"عقل بوتين" يتهم أردوغان بخيانة روسيا وإيران.. هل تتدهور العلاقات؟
روسيا وتركيا تتنافسان في المنطقة ويسعى كل منهما لترسيخ نفوذه
سلطت صحيفة صباح التركية الضوء على العلاقات "المعقدة" في الوقت الحالي بين أنقرة وموسكو بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
وقالت الصحيفة في مقال للكاتب التركي "مليح ألتينوك": "تمر العلاقات بين تركيا وروسيا بعد تحرير سوريا بفترة معقدة ومتداخلة، حيث تتشابك فيها المصالح المشتركة والتنافس الإستراتيجي".
معركة نفوذ
فتركيا تسعى لمنع قيام كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية، بينما كانت روسيا تهدف إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط عبر دعم النظام السوري، الذي انهار في 8 ديسمبر/كانون الأول بعد سيطرة المعارضة المسلحة على المدن الرئيسة وآخرها العاصمة دمشق.
وبين الكاتب أن كلا البلدين يسعى لترسيخ نفوذه في المنطقة، حيث تريد روسيا الحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا، بينما تعمل تركيا لحماية مصالحها الأمنية والاقتصادية.
وأضاف: سقوط نظام الأسد أضعف النفوذ الروسي في المنطقة، ما قد يؤدي إلى تغيرات في موازين القوى.
ولفت إلى أن تحرير سوريا من نظام الأسد عزز موقف تركيا، خاصة في المناطق الحدودية والشمالية التي تسيطر عليها الفصائل المدعومة من أنقرة.
وأردف الكاتب: تسعى تركيا إلى تحسين علاقاتها مع روسيا، لكن هناك بعض الأطراف تحاول عرقلة ذلك.
وعلى الرغم من العديد من الاستفزازات، لم تنقطع العلاقات بين تركيا وروسيا، بل جرى تأسيس روابط سياسية واقتصادية عميقة.
وأشار هنا إلى التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في يوم سقوط الأسد، حيث قال: "لا يوجد في العالم الآن سوى قائدين بخبرة طويلة، أنا و(الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين".
وأردف: "أنا وبوتين نمتلك خبرة تقارب 22 عاما في المنصب، أما البقية فقد جرى استبعادهم، والآن العملية مستمرة، وأملنا أن نواصل هذه العلاقات من خلال الحوار".
وأردف الكاتب التركي: كانت روسيا أكبر داعم للأسد في سوريا، ومع انهيار النظام، فقدت نفوذها في المناطق الإستراتيجية.
خطأ إستراتيجي
وبعد أن خسرت روسيا مكاسبها في سوريا، شن المفكر الروسي ألكسندر دوغين هجوما حادا على أردوغان، موجها إليه اتهامات بالخيانة الإستراتيجية.
ويُعرف ألكسندر دوغين بأنه باحث سياسي ملقب بـ"عقل بوتين"، وهو مؤرخ وأستاذ علم اجتماع في جامعة موسكو سابقا، والمستشار السياسي والعسكري للكرملين وفيلسوف القومية الروسية المتطرفة والذي يعده البعض في الغرب "أخطر فيلسوف في العالم".
وبعد سقوط نظام الأسد، كتب دوغين بلهجة حادة على وسائل التواصل الاجتماعي أنّ "سوريا كانت فخا لأردوغان، لقد ارتكب خطأً استراتيجيا، وخان روسيا وإيران".
وتابع: "لقد انتهى (أردوغان)، الآن بدأت نهاية تركيا الكمالية (في إشارة إلى مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك). دعمناكم حتى الآن، لكن من الآن فصاعدا ستندمون".
وأضاف الكاتب: إن هذا الخطاب أثار تساؤلات حول الحالة النفسية لدوغين، فهل كان يمر بحالة من الإحباط؟ أم أنه مجرد انفعال لحظي؟ لكن الأمر لم ينتهِ هنا".
إذ تابع دوغين في اليوم التالي: "دعمنا أردوغان حتى الآن. في عام 2015 حاولنا تجنب التصعيد مع تركيا، وقدمنا الكثير من الدعم له أثناء محاولة انقلاب فتح الله غولن (عام 2016)".
وواصل أن "قضية سوريا مؤلمة للغاية بالنسبة لنا. أعتقد أن هذا كان خطأً إستراتيجيا من أردوغان. كانت الفكرة الكمالية هي الدفاع عن تركيا داخل حدودها".
وبعد فترة قصيرة، حذف دوغين هذين المنشورين ليصدر تصريحات جديدة بلهجة أكثر اعتدالا بالقول: "روسيا لن تضر بتركيا أبداً بالتأكيد، لكن بعد هذه الخيانة، من الصعب أن نتوقع أن تساعد موسكو أنقرة في حال وقوع مشاكل".
لاحقا، نشر تعليقا أكثر غرابة، وكأنه يوجه رسالة مبطنة بالقول: "إنّ الإسلاموية هي عدو تركيا، وبدعم من الغرب سيحاول الأكراد تعزيز قوتهم في سوريا، وبدون روسيا سيخسر أردوغان حليفا مهما".
العلاقات إلى أين؟
ولفت الكاتب التركي إلى تضارب تصريحات دوغين، فقد كان يمدح حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية حماس وجماعة الحوثيين في بعض الأحيان، فهل كان يعتقد أن هذه الحركات علمانية أم ماذا؟
وعلّق: بغض النظر عن ذلك، لم أتوقع من مفكر مثل دوغين أن ينحدر لهذا المستوى. فصحيح أن سقوط الأسد أثار قلق روسيا وإيران، لكن هل كان إبقاؤه في السلطة رغم فق دعم شعبه هو الحل؟
وأضاف: بعد سقوط الأسد لا يمكن السكوت عن التصريحات المقلقة التي أدلت بها إسرائيل والولايات المتحدة، بالإضافة إلى تحركات الجيش الإسرائيلي في سوريا.
فعقب سقوط الأسد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يُتهم بارتكاب جرائم حرب: "هذا جاء نتيجة الضغوط التي وجهناها إلى إيران وحزب الله، وهما الداعمان الرئيسان لنظام الأسد"، لكن لماذا لم يذكر روسيا من بين هؤلاء الداعمين؟ يتساءل الكاتب.
وواصل أنه "إذا كانت إسرائيل تقصف سوريا كل يوم، فلماذا صمتت روسيا، التي تقول إنها موجودة في سوريا لحمايتها؟ هل لأن تل أبيب تستهدف إيران وحزب الله فقط؟
وأضاف الكاتب التركي: قبل أن يوجه دوغين الاتهامات، كان الأجدر أن يوضح طبيعة الخيانة التي تطرق إليها. ولماذا لم تدعم روسيا إيران في صراعها مع إسرائيل، رغم دعم طهران لموسكو في حرب أوكرانيا؟
ووجه الكاتب حديثه إلى دوغين قائلا: "عليك أن تُدقق في الاجتماعات السرية بين الموساد (المخابرات الإسرائيلية الخارجية) ومخابرات النظام السوري ضد إيران قبل أن تتحدث عن الخيانة".
وختم مقاله قائلا: أعتقد أن بوتين يدرك تماما أهمية الحفاظ على العلاقة مع أردوغان، حتى في ظل الوضع الجديد في سوريا.
وتابع: "بوتين ليس مضطرا أن يكون شريكا في هزيمة الأسد، ولن يخاطر بخسارة تركيا بعد سوريا، كما أن الحفاظ على العلاقات التركية-الروسية يتطلب الحكمة وليس التصعيد غير المبرر".