داخليا وخارجيا.. كيف نجحت المعارضة السورية في معركة الخطاب الإعلامي؟

مصعب المجبل | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

حرصت المعارضة السورية قبل تحرير العاصمة دمشق في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 وإعلان سقوط نظام بشار الأسد الذي حكم سوريا 24 عاما على إثبات قدرتها على الالتزام عمليا بحماية مكونات الشعب كافة. 

فحرصت فصائل المعارضة السورية منذ إعلانها بدء تحرير سوريا على بث "رسائل مطمئنة" للطوائف والمكونات الإثنية في البلاد من ناحية عدم المساس بهم والتأكيد على أن هدف العمليات العسكرية هو "بناء دولة مؤسسات" يحظى فيها الشعب بالحماية التامة.

"رسائل طمأنة"

فمنذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أطلقت فصائل سورية معارضة بقيادة "هيئة تحرير الشام" عملية عسكرية تحت اسم "ردع العدوان" لإنهاء حكم بشار الأسد.

وقد تحالف عدد من الفصائل السورية المعارضة مع "تحرير الشام" بهدف إسقاط نظام الأسد وإعادة المهجرين وتأسيس "دولة مؤسسات" كما جاء في بيانات متفرقة لـ "غرفة إدارة العمليات العسكرية" التابعة للعملية والتي عيّنت متحدث إعلامي رسمي ناطق باسمها.

وبات من الواضح تركيز "غرفة إدارة العمليات العسكرية" عبر بيانات رسمية على تقديم خطاب جديد موجه أولا للأقليات والطوائف في الداخل السوري أي في المناطق التي سيطرت عليها خلال عملية "ردع العدوان". وثانيا للخارج أي للدول التي لها نفوذ عسكري في سوريا أو الدول المعنية بالشأن السوري.

إذ حمل هذا الخطاب تطورا لافتا وُصِف بـ "البراغماتي" (عملي) والذي شرح طبيعة الأداء السياسي الجديد لفصائل "ردع العدوان" لتبديد مخاوف الأقليات التي لطالما روج نظام الأسد بأن تلك الفصائل قادمة بهدف الانتقام والاعتداء على الأقليات. 

وعملية "ردع العدوان" تعد هي الأكبر من نوعها في سوريا منذ انحسار رقعة العمليات العسكرية لصالح قوات النظام السوري في مطلع عام 2020. 

حيث تمكنت فصائل المعارضة ضمن تلك العملية من بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية تقريبا، باستثناء أجزاء من محافظات الحسكة والرقة وديرالزور التي ما تزال تستولي عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

لقد حرصت فصائل المعارضة على بعث تطمينات للمكونات والطوائف والأقليات والإثنيات في حلب وبقية المدن السورية، بل وجهت بيانات إلى دول وحكومات متعددة بلغات مختلفة شملت الإنكليزية والروسية.

وتتميز سوريا بالتنوع السكاني العرقي والإثني والديني، حيث يشكل المسلمون أكبر كتلة سكانية، ومعظمهم من السنة، فضلا عن وجود سكان ينتمون إلى أقليات دينية أخرى مثل العلوية والإسماعيلية والمرشدية والدروز.

أما على الصعيد الإثني، فهناك أقليات إثنية كالسريان والآشوريين والكرد فضلا عن الأرمن والشركس والتركمان.

ومع بدء تحرير سوريا بدأت تدور تساؤلات حول ما إذا كانت سوريا ستحافظ على التنوع الموجود بين السكان بعد أن دخلت فصائل المعارضة المدن السورية دون قتال.

"خطاب وطني محلي" 

وقدمت فصائل "ردع العدوان" نموذجا حيا وسريعا للتعايش السلمي بين المكونات السورية.

وقد ظهر ذلك جليا بداية في مدينة حلب التي جرى السيطرة عليها بالكامل وطرد قوات الأسد ومليشياته منها في 29 نوفمبر 2024 ما أعطى مؤشرا على جدية المعارضة في حماية كل المكونات السورية.

وتعد مدينة حلب ثاني أكبر مدينة في الشرق الأوسط بعدد المسيحيين بعد بيروت، لكن أعدادهم انخفضت فيها من 150 ألفا إلى ما لا يزيد عن 70 ألفا في السنوات الأخيرة.

وقد سمحت الفصائل للمسيحيين في مدينة حلب بممارسة طقوسهم وأعيادهم، ولم ترصد المؤسسات الحقوقية أي انتهاك بحقهم عقب تحرير المدينة.

كما تمكنت الفصائل من السيطرة على مدينة السلمية بريف حماة في الخامس من ديسمبر 2024 وهي مدينة في غالبية من الطائفة الإسماعيلية.

كما دخلت فصائل المعارضة محافظتي طرطوس واللاذقية والتي يوجد فيها قرى من أبناء الطائفة العلوية وهي الطائفة التي تنحدر منها عائلة الأسد، دون تسجيل أي انتهاكات بحقهم.

ولا سيما مع تكدس عناصر وضباط الأسد في هاتين المحافظتين بعدما انسحبوا من دمشق قبل سقوط حكم بشار الأسد الذي تسلم السلطة وراثة عن أبيه حافظ عام 2000.

وبذلك طوت الثورة السورية حكم حزب “البعث” في سوريا، الذي ترسخ عام 1971 مع استيلاء حافظ الأسد على السلطة بانقلاب عسكري حينها.

وأيضا وجهت "إدارة الشؤون السياسية" في حكومة "الإنقاذ" في إدلب التابعة "لهيئة تحرير الشام" خطاب طمأنة إلى الطائفة العلوية في سوريا، بالتزامن مع تقدم فصائل "ردع العدوان " نحو مناطق وجود العلويين في ريفي حماة وحمص.

وقال البيان الذي صدر في 4 ديسمبر "إن النظام استخدم الطائفة العلوية ضد الشعب السوري، واستطاع أن يدخلها في معركة صفرية من خلال شحن طائفي ممنهج، وأحدث هذا النهج جراحات مجتمعية وشرخا عميقا في العلاقة بين مكونات هذا الشعب"، بحسب البيان.

ودعا البيان أبناء الطائفة العلوية إلى فك أنفسهم عن النظام السوري، وأن يكونوا جزءا من سوريا المستقبل التي لا تعترف بالطائفية.

وفي السياق، قال الباحث ياسر فتحي: "لقد تقاطعت أطراف كثيرة في عدم دعم حكم بشار قبل سقوطه، ومن ثم جاء خطاب المعارضة مركزا على الهدف الرئيس لا يثير أي ذريعة تشوش على الهدف المركزي، فأعطى إشارات ضمنية للتفاعل مع المحيط العربي، والتركيز على الجانب المحلي، ليكون الخطاب وطنيا محليا خاليا من مفردات السيطرة أو التحكم أو فرض نمط معين على الناس".

وأضاف فتحي لـ"الاستقلال" أن "المعارضة السورية اختارت التعبير عن نفسها بوصفها مكونا سوريا داعما وخادما لكل السوريين، وتعظيم ضرورة التوافق على النظام والقانون والمرجعية بين المختلفين".

ورأى الباحث المصري أن "كل هذه الرسائل صدرت بهدوء وثقة ووسط تحقيق نجاحات على الأرض السورية وانضباط ملاحظ، وأيضا بصورة خلت من أي انتقام أو ثأر أو تجاوز، وهو ما يعضد فرص الاستفادة من الفرصة المتاحة داخليا وإقليميا ودوليا".

وذهب فتحي للقول: "سيكون التحدي الأكبر لاحقا حول مدى ما يمثل هذا خطاب المعارضة للداخل والخارج قناعة راسخة ومرونة كافية في الممارسات وقدرة على تقوية الجبهة السورية الداخلية وتوسيعها لتصمد أمام تغير المصالح الإقليمية والدولية".

رسائل للخارج

وعقب تسلم فصائل المعارضة السورية إدارة السلطة بسوريا، قالت إدارة الشؤون السياسية في دمشق، في بيان لها في 9 ديسمبر 2024، إنها "سنعمل على تهيئة الظروف وضمان بيئة آمنة لاستقبال السوريين العائدين".

كما دعا البيان "السوريين الذين أجبروا على المغادرة للعودة والمساهمة في بناء سوريا".

وأكدت أنها "تعمل على بناء دولة قانون تضمن الكرامة والعدالة ومؤسسات تلبي طموحات الشعب".

مضيفة أن "المرحلة القادمة تتطلب مصالحة مجتمعية شاملة مبنية على العدالة والمساواة".

وشدد البيان على أن "قيادة سوريا الجديدة تتطلع لتعزيز علاقتها مع كل الدول على أساس الاحترام".

ولفتت إدارة الشؤون السياسية في دمشق إلى أنها "ستسعى إلى دور بناء في المنطقة والعالم بما يحقق الأمن والاستقرار".

وهذه ليست المرة الأولى التي تبعث فيها المعارضة رسائل طمأنة للخارج.

فمنذ تسارع وتيرة تقدم فصائل المعارضة على الأراضي السورية لم تهمل المعارضة توجيه تطمينات للخارج بأن حدود المعركة لا يتجاوز إسقاط نظام الأسد.

وقد أعلن نائب قائد العمليات المشتركة في العراق الفريق أول الركن قيس المحمداوي، في 30 نوفمبر إغلاق حدود بلاده بشكل كامل مع سوريا.

وتوازى ذلك، مع تأكيد قائد الحدود العراقية، الفريق محمد عبد الوهاب سكر السعيدي، بأن الحدود المشتركة مع سوريا "مؤمنة بالكامل ولا مجال لاختراقها"، وفقا لوكالة الأنباء العراقية. 

ومنذ بدء عملية "ردع العدوان" اجتهد نظام الأسد في جلب مليشيات أجنبية للقتال إلى جانب، وسط تحذير المعارضة السورية من سماح بغداد بعبور مليشيات من العراق إلى سوريا.

وقد دعا قائد "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني الذي بدأ يستخدم اسمه الحقيقي (أحمد الشرع)، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى النأي بالعراق عن الصراع في سوريا، محذراً من إرسال قوات "الحشد الشعبي" لدعم النظام السوري.

وقال الجولاني، في رسالة مصورة وجهها إلى السوداني في 5 ديسمبر 2024: "كما نأى العراق بنفسه عن الحرب بين إيران والمنطقة، فإننا نشد على يده أن ينأى بالعراق عن الدخول في حرب جديدة في سوريا، حيث يدافع الشعب السوري عن نفسه ضد نظام مجرم."

وأشار الجولاني إلى تطلعه لعلاقات إستراتيجية واقتصادية واجتماعية بين العراق وسوريا "ما بعد زوال النظام"، داعيا السياسيين العراقيين إلى منع "هذه المهاترات"، في إشارة إلى دعم عسكري محتمل للنظام السوري.

كذلك، وجهت حكومة "الإنقاذ" العاملة في إدلب، رسالة إلى روسيا

وفي بيانها الذي أصدرته بالعربية والروسية والإنجليزية، دعت روسيا إلى عدم ربط المصالح بالنظام السوري، أو شخص بشار الأسد، بل مع الشعب السوري.

وأكدت "الشؤون السياسية"  التابعة لحكومة الإنقاذ العاملة في إدلب، والتي تعد امتدادا سياسيا لغرفة إدارة العمليات العسكرية، أن الشعب السوري يسعى لبناء علاقات إيجابية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع كل دول العالم، بما في ذلك روسيا، التي اعتبرتها "شريكا محتملا" في بناء مستقبل مشرق لسوريا.