محمد البشير.. مهندس يقود الحكومة "الانتقالية" في سوريا بعد خلع الأسد

مصعب المجبل | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

أصبح محمد البشير، المهندس الذي قاد حكومة إنقاذ في إدلب، على رأس قيادة المرحلة الانتقالية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

وكلف القيادي في إدارة العمليات العسكرية بسوريا، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، محمد البشير رئيس "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" بإدلب، بتشكيل حكومة تشرف على إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد.

وظهر الشرع وهو قائد "هيئة تحرير الشام" مع رئيس حكومة نظام الأسد المخلوع "محمد الجلالي" في 9 ديسمبر داخل فندق الفورسيزون بالعاصمة دمشق "لتنسيق انتقال السلطة".

 "تنسيق انتقال السلطة"

ووزعت إدارة العمليات العسكرية التابعة لـ "ردع العدوان" مقتطفا لفيديو ظهر فيه الشرع وهو يتحدث إلى الجلالي بحضور شخصين أحدهما محمد البشير (41 عاما) رئيس "حكومة الإنقاذ" التي كانت تتولى إدارة مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" في إدلب.

وجاء في تعليق نُشر مع الفيديو أن هدف الاجتماع "تنسيق انتقال السلطة بما يضمن تقديم الخدمات لأهلنا في سوريا".

ومنذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أطلقت فصائل سورية معارضة بقيادة "هيئة تحرير الشام" عملية عسكرية تحت اسم "ردع العدوان" تمكنت من إنهاء حكم بشار الأسد.

وقد كان الجلالي نشر تسجيلا مصورا من منزله بدمشق في وقت مبكر من صباح 8 ديسمبر، أبدى استعداده "للتعاون" مع أي قيادة يختارها الشعب، وذلك بعد تأكده من هروب بشار الأسد عقب فشله في التواصل معه.

وقال الجلالي عقب تسليم مهامه للبشير في تصريحات تلفزيونية لقناة "العربية" السعودية، إنه سيساعده في "إدارة المرحلة المقبلة وإدارة الملفات الحكومية ونقل الصلاحيات التنفيذية إلى الوزراء الموجودين معه بعد التواصل بين عدد من وزراء حكومة الإنقاذ والوزراء السابقين".

ويرى كثير من المراقبين في الشأن السوري، أن ما جرى بين الشرع والجلالي، هو "جزء من ترتيبات اللحظات الأخيرة لنقل السلطة وليس لتشكيل هيئة حكم انتقالي" كما قال مدير منصة "الذاكرة السورية" عبد الرحمن الحاج في منشور على حسابه في فيسبوك.

ورفض بشار الأسد قبل هروبه تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الصادر عام 2015 والذي ينص على انتقال ديمقراطي للسلطة في هذا البلد عبر أربع سلال: "الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب". 

ولهذا هناك من يرى أن قرار مجلس الأمن 2254 أصبح باطلا بعد إسقاط نظام الأسد، حيث لا يمكن تطبيق القرار الذي كان ينص على تقاسم السلطة بين النظام البائد والمعارضة.

وتشكلت حكومة “الإنقاذ” في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 لإدارة مفاصل الحياة في إدلب وريف حماة الشمالي، وجزء من ريف حلب الغربي، خدميا وإداريا.

واتخذت تلك الحكومة من مدينة إدلب الواقعة شمال غربي سوريا وتحاذي الحدود التركية مركزا لها.

وقد استطاعت عدة فصائل عسكرية معارضة  تشكيل غرفة عمليات مشتركة حملت اسم "جيش الفتح"، وتمكنت خلال أربعة أيام من السيطرة على مدينة إدلب في مارس/آذار 2015 وطرد قوات الأسد منها.

وحينما تشكلت حكومة "الإنقاذ" بصفتها الذراع المدنية لـ "تحرير الشام"، كانت مؤلفة من 11 حقيبة وزارية برئاسة محمد الشيخ حينها.

وضمت وقتها وزارات الداخلية، والعدل، والأوقاف، والتعليم العالي، والتربية والتعليم، والصحة، والزراعة، والاقتصاد، والشؤون الاجتماعية والمهجرين، والإسكان والإعمار، والإدارة المحلية.

واستحدثت "الإنقاذ" آنذاك سلسلة من المكاتب الزراعية والتعليمية والاقتصادية، وبدأت بإقامة مشاريع خدمية بمناطق سيطرتها.

كما تسلمت إدارة المعابر مع تركيا ومع مناطق النظام السوري، وأبقت بعضا منها تحت إدارة مستقلة تنسق معها.

وقد كان لافتا أن "الإنقاذ" تشكلت في ظل وجود "الحكومة السورية المؤقتة" التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض، قبل أن تنذر "الإنقاذ" الأخيرة لإغلاق مكاتبها في محافظة إدلب شمالي سوريا والخروج من المنطقة، وهو ما حدث بالفعل.

سيرة البشير

ولد محمد البشير عام 1983، في جبل الزاوية جنوب محافظة إدلب، وهو حاصل على إجازة في الهندسة الكهربائية والإلكترونية - قسم الاتصالات من جامعة حلب عام 2007.

عمل البشير رئيسا لقسم الأجهزة الدقيقة في معمل الغاز التابع للشركة السورية للغاز عام 2011، قبل أن ينخرط في صفوف الثورة السورية التي اندلعت في مارس من العام المذكور.

ووفق ملفه التعريفي في حكومة “الإنقاذ”، فقد حصل عام 2021 على إجازة في الشريعة والحقوق مرتبة شرف من جامعة "إدلب"، وشهادة في مبادئ التخطيط والتنظيم الإداري.

حينما منحت الثقة لرئيس حكومة "الإنقاذ" بإدلب، علي كده، للمرة الثالثة على التوالي، في 3 يناير/كانون الثاني 2022، جرى تعيين البشير وزيرا التنمية والشؤون الإنسانية.

وقد أعلن "مجلس الشورى العام" التابع لـ"هيئة تحرير الشام" في إدلب، في 13 يناير 2024 منح الثقة للمهندس محمد البشير لرئاسة حكومة "الإنقاذ" في دورتها السابعة.

وقال المجلس حينها إن أعضاءه صوتوا بالأغلبية المطلقة على منح الثقة للبشير بعد أن عرض سيرته الذاتية وخطته للدورة الجديدة.

مراكمة الخبرة

تسلم البشير حكومة "الإنقاذ" في ذروة صعودها في مناطق إدلب وتحسين الواقع المعيشي والخدمي للأهالي هناك.

وبدا واضحا من خلال تسليط إعلام حكومة "الإنقاذ" الضوء على نشاطات البشير المحلية، حرصه على مراكمة خبرته في الإدارة، من خلال العمل على تحسين واقع جميع القطاعات الخدمية في المناطق المحررة.

ولم يغفل البشير كذلك العمل على تشبيك علاقاته مع الفعاليات المجتمعية والنقابات شمال غربي سوريا، وخاصة مع أصحاب الصناعات المحلية والخدمية.

كما شارك في انطلاق فعاليات المؤتمر الأول للصناعات الدوائية والدراسات السريرية في المناطق المحرر 26 نوفمبر 2024 وسلط الضوء حينها على التحديات الصحية التي تواجه شمال غربي سوريا.

واستمع البشير إلى مطالب السكان في المناطق التي تديرها “حكومة الإنقاذ” والتقى مع الوجهاء والنخب هناك لمناقشة القرارات التي جرى اتخاذها سابقا ومعالجة الأخطاء فيها.

وأشرف البشير في أبريل/نيسان 2024 على إعداد النظام الداخلي لعمل المجالس المحلية وآلية انتخابها في مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام شمال غربي سوريا.

وعلى أثر احتجاجات الطلبة الجامعيين بإدلب في مايو/أيار 2024 رفضا لتعيين خريجي الجامعات من مناطق سيطرة النظام السوري عقب عام 2016 ضمن المؤسسات العامة والخاصة هناك، استجاب البشير والتقى مع مجموعة من الطلبة.

ووقتها قرر تطبيق قرار حكومته تحت “رقم 623” بمنع خريجي جامعات مليشيات النظام المجرم من العمل في المناطق المحررة.

والتقى "البشير" مؤسس الجيش السوري الحر العقيد المنشق "رياض الأسعد” ووفدا من الشخصيات الثورية.

واستعرض وقتها "أهم التحديات والمعوقات التي تواجه المنطقة والإستراتيجية التي تعمل عليها مؤسسات الثورة"، وفق ما ذكرت "الإنقاذ" في 8 سبتمبر/أيلول 2024. 

وخلال ترؤس البشير لـ "حكومة الإنقاذ"، كانت تخرج مظاهرات ضد ممارسات "هيئة تحرير الشام" لا سيما "الاعتقالات التعسفية التي تنال الناشطين الثوريين والسياسيين" في مناطق سيطرتها، وفق تنسيقية الثورة السورية في إدلب.

وقد توعد وزير داخلية "الإنقاذ" محمد عبد الرحمن في 25 مايو 2024، باستخدام الشدة في التعامل مع المظاهرات المناوئة لـ "هيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب، واصفا المحتجين بـ "العابثين والمحرضين على الفتن ونشر الفوضى".

ودعا عبد الرحمن المتظاهرين إلى "مراجعة أنفسهم والنظر في تصرفاتهم؛ هل تخدم المحرر والثورة أم تضر بها؟"، وفق قوله.

وكثيرا ما يدعو ناشطو الثورة في إدلب إلى "مظاهرات وعصيان مدني سلمي شامل"، معتبرين أن هذه "وسائل مشروعة من وسائل الضغط الشعبي السلمية على السلطة لتغيير سلوكها".

كما يؤكدون أن إجراءات التصعيد التي يعلنون عنها ضد "هيئة تحرير الشام" تتوقف "بمجرد الإفراج عن المعتقلين".

نقاط مثيرة

وفور بسط فصائل المعارضة السورية السيطرة على مدينة حلب عاصمة اقتصاد سوريا، وطرد قوات الأسد ومليشياته منها في 29 نوفمبر 2024، زار البشير المدينة للوقوف على أعمال تفعيل المؤسسات فيها.

وقال وقتها في تصريحات صحفية إنه لاحظ "استجابة كبيرة" من موظفي الدوائر الحكومية لتوجيه حكومة "الإنقاذ" باستئناف عملهم في مكاتبهم، وذلك بعد صدور تعميم بذلك، مما يعكس رغبتهم في المساهمة بإعادة بناء المدينة والنهوض بها، وفق تعبيره.

وأوضح البشير أن الحكومة وجهت بإعادة تفعيل المؤسسات المتبقية فورا، ووضع أسس لإدارة "شفافة وفعالة تمهيدا لبناء سوريا المستقبل”، وفق وصفه.

وراهنا، لا يعرف بعد ما إذا كان البشير سيسلم الحقائب الجديدة في دمشق للشخصيات التي كانت تقود وزارات "الإنقاذ" التي شكلها في نهاية فبراير/شباط 2024.

وحدد البشير آنذاك أولويات حكومته في وضع الخطط لتحقيق التقدم التقني والانتقال إلى الأتمتة في جميع المؤسسات، "حتى نصل إلى حكومة إلكترونية شاملة وتأهيل القطاع الخدمي وتحقيق التنمية الاقتصادية وتقديم تسهيلات للاستثمار".

وقال في كلمة صحفية خلال فبراير: "سنعمل على إيجاد البرامج والخطط التي من شأنها أن تساهم بزرع القيم الإسلامية والأخلاقية وتعزز العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع وفق مبادئ شرعنا الحنيف".

ما كان لافتا وقتها، أنه لم تطرأ تغييرات كبيرة على شكل "حكومة الإنقاذ" في دورتها الجديدة التي منحها "مجلس الشورى العام" (يتبع هيئة تحرير الشام) الثقة الكاملة نهاية فبراير 2024.

إذ احتفظ معظم الوزراء بمقاعدهم، باستثناء وزارة التنمية، إذ شغل فادي القاسم منصب الوزير فيها، بدلا من محمد البشير، كما جرى تغيير وزير الصحة، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي.

وعقب الإعلان عن تسلم البشير إدارة حكومة المرحلة الانتقالية، يشير بعض الباحثين السوريين إلى أن المهمة الآن هي أكبر من إدارة إدلب وريفها وجزء من ريف حلب الغربي البالغ عددهم قرابة 4 ملايين نسمة، ما يعني أن هذه الفترة "بحاجة لحكومة تشاركية” من خارج "الإنقاذ".

إذ يقدر عدد سكان سوريا بنحو 24 مليون نسمة نصفهم نازحون داخليا ولاجئون خارجيا، وسط بدء عودة الآلاف إلى مدنهم بعد إسقاط بشار الأسد.

وضمن هذه الجزئية، قال الباحث السوري منير الفقير، "لا يعني نجاح حكومة ما في إدارة محافظة مثل إدلب أن تنجح في إدارة سوريا بمحافظاتها العريقة".

وأضاف في منشور على حسابه في فيسبوك: “الأمر أعقد بكثير من إدارة مدينة صغيرة وريفها، فهناك تعقيد على مستوى الأمن والإدارة والسياسة والاقتصاد”.

وختم بالقول: "القصد أن إدارة المدن المعقدة تحتاج إلى قدر واسع من التشاركية والقدرات الإدارية والتنظيمية ولا تقارن بالمدن البسيطة".