"يخشاه حميدتي".. ماذا وراء عودة موسى هلال للمشهد السوداني المعقد؟
"اختار هلال أن يبقى في الوقت الحالي في موقع المراقب المنتظر"
عودة متعثرة لأحد مؤسسي مليشيا "الجنجويد" في السودان، موسى هلال، الرجل الذي كان منافسا لمحمد حمدان دقلو (حميدتي) على قيادة “الجنجويد” التي تحولت لاحقا إلى مليشيا “الدعم السريع”.
وقالت صحيفة "أفريكا إنتليجنس" الفرنسية المختصة بالشأن الإفريقي، في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، إن “المنافس القديم لحميدتي في منطقة دارفور موسى هلال، يناور بعيدا عن الأضواء، منتظرا فرصة للعودة”.
مناورات هلال
ويعد هلال (53 عاما) شخصية معروفة في دارفور غرب السودان، وهو متهم بارتكاب العديد من الجرائم خلال فترة الحرب الأهلية بين عامي 2003 و2011، ويسعى حاليا لاستعادة بعض نفوذه في هذه المنطقة التي دمرتها الحرب مرة أخرى.
ومنذ بداية الصراع الحالي بين الجيش والدعم السريع، يحاول هلال العمل كوسيط بين طرفي الحرب، لكن دون جدوى، بسبب نقص الموارد والنفوذ السياسي.
لكنه في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وقع “مجلس الصحوة الثوري” التابع له اتفاقا مع مجموعة الزعيم الدارفوري الطاهر حجر لوضع حد للمنافسة المستمرة بينهما منذ سنوات.
وينتمي هلال إلى عرب الرزيقات، الذين يزودون الدعم السريع بقيادة حميدتي، بالمقاتلين رغم الانقسامات التي يعانون منها.
وحميدتي أحد أقوى رجال السودان النافذين وزعيم التمرد الكبير ضد الجيش، ينتمي أيضا للرزيقات، وأثبت نفسه خلال السنوات الماضية كزعيم لهم، ما أثار استياء هلال الذي يُكِنّ له كراهية شديدة.
فرع “الجنجويد"
وعلى غرار الدعم السريع، يعد “مجلس الصحوة الثوري” فرعا من مليشيات “الجنجويد” التي قاتلت نيابة عن الرئيس السابق عمر البشير خلال صراع دارفور بعد عام 2003.
لكن المحكمة الجنائية الدولية لم تلاحق هلال كما فعلت مع أمراء الحرب الآخرين المتورطين في جرائم ارتكبت في دارفور خلال تلك المدة، لكنه مع ذلك يخضع لعقوبات فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وحتى نهاية صراع دارفور، نجح حميدتي في تثبيت نفسه زعيما للدعم السريع التي عدها البشير بمثابة حرس جمهوري لحمايته من أي انقلاب عسكري محتمل آنذاك.
لكن حميدتي استغل هذه المكانة للقضاء على منافسيه الرئيسين، بما في ذلك هلال الذي سجن عام 2017 ليستطيع حميدتي بذلك ضم العديد من مساعدي هلال إليه والسيطرة على مناجم الذهب في جبل عامر.
وتلك المناجم كانت تحت سيطرة مجلس الصحوة الثوري سابقا، ما مكن الدعم السريع من الحصول على نحو 50 مليون دولار من الإيرادات السنوية.
وعندما سقط نظام البشير عام 2019 كان هلال خلف القضبان، وبحلول الوقت الذي أطلق سراحه فيه عام 2021 كان حميدتي قد وصل إلى منصب رفيع وتقاسم السلطة مع قائد الجيش البرهان.
وأطلق جهاز المخابرات العامة السوداني المقرب من الجيش سراح هلال معتقدا أنه قادر على منافسة حميدتي، بما لديه من آلاف المقاتلين المتمركزين في ليبيا وتشاد الذين يساعدونه على زعزعة قبضة حميدتي على عرب الرزيقات، القاعدة الديمغرافية للدعم السريع.
اعتقالات واسعة
وفي 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نشرت صحيفة “مونتي كاروو” المحلية، خبرا أكدت خلاله أن "استخبارات الدعم السريع اعتقلت القيادي علي مجوك المؤمن، الوزير السابق وأمين أمانة العلاقات الخارجية في مجلس الصحوة الثوري الذي يتزعمه الشيخ هلال".
وقالت إن "الدعم السريع شنت حملة اعتقالات واسعة، شملت عددا من الضباط ذوي الرتب العسكرية الوسيطة يجري التحري معهم، وذلك على خلفية الاشتباه بتورطهم في مخطط يقوده مجلس الصحوة للإطاحة بالقيادة الحالية واستبدالها بأخرى موالية لهلال".
كما أكدت الصحيفة أن "من بين المعتقلين أيضا المقدم بالدعم السريع الهادي مختار بقل، الذي تم اعتقاله بعد تبادل لإطلاق النار في منطقة المويلح عندما كان في طريقه إلى كبكابية (مدينة تقع شمال دارفور)".
وذكرت أن "القيادة العليا للدعم السريع بقيادة حميدتي، قامت خلال الفترة الماضية بتسريح قرابة 2600 جندي من أبناء قبيلة المحاميد الذين يعتقد ولاؤهم لزعيم القبيلة المعتقل موسى هلال".
وفي 24 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت عدة مواقع إخبارية سودانية، أن جهاز استخبارات الدعم السريع، اعتقل الطاهر دود محمد فرح، أحد أبناء قبيلة المحاميد، واقتادته إلى (قبو) حميدتي بمنطقة المنشية، بالعاصمة الخرطوم.
والدود ليس شخصا عاديا في تلك البقاع، فهو ينتمي للمحاميد ويسكن منطقة غراء الزاوية بمحلية السريف بني حسين، وهم الذين يمثلون العمود الرئيس لمليشيات الجنجويد، وكانوا يدينون بالولاء لمؤسسها الأول موسى هلال، أشد خصوم حميدتي.
وألقت حينها الدعم السريع باللائمة فيما يحدث من اضطرابات وانشقاقات بين صفوفها ومحاولات الانقلاب، على قيادات في الجيش، متهمة إياهم بالسعي لتفكيك الدعم وفق خطة ناعمة بإعادة استيعاب المسرحين منها وضمهم إلى الوحدات البرية بالقوات المسلحة، واستقطاب مجموعات أخرى إلى هلال المكافئ الطبيعي لحميدتي.
ترقب هلال
تلك الأحداث المتسارعة والمقلقة لحميدتي، أيدت لديه فكرة أن موسى هلال رغم سجنه السابق، يظل يطارده في سلطته العليا وبين أبناء قواته المدججين بالسلاح.
ومن هنا تباينت الولاءات، فرغم ظهور حميدتي على هلال، لكن ظل الأخير متمتعا بانصياع قطاع من القبائل على رأسهم المحاميد، الذين يمثلون عامل الخطر الأكبر على وحدة صف الدعم السريع.
ويمثلون الحلقة الأضعف في الجدار الصلب الذي يمكن أن ينهار في أي لحظة إذا ما تفاقمت الأوضاع، وهو ما جعل حميدتي وأجهزة استخباراته تطاردهم، وتضربهم بلا هوادة، ويحذرون منهم ومن استغلالهم من قبل الجيش الذي يسعى إلى تحرير دارفور بكاملها، وهي عاصمة وقلعة حميدتي الحصينة.
لكن في فبراير/ شباط 2024، وقع نجل هلال، حبيب موسى هلال، اتفاقية عدم اعتداء مع الدعم السريع نيابة عن والده.
وضمنت الصفقة لهلال الحق في الاحتفاظ بمقاتليه المتمركزين في شمال دارفور مقابل حياده في معركة الدعم السريع ضد الجيش، مع حصوله على 900 مليون جنيه سوداني (1.4 مليون يورو) من حميدتي.
ووفقا لموقع “دارفور 24” الإخباري، فإن هذا المبلغ جاء تعويضا عن خسارة هلال للمعدات والأسلحة والمركبات التي استولى عليها حميدتي حين قُبض عليه عام 2017.
ولكن بمجرد حصوله على المال، غير هلال ولاءه وأعلن بعد شهرين انضمامه إلى الجيش مقابل دعم مادي محدود للغاية.
فالجيش السوداني المسيطر على مدينة الفاشر، عاصمة دارفور، لا يملك الكثير من الموارد لتخصيصها إلى قوات هلال.
كما أن الجماعات المسلحة غير العربية وقادتها من حلفاء الجيش في المنطقة لا يثقون في هلال الذي اضطهدهم، مثل حميدتي، في العقد الأول من القرن 21.
وحتى يتمكن من ترسيخ نفسه كزعيم بديل لحميدتي، في حالة سقوط الأخير، اختار هلال أن يبقى في الوقت الحالي في موقع المراقب المنتظر، لفرصة سانحة حتى يعود بقوة.
المصادر
- Former Janjaweed warlord Musa Hilal's faltering comeback
- السودان.. اعتقال موسى هلال نهاية أسطورة قائد "الجنجويد"
- موسى هلال.. زعيم قبيلة المحاميد في إقليم دارفور
- Soudan : carnage au Darfour, où les alliés et les ennemis de Hemetti se disputent le pouvoir
- اعتقال قيادات من عشيرة المحاميد بتهم بالتورط في محاولة انقلابية
- موسى هلال يعلن وقوفه مع الجيش السوداني ضد الدعم السريع