سقوط الأسد.. هل ينعكس سلبا أم إيجابا على أوضاع اللاجئين العرب في أوروبا؟
مراقبون أكدوا أن زوال الأنظمة الديكتاتورية كفيل بإنهاء حالات اللجوء
في أواخر عام 2010 ومطلع 2011، كانت ثورات الربيع العربي قد اجتاحت المنطقة، لكن تعرضها إلى القمع تارة والانقلاب عليها تارة أخرى، نتج عنه جيوش من اللاجئين الذين هاجروا إلى دول إقليمية أو باتجاه الغرب؛ هربا من بطش الأنظمة وفوضى الاقتتال.
ومع سقوط نظام المخلوع بشار الأسد في سوريا، وانكشاف جرائمه بحق معارضيه سواء في سجون القهر، أو من خلال المقابر الجماعية التي تضم رفات آلاف السجناء المعذبين حتى الموت، برز تساؤل ملِحّ عن مدى تغيّر مزاج العالم تجاه اللاجئين العرب الفارين من بطش الأنظمة القمعية.
وتنص اتفاقية الأمم المتحدة الصادرة عام 1984 لـ"مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، على حظر ترحيل أو إجبار أي إنسان على العودة إلى موطنه إذا كان هناك سبب للاعتقاد بأنه سيتعرض للتعذيب.
تغيّر محتمل
وتعليقا على ذلك، قال مدير "المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب"، عمر الفرحان إن "وضع اللاجئين العرب في العالم بشكل عام، لا سيما السوريين منهم، عاد إلى الواجهة بشكل كبير نهاية عام 2024 في أوروبا، وذلك مع سقوط نظام بشار الأسد".
وأوضح الفرحان لـ"الاستقلال" أن أوضاع اللاجئين السوريين حاليا متأرجحة بين الدول، وأن مسألة لجوئهم باتت مهددة، "فمن حيث المبدأ والقانون الطبيعي لا تهديد في انتزاع صفة اللاجئ من الأشخاص ولا إجبار على العودة القسرية إلى بلدانهم".
وعن وضع اللاجئين العرب ونظرة العالم إليهم، رأى أنه "لا يوجد مكان آمن للاجئين العرب الذين فرّوا من بلدانهم بسبب التوترات الأمنية والنزاعات المسلحة وغيرها"، مؤكدا أهمية "التريث في تنفيذ قوانين الترحيل قسرا لهم في كل الدول".
وأكد أنه "لا يزال هناك الكثير من الانتهاكات التي يمكن رصدها في البلدان العربية، وكذلك تحصل مثيلاتها بحق اللاجئين في عدد من الدول الأوروبية الموجودين فيها حاليا، والتي شهدت توترات ضدهم خلال السنوات الأخيرة".
ورغم أن بعض الدول الأوروبية إضافة إلى تركيا، والولايات المتحدة فتحت أبوابها لاستقبال مئات آلاف اللاجئين العرب، فإن الأمر لم يخلُ من تعرضهم للتمييز العنصري في المجتمعات المستضيفة، ومواجهة الشعبوية السياسية التي ارتفع منسوبها كثيرا في تلك المرحلة.
وكان من نتائج التمييز العنصري التي تعكزت عليها أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وحتى بعض الأحزاب القومية في تركيا، الضغط باتجاه إبعاد اللاجئين العرب دون النظر إلى المصير المجهول أو القتل الحتمي الذي ينتظرهم حال عودتهم إلى بلدانهم.
وبالفعل، حدثت العديد من الشواهد على ترحيل اللاجئين المعرضين للاعتقال والتعذيب وربما القتل أو الإعدام لأسباب سياسية.
إذ أقدم العديد من الدول العربية والأوروبية على ترحيل لاجئين عرب إلى بلدانهم التي فرّوا منها نتيجة تعارض آرائهم السياسية مع الأنظمة هناك.
وخلال المدة من 2014 حتى 2024 تعرض العديد من المصريين المعارضين لنظام عبد الفتاح السيسي إلى الترحيل من دول خليجية، وتسليمهم إلى السلطات المصرية، بحجة أنهم مطلوبون في بلدهم وأنه توجد اتفاقيات تعاون أمني مع القاهرة تقتضي تسليمهم.
لكن في تطور ملحوظ، قررت سلطات المغرب في 17 ديسمبر 2024، إخلاء سبيل عبد الباسط الإمام، الطبيب والمعارض المصري (يحمل الجنسية التركية)، بعدما قررت المحكمة المغربية عدم تسليمه لمصر والإفراج النهائي عنه، بعد القبض عليه من مطار الدار البيضاء خلال زيارة سياحية.
أوقف الإمام في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بموجب مذكرة طلب تسليم، صادرة عن القاهرة، كونه محكوما عليه بالمؤبد في مصر بسبب مواقفه السياسية المعارضة للنظام، كما أن ابنه كان من ضحايا فض اعتصام رابعة بالقاهرة خلال صيف 2013.
ويقرأ مراقبون من قرار السلطات المغربية أنه ربما يعكس حالة من التغير المحتمل لدى الدول في التعاطي مع اللاجئين العرب، وخصوصا الفارين من البلاد التي لا تزال تعاني من الأنظمة القمعية.
"درس سوريا"
من جهته، رأى الكاتب السوري إبراهيم جبر، أن العودة الجماعية للسوريين الموجودين في تركيا تحمل رسالة مهمة للمجتمع الدولي مفادها بأن "الأسباب الجذرية للنزوح تكمن في الاضطهاد والاستبداد. وعندما تسود الحرية ويُزال القمع، يختار اللاجئون العودة إلى ديارهم لإعادة بناء حياتهم".
وأوضح خلال مقال نشره موقع "العربي الجديد" في 11 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن "التجربة السورية تُقدّم درسا حاسما لمعالجة أزمة اللاجئين العالمية. فاللاجئون لا يُجبرون على الهجرة بدافع الاختيار، بل نتيجةً للأنظمة القمعية والعنف الممنهج وحرمانهم حقوقهم الأساسية".
وتابع: “إذا أراد المجتمع الدولي حقا تقليل أعداد اللاجئين في العالم، فعليه معالجة الأسباب الجذرية للهجرة القسرية”.
ويبدأ ذلك بإنهاء دعم الأنظمة الاستبدادية، والوقوف بجانب الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والديمقراطية.
وأشار إلى أن “دعم الديكتاتوريات لا يُطيل المعاناة فحسب، بل يُعزّز أيضا حالة عدم الاستقرار، ويُنتج موجاتٍ من النزوح تؤثر على الدول المجاورة والعالم بأسره”.
وبين الكاتب أن "السوريين لم يختاروا مغادرة وطنهم، بل أجبرتهم الحرب والقمع على ذلك. الآن، مع تحقّق الحرية، يختارون العودة إلى ديارهم، ما يُعدّ شهادة قوية على أهمية الحرية في حياة الإنسان".
وأردف: "ينبغي للحكومات والمنظّمات إعادة تقييم سياساتها تجاه الأنظمة الاستبدادية، وإعطاء الأولوية لحماية حقوق الإنسان. فمن خلال معالجة الأسباب الجذرية للنزوح، يمكن خلق عالمٍ لا يُجبر فيه أحد على مغادرة وطنه".
وبين الكاتب أن "سقوط نظام الأسد، هو دعوة للاستيقاظ، إذ يؤكد هذا الحدث الحاجة الماسة لإنهاء دعم الأنظمة الديكتاتورية وتمكين الشعوب من تحقيق الحرية والديمقراطية".
من جهته، قال الكاتب السوري، فايز سارة، إن "وضع اللاجئين العرب يشير إلى أنهم يواجهون ظروفا صعبة، تتزايد في بلدان الجوار والأبعد منها، وأغلب الدول- إن لم نقل كلها- باتت اليوم أشد حذرا في التعامل مع ظاهرة اللجوء".
وأوضح سارة خلال مقال نشره موقع "العربية الآن" في 28 نوفمبر 2024، أن أغلب الدول "باتت تعوق اندماج اللاجئين وحصولهم على الجنسية، وتقيّد حق الإقامة والتأشيرات لراغبين تحتمل جنسياتهم أن يكونوا لاجئين فيها مثل السوريين والسودانيين واللبنانيين".
ورأى أن “ظاهرة اللجوء العربي بما هي عليه من معطيات ووقائع واحتمالات مستقبلية، تمثل خاصرة عربية هشّة، تدفع التردي العربي نحو مزيد من التسارع في صلب تعبيراته بأن صورة العرب لدى العالم تزداد سوءا بصفتهم مشردين ولاجئين، يشكلون ظاهرة سكانية وحضارية ملتبسة”.
وشدد الكاتب على ضرورة “الضغط على السلطات الحاكمة في البلدان المولدة للاجئين والمهاجرين لاتخاذ كل الخطوات السياسية والإجرائية للحد من هجرة مواطنيها والسعي لإعادتهم أو ما أمكن منهم، فمن الطبيعي أن يعيش الناس في أوطانهم، لا أن يتحولوا إلى لاجئين”.
الأكثر لجوءا
ومع ضبابية المزاج العالمي حيال اللاجئين العرب حتى نهاية عام 2024، أوقفت العديد من الدول الأوروبية النظر في طلبات اللجوء للسوريين، بعد سقوط نظام بشار الأسد، وعلى رأسهم المملكة المتحدة.
كما أوقفت الحكومة المؤقتة في النمسا جميع طلبات اللجوء من السوريين، وتقول إنها تضع خططا لإعادة الأشخاص أو ترحيلهم إلى وطنهم، مبررة قولها إن الوضع في البلاد قد تغير بشكل أساسي.
وقالت ألمانيا، التي تأوي نحو مليون سوري، والمملكة المتحدة، وفرنسا، واليونان، إنها ستوقف قرارات اللجوء في الوقت الحالي.
ومن المحتمل أن تشي هذه الخطوات باتخاذ دول أوروبا إجراءات أكثر تشددا تجاه باقي اللاجئين العرب، الأمر الذي يبقي باب التساؤل مفتوحا عن مصير هؤلاء الذين اضطروا للهروب من الموت بسبب توترات أمنية أو أنظمة لا تزال تمارس القمع لكل من يعارضها؟
ورغم غياب الأرقام الدقيقة لأعداد اللاجئين العرب حتى نهاية عام 2024، تشير تقديرات إلى أنها تجاوزت الـ25 مليون لاجئ، من بلدان عربية كثيرة، منها سوريا والسودان ولبنان والصومال وفلسطين، يتوزعون في لجوئهم بين دول عربية وأجنبية.
وفي عام 2023، أكدت “وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء” أن 10 جنسيات عربية هي الأكثر طلبا للجوء في أوروبا، وعلى رأسهم السوريون والعراقيون والمغربيون.
ويأتي بعد هذه البلدان الثلاثة بالتسلسل، كل من: "تونس، الصومال، مصر، الجزائر، فلسطين، السوداني، واليمن"، وهذه تخص الاتحاد الأوروبي، بمعزل عن مناطق وجود اللاجئين في دول أخرى من العالم، حيث لا توجد إحصاءات رسمية تحصي أعدادهم.
وبلغ عدد طالبي اللجوء السوريين نحو 131 ألفا و700، وهو الرقم الأكبر عربيا وحتى دوليا، بالنظر إلى الأوضاع السياسية والأمنية التي عاشتها البلاد منذ اندلاع الثورة عام 2011، لكن ذروة طلبات اللجوء كانت في 2015، عندما جرى تسجيل أكثر من 371 ألف طلب لجوء.
ورغم عودة الاستقرار النسبي للبلاد وتحسن مداخيل النفط، حل العراق ثانيا في قائمة أكثر طلبات اللجوء العربية في الاتحاد الأوروبي، برقم يتجاوز 26 ألفا و900.
وسجل المغرب أعلى عدد من طلبات اللجوء في المنطقة المغاربية العام الماضي، بـ21 ألفا و895 طلبا، بفارق بسيط عن تونس، وهو الرقم الأعلى له منذ عام 2014، الذي سجل فيه أقل عدد من طلبات اللجوء (4 آلاف و904 طلبات).
رغم أن عدد سكان تونس لا يتجاوز 12.5 مليون نسمة، فإنها سجلت عددا كبيرا من طلبات اللجوء لدى دول الاتحاد الأوروبي، بلغ العام 21 ألفا و447 طلبا، وخصوصا بين عامي 2017 و2022، ما يعكس حالة قلق من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تواجهها البلاد، وفق التقرير.
وسجل الاتحاد الأوروبي أيضا نحو 17 ألفا و590 طلب لجوء لصوماليين في 2022، صعودا من أدنى رقم سُجل عام 2020، والمقدر بأكثر من 11 ألفا و180 طلبا.
أما مصر وهي البلد العربي الأكبر من حيث عدد السكان بما يتجاوز 107 ملايين نسمة، فقد سجلت 15 ألفا و429 طلب لجوء في 2022، وهو الرقم الأعلى منذ بداية الدراسة في 2014.
وبلغ عدد طلبات لجوء الجزائريين لدى دول الاتحاد الأوروبي 9 آلاف و765 طلبا عام 2022؛ أي أنه أعلى من أدنى مستوى له مسجل عام 2014، حينما بلغ 6 آلاف و930 طلبا.
وتصنّف فلسطين المحتلة ضمن البلدان والمناطق غير الآمنة، لذلك تصل نسب قبول طلبات لجوء الفلسطينيين في دول الاتحاد الأوروبي إلى 65 بالمئة، وهي النسبة الأعلى عربيا بعد سوريا واليمن، إذ سجل نحو 6 آلاف و750 طلب لجوء منها لدى الكتلة.
وحظي السودانيون بنسبة قبول لطلبات اللجوء تصل إلى 48 بالمئة، أي فوق المعدل الأوروبي بثماني نقاط، ما يبرز تفهم الأوروبيين للأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة خاصة في الأطراف الغربية والجنوبية والشرقية للبلاد.
وأخيرا كان لليمنيين الأولوية بعد السوريين عربيا من حيث قبول طلبات اللجوء في أوروبا، إذ بلغ معدل القبول 84 بالمئة، وبقيت 3 آلاف و906 طلبات معلقة حتى عام 2023، حسبما ذكر تقرير "وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء".