في ظل تضاؤل قدرة روسيا على الدفاع عنه.. ما مصير نظام الأسد؟
تخوض فصائل المعارضة السورية اشتباكات مع قوات النظام في عدة مناطق
في ظل التقدم العسكري للمعارضة السورية على حساب نظام بشار الأسد، تتزايد التحديات أمام روسيا في سوريا، أحد المسارح الرئيسة التي سعت من خلالها إلى تأكيد مكانتها كقوة كبرى.
وترى مجلة "فورميكي" الإيطالية أن تدخل روسيا العسكري لدعم نظام الأسد في عام 2015، بالتوازي مع عملياتها في شبه جزيرة القرم ودونباس، جرى سرده "على أنه خيار من جانب قوة كبرى مسؤولة قادرة على التعامل مع التهديدات العالمية".
"وتحديدا التهديد الإرهابي خصوصا أن التدخل في سوريا لدعم نظام الأسد الدموي" جرى الترويج له على أنه خيار مسؤول لوقف صعود تنظيم الدولة وعملية كفاح للتنظيمات المتطرفة التي صنفت كل المعارضة أيضا ضمنها"، وفق المجلة.
ومنذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تخوض فصائل المعارضة السورية اشتباكات مع قوات النظام في عدة مناطق في البلاد.
ودخلت قوات المعارضة مدينة حلب، وسيطرت على معظم أحيائها، وبسطت سيطرتها على كامل محافظة إدلب، بعد السيطرة على مدن ومواقع عديدة في ريفها، وبدأت الدخول إلى حماة.
صعوبات روسية
وعن الموقف الروسي، أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أن روسيا ستستمر في دعم بشار الأسد، مشيرا إلى أن موسكو تتابع الوضع العسكري على الأرض بعد إطلاق فصائل الثوار عملية "ردع العدوان" وسيطرتهم على عدة مناطق.
وأضاف بيسكوف في 2 ديسمبر/كانون الأول، أن روسيا ستحدد موقفها بناء على التطورات المستجدة في الميدان.
وترى المجلة أن التطورات الأخيرة على الأرض تبرز الصعوبات التي تواجهها موسكو في دعم نظام الأسد وتفتح المجال أمام التشكيك في قدرتها على البقاء كحليف إستراتيجي في مرحلة حاسمة.
وتابعت بأن موقف روسيا الحالي في سوريا ليس عسكريا فحسب، بل يتسم بطابع رمزي أيضا في إشارة الى ما تمنحه قاعدتا طرطوس وحميميم العسكريتان الروسيتان من قدرة على استعراض القوة الروسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
ونوهت إلى أن سوريا "تشكل نقطة مركزية في التوسع الجيوسياسي لموسكو ضمن محور يربط بين القطب الشمالي والبحر الأسود خاصة البحر الأبيض المتوسط.".
وترى أن "فقدان النفوذ في سوريا لا يعني توجيه ضربة مباشرة للإستراتيجية الروسية فحسب، بل يعني أيضا إضعاف موسكو كجهة دولية فاعلة قادرة على بناء بنية تحتية جيوسياسية عالمية، من خلال دعم حلفاء حولهم الكثير من الجدل على غرار بشار الأسد".
وتوضح المجلة أن موسكو سعت منذ تدخلها عام 2015 لمنع سقوط النظام السوري، إلى تحقيق التوازن بين استقرار المنطقة والحفاظ على وجود يعزز مكانتها الدولية.
إلا أن انشغالها بأوكرانيا أدى إلى تقليل الموارد المتاحة لسوريا وسحب آلاف الجنود من البلاد بعد غزو كييف عام 2022.
وقد كان الغياب الروسي عبر الجو لدعم قوات الأسد ومليشياته، أبرز أسباب الانهيار المتسارع لخطوط النظام الدفاعية وطرده من عمق يتجاوز أكثر من 60 كيلومترا انطلاقا من أول نقطة تماس بريف إدلب.
إذ غابت المقاتلات الروسية عن سماء وحدود عملية "ردع العدوان" مع الأيام الأولى لانطلاقها، في مشهد غير مألوف للمرة الأولى منذ معارك عام 2020 بين المعارضة وقوات الأسد بريفي حلب وإدلب.
موقف تركيا
وأردفت فورميكي أن سوريا تمثل مجالا “تتقاطع فيه التوازنات الإقليمية والعالمية، يتعين على روسيا في إطاره أيضا إدارة مصالح تركيا، المنافس الذي لا يرغب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إثارة استيائه كثيرا”.
وقالت إن الفراغ الذي خلفه "تقلص الالتزام الروسي والضعف الإيراني شكل فرصة لأنقرة لتعزيز نفوذها في شمال البلاد".
فتركيا تتعامل مع سوريا كتهديد يمثله مليشيا وحدات حماية الشعب الكردية وفي نفس الوقت فرصة لتعزيز دورها في الشرق الأوسط.
وفي 3 ديسمبر، هاتف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي، مؤكدا له أنه “بينما تواصل تركيا دعم وحدة الأراضي السورية، فإنها تسعى جاهدة من أجل التوصل إلى حل عادل ودائم هناك”.
وأشار إلى أنه من المهم فتح مساحة أكبر للدبلوماسية في المنطقة، "وأنه ينبغي للنظام السوري الانخراط في هذه العملية".
وأكد الرئيس التركي أن القضية الأكثر أهمية في سياق التطورات الأخيرة في سوريا هي "أنه لا ينبغي إلحاق الأذى بالمدنيين، وأن سوريا لا ينبغي أن تكون مصدرا لمزيد من عدم الاستقرار".
وشدد أردوغان على أن تركيا تبذل قصارى جهدها لضمان الهدوء في سوريا، موضحا أنها "ستواصل الحفاظ على موقفها الحازم بشأن الحرب ضد تنظيم بي كا كا الإرهابي وأذرعه، التي تحاول استغلال التطورات في سوريا".
وكانت وزارة الخارجية التركية علقت على تطورات الأوضاع العسكرية في سوريا، بتحميل النظام مسؤولية التصعيد، دون تحديد موقف مباشر من عمليات فصائل المعارضة في مدينة حلب.
وقالت الوزارة، في 29 نوفمبر 2024، إن الهجمات الأخيرة من قبل النظام على الشمال السوري وصلت إلى مستوى من شأنه أن يضر بروح وعمل اتفاقيات أستانا (الكازاخية من أجل خفض التصعيد)، ويتسبب في خسائر فادحة بين المدنيين.
وقال المتحدث باسم الخارجية التركية، أونجو كتشلي، إن القصف العنيف على شمال غربي سوريا، أدى إلى تصعيد غير مرغوب فيه بالمنطقة.
وأشار إلى أن الحفاظ على الهدوء في إدلب والمناطق المحيطة، يمثل أولوية قصوى بالنسبة لتركيا، وفق ما نقلته وكالة الأناضول التركية.
مصير نظام الأسد
وترى المجلة الإيطالية أن “مصير نظام الأسد لا يزال غامضا إلى حد كبير”، مشيرة إلى أن عزلته الحالية تأتي كنتيجة "لافتقار روسيا إلى إستراتيجية لبناء الدولة، خاصة أنها نجحت في البداية في التدخل العسكري لبقاء النظام لكنها فشلت في بناء نظام سياسي مستقر ومستدام".
وهذا الفشل، إلى جانب الضغوط الداخلية والخارجية على الأسد، مدعاة إلى التشكيك في "قدرة روسيا على إبقاء سيطرتها على أحد أهم حلفائها".
وفي تساؤلها إن كان هذا الوضع يعكس الضعف الروسي المتزايد على الساحة العالمية، أجابت بأن الصراع في أوكرانيا يهدد بكشف محدودية قدرات موسكو في دعم جبهات متعددة في آن واحد.
وتحدثت باستغراب عن رد فعلها على التطورات الأخيرة في سوريا معيدة التذكير بما اكتفى بقوله دميتري بيسكوف، بأنه يريد أن تستعيد "الحكومة السورية النظام الدستوري في منطقة حلب في أقرب وقت ممكن ".
وعلى الرغم من الصعوبات، تستبعد المجلة أن تتخلى روسيا وإيران، التي لها مصالح مماثلة ولكن مختلفة، عن الأسد نهائيا.
خصوصا أن كليهما استثمر كثيرا، في الحرب السورية وبالنسبة لهما فإن خسارة نظام دمشق ستشكل فشلا إستراتيجيا كبيرا.
وتشرح المجلة أن وجود القوات الروسية والإيرانية رغم تقلص أعدادها، دليل على الرغبة في الاستمرار بدعم النظام.
فيما تكشف غارات المقاتلات الروسية في الأيام الأخيرة على مناطق في محافظة إدلب أن موسكو لا تنوي خسارة السيطرة على المنطقة حتى في ظل محدودية مواردها.
وأشارت إلى أن البلدين تمكنا من حشد قوى متباينة لدعم الأسد، وسيفعلان ذلك مجددا وإن كان ذلك بموارد أقل.
لكنها تلاحظ أن الإطار العام يشير إلى أن موسكو وطهران لن تكونا قادرتين على توفير نفس مستوى الدعم الذي وفرتاه قبل عقد من الزمن.
وترى المجلة أن روسيا أمام "اختبار حاسم لا سيما أن الفشل في دعم بقاء نظام الأسد لن يعني خسارة نفوذها في الشرق الأوسط فحسب، بل من شأنه أيضا أن يقوض صورتها كقوة كبرى".
وتساءلت إن كانت الساحة السورية في المرحلة الحالية تشكل “الاختبار النهائي لقدرة روسيا على إبراز أنها قوة عالمية، في مرحلة تتعرض فيها مواردها للضغوط وباتت أيضا مصداقيتها موضعا للتساؤل؟”
وهو ما شكك فيه عدد من المحللين خصوصا مع إشارة بعضهم إلى أنها تعاني في دعم ديكتاتور يسعى للحفاظ على السلطة ضد فصائل ثوار مسلحة.
وخلصت إلى القول إن “موسكو تخاطر بتحويل تدخلها في سوريا إلى دليل آخر على حدود (قصور) نفوذها".