مجلة أميركية تكشف سر توقيت هجوم المعارضة السورية على نظام بشار
"نوايا إدارة ترامب المقبلة بشأن التعامل مع الوضع في سوريا لا تزال غامضة"
استعرضت مجلة أميركية سياسة الولايات المتحدة تجاه التطورات في سوريا، كاشفة عن سر التوقيت الذي اختارته الفصائل السورية المعارضة لشن هجومها على حلب ومن ثم حماة فحمص ثم العاصمة السورية دمشق.
وقالت مجلة “ريسبونسيبل ستيتكرافت”: "لقد تعرّض حزب الله اللبناني لضربات موجعة جراء الغارات الجوية والحملة البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان، مما أعاق قدرته على لعب دور بارز في دعم نظام بشار الأسد".
وغيّر هذا الواقع مجرى الأحداث بشكل ملحوظ، وهو ما ظهر جليا في سرعة وتقدم الثوار ميدانيا عقب إطلاق عملية “ردع العدوان” العسكرية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
فبعد تحرير حلب، دخل الثوار مدينة حماة عقب انسحاب جيش النظام السوري والقوات المتحالفة معه من المدينة، التي شهدت في البداية دفاعا شرسا بمساعدة الضربات الجوية الروسية.
ثم تقدم الثوار سريعا نحو مدينة حمص ودمشق، إلى أن هرب "الأسد"، مغادرا إلى روسيا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ووفق المجلة، فإن نجاح المعارضة يشكّل معضلة للولايات المتحدة، لا سيما أن هيئة تحرير الشام هي التي قادت العمليات، رغم انخراط عدد من الفصائل المدعومة من تركيا، بما في ذلك "الجيش الوطني السوري".
وتُعد هيئة تحرير الشام مجموعة سلفية “جهادية”، وكانت تُعرف سابقا بـ "جبهة النصرة"، المرتبطة بتنظيم القاعدة، وهي مصنفة منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى.
"وعلى الرغم من أن قيادة هيئة تحرير الشام أعلنت انفصالها العلني عن القاعدة وتركيزها على الوضع المحلي في سوريا، فإنها لا تزال ملتزمة بالأيديولوجية السلفية الجهادية التي تبنتها في ظل ارتباطها السابق بالتنظيم"، بحسب المجلة.
انتهاز الفرصة
والملاحظ أن الثوار شنوا هجومهم في نفس اليوم الذي دخل فيه وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل" حيز التنفيذ.
في هذا السياق، قال رياض قهوجي مؤسس معهد التحليل العسكري للشرق الأدنى والخليج ومقره دبي: "لقد أرادت (الفصائل المسلحة المناهضة للنظام السوري) الاستفادة من اتفاق وقف إطلاق النار الذي يقيد حزب الله".
وتابع: "في الوقت ذاته، يتفق كثيرون على أن الحرب بين حزب الله وإسرائيل أسهمت بشكل كبير في تمكين الثوار من تنفيذ هجومهم المفاجئ بنجاح".
وأوضح أن "حزب الله اضطر لسحب قواته من الساحة السورية لمواجهة الجيش الإسرائيلي، مما أحدث فجوة في صفوف القوات الموالية للنظام، وأتاح للثوار فرصة إستراتيجية كبيرة".
من جانبه، قال الجنرال المتقاعد في الجيش اللبناني، حسن جوني، إن "حزب الله استنفد قواه بسبب الحرب مع إسرائيل".
وفي الوقت نفسه، أوضحت إيران حينها أنها لا تزال ملتزمة بمنع المتمردين من الانتصار على النظام السوري.
والتقى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في الأول من ديسمبر 2024، مع الأسد في دمشق لمناقشة آخر التطورات، وأكد حينها دعم طهران لحليفها التقليدي.
كما تعهدت طهران بإبقاء مستشارين عسكريين في سوريا، فيما عَبَر مقاتلون من الفصائل العراقية الموالية لإيران الحدود لدعم جهود وقف تقدم الثوار.
غير أن هذه الجهود لم تمنع تقدم الثوار، وكشف "عراقجي" بعد سقوط الأسد أنهم كانوا على علم بنية الثوار شن هجوم على جيش النظام.
وقال: “كان أصدقاؤنا في أنظمة المعلومات الأمنية في بلدنا وفي سوريا على علم تام بالتحركات في إدلب وتلك المناطق”.
وأشار إلى أنه "جرى أيضا نقل جميع المعلومات ذات الصلة إلى الحكومة والجيش السوري".
وأوضح أن "بشار الأسد نفسه، عندما التقيت به أنا وعلي لاريجاني (مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي)، كان متفاجئا واشتكى من سلوك جيشه".
الموقف الأميركي
وحول الموقف الأميركي، أوضحت المجلة أن رد فعل واشنطن تجاه التطورات الجارية تعكس حالة من الارتباك، الذي ميز سياستها منذ اندلاع الحرب في سوريا قبل أكثر من عقد.
فقبل سقوط الأسد، وخلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية أعرب مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، عن مخاوفه بشأن هيئة تحرير الشام، بينما ألمح في الوقت ذاته إلى أن واشنطن لا تنظر بالضرورة إلى ما يحدث في سوريا بعين السلبية.
لكن بعد سقوط النظام السوري، قال "سوليفان" لبرنامج "CBS Mornings" الأميركي: "سنعمل مع جميع الجماعات في سوريا".
وتابع: “كما قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، فإن الجماعات المتمردة، بما في ذلك تلك التي صنفتها الولايات المتحدة منظمات إرهابية، قالت بالفعل كل الأشياء الصحيحة، والسؤال الآن هو: ماذا سيفعلون لمحاولة جعل سوريا أفضل؟”
وأوضحت المجلة أن "نوايا إدارة دونالد ترامب المقبلة بشأن التعامل مع الوضع في سوريا لا تزال غامضة".
وأضافت أنه "مع اختيار الرئيس الأميركي المنتخب شخصيات بارزة في حكومته تُعرف بدعمها القوي لإسرائيل، يبدو أن هناك مبررا قويا للاعتقاد بأن سياسة ترامب في ولايته الثانية تجاه سوريا قد تتشكل إلى حد كبير بناء على تفضيلات" تل أبيب.
وقال جوشوا لانديس مدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما والزميل غير المقيم في معهد "كوينسي" الأميركي: "أعتقد أن إسرائيل ترى في دور تركيا المحوري في سوريا أمرا إيجابيا، لأنه يقسّم الهلال الشيعي إلى نصفين".
وأضاف: "نظرا لأن فريق ترامب يتسم بدعمه القوي لإسرائيل، فقد يتسامح (الرئيس المنتخب) مع سيطرة الإسلاميين على سوريا".
واستدركت المجلة: “هناك تصريحات سابقة للرئيس المنتخب تشير إلى أنه قد يسلك مسارا مختلفا”.
ففي تصريح أدلى به خلال حملته الانتخابية عام 2016، قال ترامب: "أنا لا أحب الأسد على الإطلاق، لكنه يقاتل تنظيم الدولة برفقة روسيا وإيران".
كما كان ترامب يرغب في سحب القوات الأميركية من سوريا، ولكن إلى اليوم لا تزال هناك.
وقالت المجلة: "على الرغم من أن هذه التصريحات لم تُترجم إلى سياسة ملموسة، فهناك توقعات بأن ترامب نفسه، وليس مساعديه، سيكون المسؤول عن قيادة السياسة الخارجية في ولايته الثانية".
وختم بالقول: "قبل ثمانية أعوام، كان ترامب يرى أن القوى السلفية الجهادية تشكل تهديدا أكبر للمصالح الأميركية من الأسد أو إيران، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان هذا التوجه سيستمر في المستقبل".