بعد 42 عاما على أبشع مذبحة في سوريا.. ماذا يعني تحرير حماة من قبضة الأسد؟

مصعب المجبل | منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة منذ عقود، باتت مدينة حماة التي شهدت أبشع مجزرة في تاريخ سوريا الحديث عام 1982 على يد نظام حافظ الأسد، خارج سلطة الابن بشار بعد تحريرها من قبل فصائل المعارضة ضمن عملية "ردع العدوان".

وجاء اليوم الذي شهد فيه "جزار حماة" رفعت الأسد (87 عاما) شقيق الرئيس السوري السابق حافظ، تحرير مدينة حماة الواقعة وسط البلاد وتبعد عن دمشق 222 كم، على يد الثوار السوريين في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول 2024.

تحرير حماة

وتسارعت وتيرة تقدم فصائل المعارضة على الأراضي السورية منذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 ضمن عملية عسكرية أطلقتها تحت اسم "ردع العدوان" شملت السيطرة كذلك على مدينة حلب بشكل شبه كامل من قوات الأسد ومليشياته في 29 من الشهر المذكور.

وعلى وقع الأهازيج وزغاريد الأمهات المكلومات نامت حماة ليلتها الأولى حرة بيد الثوار بعدما فكت قيود الاستبداد الذي مورس على أبنائها منذ عهد الأسد الأب.

وبعدما أسقط أبناؤها تمثال حافظ الأسد في قلب المدينة بعد 42 عاما وهم يرون قبل ليلة واحدة صور وتماثيل قاتليهم أمام أعينهم وليس لهم من الأمر إلا كظم الغيظ.

ووصف ناشطون سوريون إسقاط تمثال حافظ الأسد بحماة بأنها "لحظة تاريخية لتكسر هذا التمثال للأبد كرمز لتحرر مدينة حماة من طاغوت جثم على صدرها أكثر من نصف قرن".

وخروج مدينة حماة عن سلطة الأسد أسوة ببقية المدن السورية لها رمزية كبيرة لدى عموم السوريين كونها المدينة الشاهدة على تفاصيل المذبحة الدموية الشهيرة عام 1982 فضلا عن كونها مدينة ثائرة منذ ستينيات القرن العشرين.

فالاضطرابات في مدينة حماة تعود إلى عام 1964، أي بعد عام من الانقلاب العسكري على ما كان يُسمى الانفصال عن الجمهورية العربية المتحدة.

إذ انطلقت من المدينة في ستينيات القرن العشرين حركة احتجاج بدأت من الثانويات ضد الحزب الحاكم آنذاك، حتى جاء الرد من رئيس مجلس الثورة في ذاك الوقت، أمين الحافظ، بقصف جامع السلطان في ذروة الصدام الشعبي مع فكر "البعث"، الذي أراد باكرا أن يستفز الحالة الشعبية الدينية التي كانت ما قبل انقلاب "البعث" في سوريا عام 1963 تمارس حياتها وطقوسها بعيدا عن السياسة.

واستمر الاضطراب في حماة بين صعود وهبوط واستمرت المعالجة الأمنية له بالاعتقالات وتغييب المعتقلين حتى الموت أحيانا، وبالحملات العسكرية التي بدأت عام 1964.

لكن عقب تقلد حافظ الأسد السلطة في سوريا بانقلاب عسكري عام 1971، بقيت عينه على مدينة حماة ناظرا إليها كأكبر تهديد على حكمه.

"المجزرة الأم"

إذ لم ينتظر نظام حافظ الأسد طويلا حتى افتعل الأخير حجة القضاء على ما سماها "عصيان الإخوان المسلمين" المناهضين لحكمه في حماة والتي تعد المعقل الرئيس للحركة ولجناحها العسكري "الطليعة المقاتلة" في البلاد.

وأعطى الأسد الأب الذريعة لنفسه لاجتياح حماة عسكريا بقيادة شقيقه رفعت، ووزير دفاعه آنذاك مصطفى طلاس عام 1982بحجة أنها تشكل المعقل الرئيس لجماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا.

وحينها أفرغ رفعت إجرامه وحقده على أهالي حماة التي اقتحمها جيش النظام في 2 فبراير/شباط 1982 واستمر الهجوم لـ27 يوما.

وفي 4 فبراير 1982، ارتكبت قوات النظام المجزرة الجماعية الأولى في مدينة حماة وتحديدا في حي جنوب الملعب قرب مدخل حماة الجنوبي.

ووفقا لشهود عيان، قتلت القوات المقتحمة، بقيادة رفعت الأسد، نحو ألف و500 شخص من سكان هذا الحي، قضت فيه عوائل بأكملها بالإعدام الميداني.

وفي 26 فبراير/شباط 1982، اقتحمت قوات النظام منازل المدينة، واقتادت نحو ألف وخمسمائة شخص إلى أطراف المدينة الجنوبية، وأعدمتهم ميدانيا، بأمر مباشر من رفعت الأسد.

وأُجبر الأهالي، عقب تتالي المجازر، على الخروج بمسيرة تأييد لحافظ الأسد، في شارع "8 من آذار" وسط المدينة المنكوبة، وهتفوا فيها "بالروح بالدم نفديك يا حافظ".

وعقب "بركة الدم" تلك لقب رفعت بـ"جزار حماة" لإصداره أوامر بقتل 40 ألف سوري في حماة حسب "اللجنة السورية لحقوق الإنسان"، وتدمير نحو ثلث أحيائها بشكل كامل.

وما تزال أدق تفاصيل مجزرة حماة على يد الأسد الأب وأخيه تروى من قبل الشهود وأولادهم؛ حيث كان عناصر وضباط “سرايا الدفاع” بقيادة رفعت يقتحمون بيوت الحمويين ويقتلون عوائل بأكملها رميا بالرصاص.

كما سرق جنود رفعت ممتلكات الأهالي لدرجة أن شهود عيان أكدوا أن ضباطا كانوا يبترون أيادي النساء، لسرقة أساور الذهب من أيديهن، فضلا عن حدوث عمليات إعدام جماعي لمصلين في المساجد ثم إحراق جثثهم.

وأوصت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" المعارضة في تقرير لها عن الذكرى الـ40 لـ"مجزرة حماة"، بالعمل على محاسبة النظام السوري، والسعي للكشف عن مصير قرابة 17 ألف سوري من أهالي مدينة حماة مختف قسرا منذ 1982.

وكانت حماة على موعد مع الثورة السورية إبان انطلاقها ضد نظام بشار الأسد في مارس 2011، حيث خرج أبناء المدينة عن بكرة أبيها في مظاهرات مليونية وسط ساحتها الشهيرة "ساحة العاصي" ونادت بإسقاط بشار الأسد.

كما خرجت من المدينة أهازيج ثورية من أمثال "يالله ارحل يا بشار" ما تزال إحدى أيقونات الثورة الصوتية.

وبقي الحديث عن "المجزرة الأم" (مجزرة حماة) أحد الأمثلة على إجرام الأب ومن بعد ابنه بشار الذي ارتكب المجازر لإخماد الثورة وقتل ما لا يقل عن 700 ألف سوري منذ عام 2011.

ففي حماة تكاد لا تخلو أسرة في المدينة إلا وفقدت أبا أو ابنا أو ابنة أو أخا أو أما أو زوجة.

لا سيما أن عدم محاسبة نظام الأسد الأب عن "المجزرة الأم" شجعت بشار أن يمضي سريعا بطريق الدم وليتفوق على أبيه وعمه بعدد المجازر التي ارتكبها في المدن السورية.

واللافت أن بشار الأسد في محاولة منه لتشويه الثورة السورية وأسبابها المحقة وبعد كل الجرائم حاول خلال اجتماع في دمشق بمناسبة "عيد المعلم" عام 2022 أن يبرر قمع الثورة عبر ربطها بما جرى في الثمانينيات بحماة.

وحث الأسد المعلمين على تعليم طلاب المدارس أن هناك "علاقة بين هذه الحرب وتلك الحرب التي شنت في الثمانينيات ضد الإخوان المسلمين الذين قاموا بعمليات إرهابية"، وفق قوله.

توثيق الشهادات

لكن تحرير مدينة حماة على يد السوريين في الخامس من ديسمبر 2024 نسف كل مخططات الأسد الابن لمحو آثار الجريمة وطمس معالمها على الأقل في الجيل الحالي.

إذ يفتح تحرير المدينة من قبضة الأسد الباب واسعا اليوم وفق الحقوقيين إلى نبش تفاصيل تلك المجزرة والتي ستؤكد للعالم أن مجازر نظام الأسد ليست وليدة أحداث الثورة السورية.

وضمن هذا السياق، قال عبد الكريم العيسى الحقوقي والقانوني السوري، لـ "الاستقلال": "اليوم لأول مرة يتمكن أهالي مدينة حماة بعد انتفاء حالة الرعب والإرهاب التي كانوا يعيشونها من الإدلاء بشهادات حية وقانونية توثق أهوال ما جرى في حماة على زمن حافظ الأسد".

وأضاف العيسى "أنه لم تقم أي من الحكومات السورية المتعاقبة عقب عام 1982 من تسجيل الضحايا الذين قتلوا، ولا المفقودين، ولم يفتح أي تحقيق داخلي بشأن مجازر حماة".

وأشار العيسى، إلى أن "شهادات أهالي الضحايا مهمة في تسجيل بيانات الضحايا وظروف قتلهم وكذلك الكشف عن مصير عشرات آلاف السوريين المختفين قسرا من ذلك الحين".

وأردف: "كما أن أحياء مدينة حماة ما تزال شاهدة على تلك الحقبة الدموية التي غابت تفاصيلها عن الإعلام.. فاليوم بمقدور وسائل الإعلام المحلية والأجنبية أن تعاين مسرح الجريمة حيث ما تزال بعض غرف المنازل بمدينة حماة مدمرة نتيجة القصف من سلاح المدفعية في المطار العسكري ومن اللواء 47 دبابات".

وراح يقول كما أن "هناك غرفا في منازل المدينة ما تزال آثار الرصاص عليها وحتى الدماء لم يغير فيها أهلها شيء بل تركوها شاهدا على الجريمة عل العادلة تنصفهم يوما".

وذهب العيسى للقول: "جزار حماة الأول رفعت الأسد مازال حيا والذي عاد إلى سوريا عام 2021 فارا من فرنسا بعد صدور حكم قضائي لمصادرة ممتلكاته وأمواله، يشاهد الآن بأم عينيه الشهود وهم يوثقون جرائمه وجرائم أخيه ومن بعدهم بشار".

ولهذا وفق العيسى، فإن "المطالبة بمحاسبة مرتكبي المجزرة وفي مقدمتهم رفعت الأسد أمر مهم على مستوى منع الإفلات من العقاب لمسؤولي نظام الأسد التي تظل أولوية بالنسبة لسوريا في الفترة القادمة حيث جسدت عودة رفعت إلى اللاذقية تجسيدا صارخا للإفلات من العقاب".

ويؤكد كثير من السوريين أن تحرير حماة "ينطوي على رمزية تاريخية"، فهي كما قال الكاتب السوري ياسر الأطرش: "رمز وحشية حافظ الأسد وعائلته، إذ دمرها حافظ وشقيقه رفعت عام 1982 في مجزرة فبراير التي استمرت 27 يوما، قتل خلالها 40 ألفا وهُدمت أحياؤها التاريخية واختفت إلى الأبد، وشُرد أهلها الذين كانوا أول من ثار على سلطة البعث عام 1963".

بدوره طرح الصحفي السوري بشر نجار على حسابه في فيسبوك تساؤلات عقب تحرير حماة جاء فيها: "هل يمكن لأهل حماة أن يفتحوا مجالس عزاء لشهداء مجزرة 1982 لأول مرة؟ بعد 42 سنة يحكون لأول مرة حكايات المجزرة".

وأضاف قائلا: "عشرات الآلاف من الشهداء ممكن أن تُقرأ لهم الفاتحة ويحزن أهلهم عليهم لأول مرة بصوت عال بدون خوف".

وتابع: “معقول بـ 2 شباط بالذكرى الـ43 (عام 2025). أهل الضحايا يبكون عليهم بصوت عال بساحة العاصي وبأماكن حدوث المجزرة؟”