عملية ردع العدوان العسكرية.. ما تأثيرها على أدوار تركيا في سوريا؟

منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

توقعت صحيفة تركية أن تؤثر العملية العسكرية الجارية للمعارضة السورية، ليس فقط على خريطة السيطرة الميدانية وإنما على مستقبل سوريا السياسي.

وقالت صحيفة يني شفق في مقال للكاتب التركي "محمد رقيب أوغلو" إن الاشتباكات تركزت في الأيام الأخيرة في شمال غرب سوريا، خاصة في مناطق حلب وإدلب. 

إذ أطلقت جماعات المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام عمليات واسعة النطاق ضد نظام بشار الأسد في ريف حلب الغربي، واستولت على نقاط إستراتيجية. 

ونتيجة لهذه العمليات التي بدأت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تمكنت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها من السيطرة على مناطق إستراتيجية مثل تل الراغب وتل الدبابات وبلدة عنجارة.

وهذا بالإضافة إلى السيطرة على 32 قرية ونقطة بما في ذلك قاعدة اللواء 46. وقد أتاح هذا التقدم للمعارضة السيطرة على مدينة حلب.

وتبع هذه العمليات مكاسب كثيرة لقوات هيئة تحرير الشام، حيث استولت على أسلحة ثقيلة ومركبات عسكرية تابعة للنظام، وأسروا العشرات من جنوده. وبذلك فإن المعارضة تسجل أكبر تقدم لها منذ بداية الثورة السورية.

وأشار الكاتب التركي إلى أن تقدم المعارضة في حلب والمناطق المحيطة بها يمثل خسارة كبيرة لنظام الأسد، في وقت بدأت الفصائل في اقتحام مدينة حماة.

تغيير التوازنات

واستدرك أن توقيت هذه العمليات لافت للنظر؛ خاصة أنها تتزامن مع انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا وإيران بالأزمة المتصاعدة بين حزب الله وإسرائيل، وهو الأمر الذي جعل نقاط الضعف العسكرية للنظام أكثر وضوحاً. 

ولفت إلى أن عدم قدرة النظام على مقاومة التقدم المفاجئ للجماعات المعارضة يظهر مدى هشاشة توازن القوى على الأرض. 

علاوة على ذلك، فإن الادعاءات بمحاولة تنفيذ انقلاب ضد النظام تسلط الضوء على مدى تآكل شرعية الأسد وسيطرته الداخلية.

وأردف الكاتب أن "التطورات في خط حلب وإدلب يمكن أن تعيد تشكيل المعادلة الجيوسياسية لسوريا وإستراتيجيات الفاعلين الدوليين".

وستكون مخاوف تركيا الأمنية وحدود الدعم الروسي والإيراني للأسد والمصالح الأميركية بالمنطقة عواملَ حاسمة في هذه الديناميكيات الجديدة.

وبناء على ذلك، تمثل اشتباكات حلب نقطة تحول قد تؤثر بعمق ليس فقط على التوازنات داخل سوريا، ولكن أيضاً على سياسات القوى الإقليمية والدولية تجاهها، وفق الكاتب.

وأضاف: تشير التصريحات الرسمية بشأن التطورات الأخيرة إلى أن تركيا ليست جزءاً مباشرا من الاشتباكات، لكنها تدير العملية بشكل غير مباشر. 

وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية أونجو كتشلي أن تركيا تعد الحفاظ على الهدوء في إدلب والمناطق المحيطة بها أولوية، وأن هجمات قوات النظام والجماعات المسلحة تضر بروح اتفاق أستانا. 

وبدأت محادثات أستانا في 2017، برعاية الدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران من أجل إيجاد حل للأزمة السياسية في سوريا.​​​​​​​

وأشار الكاتب إلى أن تركيا تواصلت مع الأطراف لوقف هذه الهجمات، ولكن لم يجر التوصل لنتيجة، مما يوحي بأن عمليات المعارضة كانت دفاعية.

ووفقاً للباحثين فإن غرفة العمليات المشتركة التي خططت لعملية ردع العدوان، تُدار من قبل ائتلاف واسع من المعارضة السورية. 

ولفت الكاتب التركي إلى أن وجود ممثلين معارضين في القيادة كانوا قد شاركوا في محادثات أستانا يعزز الادعاءات بأن تركيا تلعب دورا غير مباشر. 

وعلى الرغم من عدم تدخل تركيا عسكريا بشكل ملموس في هذه العملية، فإن عدم تحقيق نتائج في عملية التطبيع مع النظام وهشاشته على الأرض قد يشير إلى أن تركيا فتحت المجال للمعارضة.

وأوضح الكاتب: التعليقات التي تشير إلى أن تركيا أعطت الضوء الأخضر في هذا السياق مدعومة بخطابات غير رسمية حول التطورات في الميدان. 

ولفت إلى أن هذا الوضع يبرز مرة أخرى تعقيد الإستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية لتركيا في المنطقة.

مواجهة التلاعب 

وأردف الكاتب التركي: مسألة تحرير حلب من النظام والمليشيات المدعومة من إيران أثارت ردود فعل متباينة في المجتمع التركي، حيث شنت بعض الأوساط المؤيدة للنظام حملات دعائية.

على وجه الخصوص انتقدت بعض الأطراف العلمانية هذا الحدث، واتهمت الجماعات المعارضة بتلقي الدعم الأميركي.

في ذات الوقت، حاولت مجموعات قومية متطرفة معادية للإسلام وكذلك الجماعات المؤيدة لإيران تشويه سمعة المعارضة من خلال الإشارة إلى مصالح الولايات المتحدة في سوريا، وفق الكاتب.

ومع ذلك، تشير البيانات الميدانية إلى أن تركيا قدمت دعما غير مباشر للقوى المناهضة للنظام في هذه العملية.

وبين الكاتب أن هذا الدعم لعب دورا حاسما في إعادة تعريف سياسات تركيا في المنطقة، بما في ذلك القضية الفلسطينية.

وأشار إلى أن سيطرة المعارضة على حلب تمثل تحديا كبيرا لسلطة النظام، وقد يكون لهذا الوضع تأثير واسع النطاق حيث يمكن أن يمتد إلى دمشق. 

ولفت إلى أن ضعف النظام قد يشجع المعارضة على تنفيذ عمليات أكثر جرأة بالقرب من دمشق.

ويمكن أن يفتح هذا التطور أيضا الطريق لعمليات جديدة في ريف إدلب وحماة واللاذقية.

ومن الممكن أن ينعكس تحرير حلب بشكل سياسي وإستراتيجي على تخطيط وحسابات الفاعلين الناشطين في سوريا. 

فالتقدم العسكري للمعارضة السورية الذي بدأ من حلب قد يدفع إيران وروسيا إلى إعادة تقييم أدوارهما في المنطقة. 

بينما تعزز تركيا موقفها في تحويل التوازنات العسكرية لصالحها دون التخلي عن مساعيها للتطبيع مع النظام. 

ولفت الكاتب إلى أن تحرير حلب جعل هشاشة النظام أكثر وضوحا على المستويين المحلي والإقليمي. 

وقد أظهر أنه حتى مع دعم روسيا وإيران للأسد، فإنه غير مرغوب فيه من قبل الشعب السوري والهياكل المسلحة التي تمثل هذا الشعب.

السيناريوهات المستقبلية

وأردف: تشير التطورات الأخيرة في سوريا، التي تركزت حول حلب، إلى فترة حرجة في سياق العلاقات التركية الروسية وكذلك علاقات تركيا مع الولايات المتحدة ودول المنطقة. 

وتستمر ديناميكيات "العلاقة الخاصة" بين تركيا وروسيا في الوجود على الرغم من الأولويات المختلفة للأطراف والتحديات الأمنية المركزية. 

وتركز تركيا على تحقيق الاستقرار في سوريا وحماية مصالحها الأمنية، بينما ترى روسيا أن الحفاظ على النظام السوري وضمان أمن قاعدة حميميم يمثلان أهمية إستراتيجية لها.

ونظرا لأن الصراعات الحالية لا تهدد هذه المصالح الإستراتيجية، فإنها لا تقوض التعاون بين تركيا وروسيا، بل تشجع على البحث عن وضع جديد على الطاولة.

وأضاف الكاتب: أما العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة فهي أكثر تعقيدا. ففي حال انسحبت واشنطن من سوريا من المتوقع أن يصبح تقدم أنقرة في هذا البلد أسهل. 

وتواصل تركيا دورها في سوريا عبر دعم المعارضة ضد النظام، وفي الوقت نفسه تلعب دور القوة الموازنة في التوازنات الإقليمية.

ويبدو أن السيناريوهات المستقبلية ستحمل في طياتها تزايد احتمالية إعادة تشكيل الثورة السورية ضد النظام بطرق عسكرية. 

ويذكر العديد من الخبراء أن الثورات هي عملية طويلة الأمد وأن التغيير الجذري للنظام سيستغرق وقتا. 

ومن المحتمل أن تنشئ القوى الإقليمية توازنات جديدة مع الحفاظ على مصالحها الخاصة في هذه العملية. 

ومن الواضح أن الجهود الدبلوماسية والعسكرية لتركيا ستلعب دورا حاسما في مستقبل المنطقة، وفق تقدير الكاتب.