هروب طاغية العصر.. سوريا تسدل الستار على 50 عاما من حكم آل الأسد
انتهى الحكم الدموي لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا
مع إشراقة صباح الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، طوى السوريون أكثر من 50 عاما على حكم آل الأسد وما يزيد عن 60 سنة من حكم حزب البعث، وأسدلوا الستار على عقود من القمع والإجرام والقتل والتعذيب.
وتمكنت فصائل المعارضة المسلحة من إنهاء حكم الأسد لشعبه بالحديد والنار بعد ثورة انطلقت قبل 13 عاما وتخللها جرائم لا تعد ولا تحصى للنظام المدعوم روسيا وإيرانيا.
وبذلك، انتهى الحكم الدموي لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي تولى السلطة في سوريا عام 1963، والذي دام 61 عاما، مع فقدان نظام بشار الأسد السيطرة على العاصمة دمشق.
وصل حزب البعث إلى السلطة في سوريا عبر انقلاب عام 1963، واستولى حافظ الأسد والد بشار، على السلطة في انقلاب داخل الحزب عام 1970 وأصبح رئيسا للبلاد عام 1971.
ومع وفاة حافظ، أصبح بشار الأسد رئيسا لنظام البعث عام 2000، وأكمل مسيرة والده في قتل وتعذيب الشعب السوري الذي ثار عليه عام 2011.
وضجت منصات التواصل الاجتماعي بالتكبيرات والتهليلات إعرابا عن السعادة بانتصار قوى الثورة السورية وإعلانها سقوط نظام الأسد، ودخولها العاصمة دمشق، وسط أنباء عن هروب بشار إلى قاعدة عسكرية روسية تمهيدا لانتقاله إلى موسكو.
إدارة العمليات العسكرية التي تضم فصائل معارضة أهمها "هيئة تحرير الشام"، قالت خلال بيان أصدرته في 8 ديسمبر 2024، إن "بشار الأسد هرب"، معلنة مدينة دمشق حرة من هذا “الطاغية".
وذكرت بأن "هذه اللحظة التي طالما انتظرها المهجرون والأسرى، لحظة العودة إلى الديار، ولحظة الحرية بعد عقود من القهر والمعاناة"، موجهة خطابها إلى المهجرين (السوريين) في أنحاء العالم كافة، دعتهم فيه إلى العودة إلى "سوريا الحرة".
وقالت إدارة العمليات التي دشنت معركة “ردع العدوان” في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، للتخلص من الأسد: "بعد 50 عاما من القهر تحت حكم البعث، و13 عاما من الإجرام والطغيان والتهجير، وبعد كفاح ونضال طويل ومواجهة كافة أشكال قوى الاحتلال، نعلن اليوم نهاية هذه الحقبة المظلمة، وبداية عهد جديد لسوريا".
وأشارت إلى أنه: "في سوريا الجديدة، حيث يتعايش الجميع بسلام، ويسود العدل ويقام الحق، ويعز فيها كل سوري وتصان كرامته، نطوي صفحة الماضي المظلم، ونفتح أفقا جديدا للمستقبل".
وتمكنت قوى الثورة من تحرير معتقلين من سجن صيدنايا المعروف بكونه مركزا للتعذيب في ريف دمشق بعد اقتحامه، وتداول ناشطون صورا ومقاطع فيديو توثق خروج مئات المعتقلين من السجن الذي كان مسلخا للمعارضين، معظمهم بدا عليهم آثار التنكيل والتعذيب على يد قوات النظام.
واحتفوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي إكس، وفيسبوك، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #سقط_الأسد، #سقط_الطاغية، #سوريا_حرة، #بشار_هرب، #بشار_الأسد، وغيرها، بسقوط النظام، متداولين صورا ومقاطع فيديو توثق فرحة السوريين.
واستحضر ناشطون كلمات ومواقف رموز وشهداء الثورة السورية التي انطلقت في 2011 لإسقاط الأسد ونظامه، وتمنوا أن يكونوا موجودين بينهم اليوم ليروا فراره وقدرة الثوار على تحرير بلادهم منه.
يوم تاريخي
وتفاعلا مع التطورات غير المسبوقة، قال الصحفي أحمد موفق زيدان: "اليوم سقط هُبل العصر، اليوم سقطت باستيلات العصور كلها، اليوم طُوي حزن نصف قرن، اليوم تتزين دمشق بالأخضر، اليوم سنحتفل احتفالا لا مثيل له، احتفالا خاليا من القتلة، احتفالا خاليا من السجون، احتفالا ملؤه الحرية الخالصة".
ووجه التحية "لأبطالنا ومجاهدينا، ولمن خط هذا النصر العظيم".
وأضاف: “اثنا عشر يوما هزّت أركان الطاغية وحاشيته وزبانيته وأسياده.. أيام من أيام الله تبارك وتعالى... هكذا انتزع المجاهدون حقهم بأيديهم.. فقد رأينا كفالة الله في الشام التي أخبرنا عنها نبينا عليه السلام.. فلك الشكر يا ربنا على ما أنعمت وفتحت على عبادك.. اللهم ارزقنا شكرك.”
وأكد الكاتب السياسي خليل المقداد، أن يوم 8 ديسمبر 2024، تاريخ جديد في حياة الشام والمنطقة، مباركا لكل حر وقف مع أهل الشام المستضعفين، وشاركهم آمالهم وآلامهم.
وقال أديب الشيشكلي، إن فجر الأحد 8 ديسمبر يوم تاريخي، عيد ميلاد سوريا الجديدة، كل عام والشعب السوري حر مستقل.
وعد الأكاديمي يحيى العريضي، قمة الحضارة؛ تحرير دمشق بلا قطرة دم، قائلا: "يا لعظمة سوريا وأهلها.. لنبدأ الحياة من جديد بلا استبداد". ووصف اليوم بأنه "يوم الاستقلال السوري الحقيقي".
وقال المحامي الكويتي ناصر الدويلة: “سقط النظام ومعه المشروع الإيراني العنصري وقبلها، أسقطت إيران كل مكاسبها التي تحققت من شعار جبهة المقاومة وكذلك أسقطت هيبة حزب الله وجردته من كل مكتسباته القومية والوطنية”.
وأضاف: "سيتم الآن تقليم أظافر حزب الله في لبنان وتجريده من سلاحه وتنتهي أكذوبة المقاومة، فقد كان حزب الله أملا لكل المقاومين، لكنه أبى أن يكون حزبا مقاوما واختار أن يوقف الحرب مع إسرائيل ويذهب لقتال الشعب السوري الثائر على أكبر عميل عرفه التاريخ".
وأكد الدويلة، أن حزب الله تحول إلى عصابه مجرمة لقتل الشعب السوري فكانت نهايته في مزبلة التاريخ فلا هو حافظ على هويته كمقاوم ولا دافع عن بلده.
وتابع: "على الباغي تدور الدوائر اليوم سيضطر حزب الله أن يسلم سلاحه للدولة اللبنانية وسيتحول إلى حزب سياسي خَصِيّ فاقد القوة المادية والشرف والسمعة".
وأوضح مسعود أكو، أن الحقيقة والواقع الآن أن نظام الأسد سقط ببعثه ومخابراته وجيشه وشبيحته، متمنيا أن يحافظ السوريون على مؤسسات الدولة والمقرات الحكومية والأملاك العامة والخاصة، وقبل كل شيء عدم الانتقام من أي إنسان.
ودعا لبداية عهد القانون لمحاسبة كل المجرمين، وبناء دولة لكل السوريين، قائلا: "عاشت سوريا.. وسقط الأسد".
وأشار ضياء الدين طلفحة، إلى أن 12 يوما فقط كانت كفيلة بإسقاط نظام بشار الأسد من قبل المعارضة السورية، مؤكدا أنه دفع ثمن انسياقه خلف روسيا وإيران وحزب الله لحمايته وأثبت أن روسيا وإيران وحزب الله هم من مددوا من عمر بقائه في السلطة منذ 2011 قبل أن يتخلوا عنه.
وحثّ السوريين على أن يتوحدوا وأن لا يتقاتلوا فيما بينهم وأن لا يسمحوا بتقسيم بلادهم وأن لا يتركوها للعنة الطائفية.
حفاوة وسعادة
وسلط ناشطون الضوء على مظاهر حفاوة وسعادة السوريين بإسقاط النظام وتمنوا أن يصبح ذلك عبرة لباقي حكام الأنظمة العربية.
وعرض السياسي والحقوقي عبدالكريم عمران، صورا ومقاطع فيديو توثق ذلك ومنها إسقاط تمثال حافظ الأسد والتبول على وجهه، مؤكدا أن أفضل ما في بشار، أنه صنع من الصور والتماثيل له ولوالده، ما فيه الكفاية لكل من يرغب في التبول والدوس عليها من أفراد الشعب السوري.
وأشار أستاذ الدراسات الشرعية وصفي أبو زيد، إلى أن أبناء الشعب السوري يسقطون تمثال المجرم حافظ الأسد، متسائلا: “هل يتعظ طغاة العرب؟!”.
رموز الثورة
وذكر ناشطون ببعض رموز الثورة السورية وشهدائها، أبرزهم الثائر عبد الباسط الساروت، لاعب كرة القدم، ومنشدها.
وانضم الساروت إلى ركب الثورة السورية منذ بدايتها في مارس/آذار 2011، وترك كرة القدم، وخرج في المظاهرات والاعتصامات بمدينته حمص.
وعرف بتصدره المظاهرات وهتافاته وأهازيجه وأناشيده، ولقب بـ"منشد الثورة"، و"بلبل الثورة"، و"جيفارا الثورة"، و"أيقونة الثورة"، و"حارس الثورة"، و"وجه الثورة الأسمر"، وكانت كلماته محفزة للمتظاهرين.
وأسس الساروت كتيبة "شهداء البياضة" وقاتل ضد النظام السوري، وشهد حصار حمص، ولاحقته الأجهزة الأمنية لكسر شعبيته.
وعرض عليه النظام تسوية أمنية ورفضها، وأصيب مرات عدة، وهجّر إلى الشمال وبقي على الجبهات إلى أن أصيب وقتل يوم 8 يونيو/حزيران 2019.
وعرض أنس حبيب، صورة الساروت، قائلا: "أبو جعفر البطل ما نسيناك يا رمز الثورة يا حارسها البطل نفذنا وصيتك وسجدنا شكرا لله.. كان نفسي تكون معنا بهل الفرحة بس ربنا بحبك واخترلك الشهادة إن شاء الله بتكون مبسوط معنا وأنت بالجنة".
ونشر عبدالرحمن السروجي، صورة للساروت، وأخرى للمجاهد عبدالقادر صالح الملقب بحجي مارع وأبو محمود، والذي صعد من تاجر للحبوب والمواد الغذائية إلى متظاهر ضد النظام، في بلدته "مارع" في ريف حلب الشمالي، ثم إلى "حجي مارع" مع بدء حمل السلاح.
وأسس مارع لواء التوحيد واصبح القائد العسكري له حتى توفي في 18 نوفمبر 2013 متأثرا بجراحه نتيجة غارة جوية للنظام، وعلق السروجي على صورتي الساروت ومارع قائلا: "انتصرت الثورة يا حجي مارع، يا متواضع، يا طيب القلب، يا ابن البلد، يا صاحب القلب الحنون، والعقيدة الثابتة القوية".
وأضاف: "انزاح الظالم يا حارسنا الساروت، يا صوتنا الحر المبحوح اللي بيشبهنا، سوريا جنة فعلا، وتحررت كلها وصارت إلنا.. انزاح الظالم يا حارسنا الساروت، يا صوتنا الحر المبحوح اللي بيشبهنا".
وعرض حسن جاركس، صورة لجدار مرسوم عليه علم الثورة السورية، ومكتوب عليه عبارة "السلام على أرواحكم يا شهداء ثورة الكرامة"، موضحا أنه وضعها غلاف لصفحته منذ سنين طويلة.
ودعا لشهداء الثورة السورية قائلا: "رحمات الله تجللكم.. جزاكم الله عنا جنات عرضها السموات و الأرض أعدت للمتقين.. سوف نحكي قصصكم على امتداد الدهر.. ونجعلها حكايا النوم لأطفالنا ومدار أحاديث ذكرياتنا".
وأضاف جاركس: "الساروت .. الصالح .. أبو فرات .. ومئات الآلاف ممن لا نعرف قصصهم ولكننا نعيش اليوم ثمرة تضحياتهم.. السلام والمجد والرحمة لكل من مات كي نحيا بكرامة".
ونشر الكاتب ياسر الزعاترة، صورة للطفل السوري حمزة الخطيب (13 سنة) الذي توجه في 25 يونيو/ حزيران 2011، رفقة آخرين من المواطنين والثوار، من بلدتهم "الجيزة" لفك الحصار الذي فرضته مليشيات الأسد الطائفية آنذاك على أهل درعا، ليتم اعتقاله عند حاجز يتبع لأحد الأفرع الأمنية، قرب مساكن صيدا العسكرية.
ونقل إلى فرع إدارة المخابرات الجوية السورية بدرعا، وحسب تقرير نشره موقع سي إن إن الأميركي مطلع يوليو/ تموز 2011، فإن "حمزة كان معتقلا، وشاهده أقاربه في السجن وكان بصحة جيدة حينها، حيث توسلوا إلى رجال الأمن كي يفرجوا عنه، غير أن الشرطة طلبت من أقاربه العودة بعد يومين، بعدما وعدوهم بالإفراج عنه".
وأضاف التقرير: "عندما ذهب والدا حمزة إلى السجن للإفراج عن ولدهما، طلب منهما عناصر الأمن التوجه إلى المستشفى، وهناك عثرا عليه جثة هامدة، وعندها رأته والدته على هذه الحالة أصيبت بانهيار عصبي، أما والده فتحطم تماما".
وعلق الزعاترة على صورة الخطيب، قائلا: “صباح الخير يا حمزة الخطيب.. صباح الخير أيها الوجه البريء الجميل.. لروحك التي ترفرف في رحاب ربّها ألف سلام.. ها إن الطاغية الذي ولغ في دمك ومزّق جسدك يفرّ مذعورا مثل فأر.. وها إن دمك الذي أشعل الثورة يزهر حريّة وأملا.. سلام الله عليك وعلى من التحقوا بك من الشام وغزة. سلام عليكم أجمعين".
مسلخ صيدنايا
وأثنى ناشطون على تحرير قوى الثورة السورية للأسرى وفك قيودهم وإعلان نهاية حقبة الظلم في سجن صيدنايا، مذكرين بالجرائم التي ارتكبها النظام داخل هذا المعتقل، وتداولوا مقاطع فيديو توثق اللحظات الأولى لخروج المعتقلين منه.
ورأى الباحث عبده فايد، أن كل التقدم السوري في كفة.. وتحرير صيدنايا وإطلاق المعتقلين منه في كفة.
وقال: "أنتظر هذا اليوم كما لو كنت أنا من سيتحرر.. صيدنايا مسلخ.. معتقلون تمت خوزقتهم بمعنى الكلمة، بنات وسيدات انتهكت أعراضهن على مرأي ومسمع من رجال بشار.. غرف ملح تتحلل فيها رفات مئات الشهداء".
وأضاف أن "صيدنايا هي الخيال الذي حتى لم يأت للشيطان ولكنه جاء للأسد وزبانيته.. وفعلا تمنيت لو أن بشار رجل بما فيه الكفاية ليبقى في سوريا ويواجه مصيره، لقتله الأهالي ألف مليون مرة وخلعوا أسنانه ولحمه قبل عظامه.. حتى يذوق واحدا على مليار مما فعله في المعتقلين".
وأكد فايد، أن "بشار الأسد كأبيه ونسبه.. جرذ بالوعات.. سيفر إلى طهران حيث يعيش تحت حذاء أصغر عسكري إيراني بلا كرامة أو شرف.. يوم سقوط صيدنايا هو يوم حرية سوريا".
ونشر مدير فريق إحسان الخير في الشمال السوري أحمد عبدالله أبو محمد، مقطع فيديو من غرفة المراقبة في سجن صيدنايا المحرر، مؤكدا أنه "أحقر سجن في العالم".
وأوضح رئيس تحرير صحيفة المصريون جمال سلطان، أن الثوار سيطروا على سجن "صيدنايا" الرهيب، أشهر مسالخ الطاغية بشار الأسد، المعتقل صاحب السمعة المخيفة والمرعبة، والذي كان قبرا للتعذيب والهمجية والوحشية، يديره وحوش بلا قلب ولا آدمية، من دخله مات وهو حي.
وأشار إلى أن السوريين جميعا داخل سوريا وخارجها طوال ليلة أمس كانوا ينتظرون خبرين اثنين: خبر رحيل بشار أو مقتله وخبر تحرير سجن صيدنايا، لافتا إلى أن الثوار حرروه قبيل الفجر وأطلقوا جميع المعتقلين، وجدوا أحدهم فاقدا للذاكرة، لا يعرف اسمه ولا اسم مدينته.
وقال سلطان: "لعنة الله على بشار وأبيه وكل من دافع عنه أو برر له أو تلمس له الأعذار ولو بشطر كلمة".