بعد الإطاحة بالأسد.. هل ينجح أحمد الشرع في تحويل التحديات إلى نجاحات؟
“المرحلة التي تعيشها سوريا اليوم تعد الأكثر أهمية للبلاد”
ستتركز الأنظار في العام 2025 على زعامة قائد الحكومة السورية الانتقالية، أحمد الشرع، وقدرته في العبور بسوريا إلى بر الأمان وجعلها بلدا حرا بعد التخلص من نظام عائلة الأسد الديكتاتوري وحكمه لأكثر من خمسة عقود.
وفي تطرقه لأبرز التحديات التي تواجه الشرع في هذه المرحلة المهمة والدقيقة من تاريخ سوريا، نوه معهد “الدراسات السياسية الدولية” الإيطالي إلى أن "النجاح الكبير الذي حققه حتى الآن في قيادة المعارضة المسلحة للإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024".
توسيع السيطرة
ويرى المعهد أن التحدي الرئيس الذي يواجه الشرع في الوقت الحالي يتمثل في "بسط سلطة قواته على كامل سوريا، بما في ذلك مناطق كبيرة من الشمال الشرقي من البلاد، التي تسيطر عليها حاليا قوات سوريا الديمقراطية (قسد)".
وقال إنه "يدرك أهمية توسيع سيطرة الحكومة المركزية في دمشق ويعلم أيضا أنه من الضروري التفاوض مع الأطراف المعنية، بدلا من استخدام القوة العسكرية لتحقيق هذا الهدف وضمان إنشاء حكومة قوية قادرة على ضمان الأمن في جميع أنحاء البلاد".
وكان مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، قد أوضح أن "قسد" انسحبت من كامل مدينة دير الزور في 24 ديسمبر.
كما أضاف في تصريحات إعلامية، أن قسد عادت إلى القرى الـ7 شرق الفرات، قرب حقل كونيكو للغاز الذي كانت تسيطر عليه المليشيات الإيرانية.
ولفت عبد الرحمن إلى أن هذه القوات باتت تسيطر حاليا على 20 بالمئة من الأراضي السورية، مشيرا إلى أن منبج ستصبح تحت سيطرة الفصائل الموالية لتركيا، فيما باتت إدارة العمليات تسيطر على 70 بالمئة من الأراضي السورية.
فيما يتمثل التحدي الثاني، بحسب معهد الدراسات الإيطالي "في السيطرة على الفصائل المسلحة المتنوعة والمختلفة، ولكل منها انتماءاتها الأيديولوجية الخاصة".
ونوه إلى أن قائد إدارة العمليات العسكرية للحكومة الانتقالية "نجح، رغم ماضيه الجهادي في العراق ثم سوريا، في تغيير هيئة تحرير الشام وتحويلها من منظمة جهادية إلى جماعة مسلحة منظمة للغاية ولها ذراع مدني وظيفي".
ولتحقيق ذلك، أشار المعهد إلى أن الشرع "عمل جاهدا على الحد من نفوذ القادة الجهاديين، وخاصة الأجانب بالقوة أحيانا وبالضغط أحيانا أخرى".
وأوضح أن المعيار الأول للحكم على نجاح أو فشل القائد العام "سيكون قدرته في السيطرة على الفصائل المختلفة ومنع الاقتتال الداخلي أو العنف ضد الجماعات الأخرى، مثل الموالين السابقين للأسد".
وذلك بالنظر إلى الخلافات الداخلية التي حدثت في صفوف المعارضة السورية المسلحة على مدى السنوات الـ13 الماضية، أي منذ اندلاع الثورة والقتال ضد قوات النظام والمليشيات التي تحالفت معه.
حالة صدمة
مهمة أخرى لا تقل أهمية للشرع، على حد تعبير المعهد الإيطالي، تتمثل في محاربة خلايا تنظيم الدولة.
وفي هذا الصدد، نوه بـ"نجاح هيئة تحرير الشام في الماضي في القضاء على خلايا هذا التنظيم في محافظة إدلب وتحسين الأمن".
إلا أن المعهد لفت إلى أن "نشاط خلاياه في المناطق الشرقية والوسطى من سوريا لا تزال تشكل تهديدا للدولة السورية المستقبلية رغم أنه بات الآن أضعف بكثير".
وأكد أن "الشرع مطالب بالتعاون مع جميع الأطراف، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية وكذلك التحالف الدولي للقضاء على تهديد هذا التنظيم نهائيا".
وبحسب تحليل المعهد، ستعتمد التوقعات بشأن شخصية الشرع (التي عادة ما تكون فيما يتعلق بالشخصيات السياسية مبنية على أفعالها وتحالفاتها وأيديولوجياتها السابقة) في الحالة السورية على التحركات القادمة للدول العربية في المنطقة والدول الغربية تجاه دمشق والسياسات المستقبلية لزعيمها الجديد".
وبحسب تعبيره، "لا تزال بعض الدول العربية في حالة صدمة من التغيير السريع الذي حدث في سوريا وتحاول فهم ما يحدث".
وأضاف أن الدول العربية "لا تزال تنظر إلى الشرع بعين الريبة بصفته تهديدا لمصالحها في سوريا والمنطقة، ولذلك من المهم متابعة سلوكها تجاه سوريا ومستوى تواصلها الدبلوماسي مع السلطة الجديدة".
وجزم بأنها غير مستعدة "لارتكاب نفس الخطأ مرة أخرى"، في إشارة إلى تقلص دورهم في سوريا منذ عام 2016 تدريجيا لصالح روسيا وإيران وتركيا.
نتاج الثورة
وفيما يتعلق بالكيفية التي سيتعامل بها الشرع مع جيرانه العرب وخاصة دول الخليج، لفت المعهد إلى أن "أمامه مساحة محدودة للمناورة، نظرا لحاجة سوريا إلى الدعم العربي".
ومع ذلك، رجح أن “تسمح له البراغماتية التي يتمتع بها بالتفاوض وإيجاد اتفاق مع الدول العربية بالاستفادة أيضا من علاقات هيئة تحرير الشام الممتازة مع قطر وتركيا”.
وأردف أن “الشرع يمثل في الوقت الحالي المعارضة السورية المسلحة والسياسية على السواء، رغم وجود فصائل مختلفة تسيطر على السلطة في دمشق”.
علاوة على ذلك، أضاف أنه "لا يقدم نفسه كزعيم عسكري وسياسي سوري فحسب، بل أيضا كزعيم لطبقة سياسية مختلفة عن تلك التي كانت تقليدية في السلطة منذ عقود في الدول العربية".
وتابع بالقول إن "الشرع ليس جنديا سابقا أو ضابطا منشقا، ولا معارضا من عائلة سياسية معروفة، ولا يحظى حتى بدعم رجال الدين، وإنما هو زعيم سابق لمنظمة جهادية، ولهذا السبب، سيُنظر إلى تصرفاته بشكل مختلف عن تصرفات السياسيين الآخرين".
وبحسب المعهد الإيطالي، "سيمثل ماضيه الجهادي عائقا أمامه، وهو ما سيجبره على العمل مع جميع الأطراف السورية وإظهار مدى انفتاحه على مكونات الشعب السوري كافة، من الطوائف الدينية والأيديولوجيات السياسية إلى منظمات المجتمع المدني".
كما أنه سيخضع "للمراقبة لتقييم مدى التزامه الفعال بتحقيق انتقال سياسي سلمي وحقيقي، يقوم على حوار وطني فعال، لا تغيير مزيفا يهدف إلى إحكام القبضة على الدولة السورية، واختيار مجموعات محددة ليقاسمها فتات الحكم".
وأكد المعهد الإيطالي أن المرحلة التي تعيشها سوريا اليوم "تعد الأكثر أهمية للبلاد منذ عقود وبطلها لا يأتي من الطبقات السياسية التقليدية بل من خارجها".
ولفت إلى أن "وصول البلاد لهذه المرحلة لم يكن نتيجة تحركات الشرع وحده، بل هي نتاج ثورة شعبية طويلة وسياسات نظام ديكتاتوري فاسد، في سياق هيكلة شرق أوسط جديد لا تتمتع فيه إيران ولأول مرة منذ عقود بنفوذ قوي".
وخلص المعهد إلى القول بإن "سياسات الشرع المستقبلية ستكون لها عواقب مهمة لن تقتصر على سوريا وحدها، بل ستمتد إلى المنطقة المحيطة بها وستجبر الدول العربية والجهات الأخرى في المنطقة على تبني سياسة محددة مبنية على التفاوض لا على الصراع".