماعيا أو فرديا، حيث كان يستخدم المفقودين اللبنانيين ورقة للضغط السياسي على بعض الأحزاب اللبنانية".
ويعد سهيل حموي البالغ من العمر 61 عاما، من ضمن الذي عادوا إلى لبنان بعد 33 سنة قضاها في سجون الأسد.
والتامّ شمل حموي مجدّدا مع عائلته في بلدة شكا شمالي لبنان بعد أن فتحت قوى الثورة السورية السجون.
وخلال مقابلة تلفزيونية في 9 ديسمبر، أوضح حموي أنّه كان معتقلا في سجن بمدينة اللاذقية الساحلية (غرب) حين أطلق سراحه.
لكن قبل هذا السجن كان قد تنقّل بين العديد من المعتقلات على مدى العقود الثلاثة الماضية، بما في ذلك صيدنايا.
وأكد حموي أنه لم يعلم سوى بعد 20 عاما من اعتقاله السبب الذي أدخل السجن من أجله، فقد اتّهمه النظام السوري بالانتماء إلى حزب القوات اللبنانية المسيحي اللبناني، من دون أي شرح آخر.
اليمن والسعودية
ولم يغب اليمن والسعودية كذلك عن هذا الملف، ففي 9 ديسمبر، تحدثت "الشبكة اليمنية الأميركية" على حسابها في موقع "فيسبوك"، عن العثور على معتقلين يمنيين في سجون النظام السوري السابق، ومنهم رياض أحمد العميسي، والذي كان فاقدا للذاكرة بعد اعتقال دام 11 عاما.
وذكرت الشبكة أن عدد المعتقلين اليمنيين في سجون نظام الأسد يصل إلى نحو 12، وكلهم طلاب كانوا مبتعثين للدراسة وشارك بعضهم في مظاهرات الثورة السورية عام 2011.
ودعت الشبكة السلطات اليمنية الرسمية إلى التحرك والتنسيق مع الجهات المعنية في سوريا للتوصل لأي معلومات عن المعتقلين اليمنيين، خصوصا أنهم اعتقلوا على يد "شبيحة" (عصابات) نظام بشار الأسد.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد وثقت في مارس/ آذار 2023، ما لا يقل عن 2887 شخصا معتقلا في سجون النظام السوري، ممن يحملون الجنسيات العربية بينهم 19 طفلا و28 سيدة.
ونقل موقع "تلفزيون سوريا" عن الشبكة، أن بين المعتقلين، 58 شخصا يحملون الجنسية السعودية ما يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري لدى قوات النظام السوري السابق منذ مارس 2011 وحتى الشهر نفسه من عام 2023.
وكانت صحيفة "الوطن" السعودية- قد قالت في 12 أغسطس/ آب 2011- أي بعد 5 أشهر من اندلاع الثورة السورية إن "نحو 100 سعودي معتقل في السجون التابعة لمخابرات النظام السوري، إلا أن إخفاء المعلومات وصعوبة التحقق منها يعيقان معرفة إن كان عددهم يفوق ذلك".
ومنذ سقوط نظام الأسد، أعلن الدفاع المدني السوري اكتشاف نحو 16 مقبرة جماعية حتى 30 ديسمبر، في كل من محافظات تدمر وحمص ودرعا ودمشق والبوكمال.
فيما يحصي المرصد السوري نحو 9 مقابر جماعية احتوت على رفات أكثر من 1475 ضحية في عموم المحافظات السورية.
وكانت آخر مقبرة جماعية جرى الإعلان عنها في مدينة حمص السورية، تضم بقايا عظام بشرية لأكثر من 1200 شخص، يعتقد أنها تعود لمعتقلين كانوا يساقون من مشفى حمص العسكري بعد إعدامهم.
ولا يزال البحث جاريا لمحاولة العثور على مقابر أخرى تعد شاهدا على نظام بشار الدموي، علّها تساعد في الكشف عن مصير مئات الآلاف من المغيبين والمختفيين قسرا في سجونه، حسبما ذكر موقع "مونت كارلو" في 30 ديسمبر.
المصادر
- الإطار التنسيقي يعترف بجود معتقلين عراقيين في سجون النظام السوري
- من بينها الحدود والمعتقلين العراقيين.. الكشف عن "تفاهمات" الشطري والشرع
- العثور على جثة مواطن عراقي في سجن صيدنايا اختطف من اليوسفية قبل 12 سنة
- وثائق جديدة تكشف عن "ألف قتيل" في سجون الأسد
- 236 معتقلا أردنيا في السجون السورية ما مصيرهم؟
- اعتقل 33 عاما في سجون الأسد.. لبناني يتنفس الحرية
- "موسم المنسيين".. آمال لبنانية بعودة مئات المعتقلين من سوريا
- الشبكة السورية: 2887 معتقلاً عربياً بينهم سعوديون مازالوا في سجون الأسد
- سوريا بعد الأسد.. العثور على ثلاث مقابر جماعية في حمص يًعتقد أنها لجثث معتقلين