فوضى في باريس وفراغ ببرلين.. ما الذي يحدث في الاتحاد الأوروبي مع عودة ترامب؟
“اللغز الكبير يتمحور حول الطريقة التي سيتصرف بها قادة أوروبا في مواجهة إدارة ترامب"
بالتزامن مع اقتراب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من بدء مهامه رسميا في 20 يناير/ كانون الثاني 2025، دخلت أوروبا في حالة من فراغ السلطة بعد سقوط الحكومة الفرنسية واقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية الألمانية في فبراير/ شباط 2024.
وقالت صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية إن أزمة الحكم في الاتحاد الأوروبي “أصبحت أعمق بعد الفوضى التي حلت بحكومات المحور الفرنسي الألماني”.
وفي 4 ديسمبر/ أيلول 2024، أطاح نواب التحالف اليساري للجبهة الشعبية الجديدة بفرنسا، بعد أن أضافوا أصواتهم إلى أصوات اليمين المتطرف لحزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان وجوردان بارديلا، بالحكومة المحافظة بقيادة ميشيل بارنييه.
وفي ظل الفوضى السياسية في باريس مع عدم وجود حل في الأفق في الوقت الحالي، وفراغ السلطة بألمانيا بانتظار الانتخابات الفيدرالية، تواجه أوروبا وصول ترامب للبيت الأبيض وتأثيراته المحتملة على الجبهة التجارية والجيوسياسية في وقت يعاني فيه المحور الفرنسي الألماني من الشلل التام.
أزمة تاريخية
وأوضحت "الكونفدنسيال" أن أزمة الحكم هذه بدأت في يونيو/ حزيران 2024 عندما اختار المواطنون الأوروبيون برلمانا أوروبيا أكثر انقساما، وحيث فاز حزب الشعب الأوروبي للمرة الأولى، بعد أن هيمنت الأحزاب المحافظة التقليدية على السياسة الأوروبية منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.
وبهذه النتائج، تمكن حزب الشعب من الحصول على أغلبية مع التشكيلات المحافظة المتطرفة واليمينية المتطرفة.
وقد أدى هذا التشكيل الجديد للمجلس إلى عدم استقرار كبير في عملية تثبيت المفوضية الأوروبية الجديدة، والتي تمت الموافقة عليها في الجلسة العامة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بأقل نسبة من الأصوات المؤيدة في التاريخ.
وعلقت الصحيفة بالقول: “هي علامة على مدى حساسية الأغلبية التي تدعم رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، ومدى صعوبة تنفيذ أجندة تشريعية طموحة”.
ونوهت إلى أن هذه الانتخابات الأوروبية، التي جعلت حزب التجمع الوطني الفرنسي الفائز الأكبر في فرنسا، “دفعت الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى افتتاح حقبة جديدة من الفوضى السياسية، وتبعا لذلك، دعا إلى انتخابات تشريعية مبكرة، رغم أن حزب التجمع لم يحصل على أغلبية كافية لاحتلال الحكومة بفضل وحدة التشكيلات اليسارية”.
في المقابل، غرقت أحزاب الوسط والليبرالية والمحافظة المعتدلة، التي كانت العمود الفقري لدعم ماكرون، وإثر الأزمة الأخيرة، أصبح الاستياء من الرئيس واضحا.
من جانبه، أقر الرئيس الفرنسي خلال خطاب له بأنه يعلم أن "البعض يميل إلى إلقاء اللوم عليه في هذا الموقف"، مستبعدا خيار استقالته، رغم أن اليمين المتطرف تحديدا لا يطالبه بترك منصبه، بل يشير إليه على أنه "المسؤول" عن الفوضى والحصار السياسي الذي تعيشه فرنسا منذ فترة.
ووصفت الصحافة الفرنسية التوتر الذي تعيشه حاليا البلاد بـ"الفوضى، وعدم يقين، وكارثة، وأزمة تاريخية…".
ويظهر سقوط حكومة بارنييه مدى صعوبة وجود حكومة فرنسية مستقرة حتى الانتخابات الرئاسية عام 2027، في حال لم يقرر ماكرون الاعتماد على نواب الجبهة الشعبية الجديدة.
وفي الوقت نفسه، انهارت الحكومة الألمانية الضعيفة والمنقسمة، وهي ائتلاف من الديمقراطيين الاشتراكيين والليبراليين والخضر، في أوائل نوفمبر، عندما أقال المستشار أولاف شولتز، الليبراليين الديمقراطيين الأحرار من الحكومة الفيدرالية.
وبعد فترة وجيزة، اضطر الزعيم الاشتراكي إلى الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة في فبراير، عندما كان من المقرر إجراؤها في البداية خلال أكتوبر/ تشرين الأول 2025.
بيئة جديدة
وفي حالة برلين، يرى العديد من المحللين أن الحكومة الحالية ستستمر في تمديد معاناتها حتى خريف العام المقبل دون أن تتمكن من اتخاذ قرارات كبيرة.
وأوضحت الصحيفة أن "ترامب سيدخل البيت الأبيض في 20 يناير 2025، وفي هذه الفترة، ستظل ألمانيا تعاني من فراغ السلطة هذا، ومن المرجح ألا تخرج فرنسا من الأزمة التي تعاني منها حاليا مرة أخرى".
ولفتت إلى أنه “في هذه المرحلة، سيتعين على الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرارات سريعة وحازمة إذا كان يريد تجنب ما حدث بالفعل عام 2017، وهي المرة الأولى التي تولى فيها القطب الجمهوري السلطة في الولايات المتحدة”.
واستطردت: “خلال ولايته، كان الاتحاد الأوروبي يسير وراء ظلال ترامب، كما كان يدير بشكل سيئ كل الخلافات والاشتباكات التي نشأت من واشنطن”.
وأكدت الصحيفة أن “هذه المرة، يريد الاتحاد الأوروبي أن يتفاعل بشكل أفضل مع الحرب التجارية المحتملة التي يفرضها ترامب، ويحتاج إلى أن يكون مرنا في حال أراد التكيف مع البيئة الجيوسياسية الجديدة التي قد تولدها عودة الجمهوريين، بعد أربع سنوات من المحاولة الفاشلة لتخريب النظام الدستوري الأميركي مع الهجوم على مبنى الكابيتول”.
وقالت: “بعيدا عن شخصية فون دير لاين، التي تبدو كأنها الشخصية المستقرة الوحيدة التي لا تعاني من الاضطرابات، ورئيس المجلس الأوروبي المنتخب أخيرا، البرتغالي أنطونيو كوستا، يملك الاتحاد الأوروبي حاليا عددا قليلا من الشخصيات القادرة على تولي قيادة واضحة”.
وأضافت “رغم أن ماكرون سيحاول القيام بذلك، كما أظهر بالفعل بعد الانتخابات الأميركية مباشرة، إلا أنه سيكون مقيدا للغاية بسبب الأزمة الداخلية التي تعيشها باريس”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “أبرز الشخصيات التي تستطيع ملء هذا الفراغ، باستثناء فون دير لاين، هو دونالد تاسك، رئيس وزراء بولندا، الزعيم الرئيس لأوروبا الشرقية، وصاحب رؤية واضحة فيما يتعلق بالمجلس الجيوسياسي، رغم أن علاقته سيئة مع ترامب”.
وذكرت أن “الشخصية الأخرى تتمثل في رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، زعيمة حزب فراتيلي ديتاليا المحافظ للغاية، والتي ظلت حتى الآن تتصرف وكأنها أطلسية كلاسيكية”.
واستدركت: “أما اللغز الكبير فيتمحور حول الطريقة التي سيتصرف بها قادة أوروبا في مواجهة إدارة أميركية لن تتبع نفس الخط الذي وضعه الديمقراطي جو بايدن”.
وتابعت: “كما سيتعين على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت ستشارك في إستراتيجية (فرق تسد) التي من المتوقع أن تتبعها واشنطن بدءا من يناير 2025”.