بعيدا عن "إسرائيل الكبرى".. ماذا وراء قرار الأردن تفعيل التجنيد الإجباري؟

يوسف العلي | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

أثار إعلان ولي العهد الأردني، الأمير الحسين بن عبدالله، إعادة تفعيل التجنيد الإجباري أو "برنامج خدمة العلم" قريبا، العديد من التساؤلات عن توقيت مثل هذه الخطوة، التي تأتي بالتزامن مع ترويج الاحتلال الإسرائيلي لمشروع “إسرائيل الكبرى”.

قانون "خدمة العلم" صدر عام 1976 في الأردن، لكن السلطات أوقفت العمل به عام 1991، ثم أعادت فرضه بشكل تدريجي في 2020، بعدما لجأت الأجهزة الأمنية والجيش إلى خيار التجنيد الاختياري لتغطية احتياجاتها من الأفراد والضباط بين سن 18 و27 عاما.

"تعزيز الهوية"

خلال لقائه مع مجموعة من شباب محافظة إربد شمالي الأردن في 17 أغسطس/ آب 2025، قال الحسين بن عبد الله، إنه "يجب تهيئة الشباب ليكونوا جاهزين لخدمة الوطن والدفاع عنه". مضيفا أن "كل من انخرط في برنامج خدمة العلم يعي أهمية هذه التجربة". 

وأكد الأمير "أهمية البرنامج في تعزيز الهوية الوطنية وارتباط الشباب بأرضهم"، مشيرا إلى أن "الخدمة برفقة نشامى القوات المسلحة الأردنية (الجيش الأردني) تسهم في صقل الشخصية والانضباط".

وعن تفاصيل التجنيد الإلزامي، قال ولي العهد الأردني: إنه أوعز للحكومة منذ مدة للعمل مع شركائها لتطوير برنامج خدمة العلم، "الذي سيخضع لسلسلة من الإجراءات وفق جدول زمني واضح، ليتم الإعلان عن تفاصيله".

وفي أول تعليق له، قال رئيس الوزراء الأردني، جعفر حسان: إن "الحكومة سترسل بصفة الاستعجال مشروع قانون معدِّل لقانون لخدمة العلم والخدمة الاحتياطية إلى البرلمان فور انعقاد الدورة البرلمانية القادمة، ليبدأ تنفيذه مطلع العام المقبل (2026)"، حسبما نقلت قناة "المملكة" الأردنية الرسمية.

وقال الناطق باسم الحكومة محمد المومني: إن برنامج خدمة العلم يشمل مسارين أساسيين، الأول عسكري ويشكل غالبية البرنامج، والآخر معرفي نظري يتضمن مجموعة من المحاضرات حول المواطنة والهوية الوطنية والثقافة الاقتصادية والمالية، والتعريف بواقع سوق العمل.

وبيّن المومني خلال مؤتمر صحفي أن برنامج خدمة العلم سيبدأ بتدريب 6 آلاف شاب أردني من الذكور مواليد عام 2007، ممن أتموا 18 عاما بحلول 1 يناير/كانون الثاني 2026، موزعين على ثلاث دفعات تضم كل دفعة 2000 مكلف، ويجرى اختيارهم إلكترونيا بأسلوب السحب الإحصائي المحايد.

ولفت إلى أن عدد المشاركين سيرفع إلى 10 آلاف مكلف في أسرع وقت، مع المضي بخطة تدريجية وصولا إلى شمول غالبية الفئات المستهدفة ممن تنطبق عليهم الشروط خلال السنوات المقبلة.

وأكد  المتحدث أنه “بموجب القانون فإن عقوبة من يتخلف عن الالتحاق بالخدمة السجن لمدة تتراوح بين 3 أشهر إلى سنة”. ولفت إلى أن هذه العقوبة لا تخضع للعقوبات البديلة، مؤكدا أنه “لا يوجد استثناءات إطلاقا لمن يتوجب عليهم الخدمة”.

من جانبه، قال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد الركن مصطفى الحياري، خلال المؤتمر الصحفي ذاته، إن "حالات الإعفاء تنحصر بمن هو وحيد والديه، أو المعتل صحيا".

وتابع: "أما حالات التأجيل فتشمل المقيمين خارج البلاد، والطلبة على نظام الدراسة السنوية، أو المنتظمين في المدارس الحكومية والخاصة، على أن يلتحقوا بالخدمة لاحقا".

تهديد إسرائيلي

وجاءت الخطوة الأردنية بالتزامن مع تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إقامة ما يسمى “إسرائيل الكبرى”، ما أثار إدانات واسعة من قبل الدول العربية.

ففي 13 أغسطس، قال نتنياهو خلال مقابلة مع قناة "i24" العبرية: إنه "مرتبط بشدة برؤية إسرائيل الكبرى"، وذلك ردا على سؤال عما إذا كان يشعر بأنه "في مهمة نيابة عن الشعب اليهودي".

وتشمل "إسرائيل الكبرى" بحسب الرؤية الإسرائيلية، الأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى الأردن ولبنان وأجزاء من سوريا ومصر والعراق والسعودية والكويت.

وتروج قيادات سياسية ودينية ومؤسسات إسرائيلية من بينها معهد “التوراة والأرض” أن حدود “إسرائيل التاريخية”، تمتد من نهر الفرات إلى نهر النيل.

وربط الكاتب والمحلل السياسي الأردني، منذر الحوارات بين الأمرين قائلا: إن "الحديث عن التجنيد الإلزامي مطروح دائما، لكن إقراره في هذه المرحلة جاء بعد تصريحات نتنياهو عن إسرائيل الكبرى".

وأضاف الحوارات لـ"الاستقلال" أنه "من الواضح استشعار الأردن خطر كبير لما يخطط له نتنياهو والحكومة اليمنية المتطرفة في إسرائيل، وذلك بأن تكون هي المهيمنة على المنطقة وتفرض شروطها وأجنداتها وتسعى للتوسع كدولة إمبريالية، وهذا ما سرّع من قرار التجنيد الإلزامي".

وأشار إلى أن "القرار له قاعدة نقاش طويلة في الأردن ليس فقط لحسابات الأمن، وإنما لصقل الهوية الوطنية والرفع من شأنها في سياق القوات المسلحة الأردنية، لأن هذا المكان هو الوحيد القادر على تشكيل بؤرة تجتمع فيها كل الأطياف في سياق الوطن الأردني".

وأكد الحوارات أن "هناك مخاوف حقيقية أردنية من النيات الإسرائيلية تجاه الأردن بالذات بعدما تصاعد حديث الساسة الإسرائيليين المتطرفين وإظهارهم لخرائط (بشأن كيانهم)، وأخيرا ما أعلنه نتنياهو عن فكرة إسرائيل الكبرى، ما دق ناقوس الخطر في البلاد".

وتابع: "جرى التعامل مع الحديث الإسرائيلي بجدية وسرعة كافية، بأن الأردن جاهز لأن يعيد نفسه إلى سياق المعركة وليس السلام، وهو مستعد لتهيئة كل الظروف لمقاومة هذا التصور والأطماع الإسرائيلية في المنطقة".

وأعرب الحوارات عن اعتقاده بأن "العلاقة وطيدة بين كلام نتنياهو وبين القرار المتخذ بإعادة التجنيد الإلزامي في الأردن".

في رده على سؤال حول حديث نتنياهو عن "إسرائيل الكبرى"، قال المتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد الموني: إن "هذه التصريحات رعناء وتدل على أزمة داخلية لرئيس الوزراء الإسرائيلي ويمينه المتطرف في ائتلافه الحاكم".

وأكد المومني أن "سلوك اليمين المتطرف في إسرائيل بالتقليل من فرص حل الدولتين، مساس مباشر بمصالح الدول والاستقرار الإقليمي"، لافتا إلى أن "الأردن مستمر ببناء دولته ومؤسساته على كل الصعد ورفع الجاهزية في التعامل مع كل التحديات والأخطار".

أهداف أخرى

وعلى صعيد آخر، رأى الحوارات أنه “ثمة أهداف أخرى أيضا من وراء قرار إعادة الخدمة الإلزامية، تتعلق بصقل الهوية الوطنية الأردنية بعد ملاحظة الكثير من نقاط الضعف فيها خلال المرحلة الماضية”.

وأشار إلى أن "الدولة ترى ضرورة انخراط كل الفئات الأردنية في سياق مؤسسة واحدة بغض النظر عن أصولهم ومستواهم الطبقي والاجتماعي، ما يزيد إيمانهم بالهوية الوطنية وضرورة الدفاع عنها، ويربطهم بالدولة الأردنية".

من جانبه، قال الكاتب الأردني، عصام قضماني: إن "الهدف الأكثر أهمية من إعادة خدمة العلم، يكمن في توثيق ارتباط النشء بوطنه ورفده بثقافة وطنية وتعزيز مبادئه الاجتماعية التي ترتكز إلى الثقافة العربية والإسلامية مؤطرة بالحداثة والتطورات العلمية والتكنولوجية الجديدة".

وأضاف قضماني خلال مقال نشرته صحيفة "الرأي" الأردنية في 17 أغسطس، أن “الحديث عن إعادة خدمة العلم سابق للأحداث والتطورات التي شهدها الإقليم”.

ورأى أنه “كان لا بد من تعزيز المبادئ الوطنية في مواجهة التحديات المتشعبة بما فيها الاقتصادية”، مشيرا إلى أن عودة الخدمة الإلزامية تحظى بإجماع وطني كبير.

‎ولفت إلى أن “خدمة العلم نجحت في تحقيق نواحٍ عديدة مثل ضبط توريد الأيدي العاملة إلى السوق وصقل الشباب بالانضباط وتنمية الروح المعنوية والوطنية وغيرها من الصفات المطلوبة فقط لأنها إلزامية”.

ويعتقد أنه "في المقابل لم تحقق كل النسخ المماثلة التدريب والنجاح المأمول؛ لأنها لم تكن إلزامية". وأشار الكاتب إلى أن “‎مؤسسة الجيش لا تزال ترفد السوق بخبرات وكفاءات كبيرة ومنضبطة”.

ورغم أن معظم تحليلات وتصورات الكتاب والمحللين الأردنيين قرأت في إعادة الخدمة الإلزامية استعدادا لمواجهة مشروع "إسرائيل الكبرى"، إضافة إلى صقل الهوية الوطنية، رأى آخرون بعدا آخر ربما يكون أيضا وراء قرار السلطات الأردنية.

وأوضح مراقبون أن غليان الشارع في الأردن تجاه ما يحصل في غزة من حرب إبادة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتنفيذ بعض الشباب الأردني هجمات على الحدود ضد الاحتلال، قد يكون وراء قرار السلطات الأردنية الأخير.

ويعتقد هؤلاء أن السلطات تسعى لمنع تكرارها أي هجمات عبر إشغال الشباب وربطهم بالمؤسسة العسكرية، خصوصا بعد حديث نتنياهو عن "إسرائيل الكبرى".