ماسك وبيرقدار.. كيف ينظران لمستقبل الطائرات المقاتلة المأهولة؟
الطائرات المسيّرة يمكن أن تكون أكثر فعالية في المهام القتالية
أثار الملياردير الأميركي إيلون ماسك جدلا بتصريحاته الحادة أخيرا حول الاستمرار في إنتاج الطائرة الهجومية المشتركة إف 35، قائلا إنه لا يقدم على الاستعانة بها "سوى الحمقى" حتى وإن كانت متطورة.
ونشر ماسك فيديو لطائرات بدون طيار تحلق بتشكيلات مختلفة وعلق ساخرا عبر منصة "إكس" في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2024: "لا يزال بعض الحمقى يبنون طائرات مثل إف 35"، مضيفا علامة “سلة المهملات”، في إشارة لعدم جدوى إنفاق الأموال على مشاريع المقاتلات المأهولة.
رؤية تركيا
وتقول وكالة الأناضول التركية في مقال للكاتب "جان قصب أوغلو": "لا شك أن تصريحات ماسك تحمل معنى خاصا لتركيا التي تعد عضوا في الناتو (حلف شمال الأطلسي)، وكانت جزءا من اتحاد إف 35 في وقت سابق قبل أن يتم استبعادها".
وسلطت تصريحاته الضوء على التكلفة الباهظة لإنتاج طائرات إف 35، وكيف أن هذا الأمر يرهق وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" والشركات العسكرية الرئيسة مثل لوكهيد مارتن الأميركية والمقاولين الفرعيين الآخرين.
وجاءت تصريحات ماسك بعد أسبوع من كشف الصين عن طائرة "جينتاك"، وهي مركبة جوية ثقيلة من دون طيار، خلال معرض تشوهاي الجوي.
ويمكن للطائرة المذكورة حمل أسلحة متقدمة تشمل قنابل موجهة بالليزر، وصواريخ مضادة للسفن، وصواريخ جو-جو، تُظهر هذه القدرات تنوعا يضاهي الطائرات القتالية التقليدية.
وفي حديثه عن تصريحات ماسك، تطرق الكاتب التركي إلى رؤية مشابهة يتبناها رئيس مجلس إدارة شركة "بايكار" التركية للصناعات الدفاعية سلجوق بيرقدار.
وقال بيرقدار خلال مقطع فيديو سابق إن عدم حصول القوات الجوية التركية على طائرات إف 35 تطور إيجابي. وبين أن تركيا ستبرز في أنظمة الحرب الروبوتية المستقبلية.
ولفت الكاتب إلى أن الرؤية التي طرحها ماسك وبيرقدار صائبة، لكنها تتعلق بمستقبل يمتد إلى ما بعد أربعينيات أو خمسينيات القرن الحالي.
ومن أجل الوصول إلى هذه المرحلة هناك حاجة إلى 15-20 عاما على الأقل، وربما أكثر.
لكن للأسف يبدو أن تلك السنوات ستكون مليئة بالحروب التي ستُخاض بالأسلحة المتاحة حاليا، وليس المستقبلية، وفق الكاتب.
الخوارزميات والروبوتات
واستدرك أن أحداث الحروب المعاصرة، مثل الصراع الروسي-الأوكراني والحرب في سوريا، تُظهر بوضوح دور الطائرات المسيرة وتطورها السريع.
ففي أوكرانيا تتألف الهجمات الروسية بشكل كبير من طائرات "شاهد" الإيرانية، بالإضافة إلى طائرات منظور الشخص الأول المسيّرة FPV والتي أصبحت واحدة من أهم أسلحة القوات الأوكرانية البرية.
وقد أصبحت طائرات "لانسيت" الانتحارية الروسية تشكل تهديدا كبيرا للمنصات المدرعة. بينما تطورت قدرات أوكرانيا على تنفيذ ضربات دقيقة حتى منطقة بحر قزوين بفضل الأسلحة الروبوتية.
من المهم ملاحظة أن مصطلح "الطائرات المسيّرة" أصبح مفهوما عسكريا واسعا يشمل مجموعة متنوعة من الأنظمة.
فهناك الطائرات الصغيرة التي تكلف مئات الدولارات إلى الطائرات القتالية غير المأهولة مثل "Okhotnik" الروسية و"كيزيل إلما" التركية، وحتى إن هناك ذخائر متجولة مثل "سويتش بليد-600".
واستدرك الكاتب: إن انتقادات إيلون ماسك وبيرقدار تتعلق بعدم توافق طائرات إف 35 مع الأنظمة المتخصصة في أداء مهام القتال الجوي.
وبين أن الطائرات المسيرة يمكن أن تكون أكثر فعالية في المهام القتالية، حيث إن هناك أدلة ملموسة تؤكد صحة هذا الادعاء.
فعلى سبيل المثال أظهرت اختبارات AlphaDogfight التي أجرتها وكالة DARPA، وهي مركز الأبحاث والتجارب الدفاعية المتقدمة في الولايات المتحدة، أن الطيران المعتمد على الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتفوق على الطيارين.
بالإضافة إلى ذلك، فقد جرى إزالة الشكوك التي كانت تتعلق بالطائرات غير المأهولة.
إذ كان أحد أكبر الشكوك المتعلقة بهذه الطائرات هو أنها لم تُسقط أي طائرة مأهولة في ظروف حرب حقيقية.
ولكن هذا الشك زال مع الحرب الروسية-الأوكرانية. ففي 7 أغسطس/آب 2024، نجحت طائرات منظور الشخص الأول المسيّرة FPV التابعة لأوكرانيا في ضرب مروحية هجومية روسية من طراز Mi-28.
خطط مستقبلية
وأردف الكاتب التركي: من المحتمل جدا أن تتجاوز الخوارزميات الرقمية والإلكترونية قدرات الخوارزميات البيوكيميائية (الكيمياء الحيوية)، وأن تتفوق التقنيات الروبوتية على قدرات الطيارين من البشر. وقد لا يكون الإنسان في المستقبل القريب أذكى كائن في ساحة المعركة.
لكن على الرغم من التوقعات المستقبلية بتفوق الطائرات غير المأهولة، فإن عام 2024 يفرض واقعا مختلفا.
إذ لا تزال التحديات الأمنية الراهنة تُواجه بالأسلحة التقليدية؛ مثل تحول القوات الجوية الأوكرانية إلى طائرات إف 16، وخطط إيران لشراء مقاتلات سو 35، وانتهاكات ميغ 31 الروسية للأجواء الفنلندية.
وقد تصبح هذه الطائرات غير فعالة بحلول عام 2040 أو 2050. لكن في الوقت الحالي تعد الطائرات المأهولة مثل إف 35 وإف 16 ضرورية وفعّالة لمواجهة التهديدات، خاصة في حالات الدفاع تحت مظلة الناتو.
وقد جرى تصميم طائرات إف 35 وغيرها من الطائرات المقاتلة من الجيل الخامس لتتفوق على المقاتلات المعادية وأنظمة الدفاع الجوي.
وذلك من خلال قدرات التخفي وأجهزة الاستشعار المتقدمة والعمليات الشبكية، مما يتيح لها الرؤية والإبادة أولاً ثم الانسحاب من منطقة المهمة دون خسائر.
وأضاف الكاتب: الطائرة التركية قآن KAAN من الجيل الخامس تُبنى وفقا لهذه الفلسفة أيضا.
وفي العقدين الحالي والمقبل سيكون هنالك فرق شاسع بين الدول التي تمتلك مقاتلات الجيل الخامس وتلك التي لا تمتلكها.
وأشار إلى أن إقبال العديد من الدول من آسيا إلى أوروبا على شراء إف 35 والزيادة السريعة في حصة لوكهيد مارتن بسوق الأسلحة الدولي، دليل واضح على هذا التوجه.
في النهاية، قد يؤدي التطور التكنولوجي والأنظمة المستقلة إلى تقاعد بعض الطيارين واستبدالهم بالذكاء الصناعي.
وتعد الاختبارات الناجحة لطائرة X-62A النموذجية من أبرز الأمثلة على ذلك. ففي هذه التجارب نفذت طائرات إف 16 غير المأهولة رحلات ناجحة.
ومن يدري؟ ربما يُحال طيارو إف 35 إلى التقاعد أيضا، وتتعاون شركات مثل SpaceX وBaykar لتحويل هذه الطائرات إلى أنظمة قتالية روبوتية. ولكن، مرة أخرى يجب التأكيد على أن كل هذه التطورات ستحدث فقط "مستقبلا"، وفق الكاتب.