قضايا حساسة.. كيف تتعامل تركيا مع التطورات الجديدة على الساحة السورية؟

محمود مصلحان | منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

منذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تستمر الاشتباكات في سوريا بين الجماعات المعارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام” وقوات رئيس النظام بشار الأسد. 

ومن خلال شخصيات رفيعة المستوى، أعلنت تركيا أنها تتابع عن كثب التطورات الحاصلة في سوريا، سواء من خلال القنوات الدبلوماسية أو الاستخباراتية، كما تتابع عن كثب علاقاتها مع الجماعات المعارضة، خاصة "الجيش السوري الحر".

نقاط إستراتيجية

وفي التصريحات التي ذُكرت عدة مرات في اجتماعات مجلس الأمن القومي التركي، أُكد على أن أنقرة "تدعم تماما الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، وأنه لن يُسمح للجماعات الإرهابية بالعمل داخل الأراضي السورية".

وفي اجتماع مجلس الأمن القومي الذي عُقد في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2024، رُكز على هذا الموضوع بشكل خاص في الوقت الذي كانت تستمر فيه الاشتباكات.

وفي البيان الصادر عن الاجتماع، جاء التالي: "لقد أظهر النظام مجددا أنه يجب عليه التوصل إلى اتفاق مع شعبه وقوى المعارضة المشروعة". 

وتابع: "كما نؤكد على أن بلدنا يدعم دائما بقوة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها، وأنه مستعد لتقديم الإسهامات المطلوبة كافة".

ومن ناحية أخرى، أكد البيان أنه "لن يُسمح للجماعات الإرهابية التي تحاول الاستفادة من بيئة عدم الاستقرار بالتمكن من تحقيق أهدافها، وأنه سيُقضى على التهديدات كافة التي تستهدف أمن تركيا القومي وشعبها".

من جانب آخر، أعلنت تركيا أنها لم تتدخل بشكل مباشر في النزاع، لكنها تواصل اتصالاتها الدبلوماسية مع شركائها في عملية "أستانا"، روسيا وإيران. 

ومن القضايا الحساسة التي تتابعها تركيا في هذا السياق هي إمكانية دخول وحدات حماية الشعب إلى النقاط الإستراتيجية التي تركها النظام السوري، واحتمال بدء حركة هجرة جماعية جديدة نحو حدود تركيا بسبب النزاع.

وفي 6 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن موقفه بشكل واضح لأول مرة، قائلا: "إدلب وحماة وحمص، والهدف بالطبع هو دمشق.. هذه المسيرة مستمرة من قبل المعارضة.. نأمل أن تستمر هذه المسيرة في سوريا بشكل آمن ودون حوادث".

وأضاف أردوغان: "لقد وجهنا دعوة إلى الأسد، وقلنا له: تعال، دعنا نحدد مستقبل سوريا معا.. لكن للأسف، لم نحصل على إجابة إيجابية في هذا الشأن".

ومع سيطرة الجماعات المعارضة على حلب والمناطق المحيطة بها، هناك توقعات عالية بعودة السوريين المقيمين في تركيا إلى تلك المناطق.

وفي هذا السياق، أعلن وزير الداخلية، علي يرلي كايا، أن "مليونا و247 ألفا و432 من بين 2 مليون و938 ألف سوري في تركيا هم من حلب"، مضيفا أنه "في عام 2024، عاد شهريا 11 ألفا و453 شخصا".

وتابع وزير الداخلية: "إذا كانت هناك بيئة آمنة ومستقرة في حلب، فسيكون هناك توجه كبير للعودة من هنا إلى هناك".

صراع السلطة

وبالحديث عن المناطق التي سيطرت عليها المعارضة، قال الجنرال أحمد رحال، من المعارضة السورية: "العملية التي تستمر في غرب حلب والمناطق المحررة، بدعم من تركيا، تهدف إلى عودة الناس واللاجئين إلى منازلهم، يمكن أن يعود 2.5 مليون لاجئ من تركيا إلى هذه المناطق مثل خان شيخون ومعرة النعمان".

وفي هذا الصدد، يُشار إلى أن "تركيا لطالما عملت على تطوير سياسات مختلفة لمنع السوريين الذين علقوا في منطقة إدلب من التحرك نحو موجات هجرة جديدة، فلمنع انتقال سكان المنطقة إلى تركيا، أنشأت البلاد عشرات الآلاف من المساكن". 

وفي الوقت الحالي، لا تشكل التطورات في حلب وحماة وتل رفعت وحمص موجة هجرة معاكسة لتركيا. 

بل على العكس، تبرز وسائل إعلام تركية إزالة العقبات أمام السوريين المقيمين في تركيا للانتقال إلى تلك المناطق.

ومنذ بدء الحرب الأهلية في سوريا، شهدت البلاد صراعا بين قوى مختلفة على التفوق الميداني.

وفي الأيام الأخيرة، كانت التطورات تشير إلى أن الجماعات المعارضة حققت تأثيرا كبيرا على الخريطة الميدانية في سوريا.

ومن المعروف أن تركيا لن تقبل بتعزيز قوة حزب العمال الكردستاني "PKK" في سوريا وجناحه الوحدات الكردية "YPG" أو وحدات حماية الشعب "PYD" أو قوات سوريا الديمقراطية "SDF" في المنطقة.

وتشير التقارير إلى أن الصراع حول السلطة في المنطقة سيستمر بين ثلاث قوى؛ نظام الأسد والمعارضة والجماعات التي تعدها تركيا "إرهابية".

وفي هذا الصدد، أشار خبير العلاقات الدولية، عبد الله آيدين، إلى أنه "في البداية، لم يكن أحد يتوقع حدوث تغييرات سريعة بهذا الشكل".

وقال آيدين: "ربما لم يتخيل حتى قادة الجماعات المعارضة تحت قيادة هيئة تحرير الشام أن مدينة حلب ستسقط في غضون يومين". 

وأضاف: “هذا الوضع خلق بيئة جديدة، فقد سقطت حماة، والآن حلب في الانتظار، والسؤال هنا: من سيقول توقف؟ أو هل سيتوقف أحد؟”

واستطرد: "إن المعارضة تقول هدفنا دمشق، لكن إذا تصاعدت الهجمات على حمص وقطعت دمشق عن طرطوس واللاذقية، يقول البعض إن روسيا ستتدخل وتوقف ذلك، ولكن يجب النظر في المدى الذي يمكن أن تتحمله روسيا من حيث القوة التي تمتلكها وما يمكنها فعله في هذا الصدد".

تحديات متعددة

ومن ناحية أخرى، أوضح آيدين أن "القضية الأساسية في سوريا هي أن روسيا، بسبب مشاكلها الداخلية مثل قضية أوكرانيا، قد خفضت من تركيزها على سوريا". 

ومن جهة أخرى، قال إن "إيران تواجه تحديات متعددة، بما في ذلك استمرار الصراع مع إسرائيل، ودعمها للمقاومة، بالإضافة إلى مشاكل داخلية مثل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصراعات الدينية".

وأضاف أن "الشعب الإيراني يعاني من مقاومة ضعيفة بسبب سنوات من الحصار والعزلة"، مشيرا إلى أن "القادة الدينيين الذين قتلوا في الهجمات الإسرائيلية قد أصبحوا شخصيات دينية مهمة، مما أدى إلى توتر في البلاد".

وبالنسبة للسيناريوهات المحتملة في المنطقة، أشار آيدين إلى أن "نظام الأسد بذل قصارى جهده للبقاء في السلطة، بما في ذلك تسليم بعض الأراضي إلى روسيا أو حتى قبول التوسع الشيعي رغم اعتراضاته". 

ولفت إلى أن “هناك أيضا قضية الأكراد الذين كان الأسد لا يعدهم مواطنين في سوريا، بينما كان في نفس الوقت يسمح لحزب العمال الكردستاني”.

وتابع آيدين بالقول: "في الحرب الأهلية، عززت وحدات حماية الشعب مكانتها بدعم من الولايات المتحدة، التي استثمرت بكثافة في هذه القوات، حيث يُقال إن الولايات المتحدة أنفقت حتى الآن نحو 60 مليار دولار".

وتابع: "ومع بدء العمليات العسكرية في حلب، تعرضت وحدات حماية الشعب لهزيمة على يد الجيش السوري الحر، كما فقدت مناطق مثل تل رفعت التي كانت تحاول حماية نفسها منها مع التحالف الروسي-الأميركي الذي كان يمنع تركيا من القيام بعمليات عبر الحدود".

أما عن الإجابة على السؤال "من سيفوز؟" في هذه المعادلة الجديدة، فقد أشار آيدين إلى أن "الوضع لا يزال غير واضح". 

ولإيجاد الإجابة، لفت الخبير إلى أنه "من المهم النظر في الوضع الذي كان موجودا قبل بداية الاشتباكات؛ حيث كان أمن إسرائيل في أعلى مستوى، كما كانت تستطيع قصف أي مكان تريده بسهولة، لأن الديناميكيات وموازين القوى في المنطقة تسمح بذلك".

بالإضافة إلى ذلك، كانت الولايات المتحدة تسيطر على ما يقرب من ثلث الأراضي السورية من خلال “قوات سوريا الديمقراطية”، كما كانت تتمتع بحرية في إدارة مصادر النفط في سوريا ولها تأثير كبير على هذه المصادر.

علاوة على ذلك، كانت الولايات المتحدة قادرة على التأثير على القضايا التركية مثل أمن الحدود والهجرة والاقتصاد.

وأكمل آيدين: "ربما يكون نظام الأسد قد بدأ بالتقارب أكثر مع إسرائيل وواشنطن من خلال التنسيق العربي، لكننا لا نعلم على وجه اليقين إذا كان هذا قد بدأ بالفعل، في ظل التقارير التي تفيد بانسحاب بعض المليشيات الشيعية من بعض مناطق الصراع، وعودة الأسد إلى الجامعة العربية قد تكون مؤشرا على ذلك".

ولكن، في نفس الوقت، نوه الخبير إلى تقارير تفيد بأن "الأسد رفض عرضا أميركيا يتعلق بطريق المساعدات إلى حزب الله، مما يوضح التعقيدات في المعادلة الحالية". 

كما أشار إلى أن "نظام الأسد قد سلم أخيرا السيطرة على مدينة دير الزور شرق سوريا إلى حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب".

تعقيد متزايد

وعلى جانب آخر، أعلنت روسيا وإيران، اللتان تشتركان في نفس المعادلة في سوريا بسبب مصالحهما، عن متابعة التطورات الأخيرة عن كثب.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا إن "وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، الدول الضامنة، على اتصال وثيق".

وصرحت السفارة الروسية في دمشق قائلة: "نظرا للظروف العسكرية والسياسية المتزايدة في التعقيد، نذكر مواطنينا في سوريا بأن لديهم إمكانية مغادرة البلاد".

وأضافت أن "تقدم المعارضة السورية قد أدى إلى مرحلة جديدة في المعادلة في مدينة طرطوس، التي تُعد منفذ روسيا على البحر الأبيض المتوسط". 

من جانبه، أشار الإعلام التركي إلى أن "روسيا، التي كانت قد قدمت دعما كاملا لنظام الأسد في السابق، قد انسحبت حاليا من أهم قاعدة بحرية لها في سوريا".

ويمكن تفسير هذا على أن روسيا تتعامل بحذر مع الوضع في المنطقة، خاصة في ظل تطورات علاقاتها مع أوكرانيا والرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب.

أما بالنسبة لإيران، فإن تطورات ديناميكياتها الداخلية وصراعها مع إسرائيل تُعد من العوامل التي تعيق تركيزها الكامل على الساحة السورية.

وفي تقييمه لخط روسيا-إيران في سوريا، قال رئيس حزب "الاستقلال" والضابط السابق في جهاز الاستخبارات التركي، يانير بوزكورت، لإحدى وسائل الإعلام إن "خط طرطوس في سوريا حيوي بالنسبة لروسيا، بينما تُعد سوريا مكانا رئيسا لإيران في تصدير التشيع".

وأضاف السياسي: "كما علمنا من وسائل الإعلام، فإن إيران ترسل أعضاء من مليشياتها إلى المنطقة".

وتابع بوزكورت قائلا: "نهاية هذا الصراع قد تعني، إذا سقطت دمشق، بداية الحرب العالمية الثالثة. فروسيا وإيران لن يظلوا متفرجين على هذا الوضع، بوتين قد أرسل بالفعل رسالة نووية".

وأكد على أن "المعارضة إذا دخلت إلى قصر الأسد في دمشق، فلن يكون هناك مقاومة وسيهرب الأسد".

وأضاف أنه "إذا سقطت دمشق، ستتهاوى سوريا وستظهر دول مختلفة مثل الدولة السنية والشيعية والنصيرية".

وفي رأي بوزكورت، يمكن القول إن إيران وروسيا "لن تظلا صامتين، حتى لو كان الثمن باهظا".