الفوز التمهيدي لزهران ممداني.. لماذا أثار غضب تيار ترامب وصهاينة أميركا؟

إسماعيل يوسف | منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

"كان (رئيس جنوب إفريقيا الراحل) نيلسون مانديلا يقول: إن الأمر يبدو دائمًا مستحيلًا حتى يتم إنجازه، وها أنا نجحت وانتهى الأمر بفضل دعمكم أصدقائي، ويشرفني أن أكون مرشحكم لمنصب عمدة مدينة نيويورك".

كان هذا تعليق "زهران ممداني"، بعد الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، لانتخابات رئاسة بلدية نيويورك، والتي فاز فيها بالفعل.

جاء تصريحه بعدما صدم اللوبي الصهيوني والعنصريين من تيار الرئيس الأميركي دونالد ترامب "ماغا"، وفاز بترشيح حزبه لمنصب عمدة أهم مدينة أميركية.

فوز المرشح المسلم (من أب شيعي وأم هندوسية)، المناصر للقضية الفلسطينية، متفوقا على حاكم الولاية السابق، أندرو كومو، والمرجح فوزه بمنصب العمدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، معناه أنه أول مسلم سيتولى هذا المنصب في تاريخ نيويورك.

إذ يفوق عدد الديمقراطيين المسجلين في ولاية نيويورك عدد الجمهوريين بهامش ستة إلى واحد تقريبا، وفق شبكة "سي إن إن" الأميركية 25 يونيو 2025.

جاء فوزه التمهيدي في ظل حملة صهيونية مكثفة لاستهدافه ورغم وجود نحو مليون يهودي في الأحياء الخمسة لمدينة نيويورك.

فلم يتمكنوا من هزيمته رغم إنفاق 35 مليون دولار للإطاحة به, لأنه ناشط يدعم فلسطين ويعادي إسرائيل.

ومع أنه لا يزال أمامه جولة حاسمة في نوفمبر 2025، أصاب فوزه اللوبي الصهيوني وتيار ترامب الإنجيلي المتطرف بلوثة، دفعتهم لقيادة حملة عنصرية مقيتة ضد الإسلام بتقدير أن "ممداني مسلم"، مع المطالبة بحظر ترشيح المسلمين لمناصب في أميركا.

حملة ضد الإسلام

فور الإعلان عن نجاح زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية لمنصب عمدة مدينة نيويورك، واجه وابلا من الهجمات العنصرية المعادية للإسلام، ودعا جمهوريون لترحيله من أميركا باعتبار والديه من المهاجرين.

الهجمات المعادية للإسلام التي اندلعت عبر وسائل التواصل الاجتماعي والدوائر السياسية والصحفية المحافظة اليمنية وصفوه بأنه "إرهابي جهادي".

كما توقعت لناشطة اليمينية المتطرفة والمتحدثة باسم البيت الأبيض سابقا لورا لومر أن تتكرر أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في عهده.

ويأتي ذلك برغم أنه يغلب عليه السلوك العلماني وزوجته راما دوواجي فنانة من أصل سوري ولدت في تكساس، تظهر بملابس متحررة للغاية، كما أنه مدافع عن الشواذ.

ورغم ذلك، قالوا: إن فوزه المُحتمل برئاسة البلدية "تهديد حضاري"، بحسب صحيفة "الغارديان" 26 يونيو 2025.

ولم يجد تحالف اللوبي الصهيوني/ الإنجيلي المسيحي المتطرف، ما يدين به "ممداني"، سوى أنه "مسلم"، ورأوا أنه يشكل بذلك خطرا على نيويورك.

ولاستهداف ممداني، “استُخدمت أساليب التشكيك في الولاء، واستحضار الإرهاب، وتسليح الدين”. بحسب "الغارديان".

لم يغفروا له أنه حفز الناخبين الشباب وفاز على عمدة نيويورك "أندرو كومو"، الفاسد ماليا والمتهم بقضايا أخلاقية، والذي قدم استقالته في 23 أغسطس/آب 2021، بعد اتهامه بالتحرش الجنسي بمساعدته السابقة، وتولت مكانه مؤقتا "كاثي هوكول" حاليا.

انتشرت حالة عداء عنصرية له لمجرد أنه حمل لافتة "مسلم"، وانتقل الهجوم للإسلام، ووصل التحذير من السماح له بالفوز بالمنصب في نوفمبر 2025، حد صراخ صحيفة "نيويورك بوست" اليمينية: "أنقذوا أميركا .. ألحقونا ..استيقظي يا أميركا".

قالت باستنكار: "مرشح اشتراكي إسلامي لمنصب عمدة نيويورك".

ونشرت سلسلة تحريضات ضده تقول: إن نيويورك ستتحول إلى مدينة إرهاب وفوضى وفقر ويهرب منها رجال الأعمال.

هاجمه الرئيس الأميركي ووصفه بأنه "مجنون شيوعي يساري متطرف"، ورد عليه المرشح المسلم قائلا: "أنا أسوأ كوابيس دونالد ترامب".

فوز ممداني خلق حالة من الجنون والهستيريا كذلك لدى اليهود الصهاينة مثل تيد كروز، والمتطرفين الإنجيليين من أعضاء حركة "ماغا" الذين يحرضون علنا عليه وعلى ومسلمي أميركا ويطالبون بمنعهم من العمل السياسي والترشح للمناصب. 

فبعد فوزه استنفر المتطرفون في حزب ترامب وهاجموا الإسلام وحذروا من فوز المسلمين بالمناصب وزجوا باسم الجهاد وجماعة الإخوان في المعركة الانتخابية وطالبوا بمنع الفائز من تولي رئاسة عمدة نيويورك.

النائبة "لورا لومر" اليمينية المتطرفة والمقربة من ترامب، كتبت على "إكس"، كرد فعل على فوز "ممداني" في انتخابات نيويورك التمهيدية تدعو الحزب الجمهوري إلى "معالجة التهديد الذي يشكله الإسلام في أميركا"، وفق زعمها.

ومع أن الإخوان لا علاقة لهم بمعركة عمدة نيويورك أو الفائز، قالت: إن الحزب الجمهوري يعرض أمننا القومي للخطر لعدم تصنيفه جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.

"وعدم اتخاذ إجراءات صارمة ضد المهاجرين المسلمين الذين يترشحون لمناصب في الولايات المتحدة بينما يتلقى المرشحون المسلمون أموالاً أجنبية لدعم حملاتهم عبر لجان العمل السياسي المؤيدة للجهاد".

 قالت: إذا كان الحزب الجمهوري على استعداد للسماح بحدوث خلافة إسلامية في بلادنا، فهو لا يستحق أموالنا".

وفي موقف عنصري آخر، نشرت النائبة الجمهورية في الكونغرس "مارغوري تايلور جرين"، صورة تمثال الحرية في نيويورك مغطى بحجاب أسود للتخويف من فوز مسلم في الانتخابات.

والأغرب أن كُتابا إماراتيين موالين لإسرائيل، ومعادين للتيار الإسلامي، مثل أمجد طه، الذي يكتب في صحف إسرائيلية، كتب يحذر الأميركيين من القبول بانتصار المرشح الإسلامي "ممداني".

زعم في سلسلة تغريدات بالإنجليزية أنه "عندما يصبح سياسي ذو نكهة ماركسية، متأثر بجماعة الإخوان المسلمين، عمدة لمدينة كانت متحضرة في السابق، فهذه ليست ديمقراطية، إنها مثل تسليم مفاتيح هيكل سليمان إلى نبوخذ نصر".

وتوقع أن تسقط نيويورك لو أصبح زهران ممداني عمدة، و"تتحول الكنائس إلى حرم جامعي للجهاديين"، وتحول الجامعات تصبح منابر تنمر ضد اليهود، وفق زعمه.

وحذر الأميركيين من انتخاب "إرهابي" عمدة، والوقوع "تحت حراسة الإخوان المسلمين"، ورأى أن توليه هذا المنصب مثل توليه زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن حكم نيويورك.

وبسبب حالة العداء والخشية من فوزه، لأنه المرشح الأوفر حظًا في الانتخابات العامة في نوفمبر 2025، جرى دعوة اثنين من العمد السابقين لنيوروك لمنافسته ولو بصفة مستقلة.

إذ أعلن عمدة المدينة السابق إريك آدامز، أنه ينوي ترشيح نفسه وإعادة انتخابه كمرشح مستقل.

ولم يستبعد المرشح الخاسر أمام ممداني (كومو) أيضا ترشيح نفسه مستقلا  في نوفمبر على قائمة حزب آخر.

أيضا طالب النائب آندي أوغلز رسميًا من المدعي العام بوندي سحب جنسية زهران ممداني وترحيله إلى أوغندا المكان الذي ولد فيه، قبل قدومه إلى أميركا مع والديه، زاعما أنه "كان يدعم منظمات إرهابية علنًا قبل حصوله على الجنسية".

قال: زهران معادٍ للسامية، اشتراكي، شيوعي، سيدمر مدينة نيويورك العظيم، يجب تجريده من جنسيته وترحيله".

معاد لإسرائيل والهند

ما يثير غضب الإسرائيليين والهنود معا (برغم جذور المرشح المسلم الهندية) أنه معاد لدولة الاحتلال ومؤيد لفلسطين، ومعاد أيضا لرئيس الوزراء الهندي الهندوسي المتطرف "ناريندرا مودي".

فعندما سئل عما إذا كان سيلتقي "مودي" إذا كان في نيويورك، قال زهران: إنه لن يفعل ذلك أبدًا، ووصفه بأنه "جزار ولاية غوجارات".

ووصل مودي إلى السلطة على خلفية المذابح ضد المسلمين التي نُظمت في غوجارات عام 2002، حين كان حاكما لها وتسبب في قتل ألف مسلم، وتشريد 25 ألفا، وتوسعت هذه المجازر بعد صعوده إلى السلطة.

وكان من الاتهامات التي وجهت للمرشح المسلم الفائز أنه "متعاطف" مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، و"إرهابي جهادي"، ومعاد لليهود، مع نفى ممداني معارضته لليهود وإنما الصهيونية.

وكان لنشاط زهران ممداني لصالح فلسطين وضد حرب الإبادة في غزة، دور كبير في جلب أصوات الشباب، ومن ثم فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب عُمدة الولاية، متفوّقا على خصمه الذي يحظى بتأييد اللوبي الصهيوني.

لذا يرى مراقبون أن هذا الفوز لا يعكس فقط تحولا سياسيا محليا، بل يعبر أيضا عن تأثير متزايد للتحولات العالمية، وعلى رأسها تداعيات حرب غزة، على المزاج الشعبي في الولايات المتحدة، لا سيما بين الأجيال الشابة.

ووصف المحلل الفلسطيني ياسر الزعاترة فوز ممداني بقوله: "غزة تدلي بصوتها في نيويورك".

فعلى مدار تاريخه، انتقد ممداني الحكومة الإسرائيلية بشدة، ودعم حقوق الفلسطينيين، ما أثار غضب الجماعات اليهودية منه.

وبسبب ذلك تكاتفت المجموعات الصهيونية ضده وجمع اللوبي الصهيوني 35 مليون دولار لحملة خصمه الخاسر (كومو)، منها 8 ملايين دولار من الملياردير اليهودي "مايكل بلومبيرج".

ويُذكر أن أندرو كومو حاكم نيويورك الخاسر هو من أشد المدافعين عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصُرفت ملايين الدولارات لدعمه حتى لا يفوز ممداني، فيما نجحت حملة الأخير بـ 9 ملايين دولار فقط جمعها من صغار المتبرعين.

وشهدت الحملة الانتخابية توترا واضحا؛ حيث تعرض ممداني لمحاولات تشويه ممنهجة، وُصف فيها بأنه "معاد للسامية" و"متطرف"، بسبب مواقفه المؤيدة للعدالة في فلسطين ومعارضته للإبادة الجماعية في غزة. 

وتقول صحيفة "الغارديان" البريطانية، 26 يونيو: إن هناك عدة أسباب دفعت ممداني لتحقيق هذا الفوز الاستثنائي، منها دعمه غزة ورفضه الإبادة الجماعية ووقوفه مع المتظاهرين، مطالبًا بالإفراج عن الطالب محمود خليل، الذي أراد ترامب ترحيله وفشل.

كما أنه هاجم المجازر الإسرائيلية، وتعهد باعتقال نتنياهو، المتهم بارتكاب جرائم حرب، إذا زار مدينة نيويورك أثناء توليه منصب عمدة المدينة.

وقد هاجمته صحف إسرائيل بعنف، قبل فوزه، بعدما أعلن "أنه مناهض للصهيونية منذ احتجاج شارك فيه عام 2021، ونشرت له صحيفة "تايمز أوف إسرائيل، 30 مايو/أيار 2025، فيديو تحريضي عما قاله.

وأوضح في الفيديو، الذي كان احتجاجا نظمته منظمة "صوت السلام اليهودي"، ليهود يعارضون إبادة غزة، أنه "يرفض السيادة اليهودية في (الأرض المحتلة)، ويصر على أن معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية".

وأكد أنه كان يقاتل من أجل "العدالة" في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وكذلك في حيفا (تل أبيب حاليا).

أيضا أغضب الصهاينة واليمين المسيحي المتطرف، تصريحات انتقد فيها ممداني الضربات العسكرية التي شنها ترامب على إيران، واصفا إياها "بأوسع فشل للنظام السياسي الأميركي".

إذ انتقد ممداني، القصف الأميركي للمواقع النووية الإيرانية، ووصفه بأنه “عمل عسكري غير دستوري”؛ لأنه جرى بدون موافقة الكونغرس، بحسب صحيفة "نيويورك بوست" 22 يونيو 2025.

وأكد ممداني ضرورة تركيز الأولويات الوطنية على مساعدة الناس، لا تمويل الحروب، وربط هذه الآراء بإيمانه بضرورة توجيه الأموال نحو الخدمات العامة ومبادرات السلام. 

وقد دفعت حملة الهجوم العنصرية التي استهدفته مغردين وسياسيين لانتقاد الحملة ضده.

وقال كثيرون: إن الحملة تكشف هشاشة الديمقراطية الأميركية، وازدواجية خطاب "الحرية وحقوق الإنسان"، حين تكون هذه الحقوق تخص العربي أو المسلم.

استغربوا الدعوة ليس فقط للتكتل ضده بالمال والمرشحين لإسقاطه، بل ومحاولة انتزاع حق الترشيح من المسلمين بعدما فاز كثير منهم في انتخابات أميركية عامة وبلدية.