سجن "صيدنايا" المرعب.. من سلخانة تعذيب السوريين إلى رمز حريتهم

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

يقول سوريون إنه لو كان مداهمة وتحرير سجن “صيدنايا” وإطلاق سراح آلاف المعتقلين من داخله، هو انتصار الثورة السورية الوحيد بعد 61 عاما من حكم العصابات البعثية، لكفى.

يرون أن هذا يعد تعويضا عن آلاف السوريين والسوريات الذين قضوا في هذا المسلخ أو انتهكت أعراضهم ووضعوا في غرف ملح تحللت فيها رفاتهم أو وضعوا على خوازيق، وغابوا عن الدنيا، حتى إن بعضهم قال إنه لم يعلم أن حافظ الأسد مات.

وبينما كان العالم ينتظر خبر هروب بشار الأسد أو مقتله، كان آلاف السوريين ينتظرون أن يسمعوا خبرا واحدا، هو تحرير سجن صيدنايا، وإطلاق جميع المعتقلين، لأنهم يعلمون أن هذا السجن يلخص تاريخ المظالم في سوريا.

"صيدنايا" كان خيالا شيطانيا من نظام حافظ الأسد وابنه بشار، به أدوات تعذيب لا تخطر على بال الشياطين، استعملها الأسد وزبانيته في تعذيب السوريين وقمعهم.

ماذا وجدوا داخل السلخانة؟

حين سيطر الثوار على سجن صيدنايا الذي يُطلق عليه "باستيل سوريا"، ظهر لهم ليس فقط سر سمعته المرعبة، وإنما الوسائل السادية التي استعملها الوحوش غير الآدميين لتعذيب السجناء داخله.

كانت اللحظات الأولى لدخول قوات المعارضة إلى السجون، خاصة صيدنايا، مؤلمة وتظهر حجم العذاب داخله ومعتقلين فقدوا ذاكرتهم من التعذيب.

كان الضحايا يجلسون في زنازينهم المغلقة عليهم بالحديد، وسط برد شديد وجوع، وفي أحوال يرثى لها، لا يعرفون ما يجرى خارجها، حتى بشرهم الثوار بالحرية فلم يصدقوا.

مشاهد المعتقلين كانت مبكية، نساء تجمدت الدموع في مآقيها من البكاء ومعهن أطفال صغار في الزنزانة، ورجال عرايا بعضهم فقد الذاكرة وآخرون كانوا ينتظرون الإعدامات أو حصتهم من التعذيب.

كانت رائحة الموت في الزنازين التي تحت الأرض تزكم الأنوف حيث غرف الملح التي يوضع فيها ضحايا حتى يموتوا وغرف غاز وكهرباء وأدوات تعذيب حيوانية.

شاب خرج ليقسم بالله الذي لا إله إلا هو، أن موعد إعدامه مع 54 شخصا كان بعد نصف ساعة فقط من تحريره من الزنزانة في سجن صيدنايا.

وفي مطلع أغسطس/آب 2016، كشف تقرير لمنظمة العفو الدولية أنه "كل أسبوع، يتم اقتياد 20 إلى 50 شخصا من زنزانتهم من سجن صيدنايا من أجل شنقهم في منتصف الليل".

قالت: "أكثر من 13 ألف شخص أُعدِموا شنقا في صيدنايا، بين شهر سبتمبر/أيلول 2011، وديسمبر/كانون الأول 2015، بسرية تامة.

وقتل آخرون فيه بعد أن تعرضوا للتعذيب بشكل مستمر ومنهجي، وحُرموا من الطعام والماء والأدوية والرعاية الطبية".

وقال التقرير: "تحمّل جثث القتلى في صيدنايا في شاحنات نقل وتدفن في مقابر جماعية".

ويُعتقد أن النظام السوري أعدم ما لا يقل عن 500 معتقل آخرين بين عامي 2018 و2021، فقط، وفقًا لشهادات ناجين، وثقتهم "رابطة معتقلي ومفقودي معتقل صيدنايا" (ADMSP) في تقرير أصدرته عام 2022.

أيضا ظهر شاب، جلد على عظم، يلتحف ببطانية ممزقة وهو يرتجف وعيناه مذهولتان، وحين سئل عن اسمه أو سبب سجنه، لم يتمكن حتى من الإجابة على الأسئلة، لأنه فقد الذاكرة من التعذيب.

كانت لحظة تحرير النساء من داخل سجن صيدنايا رهيبة، فهن لا يعرفن لماذا اعتقلن ولماذا يُعذبن وتنتهك أعراضهن، ولا يصدقن أنفسهن أنهن بتن حرائر، ولا يفهمن ما الذي يجرى، لأنهن طوال سنوات في عزلة كاملة عن العالم.

إحداهن خرجت تهرول غير مصدقة وأخرى خرجت مع طفل صغير كان مسجونا معها يرى التعذيب الذي كان يستخدمه بشار وزبانيته مع نساء سوريا في السجون.

كان هناك أيضا الطيار الشهير "رغيد الططري"، الذي رفض أوامر الأسد عام 1982 بقصف مدينة حماة وقتل أهلها المعارضين لحكمه، فاعتقله النظام 43 عاما دون محاكمة، حتى تم تحريره من سجن طرطوس المركزي.

القسم الأحمر ومكبس الإعدامات

أما ما يسمى "القسم الأحمر" أسفل صيدنايا فكان حدثا تاريخيا، حيث ظل أكثر من 10 آلاف من أهالي سوريا يتجمعون في محيط السجن سيئ السمعة وداخله، منتظرين إخراج أبنائهم المعتقلين من هذه المقبرة.

وحين تم فتح أبواب "القسم الأحمر"، والمخصص للإسلاميين، أسفل صيدنايا المتشعب في عدة أماكن، ويضم 3 طوابق تحت الأرض، كانت الصورة أكثر مأساوية.

حيث الآلاف مدفونون حرفيا تحت الأرض، والمعتقلين كافة مقطوعون عن العالم الخارجي منذ سنوات لا يعرفون ما يجرى حولهم.

وكان القسم الأحمر من سجن صيدنايا محصنا لدرجة أن فتحه استغرق عدة ساعات لأنه بأقفال إلكترونية ولأبوابه رموز وشفرات يعلم بها فقط الضباط الذين فروا.

ولم يتم فتحه سوى بإطلاق الرصاص على الأقفال واستعمال أدوات الدفاع المدني لأنه كان أشبه بباب مقبرة موصدة منذ سنوات.

كان أبشع ما وجد الثوار في السجن الأحمر بصيدنايا هو ما يسمى "مكبس الإعدامات" وهو عبارة عن مكبس لكبس الخشب ليكون قطعة واحدة مستطيلة.

يوضع به السجين ويتم كبس جسده وسحقه ونزول الدماء في بالوعات أسفل ثم جمع ما تبقى من جثمان المعتقل من بقايا عظام ولحم في أجولة بلاستيكية والتخلص منها.

مكبس الإعدامات الحديدي في سجن صيدنايا كان مخصصا لتوفير الوقت في التخلص من جثث المعتقلين بعد شنقهم، فبعدما يتم إعدام المعتقل شنقا يضعونه بالمكبس ويكبسونه ليصبح مثل الورقة.

يتم سحق جسده وعظامه، ويوجد تحت المكبس مجارٍ للدماء، ثم توضع بقاياه في كيس ويتم التخلص منها خارج السجن.

وقال سوريون شاركوا في فتح الزنازين ورؤية هذا “المكبس الآلي”، إن هذا هو التعامل "التقني" الوحيد الذي كان يجيده نظام الأسد مع "الجثة" بصفتها جزءا من دورة التخلص من "النفايات"، بطريقة علمية لتوفير وقت وجهد الجلادين!

أكدوا أن مكبس الإعدامات الحديدي على شكل آلة ضغط هيدروليكية في سجن صيدنايا يوضع فيها الشخص بعد إعدامه شنقا، ثم يضغطونه بين الفكين ليصبح ورقة على شكل عجينة بشرية ومسحوق عظام.

تاريخ من الوحشية

خلال عملياتها لتحرير المدن السورية من قبضة الأسد، اقتحمت فصائل الثوار المسلحة العديد من السجون، وأخرجت آلاف الأبرياء الذين اعتقلهم نظام الأسد على مدار عقود وبعضهم قضى أكثر من 50 عاما.

فتحت الفصائل السجون المركزية في حماة وحمص و"صيدنايا" و"عدرا" بريف دمشق، أمام جميع السجناء، كما أخرجوا مئات المعتقلين من فرع الأمن السياسي على مشارف مدينة حماة وسط البلاد.

ورغم إخراج قرابة 160 ألف معتقل من السجون حتى كتابة هذا التقرير، مازال هناك مساجين كُثُر داخل معتقلات أخرى، لأن أعداد السجناء ضخمة وبنية بعض السجون، خاصة صيدنايا، معقدة ومتشعبة فوق الأرض وتحتها.

كانت أبرز هذه السجون سجن أو مسلخ "صيدنايا" في ريف دمشق، الذي خرج منه معتقلون من الرجال والشباب والنساء وحتى الأطفال، والذي يضم عشرات المباني والغرف والأبنية تحت الأرض وفوقها.

خطورة "صيدنايا" أنه واحد من "أكثر الأماكن سرية في العالم"، حيث يرتبط اسمه بالرعب في قلوب السوريين، حيث ارتبط ذكر هذا المكان لديهم بفقدان الأحبة وغيابهم، بينما حفر في ذاكرة المجتمع الكثير من الأسى، وفق "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا".

وتقول منظمات حقوقية إنه في صيدنايا، يبدو أن الهدف من (التعذيب والضرب) هو الموت.

ويقول "دياب سرية"، مؤسس "رابطة معتقلي ومفقودي معتقل صيدنايا"، وهو معتقل سابق في هذا السجن، إن النظام السوري أراد أن يكون هذا المكان (سجن صيدنايا) ثقبا أسود يبتلع كل من يقترب إليه.

وأكد أن السجن عبارة عن معسكر موت فيه تسلسل واضح للقيادة والأوامر والأعمال الداخلية، وبداخله، وعلى مدى سنوات، وقعت جرائم مروعة، بما في ذلك الاختفاء قسرا والتعذيب المنهجي والقتل داخل ذلك السجن.

وأوضح، في شهادته التي نشرتها الرابطة، أن السلطات حاولت منع خروج أي معلومات منه مع إفلات تام من العقاب وعدم وجود عدالة تلوح في الأفق على من ارتكب الجرائم فيه.

وقد ظل هذا السجن "ثقبا أسود" منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي، حتى بدأت تقارير لرابطة أهالي المعتقلين داخله نشر سلسلة تقارير، وفق شهادات مختلفة، خرجوا منه، تفضح بالتفاصيل الدقيقة ما يجرى خارج أسواره وداخلها، وهيكليته وعلاقاته التنظيمية مع بقية المؤسسات الأمنية التابعة للنظام السوري.

التحقيق الحقوقي تم بناء على 31 مقابلة مع أشخاص عملوا داخل "صيدنايا"، وضباط منشقين عن النظام السوري كانوا على أسواره ضمن القوات المسؤولة عن حمايته، إضافة إلى معتقلين سابقين اعتقلوا في أوقات متفرقة.

كشفوا أن في أجزائه الأولى؛ أن الحراسة الخارجية التي تحيط بـ "صيدنايا"، بها حقلا ألغام، بخلاف الحراسة الداخلية التي تنتشر بين الأسوار الخارجية والداخلية وبوابات الأبنية.

وتحدث التحقيق عن 3 مستويات من الحراسة للسجن، الأول يتعلق بحمايته من الخارج ضد أي تهديد خارجي أو عملية فرار للسجناء، بينما الثاني فيرتبط بمساندة المستوى الأول.

في حين تم تخصيص المستوى الثالث لحماية أبنية السجن الداخلية ومراقبة تحركات السجناء وتأمين وجودهم وانضباطهم داخل الأجنحة والمنفردات. وقد تختلف طبيعة الحماية في كل مستوى وفقا للجهة العسكرية المسؤولة عنها (الجيش أو الشرطة العسكرية أو شعبة الاستخبارات العسكرية).

وشرح الجزء الثاني من تحقيق الرابطة الحقوقية عمل مكاتب السجن، بدءا من تلك المعنية بتلبية الحاجات الأساسية من ماء وطعام وكهرباء، وصولا لتلك المعنية بالمشتريات والرعاية الصحية.

فمن مظاهر المعاناة التي يعيشها سجناء صيدنايا أنه من الممكن منع الماء والطعام عنهم لفترات تصل إلى أيام عدة حتى إنهم يضطرون لشرب بولهم، بحسب ما صرح به أحد المعتقلين السابقين في السجن.

ويعاني السجناء في صيدنايا أشد أنواع التعذيب، من ضرب بالخراطيم أو أنابيب التمديدات الصحية أو الهراوات وغيرها من الأدوات على نحو مستمر.

يستخدم السجانون ما يُعْرف بـ "بساط الريح أو السجادة الطائرة" للتعذيب، وهو أداة تتضمن لوحا قابلا للطي يُربط عليها السجين ويُوَجّه وجهه إلى الأعلى، ثم يُحرك كل جزء من اللوح باتجاه الآخر.

ويُحرم المساجين في صيدنايا من الرعاية الصحية أو تناول الأدوية، ويهدد العسكريون النساء بالاغتصاب أمام أقاربهن إذا لم يعترفن بما نُسِب إليهن (حسب منظمة العفو الدولية)، كما سجلت حالات اغتصاب وتحرش جنسي للرجال والنساء.

كما صرح أحد الناجين من سجن صيدنايا للمنظمة بأن المساجين كانوا يُجبرون على الاختيار بين موتهم أو قتل أحد أقربائهم أو معارفهم.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية عام 2017 إن الحكومة السورية لجأت إلى حرق آلاف السجناء في سجن صيدنايا، محاولة إخفاء عدد القتلى والتخلص من الأدلة التي قد تدينها بجرائم حرب.

ولم يكتف النظام الأسدي باعتقال وإعدام الأبرياء ولكنه نهب أموالهم على طريقة "مصادر الأموال" التي تتبعها الأنظمة القمعية.

حيث تم الكشف عن استيلاء النظام السوري على أموال وممتلكات تعود لمعتقلين ومختفين قسرا منذ العام 2011 حتى 2021 مستغلا معاناتهم لتحقيق مكاسب مالية، وقدرت منظمات حقوقية قيمة ما تم الاستيلاء عليه بنحو 1.5 مليار دولار أميركي.

حيث تم تجريد المعتقلين من أراضيهم وممتلكاتهم وأصولهم المالية بأوامر من المحاكم وقرارات صادرة من النظام تشمل أرصدة مالية وعقارات وشركات وسيارات ومجوهرات وأجهزة إلكترونية ومعدات، ومحاصيل زراعية، وماشية، ودواجن.

باستيل سوريا 

يقع سجن صيدنايا العسكري على بعد 30 كيلومترا، شمالي دمشق، ويتبع وزارة الدفاع السورية، وتديره الشرطة العسكرية.

وتقدر مساحته بـ 1.4 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 184 ملعبا لكرة القدم، وهي مساحة أكبر بـ 8 مرات من المساحة الإجمالية لجميع ملاعب كرة القدم ذات الحجم القياسي الدولي في سوريا.

وقد اكتسب سمعة سيئة بسبب استخدام التعذيب والقوة الوحشية فيه، وعقب ثورة الربيع العربي 2011، أصبح أكثر السجون التي تضم مئات الإسلاميين ومعارضي السلطة وأيضا لأفراد عسكريين اشتُبه في أنهم عارضوا النظام.

ووصفته صحيفة "الغارديان" 13 أغسطس 2016 بأنه أسوأ مكان على وجه الأرض".

فيما وصفته "أتلانتيك كونسل" 13 يوليو 2017، نقلا عن معتقلين خرجوا منه، بأنه "مسلخ بشري يتم إحضارك إليه لتموت".

ويعد سجن صيدنايا أحد أكثر السجون العسكرية السورية تحصينا، وينقسم إلى جزءين، الأول يُعرف بـ "المبنى الأحمر"، أو "سجن صيدنايا الأحمر"، وهو مخصص للمعتقلين السياسيين والمدنيين، خاصة الإسلاميين.

والثاني يعرف بـ "المبنى الأبيض"، سجن صيدنايا الأبيض، وهو مخصص للسجناء العسكريين" ومدنيين عاديين، والمبنيان يمكن أن يستوعبا فيما بينهما قرابة 20 ألف سجين، قبل أن يضاف لهما ملاحق ومبانٍ سرية أخرى تستوعب مئات آخرين.

وتأسس هذا المعتقل في ثمانينيات القرن الماضي، وأطلقت عليه "منظمة العفو الدولية" وصف "المسلخ البشري"، والسجن الذي "تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء".

وهذا السجن، هو أحد أكثر السجون العسكرية السورية تحصينا، ويقع قرب دير صيدنايا على بعد 30 كيلومترا شمالي دمشق، ومحصن بشدة لمنع دخوله أو الهجوم عليه ومع هذا فتحه الثوار.

ويتميز سجن صيدنايا بتصميم فريد يجعله أحد أشد السجون العسكرية تحصينا، ويتكون من 3 مبانٍ كبيرة تلتقي في نقطة يطلق عليها "المسدس".

ويتكون كل مبنى من 3 طوابق لكل منها جناحان، ويحتوي الجناح الواحد على 20 مهجعا جماعيا بقياس 8 أمتار طولا و6 أمتار عرضا، تتراص في صف واحد بعيدة عن النوافذ، لكن تشترك كل 4 منها في نقطة تهوية واحدة، وفق منظمات حقوقية سورية.

ونقطة "المسدس" هي منطقة تلاقي المباني الثلاثة، وهي النقطة الأكثر تحصينا في السجن، حيث توجد فيها الغرف الأرضية والسجون الانفرادية.

وفيها كذلك حراسات على مدار الساعة لمراقبة المساجين ومنعهم من مشاهدة أي ملمح من ملامح بناء السجن أو وجوه السجّانين.

وقد نقلت "منظمة العفو الدولية" عن ناجين من سجن صيدنايا العسكري قالوا إن عمليات الضرب تتم بشكل ممنهج ويومي، ويتعرض السجناء إلى ظروف لا تليق بالبشر، ومعاملة مهينة، إضافة إلى موت سجناء آخرين بشكل يومي. 

كما يحُرِم الكثير من الطعام والماء لمدد طويلة، ويُطبق الحراس، بشكل قاسٍ، نظاما يقضي بالتزام السجناء الصمت المطلق.

قالوا: "لا يُستخدم التعذيب من أجل انتزاع معلومات من السجناء، ولكن كما يبدو من أجل الحطّ من الكرامة الإنسانية، وإنزال العقاب، والإهانة".

"ويُستهدف السجناء بلا شفقة، وهم غير قادرين على "الاعتراف" لإنقاذ أنفسهم من مزيد من الضرب".

غرف الملح!

في أكتوبر/ تشرين أول 2022، نشرت "رابطة معتقلي ومفقودي معتقل صيدنايا" (ADMSP) تقريرا أثار ضجة عالمية، حيث كشف أن نظام الأسد يقوم بوضع المعتقلين في غرف ملح لتعذيبهم ثم تحنيط جثث الموتى منهم بالملح في سجن "صيدنايا".

أورد التقرير تفاصيل مروعة حول المعاملة القاسية للمعتقلين في السجن؛ حيث قضى أكثر من 30 ألف معتقل إما إعداما، أو نتيجة التعذيب، أو نقص الرعاية الطبية أو الجوع بين عامي 2011 و2018 في سجن صيدنايا.

تضمن التقرير تفاصيل التسلسل القيادي في السجن لأول مرة، وكشف المسؤولين عن ارتكاب عمليات التعذيب والقتل الواسعة والممنهجة للمعتقلين هناك، والتي ترقى إلى جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية.

وأورد الهرمية العسكرية وتسلسل القيادة والأوامر وتوزع المسؤوليات داخل أحد أكثر الأماكن سرية في البلاد، رصد جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية داخل المعتقل سيئ السمعة.

ووصف التقرير مخطط السجن ودفاعاته وهيكله الإداري بالتفصيل، وعلاقته مع باقي أجهزة ومؤسسات الدولة، وكيف تم تحصينه عمدا لصد الهجمات الخارجية المحتملة وقمع المعتقلين داخله.

أما غرف الملح التي تم فضح أمرها فكانت بمثابة مكان لحفظ جثث الضحايا ريثما يتم نقلها إلى مستشفى تشرين العسكري.

هي غرف تمتلئ أرضيتها بالملح بارتفاع نحو 20 إلى 30 سنتيمترا، وتستخدم لتعذيب المعتقلين نفسيا، كما توضع فيها جثث المعتقلين الذين قضوا نتيجة التعذيب أو التجويع.

ويُكتب رقم على كل جثة، وتوضع في الملح مدة 48 ساعة، ثم تنقل إلى مشفى تشرين العسكري بسيارة نقل المعتقلين لمعاينة الجثة وإصدار شهادة وفاة، ثم تُرسل إلى فرع السجون في الشرطة العسكرية ثم إلى المقابر الجماعية.

وقد تحدث التقرير عما أسماه "تراتبية لنقل الجثث" بعد عمليات الإعدام التي كانت تتم داخل السجن على مدى يومين في الأسبوع، ومن ثم دفنها في مقابر جماعية، حسب ما أورد التحقيق.

وكان يتم التعامل مع الجثث بطريقتين، إذ يوضح التحقيق أن "الجثث الناتجة عن الإعدام تنقل مباشرة إلى المقابر المذكورة بواسطة سيارات عسكرية يطلق عليها اسم سيارة اللحمة، أو في سيارات بيك أب".

أما الطريقة الثانية فترتبط بالجثث الناتجة عن سقوط الضحايا تحت التعذيب أو بسبب انعدام الرعاية الطبية وتجمّع في السجن، وهنا تدفن في غرفة أنشئت بعد 2011 تسمى بـ"غرف الملح".

في هذه الغرف كانت توضع الجثث ويكون على جبهة كل واحدة رقم وترش بالملح، ومن ثم تنقل بواسطة سيارة نقل المعتقلين إلى مشفى تشرين العسكري، الذي يقوم بمعاينتها وإصدار شهادة وفاة لها، إلى أن تنقل إلى فرع السجون في "الشرطة العسكرية".

وبعد عملية إصدار شهادة الوفاة يشير التحقيق إلى أن جثث المعتقلين ترسل للدفن في ثلاث مناطق هي: "نجها" و"قطنا" و"القطيفة ويشكل المدنيون، الذين تجرأوا على مجرد التفكير بمعارضة النظام السوري، الغالبية الساحقة من الضحايا.