"الشعب يقرر مصيره".. لماذا رفض الصدر تدخل العراق في الشأن السوري؟
الصدر طالب الحكومة العراقية بمعاقبة كل من يذهب للقتال في سوريا
في موقف يمثل تغريدا خارج السرب الشيعي بالمنطقة، أعلن زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، رفضه القاطع تدخل بلاده حكومة وشعبا ومليشيات في الشأن السوري، بل ودعا إلى معاقبة المخالفين، وذلك تجديدا لموقف اتخذه منذ اندلاع الثورية السورية عام 2011.
منذ إطلاق المعارضة السورية عملية "ردع العدوان" في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أعلنت الحكومة العراقية والمليشيات الموالية لإيران، عن وقوفها إلى جانب نظام بشار الأسد، وأنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي حيال تقدم الفصائل التي وصفوها بـ"الإرهابيين".
وأسقط الشعب السوري نظام الأسد صباح 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، بعد أن بدأت فصائل المعارضة بدخول العاصمة السورية دمشق وذلك عقب ساعات من السيطرة الكاملة على مدينة حمص.
"قتال محرّم"
وعلى خلاف موقف إيران وحزب الله اللبناني، والمليشيات الشيعية في العراق التي وقفت بثقلها العسكري والسياسي إلى جانب نظام الأسد منذ عام 2012، كان الصدر حينها رافضا إرسال جناحه العسكري "سرايا السلام" للقتال في سوريا، عادا ذلك "حرام" شرعا.
وفي موقف جديد، نشر الصدر تدوينة على منصة "إكس" في ديسمبر 2024، قال فيها: "نراقب الوضع في الجارة العزيزة سوريا بدقة، ولا نملك لشعبها الحر الأبي بكل طوائفه إلا الدعاء، عسى الله أن يدفع عنهم البلاد والإرهاب والتشدد والطائفية والتدخلات الخارجية".
وتابع: "مازلنا على موقفنا من عدم التدخل في الشأن السوري، وعدم الوقوف ضد قرارات الشعب فهو المَعني الوحيد بتقرير مصيره. آملا من الجميع ألا ينجر خلف مخططات الثالوث المشؤوم أميركا وبريطانيا وإسرائيل ومن لف لفها، لتدمير الدين ووحدة الصف وبث الفرقة".
وشدد الصدر على ضرورة "عدم تدخل العراق حكومة وشعبا وكل الجهات والمليشيات والقوات الأمنية في الشأن السوري كما كان ديدن بعضهم في ما سبق، بل ويجب على الحكومة منعهم من ذلك ومعاقبة كل من يخرق الأمن السلمي والعقائدي في عراقنا الحبيب".
وردا على سؤال خلال مقابلة تلفزيونية في 2017، عما إذا كان القتال في سوريا مبررا لوضع أي فصيل على لائحة الإرهاب؟ أجاب الصدر، قائلا: "نعم، لأن (ذلك البلد) أصبح عنوانا للإرهاب وعدم الإرهاب".
وأضاف أن "سرايا السلام لا يوجدون في سوريا، لأنهم منهيون عن ذلك، بل الأمر محرّم، ولست على استعداد للتضحية من أجل أي دولة، لأن بلدي هو أولى أن أضحّي من أجله والخطر الذي فيه ربما يفوق ما هو موجود هناك، بالتالي التضحية لشعبي أولا".
وفي 8 أبريل/نيسان 2017، دعا الصدر خلال بيان له، بشار الأسد إلى التنحي عن السلطة لتجنيب سوريا ويلات الحروب والإرهاب.
وطالب في الوقت نفسه جميع القوات الأجنبية والمليشيات بـ"الانسحاب العسكري من سوريا ليتولى الشعب السوري زمام الأمور".
صراع داخلي
وبخصوص موقف الصدر بشأن المعارك الجارية بسوريا (قبل إسقاط الأسد)، قال عضو التيار الصدري، عصام حسين في تغريدة على إكس، إن دعوة الأخير لعدم التدخل في مقابل ألا يتدخل أحد بالشأن العراقي، جاءت على تقدير أن العراق بلد ديمقراطي تتغير فيه الحكومات كل أربع سنوات.
وفي المقابل، رأى الباحث العراقي، لطيف المهداوي، أن "الصدر قرأ سقوط نظام الأسد الحتمي، بعد تخلي كل حلفائه عنه، وبالتالي الدفاع عنه لن يجدِ نفعا.
وأوضح الباحث لـ"الاستقلال" أن الصدر من خلال هذه الدعوة، يأخذ في الحسبان، مستقبله السياسي وعلاقاته مع العالم العربي، وحتى مع واقع سوريا الجديد.
وبين أن "أي حكومة تمثل مرحلة ما بعد نظام الأسد ستأخذ في الحسبان موقف الصدر بعدم التدخل في بلادهم، بالتالي هي خطوة أيضا نحو ترتيب علاقات مستقبلية مع أي نظام جديد يأتي لسوريا".
ولفت إلى أن "الصدر يحاول دائما اللعب على التناقضات، حتى يخرج بثوب المصلح السياسي، لكنه دائما ما يخفق في إتمام ما بدأه بقرار مفاجئ يمحي كل صورة إيجابية تؤخذ عنه، لذلك هذا الموقف تجاه سوريا يحسب له اليوم، لكن لا ندري قد ينقلب ويخرج ببيان آخر ينسف الأول".
ونوّه الباحث العراقي إلى أن "الصدر أصبح منذ سنوات يتخذ قرارات ومواقف سياسية، بعيدة عن توجهات وسياسات إيران ومليشياتها وأحزابها في العراق، وذلك ضمن الصراع الدائر بينهم".
وأوضح المهداوي أن "مواقف الصدر بشأن سوريا تهدف أيضا إلى التنكيل بالمليشيات الموالية لإيران وعزلها بكل الطرق، عبر رفض سياساتهم وتحركاتهم على الصعيد الداخلي والخارجي، والتي يرى أنها إملاءات إيرانية لا ينبغي الانجرار خلفها".
وخرجت أبرز المليشيات العاملة على الساحة حاليا من عباءة مليشيا "جيش المهدي" التي شكلها الصدر عام 2003، وأعلن تجميدها عام 2008.
وارتكبت هذه المليشيا جرائم في العراق، وسوريا بقتالها إلى جانب بشار الأسد، بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.
ومن هذه المليشيات، "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، وحركة "حزب الله النجباء" بزعامة أكرم عباس الكعبي، و"كتائب الإمام علي" التي يرأسها شبل الزيدي، وكلها تأتمر بإمرة طهران، كونها تتبع مرجعية "الولي الفقيه" في إيران، والمرشد الأعلى علي خامنئي.
تغيّر دراماتيكي
وتحول الصدر، الذي كان من أهم وأكبر حلفاء إيران بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 إلى أكثر المناوئين لها، حتى وصل به الحال إلى وصف كل المقربين منها بـ"التابعين" و"الأذناب".
العلاقة بين الصدر وإيران شهدت تحولات كبيرة، لا سيما بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، في 3 يناير/ كانون الثاني 2020، فأصبح العداء واضحا بين الطرفين، رغم محاولات طهران العديدة لرأب الصدع معه، كان آخرها في فبراير/ شباط 2022.
ففي تقرير مطول، كشفت وكالة "رويترز" البريطانية عن لقاء جمع بين قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، والصدر في محل إقامة الأخير بمدينة النجف في 8 فبراير/شباط 2022، لإقناعه بتشكيل الحكومة مع قوى الإطار التنسيقي الموالي لإيران.
ونقلت الوكالة في 23 أغسطس/آب 2023 عن أربعة مسؤولين عراقيين وإيرانيين مطلعين على تفاصيل المقابلة التي استغرقت نصف الساعة بمدينة النجف، أن الصدر استقبل القائد الإيراني بجفاء واضح.
وكان الصدر، بحسب مسؤولين، يضع على كتفيه كوفية الجنوب العراقي بلونيها الأبيض والأسود مع عباءة بنية، في هيئة محلية متعمدة تتناقض مع الثياب السوداء بالكامل والعمامة الشيعية التي يرتديها عادة في المناسبات العامة.
كانت ملابس الصدر، حسبما قال المسؤولون، تنقل رسالة سياسية قومية خلاصتها: العراق، كدولة عربية ذات سيادة، سيشق طريقه بنفسه، دون تدخلات من جارته الفارسية، على الرغم من الروابط الطائفية بين البلدين.
وتحدى الصدر القائد الإيراني بحسب أحد المسؤولين، وقال "ما علاقة السياسة العراقية بكم؟، لا نريد أن تتدخلوا"، وذلك بعد اجتماع ظل قاآني يسعى إليه لأشهر خلال زيارته المتتالية للعراق، حتى إنه صلى في إحدى المرات علانية عند قبر والد الصدر، وفقا للوكالة.
ورفض الصدر العديد من الإغراءات التي قدمتها إيران ومن بينها عدّه الشخصية السياسية الشيعية الرئيسة بالعراق حال قبوله الانضمام إلى حلفاء طهران، وذلك وفق ما نقل مسؤولون إيرانيون عن قاآني.
وفي 29 أغسطس 2022، أعلن الصدر اعتزاله النهائي للحياة السياسية، وغلق المؤسسات كافة التابعة له.
وجاء ذلك بعد شهرين من إصداره أمرا لكتلته البرلمانية (الفائزة بأعلى المقاعد) بالاستقالة من البرلمان، وبالتالي ذهب استحقاق تشكيل الحكومة إلى الإطار التنسيقي القريب من إيران.
وخلال التسريبات الصوتية التي انتشرت في يونيو/حزيران 2022، ونسبت إلى رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، قال الأخير إن إيران عقب الاحتلال الأميركي للعراق "دعمت الصدر من أجل جعله نسخة ثانية من حسن نصر الله (زعيم حزب الله اللبناني السابق)".