أزمة ما بعد إسقاط الحكومة الفرنسية.. هل يصمد ماكرون حتى نهاية ولايته؟
إيمانويل ماكرون لن يتمكن من المقاومة لمدة 30 شهرا
إثر سقوط حكومة ميشيل بارنييه، يتنبأ جان لوك ميلونشون، زعيم حزب فرنسا الأبية، أكبر أحزاب تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري، بمستقبل قاتم للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينتهي بإزاحته من سدة الحكم.
وقال ميلونشون في حوار مع صحيفة إلباييس الإسبانية إن ماكرون لن يتمكن من المقاومة لمدة 30 شهرا يغير خلالها الحكومة كل ثلاثة أشهر، ويرى أيضا أن الجبهة الشعبية الجديدة ستستمر دون الاشتراكيين.
فرنسا الأبية
وأوضحت الصحيفة أن فرنسا تعيش دون حكومة. و"إذا بدأنا من نهاية هذه القصة، فيمكن العثور على أحد الأسباب الرئيسة التي تفسر حالة الفوضى، وذلك انطلاقا من المقر الرئيس لحزب فرنسا الأبية".
وهذا الأخير هو أحد الأحزاب اليسارية التي تشكل الجبهة الشعبية الجديدة، التحالف التقدمي الذي فاز في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والذي كتب وصوّت لصالح اقتراح سحب الثقة الذي أنهى حكومة ميشيل بارنييه.
وصوّت البرلمان الفرنسي مساء 4 ديسمبر/كانون الأول 2024، على حجب الثقة عن ميشيل بارنييه، بعد استخدام الأخير المادة 49.3 من الدستور لتمرير قانون ميزانية الضمان الاجتماعي دون تصويت برلماني.
وحشدت مذكرة حجب الثقة، التي تقدم بها كل من حزب التجمع الوطني (أقصى اليمين) وتحالف الجبهة الشعبية الجديدة (اليسار)، 331 صوتا، متجاوزة الأغلبية المطلوبة لإسقاط الحكومة بـ43 صوتا.
ويرى تحالف الجبهة الشعبية أن الرئيس ماكرون، تجاهل نتيجة الانتخابات، وأصر على بناء حكومة محافظة.
ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف جان لوك ميلونشون زعيم التحالف والصوت الرئيس له، والأكثر تطرفا على الإطلاق، عن الدعوة إلى استقالة رئيس الدولة. وحذر من أنه سيستمر في المطالبة بذلك حتى يزيحه من كرسي الرئاسة.
ورد ماكرون في 5 ديسمبر بأنه سيعين رئيس وزراء جديد "في الأيام المقبلة"، رافضا ضغوط المعارضة للتنحي، وتعهد بالبقاء في منصبه "بشكل كامل، حتى نهاية ولايته" في عام 2027.
بدون الاشتراكيين
وانسحب الحزب الاشتراكي الفرنسي من الجبهة الشعبية الجديدة بعد سقوط حكومة بارنييه.
ورغم أن هذا الحدث لا يمثل خبرا سارا لميلونشون حيث كسرت وحدة الجبهة التي ينتمي إليها، فإنه يصر على المواصلة.
وقد كان للحزب الاشتراكي بقيادة أوليفييه فور، لقاء مع ماكرون، في الإليزيه أخيرا لعرض تشكيل حكومة بتنازلات متبادلة من الطرفين.
وتعليقا على المفاوضات الأحادية الجانب التي تعني انهيار وحدة اليسار بالنسبة لزعيم فرنسا الأبية، قال ميلونشون إن "الجبهة الشعبية الجديدة ستستمر حتى دون الاشتراكيين. نحن نرفض أن نحكم جنبا إلى جنب مع تلك الكتلة اليمينية التي تتجه نحو الانهيار".
وأوردت الصحيفة أن ميلونشون توقع في يونيو/حزيران حدوث أزمة سياسية في فرنسا قد تتحول إلى أزمة نظام.
وتعليقا على ذلك، أشار زعيم فرنسا الأبية إلى أن ماكرون قال إنه حل الجمعية "لتوضيح" وتجنب مواجهة مناقشة الميزانية دون أغلبية في هذه السنة.
لكن منذ الانتخابات، تدهور وضع ماكرون السياسي، ودون الأغلبية، "كان من الواضح أنه سيلجأ إلى المادة 49.3 وأننا سنقدم، تلقائيا أيضا، التماسا لسحب الثقة. لقد فعلنا ذلك 17 مرة في السنة الماضية (2023) في مسائل تتعلق بالميزانية!".
وبدعم من نواب مارين لوبان (رئيسة حزب التجمع الوطني)، يرى ميلونشون أن “ماكرون يسعى إلى إثارة الجدل وإيذاء خصومه، على رأسهم حزب فرنسا الأبية”.
حكومة بارنييه
ويقول ميلونشون إن “اقتراحنا بسحب الثقة هو نص قاس جدا ضد اليمين المتطرف”. علاوة على ذلك، لكي يحصل مقترح ما على الأغلبية، يجب أن تصوت كتلتان معا.
وتساءل: هل كان ينبغي لنا أن نطالب بعدم احتساب أصوات اليمين المتطرف؟ هذا غير ممكن.
وأردف: "قبل شهرين، لم تدعم لوبان اقتراحنا بتوجيه اللوم إلى بارنييه، ولم يرفض ماكرون امتناعها عن التصويت".
وتجدر الإشارة إلى أن لوبان، التي وعدت في سبتمبر/أيلول بعدم توجيه اللوم إلى حكومة بارنييه، غيرت إستراتيجيتها بعد طلب تنحيتها في محاكمتها بتهمة اختلاس أموال أوروبية.
وقال ميلونشون إن حكومة بارنييه استمرت بفضل لوبان، كما أنها كانت في فترة ما بمثابة "التأمين على الحياة لنظام ماكرون".
ونظرا إلى استطلاعات الرأي، التي أيد فيها أكثر من 60 بالمئة سحب الثقة من بارنييه، رضخت لوبان أخيرا".
وحول فكرة تقديم الأحزاب تنازلات ومعاهدات مع القوى المتعارضة عندما تصبح الساحة السياسية في حالة شلل، يرى ميلونشون أن “فكرة التوافق بين اليمين واليسار خطرة للغاية”.
وأردف: “إنها فكرة تنتج حكومات مستعدة لبيع روحها من أجل الاستمرار. وكانت النتيجة في إيطاليا مثلا هي صعود اليمينية (جورجيا) ميلوني، رئيسة الوزراء الحالية”.
وتابع: “نحن نرفض خيانة ناخبينا من أجل المناصب ونطبق برنامجنا دون التزامات. الديمقراطية ليست عبارة عن إجماع. على العكس من ذلك، هي نتيجة إجماع بين الأطراف العقلانية”.
أما الأطراف غير الراضية، فلا خيارات أمامهم سوى أقصى اليمين وأقصى اليسار؛ وهو ما حدث في جميع أنحاء أوروبا، وفق تقديره.
ماكرون “فاشل”
وحول وصف ماكرون لميلونشون بأنه "غير مسؤول للغاية" إلى جانب لوبان، أشار السياسي إلى أن “سحب الثقة موجود في الدستور، ولم يخترع هو هذه الآلية. لكن، الرئيس هو الذي خلق مليار دولار من الديون أو الفوضى في هذا البلد”، وفق تعبيره.
وفي الآونة الأخيرة، أراد ماكرون إرسال قوات إلى روسيا، في وقت طردت فرنسا من إفريقيا أيضا، هذا هو رصيد ولايته، يقول ميلونشون.
وأضاف: “لقد أصبحت فرنسا أكثر ثراء من أي وقت مضى، ولكن شعبها أصبح أكثر فقرا مما كان عليه قبل 20 عاما”.
وهل يجب أن نلتزم الصمت و"نتحمل المسؤولية"؟ إنه (ماكرون) المسؤول عن هذه المشاكل، ولن يتمكن من إنهاء ولايته إذا كان هناك اقتراح سحب ثقة كل شهرين.
وفي إجابته على سؤال: إذا توصّل الحزب الاشتراكي إلى اتفاق مع ماكرون لتشكيل الحكومة، فهل ستكون هذه نهاية الجبهة الشعبية الجديدة؟ قال إن برنامجهم سيستمر من دون الاشتراكيين.
وتابع: "نرفض الحكم إلى جانب كتلة اليمين هذه التي تتجه نحو الاضمحلال. إنهم ينتقدون فئة من المجتمع مقدرين أنهم فرنسيون على الورق. يجب على فرنسا ألا تميز على أساس العرق أو الدين".
وذكر ميلونشون أن الاشتراكيين وضعوهم أمام الأمر الواقع، “بطريقة وحشية”، مضيفا: "لقد حصل حزبهم (الاشتراكي) على 1.67 بالمئة في الانتخابات الرئاسية، لكنه يريد أن يكون رئيسا للوزراء عن اليسار”.
وواصل القول: "بغض النظر عن جميع المعطيات، لقد كان الائتلاف الكبير حلم بعض الاشتراكيين الفرنسيين لمدة 40 عاما".
وعن إمكانية مساءلة الحكومة الفرنسية المقبلة إذا حصلت على دعم من الحزب الاشتراكي؟، قال ميلونشون إن فرنسا ستشهد اقتراح سحب ثقة كلما لجأت الحكومة إلى المادة 49.3، التي تسمح بموافقة المبادرات الحكومية بمرسوم.
وأكد بالقول: "سنستمر حتى نحقق هدفنا وسينتهي الأمر برحيل ماكرون؛ فلا يمكن أن يستمر في تعيين حكومات على نحو تشكيل بارنييه كل ثلاثة أشهر لمدة 30 شهرا (حتى نهاية ولايته)".
وأضاف: "من الصعب إيجاد أغلبية بين 289 نائبا لإقرار الموازنة المقبلة. ودون ذلك، سيلجأ ماكرون إلى المادة 49.3 مرة أخرى، ومن هنا سيولد اقتراح آخر لحجب الثقة، وستسقط حكومة أخرى".
وفي سؤال عن مدى استعداده ليكون مرشحا للرئاسة، قال زعيم حزب فرنسا الأبية: "إن منظمتنا جاهزة. ولدينا قواعد نشطة، ويتم تحديث برنامجنا. لكننا لم نقرر بعد من سيكون المرشح. إنه قرار جماعي".