بعد سقوط الأسد.. هل تصبح ليبيا والسودان بديلا إستراتيجيا لموسكو؟
"عدم دعم بوتين للأسد رسالة سيئة تجاه حلفائه في إفريقيا"
سقوط النظام السوري يمثل أزمة كبيرة لروسيا، تضطرها لإعادة تقييم إستراتيجيتها في الشرق الأوسط وإفريقيا، في ظل تحديات كبيرة لاستعادة نفوذها وضمان استمرار تأثيرها الإقليمي، بعد سنوات من دعم نظام بشار الأسد.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، سيطر الثوار السوريون على العاصمة دمشق وقبلها مدن أخرى، مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
مستقبل ضبابي
وكانت روسيا تعتمد بشكل كبير على سوريا كقاعدة لعملياتها العسكرية والدبلوماسية، حيث شكلت قاعدتا "حميميم" الجوية و"طرطوس" البحرية حجر الزاوية في دعم نفوذها الإقليمي.
وقالت مجلة "جون أفريك" الفرنسية إنه "مع سقوط الأسد، أصبحت هذه القواعد مهددة، مما يعرقل قدرة موسكو على دعم حلفائها في إفريقيا، مثل ليبيا ومالي وبوركينا فاسو".
ومن ناحية أخرى، شددت على أن سقوط الأسد "يمثل ضربة رمزية لروسيا، حيث يعكس ضعف قدرتها على دعم حلفائها في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية".
ولفتت المجلة إلى أن “الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في غضون أيام قليلة، فقد أحد أبرز حلفائه، حيث سقط الأسد، الذي كانت موسكو تدعمه عسكريا وسياسيا منذ عدة سنوات، تحت وطأة الهجوم الخاطف الذي شنه الثوار بقيادة أحمد الشرع".
جدير بالذكر أن رئيس النظام السوري المخلوع، فر إلى روسيا، التي أعلنت أنها منحته حق اللجوء الإنساني.
ومنذ هذا الحدث المفاجئ الذي وقع ليلة 7-8 ديسمبر 2024، أشارت "جون أفريك" إلى أن موسكو "تعمل على إدارة تداعياته".
وبحسب ما نقلته عن عدد من المراقبين الروس، فإن “الكرملين تواصل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تُعد بلاده أحد أبرز داعمي التحالف الذي أصبح مسيطرا على دمشق”.
علاوة على ذلك، لفتت المجلة إلى أن روسيا، بعد إعلانها استقبال الأسد لأسباب "إنسانية"، صرحت بأنها "تؤيد حلا سياسيا في سوريا، في محاولة لتقديم نفسها كطرف موثوق لدى المسؤولين الجدد".
وبالنظر إلى المشهد الحالي، خلصت إلى أنه "من الصعب تحديد ملامح المرحلة الانتقالية المقبلة التي يُفترض أن تُقام في سوريا".
وبالحديث أكثر تفصيلا عن أحمد الشرع، قالت "جون أفريك" إنه "قاتل في صفوف تنظيم الدولة تحت اسم أبو محمد الجولاني، عندما كان التنظيم لا يزال فرعا من القاعدة في العراق".
وأضافت أن "أبو بكر البغدادي أرسله بعد ذلك إلى سوريا، حيث أسس جبهة النصرة، ثم انفصل عام 2013 عن البغدادي وتنظيمه".
وبخلاف ذلك، نوهت المجلة الفرنسية أنه "في السنوات الأخيرة، ورغم وضع الولايات المتحدة مكافأة على رأسه، يُقال إنه ابتعد تدريجيا عن الراديكالية".
وبالسؤال عن "إمكانية الحوار بين الشرع وروسيا، نقلت المجلة عن مصدر تابع لوكالة أنباء روسية قولها إن "موسكو حصلت على ضمانات بشأن أمن قواعدها العسكرية وممثلياتها الدبلوماسية في سوريا".
ومع ذلك، لفتت إلى أنه “أُبلغ عن تحركات للقوات والمعدات حول المنشآت الروسية، بما في ذلك القاعدة الجوية في حميميم بمنطقة اللاذقية والقاعدة البحرية في طرطوس”.
ومن المحتمل -بحسب المجلة- أن تضطر روسيا إلى التخلي عن هاتين المنشأتين إذا لم يُتوصل إلى اتفاق مع السلطة الجديدة.
نحو بنغازي وطبرق
علاوة على ذلك، ذكرت جون أفريك أن “مراقبين أشاروا، قبل بضعة أيام، إلى أن السفن الحربية الروسية قد غادرت ميناء طرطوس، بينما أصبحت منطقة اللاذقية تحت سيطرة الثوار”.
جدير بالإشارة إلى أن هاتين القاعدتين استخدمتا في السنوات الأخيرة من قبل الجيش الروسي ووكلائه -مثل "فاغنر" و"أفريكا كوربس"- لنقل المعدات والقوات إلى إفريقيا، خاصة إلى ليبيا ومنطقة الساحل.
وإلى جانب ما ذُكر سابقا، أوضحت المجلة أن “النشاط الجوي كان مكثفا بشكل خاص بين المطارات الروسية -لا سيما مطار تشكالوفيسكي قرب موسكو- وسوريا ومالي وبوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى”.
وبتفصيل الحديث أكثر عن الرحلات الجوية، أشارت "جون أفريك" إلى أن طائرات "أنتونوف" و"إليوشن" و"توبوليف" تقوم بانتظام برحلات بين حميميم وبنغازي وباماكو وواغادوغو وبانغي، وذلك ضمن شبكة لنقل الإمدادات إلى الحلفاء الأفارقة لموسكو.
وفي هذه النقطة، سلطت الضوء على أن "هذا النظام قد يكون مهددا في حال فقدان السيطرة الروسية في سوريا".
ومن وجهة نظرها، لا يزال من المبكر قياس تأثير التخلي المحتمل عن قاعدتي حميميم وطرطوس، خاصة أن الوضع يعتمد أيضا على قوى أخرى مثل تركيا والولايات المتحدة، التي أصبحت غير متوقعة منذ إعادة انتخاب دونالد ترامب.
ومع ذلك، توقعت المجلة أن “تكون العواقب شديدة التأثير” في ليبيا، حيث تقف روسيا و"فاغنر" إلى جانب الجنرال الانقلابي خليفة حفتر.
بالإضافة إلى ذلك، ترى أنه من المحتمل أن "يظهر ميناء طبرق كحل بديل، وكذلك مطار بنغازي".
وفي هذا السياق، صرح خبير في فاغنر قائلا إن "موسكو يمكنها ببساطة أن تنقل قدراتها العسكرية من سوريا إلى ليبيا، بالاعتماد على تحالفها مع حفتر".
جدير بالذكر أن نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، كثف من زياراته إلى ليبيا عامي 2023 و2024.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت المجلة إلى أنه "نُوقش إنشاء قواعد روسية، بما في ذلك ميناء عميق المياه، مع حفتر".
وبذلك، قد تتمكن موسكو من الحفاظ على منشأة بحرية على البحر المتوسط، مع الحفاظ على القدرات الجوية في بنغازي لدعم اللوجستيات المقدمة لحلفائها في إفريقيا.
ومع ذلك، حذرت المجلة من أن "كل ذلك مرتبط بحفتر، ولا يوفر سوى قدر ضئيل من الاستقرار".
خيار مأمول
ولفتت "جون أفريك" النظر إلى أن روسيا تضع في حسبانها موقعا آخر بمياه عميقة لطالما اهتمت به على مدى السنوات الماضية؛ وهو ميناء بورتسودان على ضفاف البحر الأحمر.
ويُقال إن "اتفاقا بشأن هذه المنشأة قد تُوصل إليه خلال الأشهر الأخيرة مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان".
ومع ذلك، أوضحت المجلة أن "هذا المشروع قد يستغرق وقتا طويلا ليتحقق، إذ إن الحرب السودانية مستمرة منذ عام ونصف بين الجيش ومليشيا المتمردين بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي".
ومن ناحية أخرى، نقلت عن مصادر قولها إنه "إذا تمكنت روسيا من فتح قواعد بحرية في بورتسودان وطبرق، فستعزز نفوذها البحري، بإنشاء موقعين إستراتيجيين على جانبي قناة السويس".
وأضافت هذه المصادر أنه "بالنسبة لرحلات الجيش الروسي الجوية، فيمكن أن تتم بسهولة من بنغازي".
وفي إحدى قنوات "تلغرام" التابعة لمجموعة فاغنر، أدلى محلل روسي، في 9 ديسمبر 2024، بملاحظة مماثلة، معربا عن أسفه لفقدان محتمل لـ"المنصة اللوجستية" في حميميم، والتي "قد تواجه ضربة قاسية، ليس فقط للمواقع في الشرق الأوسط، ولكن أيضا في إفريقيا".
وأضاف المحلل: "يجب النظر في خيارات لوجستية بديلة لعملياتنا في إفريقيا، ليبيا وبورتسودان".
وعلى المستوى اللوجستي، توقعت المجلة الفرنسية أن "موسكو قادرة على إيجاد حلول بديلة في إفريقيا".
ومع ذلك، خلصت إلى أن "سقوط الأسد سيترك بلا شك تأثيرا رمزيا ودبلوماسيا أكبر".
وبقول آخر، بسبب انشغالها بحربها في أوكرانيا، أظهرت روسيا عجزها عن تأمين سلطة حليف كانت تدعمه بكل قوة منذ عام 2015.
وأبرزت “جون أفريك” أن "الأسد وسوريا بالفعل كانا جزءا من سردية انتصارية طورتها موسكو وفاغنر على مدى عدة سنوات".
وفي حديث له، شرح خبير قائلا: "كان الروس يبرزون تدخلهم في سوريا لإظهار فعاليتهم وفعالية مرتزقتهم في القتال ودعم حلفائهم، وهذا الخطاب لم يعد قابلا للاستمرار من الآن فصاعدا".
من جانبه، قال دبلوماسي في غرب إفريقيا بعد تحليله المشهد: "قبل بضعة أيام فقط، كان الجميع يتوقع أن يرسل بوتين قوات ومرتزقة لدعم الأسد في سوريا ضد التمرد".
وتابع: "ولكن بعد حدوث هذه النتيجة، يمكن القول إما أنه لم يرغب في ذلك، أو أنه كان غير قادر على القيام به بسبب حدود الجيش الروسي، وفي كلتا الحالتين، فهذا يعد رسالة سيئة تجاه حلفائه في منطقة الساحل".