مع استشهاد القادة واستمرار الإبادة والمجاعة.. كيف تدير حماس قطاع غزة؟
"الاحتلال لن يستطيع تدمير ثقة الناس بحركة حماس أو إزالتها من الوجود"
يتباهى رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارا وتكرارا بـ"قضائه" على الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، غير أن أرض المعركة تكذب مزاعمه، حيث تتزايد خسائر جيشه في أماكن وجوده كافة بقطاع غزة.
وفي زيارته لمحور نتساريم الذي يفصل شمال غزة عن وسط وجنوب القطاع، في 19 نوفمبر / تشرين الثاني 2024، أعلن نتنياهو أن الجيش الإسرائيلي حقق “نتائج ممتازة نحو الهدف المهم، وهو ألا تحكم حماس القطاع”.
ورغم مزاعم الاحتلال بشأن تقويض قدرات حماس العسكرية والحكومية؛ إلا أن الحركة تواصل القيام بأدوار أساسية في إدارة حياة الفلسطينيين بالقطاع.
وبالأخص قطاعات الصحة، وتوزيع المساعدات، ومحاربة الغلاء، وتوفير الأمن، وحل الخلافات بين المواطنين، وأعمال الأوقاف والبلديات، وغيرها من المهام الإدارية.
عمل تحت النار
ورغم استهدافه كل من يقوم بعمله ضمن الجهود الحكومية والحركية في غزة، فشل الاحتلال في إيقاف الجهود الحكومية لتنظيم الأوضاع ومنع الفوضى التي يسعى لنشرها في قطاع غزة.
وبات من الواضح أن إشاعة الفوضى والفلتان الأمني في القطاع أحد الأهداف غير المعلنة لحرب الإبادة الإسرائيلية.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف استهدف الاحتلال ولا يزال بشكل يومي دوريات الشرطة، ومناطق تجمع أفرادها، ما أدى لارتقاء المئات منهم، أثناء القيام بعملهم في حفظ الأمم، فضلا عن استهدافهم في منازلهم وإبادة عائلاتهم.
وكان أبرز معالم إدارة حماس لغزة رغم الحرب والفلتان الأمني الذي يوجهه الاحتلال عبر عصابات موالية له، هو تشكيلها لوحدة سهم، التي نفذت عمليات عديدة ضد تلك العصابات وقطاع الطرق.
كان أبرزها عملية بتاريخ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تمكنت حينها من قتل أكثر من 20 فردا من عصابات سرقة شاحنات المساعدات، واستخدمت خلالها قذائف مضادة للأفراد.
حضور بطرق جديدة
ودفعت السياسة الدموية التي ينتهجها جيش الاحتلال تجاه منتسبي أجهزة الأمن، وزارة الداخلية في غزة للتكيف مع الأوضاع الراهنة، والعمل تحت النار بطرق مختلفة، في سبيل تضليل قوات الاحتلال.
"الاستقلال" تواصلت مع الضابط ( ن.م) -الذي طلب عدم ذكر اسمه تحسبا للاستهداف الإسرائيلي- في جهاز الشرطة وسط قطاع غزة، ليتحدث عن كيفية تسيير الجهاز لأنشطته في ظل الحرب الإسرائيلية على القطاع، والاستهداف المباشر لأفراد وعائلات أفراد الأمن.
وقال الضابط إن أجهزة الشرطة الفلسطينية والأمن الداخلي والمباحث العامة ومكافحة المخدرات جميعها تعمل الآن في المنطقة الوسطى، وتمارس مهامها الموكلة إليها، ولكن مع تغيير جذري في طريقة العمل .
وأضاف أن “مئات من عناصرنا استشهدوا خلال عملهم، حيث عمد الاحتلال على تتبع أماكن تجمع العناصر وقصفها، كما يقصف مركباتهم أثناء قيامها بجولات حفظ الأمن، أو أثناء توجهها للسيطرة على النزاعات العائلية المسلحة، وأيضا حين تؤمن المساعدات التي تدخل القطاع”.
بالإضافة إلى قصف منتسبي الشرطة، مع عائلاتهم داخل المنازل أو الخيام؛ وهو الأمر الذي حتم علينا البحث عن آلية تضمن القيام بواجباتنا تجاه شعبنا، وكذلك محاولة تأمين عناصرنا من الرصد الإسرائيلي، بحسب الضابط الفلسطيني.
وأوضح أنه من غير الممكن الكشف عن تفاصيل التدابير الجديدة، التي تتبعها أجهزة الأمن في العمل في ظل الحرب، ولكن بالعموم لم يعد العمل يجرى أثناء ارتداء الملابس الرسمية للشرطة، كما لا يتم استخدام المركبات للتنقل أبدا، بالإضافة إلى التوقف عن التواصل بالهواتف حول عمليات الشرطة.
وتابع: “غيرنا التقسيمات التي كان معمول بها قبل الحرب، وأعددنا نظاما آخر لتأمين كل منطقة، بحيث يعرف كل السكان والنازحين في كل منطقة كيف يوصلون لنا شكواهم، بما لا يتيح للاحتلال ترصدنا، ونباشر العمل بكل قضية ونصل للمطلوبين بطرقنا الخاصة”.
واستدرك بالقول: "ربما ليس بذات الكفاءة التي كانت عليها قبل الحرب، ولكن نبذل قصارى جهدنا في هذا السبيل، ونرى الرضا من السكان حول ما نقدمه".
لجان الإصلاح
وبجانب دور وزارة الداخلية، تؤدي لجان الإصلاح التي أسستها حركة حماس على مدار سنوات حكمها للقطاع، دورا أساسيا في حفظ الأمن المجتمعي وحل الخلافات.
وهيأ تكدس قرابة مليوني فلسطيني في مناطق محدودة وسط القطاع، وفي منطقة المواصي شمال غرب مدينة خانيونس جنوب القطاع، الظروف لنشأة النزاعات، ما استدعى نشاط لجان الإصلاح في مخيمات النزوح.
وفي هذا السياق، يقول أبو أيمن السرادحة أحد رجال الإصلاح في محافظة الشمال، والنازح في منطقة المواصي، إن لجان الإصلاح تعمل بشكل متواصل على حل الخلافات بين النازحين.
وأضاف لـ"الاستقلال"، أنها “تشارك ذوي الشهداء والمفقودين والمصابين مصابهم، كما تتولى مساندة العائلات التي لا تجد خياما، عبر توجيه لجان شبابية بإنشاء خيام لهذه العائلات”.
وتابع: "الناس تنظر لنا ولحركة حماس كمرجعية أساسية، ونحظى بثقتهم، ويتوجهون إلينا كلما حصل بينهم خلاف، أو واجهتهم مشاكل، ونتمكن من حلها عبر التواصل مع المخاتير واللجان العشائرية، ورغم أنه ليس لدينا سلطة الاستعانة بوزارة الداخلية كما كان قبل الحرب، إلا أن الجميع يتعاونون معنا ويلتزمون بما نقرره".
وشدد رجل الإصلاح على أن “الاحتلال لن يستطيع تدمير ثقة الناس بحركة حماس، أو إزالتها من الوجود، بل إنه بعد هذه الجرائم التي ارتكبها عزز ضرورة وجود المقاومة؛ لتحاسبه على ما اقترفه”.
العمل الحكومي متواصل
ولا يقتصر العمل على توفير الأمن للسكان، بل إنه مع انسحاب الاحتلال من كل منطقة توغل فيها، ويعيث فيها خرابا، تعمل البلديات على إزالة الركام وإصلاح الطرق، وتهيئة المناطق لعودة السكان، رغم انعدام الدعم لها، واستهداف الاحتلال رؤساءها حيث استشهد عدد كبير منهم خلال الأشهر الماضية.
كما تنشط وزارة الاقتصاد التابعة للحكومة في غزة، في السيطرة على أسعار السلع، بحيث تحارب الاحتكار، وتفرض أسعارا موحدة للبضائع، وتفرض عقوبات بمنع التجار الذين يرفعون أسعار السلع لمبالغ خيالية من العمل في السوق، وكذلك استهدف الاحتلال العديد من الموظفين في الوزارة، أثناء القيام بعملهم في الميدان.
ومع انهيار النظام المالي الحكومي، أسست الحكومة في غزة نظاما جديدا تمنح من خلاله سلف مالية بقيمة 800 شيكل أي 220 دولار في كل دورة، تُمنح للموظفين الحكوميين والمتقاعدين، ورغم أن هذا المبلغ لا يلبي احتياجات الموظفين؛ إلا أنه يسهم في تيسير أمورهم الحياتية في ظل نزوح العدد الأكبر منهم.
ولا تُعرف على وجه اليقين طريقة توفير الحكومة لهذه المبالغ، بعد توقف مصادرها المالية، والتي كان أهمها فرض الرسوم على البضائع القادمة من المعابر.
وفي ظل المجاعة التي يشهدها قطاع غزة في شقيه الشمالي والجنوبي، تبذل حركة حماس وأجهزتها الخيرية، جهودا مكثفة في إيصال المساعدات لمحتاجيها، عبر كوادرها الشبابية.
ومنذ بداية الحرب، يشن الاحتلال حربا على الجناح الخيري في الحركة، الذي يضم العديد من الجمعيات والمراكز الطبية، والهيئات الخيرية، ولكن خلال الأشهر الأخيرة كثف من استهداف مراكز توزيع المساعدات التي تقدمها الحركة، كما يستهدف الناشطين في هذا المجال.
ويقول محمد سعيد أحد المتطوعين في المجال الخيري في المنطقة الوسطى، إن جيش الاحتلال دمر المراكز الخيرية والجمعيات الإسلامية كافة، ولكن العمل الإغاثي لم يتوقف، وهو ما واجه جيش الاحتلال بقصف نقاط توزيع المساعدات وتزويد الناس بالمياه الصالحة للشرب، أثناء عملها، ما أدى لمجازر كثيرة.
وأضاف لـ"الاستقلال": "توقفنا عن إقامة نقاط لتوزيع المساعدات بعد هذه المجازر، وأصبحنا نسلم المساعدات مباشرة للعائلات النازحة، ولكن مع هذه الطريقة بات الاحتلال يستهدفنا أثناء نقلنا المساعدات للناس، وقبل أسبوعين استشهد اثنان من زملائي المتطوعين جراء إطلاق مسيرة إسرائيلية صاروخا تجاه السيارة التي ينقلون بها المساعدات للمحتاجين".
وأوضح الناشط أن الطريقة الجديدة المعتمدة التي تمنع التجمهر أقل خطرا على المواطنين، حيث لا يتردد الاحتلال باستهداف نقاط المساعدات مهما كانت مكتظة.
ويغطى العجز في العمل الحكومي بواسطة لجان شعبية مكونة من الفصائل الفلسطينية وأبناء العائلات والنشطاء، بحيث تتكاتف الجهود بشكل منظم في سبيل إسناد الدور الحكومي وخدمة السكان والنازحين في القطاع.