“صدمة سقوط الأسد”.. من يقف وراء دعوات ترحيل السوريين من العراق؟

يوسف العلي | منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

يتعرض السوريون الموجودون في العراق إلى حملة شيطنة من جهات تابعة للمليشيات الشيعية الموالية لإيران، فمع اتهامهم بأنهم "قنابل موقوتة" ويجب التخلص منها بترحيلهم، نال البعضَ منهم الاعتقال بزعم الانتماء إلى "تنظيمات إرهابية".

ويستضيف العراق نحو 280 ألف سوري، غالبيتهم العظمى في إقليم كردستان، إذ إن السلطات العراقية ملتزمة بحمايتهم لكونها طرفا في "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب" وبموجب مبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي العرفي، وفق منظمة "هيومن رايتس ووتش".

توقيت الهجوم

وفي 27 ديسمبر/ كانون الأول 2024، انطلقت حملة غير مسبوقة ضد السوريين المقيمين في العراق، أطلقها إعلاميون ينتمون للإطار التنسيقي والمليشيات الشيعية، وتحديدا كتائب حزب الله العراقية، بزعامة أبو حسين الحيمداوي، و"عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي. 

الحملة الحالية جاءت متزامنة مع تصريحات رسمية إيرانية دعت فيها الشباب السوري إلى "مقاومة" السلطة الحالية في دمشق بقيادة أحمد الشرع، والتي عدتها الإدارة السورية الجديدة تحريضية وتسعى إلى بث الفوضى في البلاد.

وفي 25 ديسمبر، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن سوريا تواجه مستقبلا غامضا بعد الإطاحة أخيرا بالرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على يد قوى المعارضة، التي تتولى السلطة في البلاد حاليا، وشكلت حكومة انتقالية مؤقتة.

ونقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية المستقلة عن عراقجي، قوله: "من المبكر للغاية الحكم على مستقبل سوريا، إذ يمكن للعديد من العوامل أن تؤثر بشكل كبير على الوضع السياسي هناك.. وأن من يعتقدون حاليا بتحقيق انتصارات مؤكدة، لا ينبغي لهم أن يفرحوا قبل الأوان".

وتأتي تصريحات عراقجي بعد أن رفض وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، تحذيرات مماثلة وجهها المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، إلى الإدارة الجديدة في سوريا.

وكان خامنئي قد توقع، في كلمة ألقاها خلال حفل ديني بالعاصمة طهران، في 22 ديسمبر، تجدد المقاومة من جانب السوريين ضد القيادة الجديدة.

وقال خامنئي: "تظهر في سوريا قوة شجاعة وشريفة.. اليوم، الشباب السوريون لا يملكون ما يخسرونه؛ مدارسهم وجامعاتهم ومنازلهم وشوارعهم غير آمنة، لذلك، يجب أن يقفوا بقوة الإرادة ضد مُخططي ومنفذي الفوضى، ويتغلبوا عليهم".

وعقب هذه التصريحات، حذر الشيباني إيران من بث الفوضى في بلاده.

وفي منشور على منصة "إكس" في 24 ديسمبر، قال الشيباني: "يجب على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد وسلامته، ونحذرهم من بث الفوضى في سوريا ونحملهم كذلك تداعيات التصريحات الأخيرة".

فيما قال متحدث وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، خلال تصريحات أدلى بها في مؤتمر صحفي، إنه لا يوجد أي اتصال مباشر بين حكومة طهران والإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، حسبما نشرت وكالة "إرنا" الرسمية في 23 ديسمبر.

وزعم بقائي أن الوجود الإيراني (العسكري) السابق في سوريا كان هدفه "مكافحة الإرهاب"، وأن بلاده تبادلت الآراء مع تركيا بخصوص سوريا، و"لكل طرف مرتبط بتطورات المنطقة وسوريا روايته الخاصة للأحداث، ولكن ليس من الضروري أن نقبل كل هذه الروايات".

حملة ممنهجة

استغلت الجهات التي حرضت على طرد السوريين من العراق، تدوينة للإعلامي السوري فيصل القاسم على منصة "إكس" في 27 ديسمبر، انتقد فيها كل من يريد العبث في سوريا بعد إسقاط الأسد، وذلك بعد تصريحات رسمية إيرانية هاجمت إدارة دمشق الجديدة.

ووجه القاسم رسالة إلى من وصفهم "كل من يفكر بالتدخل في سوريا بهدف التخريب وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء"، قائلا: "لا تنسوا أن الشعب السوري تعرض لكل أنواع التنكيل والقهر والاضطهاد والتدمير والتخريب والهجير، ولم يستسلم حتى اقتلع أقذر وأحقر وأنذل وأسفل وأبشع نظام عرفه التاريخ الحديث، وكان مدعوما من كل دول العالم".

وتابع: "لهذا قبل أن تفكروا بالعبث بسوريا مرة أخرى فقط تذكروا أن السوريين انتصروا على النازية والفاشية الأسدية وجعلوها أثرا بعد عين، وهم بالتالي قادرون أن يهزموكم بسهولة جدا".

وختم القاسم رسالته بالقول: "لا تنسوا أن القوة السورية الجديدة ليست موجودة اليوم داخل سوريا فقط، بل توزعت أيضا على كل الأنحاء التي اضطروا للجوء إليها وأصبحوا فيها سادة مبدعين أحرارا".

تعليقا على ذلك، كتب الإعلامي العراقي القريب من المليشيات الشيعية، أحمد الذواق عبر "إكس" في 27 ديسمبر، قال فيها إن "400 ألف سوري داخل العراق، وإن فيصل القاسم يقول هؤلاء خلايا نائمة ستضربكم وقت ساعة الصفر".

ووجه الذواق خطابه إلى الأجهزة الأمنية العراقية، وتحديدا جهاز المخابرات، والأمن الوطني، والحشد الشعبي، بالانتباه إلى تدوينة القاسم والتعامل مع ما ورد فيها، مطلقا وسما على "إكس" بعنوان "ترحيل السوريين من العراق".

وبلهجة أكثر وضوحا عبر تدوينة على "إكس" في 28 ديسمبر، اتهم حسن الكعبي- الكاتب العراقي المحسوب على المليشيات الشيعية- السوريين بأنهم "دواعش" ويجب ترحيلهم من العراق بأسرع وقت مع حجز كل أملاكهم لأنهم خلايا للجولاني (أحمد الشرع)، مضيفا: "طبعا باستثناء السورين الشيعة والعلوية".

ومثل ذلك، كتب صاحب حساب "الهديد" القريب من المليشيات الشيعية، تدوينة على "إكس" في 27 ديسمبر، حرض فيها على السوريين الموجودين بالعراق، بزعمه أن "هنالك نيه لتحرك بعض العمالة السورية داخل العراق لعمل فوضى".

وفي اليوم نفسه، نشرت قناة "صابرين نيوز" على التليغرام، المعروفة بعائديتها للمليشيات العراقية، خبرا لاعتقال سوريين اثنين، يعملان في منتزه سياحي بمنطقة الكاظمية في بغداد، بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة، والتراسل مع التنظيم في سوريا.

أدوات إيرانية

وبخصوص أسباب حملة التحريض على السوريين التي تشنها أطراف تابعة للمليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، قال الباحث في الشأن العراقي بهاء الدين البرزنجي، إن "هؤلاء مرتبطون بنظام ولاية الفقيه الإيراني، وبالتالي ينفذون ما يطلب منهم".

وأوضح البرزنجي لـ"الاستقلال" أن "هذه الجهات ذاتها هي من قتلت الفلسطينيين بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وقاموا بتهجيرهم من البلاد، ثم يتحدثون حاليا عن نصرة القضية الفلسطينية والوقوف بجانب غزة، وهذا كله بتوجيه من المشغّل الإيراني".

وأشار إلى أن "سقوط نظام الأسد سبّب صدمة لمحور إيران في المنطقة، وبالتالي لا يريدون أن تنعم سوريا بالأمن والاستقرار، ويحاولون بأي طريقة تنغيص هذا الفرح على الشعب السوري، وتعكير أجواء الانتصار على هذا النظام الإجرامي".

وحذر البرزنجي "من تنكيل هذه الجهات بالسوريين في العراق ثأرا للنظام المخلوع، لذلك الحكومة العراقية مطالبة بحمايتهم وعدم الانجرار وراء ما تبثه أدوات طهران من اتهامات".

وفي أول رد على مستقبل العلاقة مع إيران، قال رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، خلال مقابلة تلفزيونية في 29 ديسمبر، إنه يأمل أن “تعيد طهران حساباتها حول التدخلات في المنطقة، وتعيد النظر في سياساتها”.

وأردف: "شريحة واسعة تطمح لدور إيراني إيجابي في المنطقة"، مشيرا إلى أن إدارة العمليات العسكرية "قامت بواجبها تجاه المقرات الإيرانية رغم الجراح كنا نتوقع تصريحات إيجابية من طهران".

وفي 8 ديسمبر 2024 سيطرت فصائل سورية على العاصمة دمشق، لينتهي 61 عاما من حكم نظام حزب البعث الدموي و53 سنة من حكم عائلة الأسد.

وفي اليوم التالي، أعلن الشرع، تكليف محمد البشير رئيس الحكومة التي كانت تدير إدلب منذ سنوات، بتشكيل حكومة سورية جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية.