بعد دحر الأسد.. هذه أولويات تركيا في التعامل مع إدارة سوريا الجديدة
أردوغان لم يتوقف عن تقديم المساعدات والدعم للسوريين
رأت صحيفة تركية أن أنقرة لعبت دورا محوريا في دعم المعارضة السورية، مما جعل مساهمتها في الخلاص من نظام بشار الأسد، أمرا لا يمكن إنكاره حتى من قبل خصومها السياسيين.
وبينت صحيفة صباح في مقال للكاتب التركي "نبي ميش" أنه "منذ اندلاع الثورة (عام 2011) وقفت تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى جانب الشعب السوري، حيث اتخذت خطوات حاسمة في إنشاء مناطق آمنة داخل سوريا لمنع التهجير قسرا للسكان".
وكان هذا جزءا من إستراتيجية تهدف إلى تقوية المعارضة ضد جيش النظام السوري عبر التدريب والتسليح، وتعزيز قدرته على مقاومة الأسد.
تتويج بالنصر
وتابع: "شهدت سوريا صراعا طويلا امتد لأكثر من 13 عاما بين النظام والمعارضة، ولكن وأخيرا نجح المعارضون في تحقيق إنجازات ملموسة".
ففي فجر 27 نوفمبر 2024، شنت فصائل المعارضة تحت قيادة هيئة تحرير الشام هجوما ضد قوات النظام السوري وحلفائه في ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي. وتعد هذه العملية الأولى من نوعها منذ مارس/آذار 2020.
وقد أطلقت هيئة تحرير الشام على العملية اسم "ردع العدوان" وقالت إنها نفذتها ردا على تكثيف النظام قصفه للمناطق السكنية بريف حلب الغربي.
وفي 29 نوفمبر 2024 دخلت قوات المعارضة إلى مدينة حلب واستولت على معظم أنحاء المدينة وسط انهيار القوات المسلحة والموالين لها.
وعقب أيام من السيطرة على حلب والهجوم المباغت أعلنت فصائل المعارضة في 5 ديسمبر 2024 سيطرتها على مدينة حماة، رابع أكبر مدن سوريا والتي تقع في وسط البلاد.
وبعد معارك استمرت يومين، أعلنت فصائل المعارضة في 7 ديسمبر 2024 سيطرتها على مدينة درعا في جنوب البلاد.
ثم تلتها حمص ثالث أكبر مدن سوريا والتي أعلنت الفصائل السيطرة الكاملة عليها في أولى ساعات 8 ديسمبر.
وبهذا سيطرت المعارضة على 4 مدن خلال 24 ساعة، وهي حمص بالإضافة إلى درعا والقنيطرة والسويداء.
وأعلنت أيضا السيطرة على مدينة القصير بريف حمص قرب الحدود مع لبنان، بالإضافة إلى تحرير أكثر من 3500 معتقل من سجن حمص المركزي. وبعد ذلك بدأت التمهيد لتطويق وحصار العاصمة دمشق.
وفي فجر 8 ديسمبر فقدت قوات النظام السيطرة على العاصمة دمشق وسقطت بيد قوات فصائل المعارضة السورية المسلحة.
وكان هذا النجاح درسا قاسيا للذين شككوا في عزيمة الشعب السوري وصموده، وفق الكاتب.
دعم المعارضة
وعن دور أنقرة، يقول الكاتب إنه على الصعيد الدبلوماسي قادت تركيا الجهود لإنشاء مناطق خفض التصعيد حول إدلب.
وضمنت بقاء المدنيين في مناطقهم مع تقديم المساعدات الإنسانية الضرورية. وأدى هذا إلى تمكين المعارضة من الصمود وتحقيق النجاحات الميدانية.
وإذا كانت المعارضة قد نجحت اليوم، فذلك بفضل السكان الذين يعيشون في "مناطق خفض التصعيد والمناطق الآمنة" التي وفرتها تركيا هناك، وفق الكاتب.
وأشار إلى أن أردوغان لم يتوقف عن تقديم المساعدات والدعم للسوريين على الرغم من التكاليف السياسية والاقتصادية لذلك.
فحتى خلال فترات الانتخابات الحرجة، وعلى الرغم من انتقادات المعارضة التركية، اتخذ أردوغان موقفا لصالح اللاجئين الذين يعيشون في تركيا.
وتابع: رغم التحديات السياسية والاقتصادية اعتمدت تركيا سياسة الباب المفتوح لاستقبال اللاجئين السوريين، وقدمت الحماية لأكثر من 5 ملايين شخص داخل سوريا وحوالي 3 ملايين داخل أراضيها.
وأضاف الكاتب التركي: منذ اليوم الأول للتحرير بدأ اللاجئون السوريون الموجودون في تركيا بالعودة إلى بلادهم.
ورأى أن عودة اللاجئين بشكل طوعي إلى بلادهم قد يكون له أثر إيجابي على تعزيز الدور التركي في مستقبل سوريا لاحقاً، حيث عبر العائدون عن امتنانهم لدعم أنقرة، مما يُعد رصيداً إستراتيجياً لها في المنطقة.
مواجهة التهديدات
وأردف الكاتب: لقد واجهت تركيا تهديدات أمنية متعددة من تنظيمات إرهابية استغلت الفراغ الأمني بدعم من قوى غربية خلال الحرب السورية.
وكانت تركيا الدولة الأكثر تصديا لتنظيم الدولة الإرهابي، كما نفذت عمليات عسكرية عبر الحدود.
وكانت تلك العمليات تستهدف تنظيمات حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” وفروعه من وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي، المصنفة إرهابية من قبل تركيا.
وقد أسهمت هذه الجهود في منع إقامة ممر إرهابي بالقرب من الحدود التركية، وفق تعبير الكاتب.
ولفت إلى أن بعض الأطراف تروج لفكرة أن التنظيمات الإرهابية ستقوى في ظل الإدارة السورية الجديدة.
فقد دعم الأسد الإرهاب سابقاً ولم يعترض على توسع تنظيمات حزب الاتحاد الديمقراطي / وحدات حماية الشعب.
ولكن يؤكد الكاتب أن تركيا ستواصل التصدي لهذه التهديدات بشكل أكثر فعالية.
فكما حاربت تركيا الإرهاب خلال نظام الأسد، فإنها ستحاربه بشكل أكثر حسما خلال الإدارة السورية الجديدة، وفق الكاتب.
وأردف: “من حق تركيا على الإدارة الجديدة عدم السماح للمنظمات الإرهابية التي تشكل تهديدا لها بالتوسع، وذلك بالنظر إلى أن أنقرة كانت تدعم المعارضة في مناطق خفض التصعيد والمناطق الآمنة”.
عصر جديد
وتابع الكاتب: سيبدأ عصر جديد في الشرق الأوسط، ستواصل تركيا خلاله النضال لبناء سوريا شاملة وعادلة ومستقرة ومستدامة وموحدة.
وستكون تركيا رائدة في الدبلوماسية وفي إعادة هيكلة سوريا الجديدة وبنائها، وفق قول الكاتب.
وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أول مؤتمر صحفي له بعد سقوط الأسد إن "تركيا ستبذل قصارى جهدها لإعادة إعمار سوريا بالتعاون مع الدول المجاورة، وستتعاون مع الإدارة الجديدة".
واستدرك الكاتب: إذا نجح بناء نظام شامل وعادل ومستقر في سوريا بعد إعادة هيكلة الدولة، فسيكون هذا النجاح نموذجاً لدول المنطقة.
وفي هذه المعادلة الجديدة هناك قوى دولية تسعى لاغتصاب نجاح الشعوب، ولن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي تغيير قد يهدد مصالحها الراسخة.
فلطالما سعت الدول ذات المصالح في سوريا إلى الحفاظ على مناطق نفوذها أو إعادة فرضها عند أي فرصة ممكنة.
ومع ظهور الإدارة السورية الجديدة، قد تحاول هذه القوى تنفيذ تحركات تخريبية لإعادة ترسيخ وجودها، مما يهدد أي جهود نحو تحقيق الاستقرار وإعادة البناء، بحسب تقدير الكاتب.
وبين أنه لا يمكن إغفال الخبرات المكتسبة من الانتفاضات العربية التي اندلعت منذ عام 2011.
إذ أثبتت تلك الفترة أن القوى الدولية مستعدة للتدخل لإعادة توجيه مسار الثورات بما يخدم مصالحها الخاصة.
ويرى أنه “في ظل هذه التحديات يعد التعاون بين حكومة سوريا الجديدة وتركيا أمرا بالغ الأهمية”.
فمن شأن هذا التعاون أن يعزز من قدرة الدولتين على مواجهة التدخلات الخارجية، ويمهد الطريق نحو بناء شرق أوسط أكثر استقراراً وعدالة.
لذلك فإن التعامل مع هذه المرحلة الجديدة يتطلب فهما عميقا لتلك الدروس، مع ضرورة تبني سياسات تضمن حماية مكتسبات الشعوب وتمنع التلاعب بمصيرها.