"لطميات طائفية".. كيف تعمل ماكينة الإعلام الإيرانية على شيطنة سوريا الجديدة؟

مصعب المجبل | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

لم تترك إيران منذ سقوط نظام بشار الأسد، أية جهود إعلامية للتشويش على الدولة السورية الجديدة، أو دعم فلول النظام البائد لخلق حالة من الفوضى عبر استهداف قوات الأمن الجديدة.

إذ لم تكتف إيران بعدم الاعتراف بسلطة الدولة الجديدة في سوريا عقب الإطاحة بحكم حليفها الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بل راحت تسهم في تأجيج مشاعر الموالين لها ضد الحكام الجدد لسوريا.

مهاجمة الشرع

وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية بما فيها وكالات الأنباء ما تزال تضخ أخبارا "تزيد الاحتقان وتؤجج مشاعر السوريين".

لدرجة أن وكالة الأنباء الرسمية (إرنا) تصف قوات الأمن السوري الجديد بأنهم "أتباع الجولاني" في إشارة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع الملقب سابقا بـ"أبو محمد الجولاني".

إلا أن المثير أكثر هو قيام الحسينيات الشيعية، خاصة في العراق التي تدين بالولاء لإيران، بتأليف كلمات ذات دلالة طائفية تهاجم فيه الرئيس السوري الشرع.

وأصدر "الرادود" الشيعي العراقي (منشد) "كرار الكربلائي" لطمية شيعية جديدة في 22 مارس/ آذار 2025 توعد فيها الشرع والسوريين بـ"القتل قريبا".

وتقول كلمات اللطمية التي نشرها "الكربلائي" على حسابه بمنصة “يوتيوب”: “جولاني نسخة من الشمر وارث من أجداده الغدر .. حاكم صُبح بعد الأسر وبدولته الدم يزدهر.. حجاج ويذبح بإيده".

ويقصد "الرادود" بالشمر هو شمر بن ذي الجوشن أمير السرية التي قتلت الإمام الحسين ابن الخليفة علي بن أبي طالب.

كما ردد "الكربلائي" كلمات تدعو المراجع الشيعية لإصدار فتاوى بشرعية القتال ضد الدولة السورية الجديدة.

وقال في اللطمية ذاتها: "غدا بس تفتي السادة.. نصبح نرعد ببلاده.. ونعيد أحداث أجداده ينزع حت تسلم روحه"، في إشارة إلى قتل الشرع.

والحسين حفيد النبي محمد عليه الصلاة والسلام و72 من أقربائه الذين استشهدوا في "واقعة كربلاء" عندما كان يزيد بن معاوية خليفة للمسلمين. 

وانقطع بشكل شبه كامل دخول الحجاج الشيعة إلى سوريا لزيارة مقامات مقدسة لدى الشيعة وأبرزها مقام السيدة زينب بنت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، عقب سقوط نظام الأسد.

ومقام السيدة زينب جنوب دمشق عندما تدخلت إيران عسكريا بسوريا عام 2012 لمساندة الأسد في قتل السوريين وقمع الثورة التي اندلعت في 18 مارس 2011، رفعت طهران شعار "لن تسبى زينب مرتين".

وكان هذا الشعار كافيا لتحفيز عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية" هذا المقام.

ويلاحظ تغير أسماء الشوارع المؤدية إلى مقام السيدة زينب، حيث أطلقت إيران أسماء ذات طابع شيعي مثل "دوار الشهداء"، و"الحوارء"، و"الفاطمية"، ناهيك عن اللافتات المكتوبة باللغة الفارسية.

ولعب المقاتلون الأجانب الذين يطلق عليهم "مدافعو الحرم" وهو مصطلح تطلقه إيران على المقاتلين الذين يذهبون تطوعا للدفاع عن "مراقد أهل البيت في العراق وسوريا"، دورا كبيرا في قتل السوريين وتشريدهم.

فقد مارست إيران ووكلاؤها عمليات قتل ممنهجة في سوريا منها عشرات المجازر تحت دوافع طائفية إبان قمع الثورة وفق منظمات حقوقية وإنسانية.

وفي 17 فبراير/شباط 2022، قدم محامون حقوقيون طلبات إلى المحكمة الجنائية الدولية لبدء تحقيق أولي في دور إيران ومليشياتها في سوريا بارتكاب جرائم حرب.

ومنذ عام 1970 حتى 2011 بقي حي السيدة زينب بعيدا عن المذهب الشيعي حتى مع وجود المقام الذي يمثل رمزية كبيرة لعموم الشيعة في العالم.

وقبيل سقوط الأسد كان يتوافد عشرات الآلاف من الشيعة شهريا إلى سوريا من جنسيات مختلفة، بينما كانت ترسل طهران 100 ألف "حاج إيراني" إلى هذا البلد سنويا بموجب اتفاق مع وزارة السياحة آنذاك.

ومع سقوط نظام الأسد اتخذت الدولة السورية الجديدة إجراءات جديدة للتأكد من عدم استغلال زيارة الشيعة لأغراض مشبوهة مرتبطة بالنشاط العسكري السابق.

"حالة انتقامية"

ومنذ تدخل إيران في سوريا انتشرت لطميات شيعية تهاجم الثوار السوريين وتطلق عليها أوصافا طائفية وتدعو إلى إبادتهم وتهجيرهم من بلداتهم تحت حجج "محاربة التكفيريين".

لكنه في الحقيقة هي كانت وسيلة للتجييش ضد الثورة السورية والقبول بقمعها عبر تجنيد مزيد من المقاتلين الشيعة ضمن تشكيلات المليشيات الإيرانية العاملة في سوريا.

وضمن هذا السياق، رأى الباحث الاجتماعي السوري حسام عبد الغني، أن "هذه اللطميات ما تزال تثير مشاعر السوريين وتستفزهم وتؤثر على السلم الأهلي الذي يعد إحدى ركائز المرحلة الحالية من عمر الدولة بعد إنهاء المشروع الإيراني بهذا البلد الذي كان قائما على الهيمنة والتبعية لطهران على الأصعدة كافة بموافقة من الأسد للحفاظ على حكمه". 

وأضاف عبد الغني لـ"الاستقلال" قائلا: "كما أن عمل الماكينة الإعلامية الموالية لإيران في المنطقة ضد الدولة السورية الجديدة يمكن أن يولد حالة انتقامية من قبل بقايا المليشيات الإيرانية المتوارية عن الأنظار بسوريا بسبب عدم تمكنهم من الفرار من البلاد".

وأردف "حالة التجييش من أذرع إيران ومن يدورون في فلكها ضد سوريا بعد سقوط الأسد تعكس الصورة الحقيقية لموقف إيران المعادي للدولة السورية الجديدة وقادتها".

وقد أثار مقطع فيديو نشر في يناير/ كانون الثاني 2025 يظهر عرضا عسكريا لعناصر من الشرطة العراقية، تدوس علم الجمهورية العربية السورية الجديدة، حالة استياء واستهجان، حيث تعمل بعض القوى والمليشيات المرتبطة في إيران تصديره للرأي العام، عبر هذه التصرفات.

وقال الصحفي العراقي مشعان الجبوري: إن “هذه الصورة تُظهر رسم علم سوريا، الجارة والشقيقة التوأم، على الأرض في رسالة عدائية غير مبررة تجاه الإدارة السورية الجديدة”. 

وأضاف الجبوري عبر منصة “إكس” أن “هذا الفعل يجرح مشاعر أشقائنا السوريين ويعكس تصرفا غير لائق لا يعبر عن الأخوة والجيرة”.

وتابع: "المؤسف أن السلطات الحكومية لم تقم بإزالته، بل وحتى قوات تطبيق القانون مرت فوقه دون اكتراث!".

بدوره، قال الكاتب العراقي رسلي المالكي إنه "لا يمكن وصف هذا التصرف إلا بأنه أهوج، وغير مسؤول.

وشدد المالكي على أن “سوريا دولة مستقلة، جارة وشقيقة، وعضو في الجامعة العربية، ولها سفارة في بغداد، ولديها حدود بطول 600 كم مع العراق، وتتشاطر نهر الفرات معه”.

وأكد أن “التعامل على أساس طائفي مع دولة كاملة يعكس درجة طيش فظيع لدى الفاعلين والقابلين بهذا السلوك، ويعكس في الوقت ذاته كم أن النظام في العراق لن يبني دولة أبدا وباستحالة، طالما هو يفكر بطريقة طائفية ضيقة وغبية”، مضيفا "اعتذروا لسوريا، وعاقبوا الفاعلين".

نهج قديم

على مدى أكثر من عقد من الزمن، كانت شخصيات شيعية دينية أو ما يطلق عليها "الرادود" يطلقون شعارات طائفية من قلب سوريا أو يدعو "للثأر" لمقتل الحسين من قلب المسجد الأموي بدمشق، دون أي اعتراض أو منع من قبل نظام الأسد.

اللافت أنه منذ عام 2013 وظفت إيران اللطميات الشيعية في خدمة الآلة العسكرية لمليشياتها التي تقاتل في سوريا.

ففي عام 2013 نشرت صفحات عراقية لطميات تحرض على قتل السوريين المناهضين لنظام الأسد البائد.

وحملت كلمات اللطيمة حينها التي أداها "الرادود" حيدر العطار "قدح من درعا الشرر وخصم مهدينا ظهر من حرستا ننتظر أول علامة".

ومحافظة درعا هي مهد الثورة حيث عد يوم 18 مارس 2011 بداية انطلاقتها، بعد مقتل حسام عبد الوالي عياش ومحمود قطيش الجوابرة من أبناء درعا البلد برصاص قوات أمن نظام الأسد خلال مظاهرة هناك.

أما حرستا بريف دمشق فقد دارت آنذاك فيها معارك بين الجيش الحر المعارض وقوات الأسد والمليشيات الإيرانية، حيث كانت المعارضة حينها تسيطر على عدد من البلدات في ريف دمشق.

كما انتشرت عام 2013 لطمية شيعية حملت كلماتها دعوة صريحة للقتل ضد أهالي مناطق محافظة حلب التي تمكنت المعارضة آنذاك من السيطرة على مساحات كبيرة من ريفها وطرد قوات الأسد منها.

وقالت اللطمية حينها "شبت النار بحلب وإحنا سوينا العجب"، في إشارة إلى تدخل المليشيات الشيعية إلى جانب قوات الأسد.

وفي عام 2014 وجهت إيران مليشياتها نحو مدينة حلب على رأسها “حركة النجباء” العراقية وحزب الله اللبناني والعراقي ولواءا "زينبيون" الباكستاني و"فاطميون" الأفغاني، وارتكبت عشرات المجازر هناك قبل أن تنتهي هذه الحملة بتهجير معظم سكان أحياء حلب الشرقية نهاية عام 2016.

وقد قاد تلك المليشيات العميد الإيراني جواد غفاري، قائد المليشيات الموالية لإيران في سوريا، والذي تولى شخصيا مهمة التحضير العسكري لمعركة السيطرة على الأحياء الشرقية من مدينة حلب منذ عام 2014 ضمن حملة عسكرية تحت اسم "دبيب النمل".

وأسفرت تلك الحملة عن قتل مئات المدنيين، وتهجير مئات الآلاف من السكان من تلك الأحياء نحو مناطق المعارضة نهاية عام 2016، بعد حملة عسكرية شرسة لقوات الأسد بدعم روسي إيراني، وقد لقب حينها جواد غفاري بـ"جزار حلب".

وكان ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي في الحرس الثوري علي سعيدي، قال نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 إنه لولا تدخل طهران لدعم نظام الأسد “لضاعت إيران والعراق ولبنان وسوريا”.