تطالب بعودة اللاجئين ولا تقدم الدعم اللازم.. ما موقف أوروبا من سوريا؟

"الدعم المطلوب لسوريا ينبغي أن يتجاوز حدود المساعدات الإنسانية"
تقدم دول أوروبية مساعدات مالية توصف بـ "الخجولة"، لمساعدة الدولة السورية الجديدة على تحسين الواقع المعيشي للسكان من أجل تشجيع اللاجئين على العودة إلى بلادهم.
فمنذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 أبدت كثير من الدول الأوروبية التي تحتضن لاجئين سوريين استعدادها لدعم سوريا الجديدة، وتهيئة الظروف المحلية لعودة اللاجئين.
وأمام ذلك، بدأ كثير من الدول الأوروبية تقديم حزم مالية إما بشكل منفصل لدمشق أو ضمن مساهمات عبر مؤتمرات الدول المانحة.
فقد أعلن السفير الإيطالي في دمشق، ستيفانو رافانيان، في 18 أغسطس/آب 2025 أن روما قررت تقديم 7 ملايين يورو لدعم مبادرات دمج اللاجئين والنازحين في مناطقهم الأصلية في سوريا.
وقال رافانيان: إن وزارة الخارجية الإيطالية قررت تخصيص 6 ملايين يورو لصالح المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى جانب مليون يورو للمنظمة الدولية للهجرة، دعما لمبادرات إعادة دمج اللاجئين والنازحين في مناطقهم الأصلية داخل سوريا.

مبادرات إعادة الدمج
وتتمثل المشكلة الأكبر أمام سوريا الجديدة في كيفية إعادة توطين ملايين اللاجئين والنازحين الذين اضطروا للهروب من جحيم نظام بشار الأسد.
إذ يعيش أكثر من 6 ملايين سوري في الخارج، فيما نزح 7 ملايين داخل البلاد من أصل 25 مليون نسمة، مجموع عدد السكان.
وأعلنت مفوضية اللاجئين في 18 أغسطس 2025 أن عدد اللاجئين السوريين العائدين إلى بلادهم منذ سقوط نظام الأسد حتى الرابع عشر من الشهر المذكور بلغ 779,473 لاجئا قادمين من الدول المجاورة.
وأفادت المفوضية في تقريرها الدوري بأن عودة النازحين داخليا لا تزال مستمرة حيث عاد أكثر من 1,694 مليون نازح إلى منازلهم منذ التاريخ ذاته.
وفي السياق، أوضحت أن عدد اللاجئين السوريين العائدين من الأردن تجاوز 133 ألف لاجئ منذ ديسمبر 2024.
بينما أعلنت وزارة الداخلية التركية في منتصف أغسطس 2025 أن أكثر من 411 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم منذ سقوط نظام بشار الأسد، بينما ما يزال نحو 2,5 مليون منهم يعيشون في تركيا.
وتأتي عودة مئات الآلاف إلى وطنهم، في خضم رغبتهم في تفقد ممتلكاتهم، أو الهروب من الفقر والاضطهاد في دول اللجوء، أو لمّ شملهم مع عائلاتهم، أو المساهمة في رسم ملامح المرحلة القادمة من تاريخ بلادهم.
وفي ظل تلك المعطيات والأرقام، يلعب الاتحاد الأوروبي دورا في مساندة السوريين في بناء مستقبلهم الجديدة.
فخلال لقاء في مايو/أيار 2025 مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أعرب المدير العام للشرق الأوسط في الاتحاد الأوروبي ستيفانو سانينو، عن استعداد بروكسل لتقديم دعم مباشر للمؤسسات السورية، خاصة في قطاعات التعليم والصحة والطاقة المتجددة.
وهذا إلى جانب دعم إصلاحات في النظام المصرفي وإحياء القطاع الخاص، واستكشاف آليات لإعادة دمج المؤسسات المالية الأوروبية بالسوق السورية.
وأكد الجانبان على ضرورة اعتماد "نهج هجين" يجمع بين التعافي المبكر وإعادة الإعمار، لتحويل الدعم الموجّه إلى المجتمعات المضيفة للاجئين، إلى برامج تدعم العودة والاندماج داخل سوريا.
ووفق بيان رسمي سوري، أبدى الاتحاد الأوروبي اهتماماً كبيراً بتعزيز التكامل الإقليمي عبر الطاقة المتجددة، وجذب الاستثمارات من القطاع الخاص، ودعم الشركات الناشئة عبر برامج تدريبية واحتضان أعمال وغيرها.
وراهنا تعمل بعثة تتبع للاتحاد الأوروبي في دمشق على "مساعدة سوريا لتجاوز التحديات والمضي قدماً نحو الاستقرار".
أمام ذلك، تستدعي العودة استجابة شاملة تلبي احتياجات العائدين سواء من الخارج أو من النازحين داخليا، وتعزز تعافي مدنهم وتوفير الخدمات فيها.
إذ ما تزال مساحات شاسعة من سوريا غير صالحة للسكن بسبب دمار الحرب، حيث لا تزال أحياء كاملة في مدن كبرى بريف دمشق وشرق حلب ودمشق وفي إدلب وحمص والرقة ودير الزور مدمرة، فيما سويت قرى بأكملها بالأرض.
كما أن غياب البنية التحتية الأساسية والمياه النظيفة والكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية، يجعل إعادة الاندماج على نطاق واسع أكثر تعقيدا.
ومن هنا يأتي دور الدول في مساعدة سوريا على النهوض، وعلى رأسها الأوروبية التي يقول المسؤولون فيها إنهم يتطلعون لعودة اللاجئين إلى بلدهم.
ولهذا فقد أعلنت المفوضية الأوروبية في يناير/كانون الثاني 2025 أنها ستقدم دعما إنسانيا جديدا للسوريين، سواء داخل سوريا أو في الدول المجاورة، بمبلغ 235 مليون يورو خلال العام نفسه.
علاوة على ذلك، تسعى المفوضية بشكل نشط إلى دمج سوريا في العديد من المبادرات الرئيسة مع البلدان الشريكة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وفي مارس/آذار 2025 قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إن دول التكتل وشركاءهم يتعهدون بتقديم 5.8 مليارات يورو لسوريا وجيرانها.
وأضافت حينها في تصريحات “تعهد الاتحاد الأوروبي وشركاؤه بتقديم 5.8 مليارات يورو لسوريا وجيرانها. سيخصص هذا الدعم لمرحلة انتقالية حاسمة، وسيلبي الاحتياجات الملحة على أرض الواقع”.

"عين المراقب"
ويركز الأوربيون على تعزيز الأموال لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحا للسوريين واللاجئين منهم بشكل خاص المنتشرين في جميع أنحاء المنطقة.
ولا تزال احتياجات سوريا هائلة حيث أصبحت مساحات واسعة من البلاد تحت الأنقاض وبات الاقتصاد مدمرا بسبب سنوات من العزلة الدولية بعد اندلاع الثورة عام 2011.
ولا تزال البلاد تواجه وضعا إنسانيا خطيرا، إذ يقدر عدد المحتاجين إلى المساعدة بنحو 16.7 مليون شخص.
بحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن نحو ثلاثة ملايين سوري قد يواجهون الجوع الشديد، حيث أن أكثر من نصف السكان البالغ عددهم نحو 25.6 مليون نسمة يعانون حاليا من انعدام الأمن الغذائي، وفق البرنامج.
وخفف الاتحاد الأوروبي العقوبات على قطاعات رئيسة من الاقتصاد، لكنه يصر، إلى جانب قوى أخرى، على أن السلطات يجب أن تفي بوعودها بشأن عملية انتقال شاملة.
وحاليا، يراقب كثير من اللاجئين في دول أوروبا بعناية نتائج المشاريع الخدمية التي طرحت وجرى العمل عليها منذ سقوط نظام بشار الأسد.
إذ يعد توفير الخدمات الأساسية ولو بحدها الأدنى، من المحفزات لتسهيل عودة النازحين واللاجئين إلى قراهم ومدنهم الأصلية.
محمد العاني مدرس عاد من تركيا إلى دمشق رغم أنه ينحدر من مدينة دير الزور، يقول إن اختياره لريف العاصمة للسكن جاء نظرا لوجود الحد الأدنى من الخدمات التي ما تزال تغيب عن مدينته المدمرة.
ويؤكد العاني لـ "الاستقلال"، أن "النازحين واللاجئين الذي قرروا العودة من الخارج غالبا ما يختارون مدنا جديدة للسكن غير مدنهم الأصلية؛ وذلك بحثا عن توفر الخدمات والكهرباء والمشافي والمدارس والعمل".
وانتقد "تركيز المشاريع الاقتصادية الجديدة من الدول (الداعمة) في العاصمة دمشق أو المدن الرئيسة"، ويرى أن هذا النهج "يعيد الكثيرين إلى المربع الأول المتمثل بالهجرة من الريف إلى المدينة".

"الحاجة لمشاريع فعلية"
ويرى السوريون أن المساندة المالية المطلوبة لسوريا الجديدة ينبغي أن تتجاوز حدود المساعدات الإنسانية، عبر حشد الدعم التنموي اللازم للمدن المدمرة.
وقد طالبت الأمم المتحدة المجتمع الدولي بـ"حشد الموارد لإعادة إعمار سوريا وتنميتها"، داعية إلى الانتقال من الإغاثة الإنسانية إلى مرحلة التعافي.
ويؤكد الخبراء أن المساعدات المالية المحدودة وغير المدرجة ضمن برامج تنمية شاملة ومدروسة وطويلة الأمد، لا تشجع اللاجئين والنازحين على العودة.
وفي هذا السياق، أكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو لـ "الاستقلال" أن "الأرقام التي تقدمها الدول الأوروبية لسوريا ما تزال متواضعة جدا ودون المستوى المطلوب؛ علاوة على أنها لن تصل كلها إلى الشعب السوري لأن هناك نحو 40 بالمئة تذهب كمصاريف إدارية".
وأضاف شعبو “ينبغي على الدول الأوروبية في هذه المرحلة الدقيقة، البدء بشكل فعلي لإعداد مشاريع عملية لدمج اللاجئين والنازحين في مجتمعاتهم”.
وذلك "عبر تقديم المساعدات التنموية وإنشاء مشاريع إغاثية عاجلة على مستوى الصحة والخدمات الأساسية وتحسين شبكات المياه والطاقة والكهرباء والتي ستسرع عملية التعافي وبدء دورة الحياة الإنتاجية في المدن السورية".
ولفت شعبو إلى أنه "إذا جرى تقسيم المساعدات المالية الأوروبية القليلة على 14 محافظة (العدد الكلي)، فإنها لا تسهم في إحداث فرق حقيقي على مستوى الخدمات بل تبقى عملية التنمية محدودة وبطيئة وتسير دون خطط وبرامج واضحة".
وذكر أن "انقطاع الدعم في بعض المشاريع الخدمية خاصة في هذه المرحلة يعني حدوث انتكاسة جديدة في الواقع الخدمي الأمر الذي ينعكس سلبا على حياة الناس والعائدين لمدنهم".
وكانت منظمة "اللاجئين الدولية" حذّرت من استخدام رفع بعض العقوبات الأوروبية والأميركية عن سوريا، كذريعة لإجبار اللاجئين السوريين على العودة القسرية، مشيرة إلى استمرار الأزمة الإنسانية داخل البلاد.
وخلال بيان لها نشر في مايو 2025 شددت المنظمة على ضرورة ألا تُستخدم خطوة رفع العقوبات كذريعة من قبل الدول المضيفة للاجئين للضغط على اللاجئين السوريين للعودة قبل الأوان.
وتعمل عدد من دول أوروبا بينها هولندا وألمانيا حاليا على إعداد برنامج يهدف إلى السماح للاجئين السوريين الذين يفكرون في العودة لبلدهم، بإجراء زيارة تجريبية لسوريا لاستكشاف الوضع ومعاينته، دون أن يؤثر ذلك على طلبات لجوئهم أو إقاماتهم.
المصادر
- إيطاليا تقدم 7 ملايين يورو لدعم دمج اللاجئين والنازحين بمناطقهم الأصلية في سوريا
- الشيباني يبحث مع مسؤول أوروبي "نهجاً هجيناً" لدعم عودة اللاجئين وإعادة الإعمار
- EU pledges €5.8 billion for Syria and neighbours to aid recovery
- رحلة العودة تتواصل… أكثر من 779 ألف لاجئ سوري يعودون إلى الوطن
- أكثر من 410 آلاف لاجئ سوري عادوا من تركيا إلى بلادهم منذ كانون الأول/ديسمبر