صورته تتآكل والفجوة تزداد بينه وبين اللبنانيين.. ماذا عن مستقبل حزب الله؟
"حزب الله يقف الآن أمام تهديد كبير"
عقب الحرب الأخيرة مع إسرائيل، ترى صحيفة عبرية أن حزب الله اللبناني يعاني من تآكل صورته كـ "مقاومة" بسبب الأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها المواجهة في لبنان.
وتحدثت صحيفة "زمان إسرائيل" عن “تزايد الانتقادات من مختلف الطوائف اللبنانية، بما في ذلك الشيعة، بسبب تأثير سياسات الحزب على استقرار لبنان”.
وفي ذات الوقت، يواجه الحزب انتقادات إقليمية، بما في ذلك من الحلفاء، بسبب انشغاله بقضايا إقليمية على حساب القضية الفلسطينية.
وفيما يخص مستقبله، تذكر الصحيفة أن "الحزب يواجه خيارات صعبة بين تصعيد المواجهات العسكرية أو البحث عن تسوية سياسية".
ولفتت إلى أن "مستقبل الحزب مرتبط بإعادة تقييم إستراتيجيته بما يتناسب مع المصالح الوطنية اللبنانية".
ازدياد الفجوة
وبينت أن "شعارات النصر الكامل التي يهتف بها مؤيدو حزب الله ومحور المقاومة ليست أكثر من مرارة وإحباط عميق تشعر به اليوم غالبية السكان في لبنان نتيجة الثمن الباهظ الذي دفعوه جراء القتال".
وتلفت الصحيفة هنا إلى أن “الخلاف داخل المجتمع اللبناني ليس جديدا”، لكن الأحداث الأخيرة سلطت الضوء مرة أخرى على الفجوات الأيديولوجية والاجتماعية والسياسية في البلاد.
وبالحديث عن حزب الله، التنظيم الشيعي اللبناني الذي أصبح قوة مركزية في الشرق الأوسط، تذكر أنه "يواجه اليوم تغييرا كبيرا في وضعه نتيجة الحرب القاسية ضد إسرائيل".
فالحرب، التي شكلت تصعيدا غير مسبوق منذ حرب لبنان الثانية عام 2006، أبرزت الفجوة بين صورة الحزب كـ “قوة مقاومة” وبين الثمن الباهظ الذي تفرضه مشاركته العسكرية والسياسية على المجتمع اللبناني.
وفي هذا الإطار، تبرز الصحيفة أن الفهم السائد بين أنصار حزب الله هو أن "التنظيم نجح في الصمود أمام أحد أقوى الجيوش في العالم، وتمكن من ردع إسرائيل عن تنفيذ خططها لتوسيع المعركة في الشمال".
وعلى سبيل المثال، كان محمد مهدي نصر الله، نجل الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله، من بين أوائل من توجهوا إلى الشعب في لبنان، وهو يقف إلى جانب خراب منزله ليهنئهم بالنصر الغالي.
إضافة إلى ذلك، صرح محمود قماطي، نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله، بفخر قائلا: “نحن نخرج ويدنا هي العليا، أدخلنا 4 ملايين مواطن في إسرائيل إلى الملاجئ وأبعدنا مئات الآلاف من منازلهم في منطقة الحدود”.
وعبر عن شكوكه في التزام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشروط الاتفاق الذي أوقف الحرب بين الجانبين.
وأكدت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، المقربة من حزب الله، أن "وقف إطلاق النار هو فقط نهاية جولة من القتال، وأن الحزب سيعيد بناء قدراته وسيواصل العمل على تدمير إسرائيل".
وفي المقابل، تنوه الصحيفة العبرية إلى أن وئام وهاب، وهو وزير لبناني سابق، سخر من هذه التصريحات.
وقال وهاب إن "شعار محو إسرائيل غير واقعي في الخطاب الحالي، وأنه من غير الممكن فعلا هزيمتها وتدميرها".
اهتزاز كبير
وبالحديث عن موقف حزب الله في الوقت الحالي، تظهر الصحيفة أنه يعتمد على عمودين رئيسين.
الأول هو أسطورة "المقاومة" ضد إسرائيل، أما الثاني فهو النفوذ الإقليمي في إطار محور إيران-سوريا. وهذان العمودان -من وجهة نظر الصحيفة- تعرضا لاهتزاز كبير في الحرب الأخيرة.
فمن ناحية، تمكن حزب الله من عرض قدرات عسكرية متقدمة، بما في ذلك استخدام أنظمة أسلحة دقيقة وتكتيكيات حرب متطورة.
لكن من ناحية أخرى، فشل بتحقيق إنجازات مهمة أمام إسرائيل وكشف عن ضعفه في إدارة المعركة أمام الضغط المتزايد من الجمهور اللبناني والمجتمع الدولي.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، جاءت أكبر ضربة لصورة حزب الله من فقدان شرعيته المتزايد في المجتمع اللبناني.
فالحزب، الذي كان يُنظر إليه في الماضي كحامي لبنان أمام إسرائيل، أصبح بنظر الكثيرين يجذب البلاد إلى دوامة من الفوضى ويبعد الحلول السياسية.
وفي هذا الصدد، تستشهد بما قالته إحدى النساء القاطنات في جنوب لبنان، وهي أم لثلاثة أطفال: "لقد دُمر بيتي بالكامل، فقدنا كل شيء، ولا أعرف من أين نبدأ من جديد. هل يستحق هذا الثمن؟ هل هذه هي الحماية التي يعدنا بها حزب الله".
وهنا، تلفت الصحيفة النظر إلى أن "هناك من يوجهون أصابع الاتهام مباشرة إلى حزب الله".
ووفقا لهم، جعل الحزب الدولة رهينة لطموحاته الإقليمية، متجاهلا العواقب المدمرة لأفعاله على المدنيين الذين يخشون بشدة من حرب أهلية ثانية.
في هذا السياق، تقول إن "هذه الصرخات تُسمع بشكل خاص بين المجتمعات المسيحية والدرزية وحتى الشيعية، التي تطالب حزب الله بتفكيك سلاحه".
وتفسر مطلبهم هذا بأنهم "يرون أن حزب الله يعمل أساسا من أجل دفع مصالح إيران، دون أن يأخذ في حسبانه مصلحة لبنان نفسها".
وتوضح أن "الأصوات المحلية التي تدعو لبنان لاستعادة السيطرة على الدولة وتعزيز سيادتها ومنع التدخل الإيراني تتزايد بشكل ملحوظ".
كما أنهم يطالبون حزب الله بالتحول إلى حزب سياسي فقط والتخلي عن كونه "ذراعا عسكريا".
وأحد هذه الأصوات هو الأكاديمي اللبناني شارل شرتوني، الذي قدم نسمة من الهواء المنعش -على حد وصف الصحيفة- عندما قال، في مقابلة له معها، إن "على لبنان السعي للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل".
وتابع الأكاديمي: "ويجب على حزب الله ليس فقط الاستسلام ووقف عدوانه ضد إسرائيل والشعب اللبناني، بل أيضا التوقف عن الوجود".
خيانة وتهديد
وبالحديث عن اتفاقية وقف إطلاق النار، تدعي الصحيفة الإسرائيلية أن حركة المقاومة الإسلامية حماس استقبلتها بمشاعر متشابكة.
وتقول إن "الحركة أعلنت علنا أنها ترحب بالاتفاق وتتمنى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار أيضا في قطاع غزة".
ولكن خلف الكواليس، كانت هناك خيبة أمل بسبب التخلي عن غزة التي ما تزال تواجه حربا من قبل إسرائيل.
كما أن البعض وصف هذه الخطوة بـ "الخيانة لحماس والشعب الفلسطيني"، وفق الصحيفة.
وفي هذا الصدد، تسلط الضوء على حديث رئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم" اللندنية، عبد الباري عطوان، حث حزب الله على رفض وقف إطلاق النار.
وقال عطوان في مقطع نشره على يوتيوب: “لماذا العجلة؟ نحن في حالة من الانتصار والنشوة، لقد صدرت أوامر اعتقال (من المحكمة الجنائية الدولية) ضد مجرمي الحرب (نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت)”.
وتابع: “هناك الملايين من الإسرائيليين في الملاجئ وهناك دمار في الشوارع، فلماذا الآن؟”
وأعرب عطوان عن غضبه من خيانة وصية نصر الله التي وعد فيها بـ "عدم التخلي عن الفلسطينيين تحت أي ظرف، وعدم الفصل بين الجبهات في غزة ولبنان".
وفي النهاية، تؤكد الصحيفة الإسرائيلية أن "المنظمة، التي بُنيت على أسطورة الصمود في وجه إسرائيل، تقف الآن أمام تهديد كبير".
وأوضحت أن هذا التهديد يتمثل في "فقدان ثقة الشعب اللبناني وأنصار الحزب الإقليميين".
والسؤال الكبير، من وجهة نظرها، هو “كيف سيتعامل حزب الله مع الواقع الجديد؟ هل سيختار تصعيد نشاطه العسكري، أم سيتجه نحو تسوية سياسية وتقليص الاحتكاك الإقليمي؟”
وتختتم تقريرها بالقول إن "الجواب على هذه الأسئلة سيشكل ليس فقط مستقبل حزب الله، بل لبنان بأسره".