"عصا" للقضاة أم "جزرة" لـ"بيبي” .. لماذا هدد ترامب الإسرائيليين لو حاكموا نتنياهو؟

إسماعيل يوسف | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

للمرة الأولى في تاريخ قضاء الكيان الإسرائيلي، يقف القضاة في موقف حرج، بعد تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل مباشر في شؤونهم، وطالب بإغلاق ملف التحقيق في فساد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ترامب لم يكتف بمطالبة القضاة والسياسيين الإسرائيليين بوقف محاكمة نتنياهو، مرتين، بل وهددهم، بتعليق المساعدات العسكرية لو حاكموا رئيس وزرائهم "الفاسد".

وهو ما دفع قضاة المحكمة الذين رفضوا طلب نتنياهو تأجيل المحاكمة أسبوعين للرضوخ، وتأجيلها بحجة انشغاله في "قضايا مصيرية".

الحديث يدور في الإعلام العبري عن أن تدخل ترامب للدفاع عن نتنياهو والمطالبة بإنهاء محاكمته ربما له صلة بدعوته له لإبرام اتفاق في غزة وتهديده ضمنا بأنه المعيق لوقف إطلاق النار في القطاع.

أو أن ترامب ينسق هذه الحملة مع نتنياهو لأسباب “خبيثة” غير معروفة؛ لأن لديه خططا للمنطقة يرى أن نتنياهو هو الأقدر على تنفيذها بعدما نجح في خلخلة أمن إيران وحل مشكلة برنامجها النووي ضمنا، وقد يرغب في استكمال العدوان عليها.

فهل هدف ترامب هو إشهار "العصا" أمام المحكمة حتى تتبنى "نموذج ترامب" في أميركا، بأن توقف محاكمة نتنياهو، كما حدث معه، من قبل المحكمة العليا الأميركية.

وبحجة أن ما يفعله الإسرائيليون مع رئيس وزرائهم، كان هو نفس ما فعله الأميركيون مع ترامب من محاكمات، أسماها هو "مطاردة الساحرات" ثم تم إلغاؤها.

أم أن هدف ترامب هو الرغبة في الإبقاء على نتنياهو، وملاعبته بـ"جزرة" محاولة إنقاذه من المحاكمات، مقابل غلق ملف غزة وإبرام اتفاق مع حماس والانصياع لأوامره أو يهدد الإسرائيليين بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية؟.

“نموذج ترامب”

مثلما فعل ترامب مع القضاء الأميركي، وظلّ يهاجم قضاة عدة محاكم أدانوه في قضايا فساد وتلاعب بالانتخابات وتمرد، وأطلق على المحاكمات اسم "مطاردة الساحرات"، ليظهر كضحية.

ثم انتهى الأمر بمجاملة المحكمة العليا، التي عين 3 من أعضائها، له، والحكم عام 2024، بالأغلبية بأن ترامب - وغيره من الرؤساء - يتمتعون، بحصانة من الملاحقة الجنائية على أفعالهم أثناء توليهم مناصبهم. 

ويبدو أنه قرر التدخل وتطبيق نفس هذا النموذج مع نتيناهو، فأعلن أن الولايات المتحدة "لن تتسامح" مع استمرار محاكمة نتنياهو بتهم فساد، ولوح بأن واشنطن قد تعلق ما تنفقه من مليارات الدولارات سنويا لدعم إسرائيل.

https://pbs.twimg.com/media/Gul9iWkXIAA-_pP?format=jpg&name=large

وأشار ترامب إلى أوجه تشابه بين ملاحقة نتنياهو قضائيا وقضاياه الشخصية، على غرار ما قال: إنه واجهه قُبيل فوزه بولاية ثانية.

وقال: "إنها ملاحقة سياسية، تشبه إلى حد كبير مطاردة الساحرات التي أجبرت على تحملها.. إنه جنون ما يفعله المدعون العامون الخارجون عن السيطرة مع بيبي (نتنياهو)".

وكان ترامب قد أُدين في مايو 2024 بـ34 تهمة تتعلق بتزوير سجلات تجارية في قضية دفع أموال لشراء صمت نجمة أفلام إباحية، كما يواجه قضيتين فيدراليتين، إحداهما على خلفية محاولات لإلغاء نتائج انتخابات 2020.

أما نتنياهو وُجهت إليه عام 2019 تهم بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وهي تهم ينفيها جميعا، ووصف محاكمته بأنها "حملة شعواء يسارية مُدبرة تهدف إلى الإطاحة بزعيم يميني منتخب ديمقراطيا".

ويواجه اتهامات في ثلاث قضايا، تشمل تلقيه وزوجته سارة هدايا فاخرة تُقدر بأكثر من 260 ألف دولار، من أثرياء مقابل تقديم خدمات سياسية، إضافة إلى محاولاته الحصول على تغطية إعلامية لتلميع صورته من مؤسستين صحفيتين إسرائيليتين.

وأشار المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، في 26 يونيو/حزيران 2025، إلى أن نتنياهو يحاول من خلال تدخل ترامب دفع المحكمة إلى تبني نموذج ترامب، بأن توقف محاكمته.

وقال: "من خلال محاولته هذه جند نتنياهو إلى جانبه ترامب، كي يبتز الأخير بتهديداته جهاز القضاء الإسرائيلي وإنهاء الإجراءات الجنائية ضده".

وأوضح برنياع أن إصرار نتنياهو على عدم التنحي بعد تقديم لائحة الاتهام ضده، تسبب بضرر بالغ في مكانة جهاز القضاء، وسيطرة أفكار الأحزاب الكاهانية الفاشية على المؤسسة السياسية، وانقسام داخلي على عتبة حرب أهلية". 

وحذّر من أن محاكمة نتنياهو، بعد تدخل ترامب، "تهدد بتحويل الدولة كلها إلى جمهورية موز"، بعدما أحضر نتنياهو رئيسا الموساد والاستخبارات العسكرية إلى جلسة مغلقة في المحكمة من أجل إلغاء جلسات محاكمته.

وقال برنياع: "تُدار المحاكمة بمداولات لا نهائية، وتأجيلات مبررة ومصطنعة، ومسرحيات كاذبة في وسائل الإعلام، وفقدان القضاة السيطرة، وتصرف استعلائي من جانب المتهم ومحاميه".

وتابع: “السبب هو ترامب، الذي يقدم لنتنياهو نموذجه أمام المحاكم الأميركية، حيث لم يتصرف في محاكمته كمتهم، وإنما كشخص فوق القانون، وفعلا، بعد فوزه في الانتخابات تم إلغاء جميع التهم ضده، وحظي بحصانة، ونتنياهو يتوق لهذه النتيجة”.

غزة مقابل البراءة

وكانت تصريحات ترامب واضحة قال فيها: "لولانا لما صمدت إسرائيل، دعونا من قضية هامشية مثل قضية محاكمة نتنياهو، كي نمضي إلى ما هو أهم بكثير، فهناك صفقات كبيرة مهمة نستطيع تحقيقها".

ويعتبر محللون إسرائيليون أن "هذا دليل على أن تدخل ترامب في المحاكمة له أهداف أبعد مدى تتعلق بصفقات مقبلة مثل غزة وانضمام دول أخرى لاتفاقيات أبراهام التطبيعية".

لذا يرجح بعضهم أن يضطر المسؤولون في إسرائيل إلى الرضوخ لطلب ترامب في العفو عن نتنياهو، وعده بطلا منتصرا ومنقذا لإسرائيل.

فهذا هو ما قاله لهم ترامب: "إننا انتصرنا، فلا تخربوا فرحة النصر بمحاكمة نتنياهو، حتى تكون النهاية سعيدة، فهناك ما يجب القيام به".

والهدف أن ترامب يريد وجود رئيس حكومة بلا مشاكل تستطيع الحكومات العربية التعامل معه في تطبيع أو توقيع اتفاقات سلام جديدة، كالتي يريدها.

وقد أشار لهذا زعيم المعارضة يائير لابيد بقوله: "أعتقد أن ترامب يفعل ذلك كتعويض لنتنياهو مقابل إنهاء الحرب في غزة"، بحسب "يديعوت أحرونوت" في 29 يونيو 2025.

وكشفت صحيفة "هآرتس" في 30 يونيو 2025، أن الرسالة الهجومية، التي وجهها ترامب ضد محاكمة نتنياهو، كانت بتنسيق مسبق بينهما، لمبادلة تبرئته بصفقة في غزة تنهي حروب إسرائيل.

وذكر المحلل العسكري للصحيفة، عاموس هرئيل، أن :هذا التنسيق بينهما جاء ضمن محاولة لربط إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الأسرى بوقف محاكمة نتنياهو، دون أن يضطر لدفع الثمن السياسي لأي صفقة محتملة للإقرار بالذنب".

هرئيل قال: إن نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، يعمل على استغلال العلاقات مع ترامب لتوظيف "الإنجازات العسكرية" الأخيرة ضد إيران كورقة ضغط على القضاء الإسرائيلي لإنهاء محاكمته دون إدانة أو اعتراف بالذنب، وأنه يواصل تأجيل ملف الأسرى لأجل حل أزمته أمام القضاء.

وأضاف أنه فيما يسعى ترامب إلى تعزيز الإنجاز في إيران لصالح إنهاء الحرب في غزة، وإعادة المخطوفين، وتطبيع علاقات إسرائيل مع السعودية، والأكثر أهمية محاولة الفوز بجائزة نوبل لنفسه، طلب منه نتنياهو: "ساعدني في التخلص من المحكمة".

 وهو ما فعله ترامب واستجاب، من خلال تصريحات عدوانية، حتى أنه هدد بوقف المساعدات العسكرية لإسرائيل، إذا استمر "هذا الجنون"، أي محاكمة نتنياهو، كما قال.

وقد انتقد لابيد تدخل ترامب في القضاء، مؤكدا أنه "لا ينبغي أن يتدخل في محاكمة قضائية في دولة مستقلة".

وكان لافتا في تهديد ترامب قوله: "إنه لأمر فظيع ما يفعلونه في إسرائيل، نتنياهو، إنه بطل حرب، ورئيس وزراء قام بعمل رائع بالتعاون مع الولايات المتحدة لتحقيق نجاح كبير في التخلص من التهديد النووي الخطير في إيران".

ثم أكمل قائلا: "والأهم من ذلك، أنه (نتنياهو) بصدد التفاوض على صفقة مع حماس، والتي ستتضمن استعادة الرهائن"، ما يشير إلى تفسير أنه يريد إنقاذه من المحاكمة مقابل صفقة وقف العدوان على غزة.

ورأى هرئيل أنه "حتى لو فشلت خطوة نتنياهو الجديدة بواسطة ترامب، فإنه سيحاول ترسيخ شعور بالظلم لدى مؤيديه حول دولة عميقة كأنها تنكل به".

فهو ينظر إلى نفسه على أنه "المخطوف الـ51" إضافة إلى الأسرى الإسرائيليين الخمسين في قطاع غزة.

أسباب التأجيل

وبعد ضغوط ترامب وافقت المحكمة المركزية في القدس، في 29 يونيو 2025،  على طلب نتنياهو، تأجيل الإدلاء بشهادته لمدة أسبوعين، في إطار محاكمته الجارية بتهم فساد.

ومنذ عدة أشهر يمثل نتنياهو مرتين أسبوعيا أمام المحكمة للرد على اتهامات موجهة إليه في قضايا فساد، ولكن الجلسات توقفت خلال العدوان على إيران، والذي بدأ في 13 يونيو واستمر 12 يوما.

وقالت القناة 13: "بعد أن رُفضت مرتين طلباته لإلغاء إفادته خلال الأسبوعين القادمين، حضر نتنياهو جلسة سرية في محكمة القدس المركزية برفقة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) شلومي بندر، ورئيس الموساد، ديفيد برنياع، في محاولة لإقناع المحكمة".

وأوضحت القناة أن قضاة المحكمة "قرروا قبول الطلب جزئيا، وأعلنوا عن إلغاء جلستي استماع لإفادة نتنياهو كانتا مقررتين يومي 14 و16 يوليو/تموز 2025، بعدما ربط نتنياهو أسباب عدم تمكنه من الحضور بـ"قضايا مصيرية".

وترجح صحف عبرية أن الأسباب الكامنة وراء إلحاح نتنياهو على تأجيل المحاكمة، اثنين، الأول يتعلق باحتمالية التوصل إلى صفقة في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.

وبموازاة توسيع اتفاقيات التطبيع لتشمل دولا مثل السعودية وسوريا أو إندونيسيا وماليزيا كما تدعي تل أبيب، خاصة بعد ترويج الاحتلال "قصة الائتلاف الإسرائيلي للأمن الإقليمي"، و"خطة درع أبراهام" مع 10 قادة عرب.

والثاني هو احتمال المبادرة إلى تصعيد عسكري ربما في لبنان أو اليمن، وقد يكون استئناف الحرب على إيران، وكلها احتمالات واردة، ورجحتها مصادر إسرائيلية وأميركية، بل وإيرانية.

ويقول محللون فلسطينيون: إن الضجة المثارة في إسرائيل حول محاكمة نتنياهو تثير الاستغراب، وهدفها التضليل عن جرائمه الحقيقية.

المحلل الفلسطيني سهيل كيوان، شرح ذلك بوصفه محاكمة نتنياهو بأنها "قضية تافهة".

وأكد كيوان أن "نتنياهو مطلوب للجنائية الدولية كمجرم حرب، فماذا تعني محاكمته على فساد وسجائر وشمبانيا لإثبات عدالة غير موجودة أصلا في دولة الاحتلال!".

وأوضح في تحليل نشره بموقع “عرب 48” في 29 يونيو 2025، أن محاكمة نتنياهو "تحولت إلى مهزلة؛ لأنها محاكمة لمجرم حرب، في ذمته أرواح عشرات الآلاف من المدنيين والأطفال، ولكنه يُحاكَم على رشوات تافهة!".

واستغرب محاكمته على "زجاجات شمبانيا وبضعة ملايين من الدولارات"، ووصفها بأنها "قمة المهزلة، فهي قضية تافهة مقارنة بما يجري على أرض الواقع".

وقال كيوان: إن "ترامب يريد إسدال الستار على حقبة نتنياهو، حتى يستطيع التعامل مع حكومة أو رئيس حكومة أكثر مرونة، متحررا من الحسابات الشخصية التي تعيق كل مبادرة لوقف الحرب في غزة يقترحها ترامب أو مبعوثة ستيف ويتكوف".