دعموه ضد حميدتي.. كيف انقلب البرهان على شركاء السلاح من الإسلاميين؟

إسماعيل يوسف | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع تحذيرات مصرية وإماراتية من صعود نجم الإسلاميين مجددا، أصدر القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، 17 أغسطس/آب 2025 قرارات عسكرية واسعة تضمنت عزل جنرالات إسلاميين ساندوه في الحرب، وترقية آخرين.

جاء ذلك بعد تسريبات عن لقاءات بين قائد الجيش السوداني ووفد أميركي في سويسرا أملى شروطا عليه، واستجاب لها البرهان رغم دعم قوات شعبية إسلامية له في هزيمة مليشيات الدعم السريع.

شملت القرارات أيضاً إخضاع جميع القوات الشعبية المساندة للجيش وتحمل السلاح لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007 وتعديلاته، أي انضوائها تحت اللواء العسكري الرسمي مباشرة وأخذ الأوامر منه.

هذه الخطوات المتعلقة بعزل جنرالات كبار محسوبين على الحركة الإسلامية، تشير لانقلاب البرهان عليهم وإبعادهم بفعل ضغوط أميركية ومصرية وإماراتية (عبر لوبيات ضغط في أميركا)، رغم أنهم هم من حموه من قوات الدعم السريع وأعادوا للجيش هيبته.

وضمنها جاء قرار آخر للبرهان تضمن تعزيز سيطرة الجيش على جميع القوات المساندة وغالبيتها إسلامية، خشية أن تسعى للتخلص منه بعد انتهاء الحرب.

شركاء السلاح

كان القرار الأهم الذي اتخذه البرهان، يوم 18 أغسطس/آب 2025، هو عزل 5 من كبار الجنرالات السودانيين القدامى المحسوبين على التيار الإسلامي أو النظام السابق للرئيس عمر البشير، وذلك ضمن سلسلة تغييرات في هيكل قيادة الجيش وتعيين هيئة أركان جديدة.

قرار البرهان تضمن التخلص من 3 من الجنرالات الكبار، مع منحهم رتبة أعلى هي "فريق أول" وهم: الفريق عباس حسن عباس الداروتي، والفريق عبد المحمود حماد حسين، والفريق طيار الطاهر محمد العوض الأمين.

من بين أبرز الأسماء التي أُحِيلت للتقاعد أيضا قائد سلاح المدرعات اللواء نصر الدين عبد الفتاح، الذي يُنظر إليه بصفته أحد أبرز الشخصيات العسكرية المحسوبة على التيار الإسلامي، والخليفة المحتمل للبرهان نفسه.

أما المفارقة الأكبر فهي عزل قائد الحرس الرئاسي اللواء “نادر المنصوري”، الذي أنقذ حياة البرهان نفسه ومنع سقوط القيادة العامة في الخرطوم بيد الدعم السريع في الأيام الأولى للحرب، وإحالته للمعاش برتبة فريق.

وينظر إلى المنصوري على أنه الشخص الذي أفشل خطة قائد مليشيات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” للقبض على البرهان أو اغتياله ليلة 15 أبريل/نيسان 2023. ورغم ذلك تم إبعاده من رئاسة الحرس الجمهوري بعد فك الحصار عن القيادة.

وتقول مصادر سودانية: إن السبب الرئيس لإبعاد اللواءين "المنصوري" و"نصر الدين" يعود إلى انتقادهما العلني للبرهان، وتحميله المسؤولية المباشرة لعدم اتخاذ أي إجراءات استباقية تجاه تمرد حميدتي، الذي كانت كل الشواهد والمؤشرات تنذر بقرب وقوعه.

في المقابل، عين البرهان هيئة أركان جديدة من 6 جنرالات هم: الفريق أول محمد عثمان الحسين الحسن رئيسا لهيئة الأركان، والفريق مجدي إبراهيم عثمان خليل نائباً للإمداد، والفريق مهندس خالد عابدين محمد أحمد الشامي، نائباً للتدريب.

والفريق عبد الخير عبد الله ناصر درجام، نائب لرئيس هيئة الأركان للإدارة، والفريق محمد علي أحمد صبير، رئيسا لهيئة الاستخبارات العسكرية، والفريق مالك الطيب خوجلي النيل، نائباً لرئيس هيئة الأركان للعمليات، مع تعيين قادة جدد للقوات الجوية والدفاع الجوي والتفتيش العسكري.

وقد قال سياسيون معارضون، ومحللون سودانيون: إن الهدف من هذه التغييرات، التخلص من الجنرالات الإسلاميين بعدما عاونوا الجيش في الانتصار على مليشيات حميدتي وتحجيمها في دارفور وكردفان وطردها من الخرطوم.

وذهب البعض للتساؤل عن علاقة التخلص من الجنرالات الإسلاميين بما يتردد عن اتفاق قادم مع مليشيا حميدتي، بشروط أميركية، أحد شروطه إزاحة كبار الضباط بذريعة أنهم إسلاميون أو فلول.

فقد نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" في 18 أغسطس 2025، عن اللواء المتقاعد كمال إسماعيل ورئيس المكتب التنفيذي لـ"التحالف الوطني السوداني" المعارض، تفسيره قرارات البرهان بأنها "بمثابة جس نبض لتأثير الإسلاميين داخل الجيش".

قال: إن "معظم الضباط الذين أُحيلوا للتقاعد محسوبون على تيار الإخوان المسلمين"، وإن "ضغوطاً غربية وأميركية لعبت دورا في هذه القرارات لمنع عودة الإسلاميين إلى الحكم".

لكنه حذر من أن "غياب السند العسكري القوي للبرهان (الضباط المحالون للتقاعد) قد يقود إلى كارثة".

ضغط أميركي

ورأت صحف المعارضة السودانية في الخارج مثل "التغيير"، 18 أغسطس 2025، أن قرارات البرهان بإبعاد ضباط الإسلاميين، إما خطوة للإصلاح أو مناورة سياسية.

وربطت قرارات البرهان مباشرة بالمسار التفاوضي الذي شهدته مدينة سويسرا مع المبعوث الأميركي، والذي كان محوره "رؤية إصلاحات داخل المؤسسة العسكرية كمدخل لإيقاف الحرب"، وعزل العسكريين الإسلاميين (قادة جيش ومجموعات شعبية).

ونقلت عن قادة في المعارضة السودانية أن زيارة البرهان إلى سويسرا "بدأت تؤتي أكلها، وأن إبعاد بعض الضباط الإسلاميين يمثل بداية لسحب البساط تدريجياً من تحت أقدام العناصر الأكثر تشدداً داخل الجيش".

ففي 11 أغسطس 2025، ووفقا لتسريبات نشرتها صحف سودانية، هبطت طائرة تقل البرهان، في مطار جنيف بسويسرا بعيداً عن عدسات الإعلام، في زيارة سرية التقى خلالها بمسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب للشؤون الإفريقية.

وقد كشفت مصادر دبلوماسية غربية لموقع "سودان تربيون"، 17 أغسطس، أن المباحثات بين البرهان و"بولس" في سويسرا تطرقت إلى جوانب متعددة، أحدها مسار سري يتعلق بمستقبل الحركات الإسلامية المسلحة ومليشيات الدعم السريع، وحماية مستقبل الجيش نفسه من التدخل السياسي.

وكتب الصحفي السوداني "عزمي عبد الرازق" يقول: إن زيارة البرهان لسويسرا للقاء بولس، كانت بهدف التوصل إلى تسوية بشكل أساسي مع مليشيا الدعم السريع، ووقف الحرب.

وقالت مصادر: إن بولس حث البرهان على وقف الحرب فورا، وإجراء مفاوضات مباشرة مع الإمارات لخفض التوتر، وفق موقع "مونت كارلو"، 13 أغسطس.

لكن سياسيين سودانيين أكدوا أن اللقاء تناول بشكل أساسي أيضا تحجيم قوى الإسلاميين في الجيش والحركات الشعبية المسلحة الإسلامية التي تحارب معه ضد الدعم السريع.

ورجحوا أن تكون قرارات البرهان، نتيجة للقائه مع "بولس"، مؤكدين أن طبيعة المرحلة تتضمن "إقصاء أميركيا للتيار الإسلامي"، في السودان ومناطق العالم العربي الأخرى.

وفي يوليو/تموز 2025، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن السودان سيكون الوجهة التالية لسياسة واشنطن الأميركية بعد توقيع اتفاق السلام بين الكونغو ورواندا، ما أشار إلى تحول لافت في اهتمام البيت الأبيض بالملف السوداني. 

مسرحية سياسية؟

في المقابل عبر قطاع من هذه القوى عن تشككه في نوايا البرهان، وعدوا الخطوة "مجرد محاولة لتجميل صورة الجيش دون معالجة حقيقية لجذور الأزمة".

قالوا، إن بتر البرهان جنرالات إسلاميين، لا يعني خلو الجيش منهم وتعاونه معهم عبر قنوات أخرى.

وصفوا ما جرى بأنه مجرد إعادة تموضع ومسرحية سياسية هدفها امتصاص الضغوط الدولية وكسب الوقت من أجل عودة الإسلاميين للحكم، وفق موقع "التغيير".

ورأى "صديق الصادق المهدي"، أمين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، ومساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني، أن هدف قرارات البرهان هو إبعاد "أصحاب الانتماءات الصارخة"، ودفع المؤسسة العسكرية نحو ترسيخ المهنية والحياد. وأرجع الأمر إلى زيارته لسويسرا.

ورغم الحديث عن تخلص البرهان منهم، يرى محللون سودانيون أن الإسلاميين لا يزالون يسيطرون على مفاصل الجيش.

وأشار لهذا المحلل "عزام عبد الله إبراهيم"، الذي يرى أن البرهان لن يتخلص الإسلاميين بالكامل، "لأنه يحتاج إليهم للموازنات السياسية والبقاء على السلطة".

وأوضح أن ما فعله البرهان هو "قصقصة جناح المتشددين من المؤتمر الوطني وهو جناح نافع وأمين حسن عمر، بينما يعقد اتفاقات مع جناح علي كرتي ليكون العصا التي يستخدمها ضد الكتلة المدنية في التسوية السياسية"، وفق قوله.

ورأى ما فعله قائد الجيش يهدف إلى تمكين نفسه وإقصاء منافسيه وتقليم أظافر ياسر العطا (مساعد البرهان) والكتائب الإسلامية والمقاومة ذات الطابع المناطقي أو الانفصالي.

وكان البرهان نفي في 29 أبريل/ نيسان 2025، ما يتردد عن سيطرة الإسلاميين على تحركات القوات المسلحة وقراراتها، بحسب موقع "سودان تربيون".

عزل المنافسين

وانتقد سودانيون على مواقع التواصل تخلص البرهان من الضباط الذين تصدوا للدعم السريع، وقالوا: إن قائد الجيش هو السبب في مشكلات السودان منذ انقلابه على الرئيس السابق عمر البشير، ثم انقلابه على الاتفاق الإطاري مع القوى المدنية.

ورأى القيادي بحزب الأمة القومي  “عروة الصادق”، أن البرهان يرغب في التخلص من الجميع ليبقي هو في السلطة.

فقد تخلص من جنرالات انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، وها هو يتخلص من جنرالات حربه مع الدعم السريع، وسيتخلص من الجنرالات الجدد قريبا، وفق قوله.

قال: إن البرهان "يمضي نحو حتفه وحرق ما تبقى من البلاد في سبيل بقاء سلطته وحده لا شريك له بلا منازع"، داعيا لإقالته وتنحيه "لأنه خطر على بقاء السودان والمنطقة".

وتُعد الإحالة للتقاعد والترقيات في الجيش إجراءً روتينيًا يصدره قائده كل فترة زمنية، لكن منذ اندلاع الحرب مع الدعم السريع في أبريل 2023 لم يصدر البرهان أي قرارات بالإحالة للتقاعد، واكتفي بترقية مقاتلين أبلوا بلاء حسنا في المواجهة.

لكن جاء توقيت القرارات وحجمها والثقل القتالي الكبير للضباط المحالين للتقاعد ليطرح تساؤلات حول علاقتها بالحرب الحالية، وبصراعات النفوذ داخل قيادة الجيش؟

أم أن إبعاد ضباط بعينهم خاصة الإسلاميين، جاء بسبب الخشية من أن يؤدي بقاؤهم في القيادة لصراعات أو مواقف سياسية، تشكل خطراً على وحدة الجيش، ومن ثم الإتيان بموالين للقيادة.

ويرى سياسيون سودانيون أن التغييرات الأخيرة لا يمكن فصلها عن صراع أوسع داخل الجيش بين أجنحة متعددة، من بينها ضباط محسوبون على الإسلاميين ظلوا يتمتعون بنفوذ داخل المؤسسة العسكرية منذ عهد الإنقاذ.

وتذهب بعض التقديرات إلى أن قرارات العزل تهدف إلى إبعاد هذا التيار تحديداً من مواقع القرار، في ظل ضغوط دولية وإقليمية لإعادة الجيش إلى موقع أكثر مهنية وحياداً.

لا لتكرار التجربة

وقبل قرارات عزل وتعيين جنرالات وضباط كبار في الجيش، قرر البرهان أيضا إخضاع التشكيلات المساندة للجيش لقانون القوات المسلحة، بما يجعله مسيطرا عليها.

أصدر في 17 أغسطس 2025، مرسوما آخر يضع كل الجماعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش، بما في ذلك المتمردون السابقون في دارفور، والألوية الإسلامية، والمدنيون الذين انضموا إلى المجهود الحربي، والمجموعات القبلية، تحت سيطرته.

ويحدد قانون الجيش، الذي ستخضع له هذه الجماعات الشعبية والمسلحة، هياكل القوات المسلحة وقواعدها ولوائح التنظيم والتأهيل َوالتدريب والمهام بجانب الجرائم العسكرية والعقوبات المقررة.

ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية في 18 أغسطس 2025، عن سياسيين سودانيين إشادتهم بالقرار، قائلين إنه "سيمنع تطور مراكز قوة أخرى في الجيش، وربما تشكيل قوات موازية أخرى في المستقبل مثل مليشيات الدعم السريع".

وكان الجيش السوداني دعم وسلح الدعم السريع، التي كانت مليشيات عربية، للقتال في دارفور ضد الجماعات المتمردة، وسمح لها بتطوير هياكل وخطوط إمداد موازية له، قبل أن تنقلب عليه في أبريل 2023.

بالمقابل، يرى سودانيون أنه مثلما انقلب البرهان على زملائه الجنرالات الإسلاميين الذين لعبوا دورا في انتصارات الجيش الأخيرة، سعى أيضا لاستهداف والانقلاب على قوات شعبية إسلامية دعمته وأسهمت في انتصاره.

وأشاروا إلى أن القرار يستهدف بالأساس فيلق أو كتيبة "البراء بن مالك" ذات الصيت الواسع في الحرب، وقوات أخرى مثل "البرق الخاطف" و"الدروع" وغيرها، ووضعها تحت إمرة الجيش السوداني مباشرة، وذلك بحجة نواياها في استغلال الصراع لإعادة الإسلاميين إلى الساحة السياسية.

وكان تحليل لوكالة "رويترز"، 25 يوليو/تموز 2025، ذكر أن كتيبة البراء بن مالك "تخطط للعودة للساحة السياسية بعد الحرب من خلال دعم الجيش".

وجاء قرار البرهان بوضع هذه الجماعات تحت إشراف الجيش بعد تكليف لجنة بمتابعة انسحاب التشكيلات العسكرية من العاصمة الخرطوم، لوضع حد لحالة الفوضى الأمنية.

وحرضت أخيرا قوى معارضة داخلية وخارجية ضد القوات الإسلامية الشعبية خصوصا فيلق البراء بن مالك، الذي حرر القصر الرئاسي في الخرطوم.

وبعدها، أصدر البرهان قرارا بإخضاع جميع القوات المساندة لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007 وتعديلاته.

ولم يحدد القرار أسماء هذه التشكيلات، غير أن الحرب المندلعة منذ 15 أبريل 2023 شهدت مشاركة حركات مسلحة موقعة على اتفاق سلام بدارفور إلى جانب الجيش ضد مليشيات الدعم السريع، ومنها "القوات المشتركة"، و"قوات درع السودان" و"فيلق البراء بن مالك" و"المقاومة الشعبية".