موقع أميركي: هل تصبح منظمة الدول التركية الصاعدة قوة عالمية؟
لا تزال هناك تباينات واسعة باحتياجات دول المنظمة ومصالحها
رأى موقع أميركي أن منظمة الدول التركية تلفت الأنظار على الساحة الدولية، إلا أن قدرتها على أن تصبح قوة عالمية ستعتمد على مدى استفادة الدول الأعضاء من نقاط قوتها الفريدة.
وبين موقع المونيتور أن "هذا النجاح مرهون بعدم المساس بعلاقات الدول الأعضاء التقليدية أو إثارة القلاقل مع القوى الإقليمية والعالمية الأخرى، وعلى رأسها روسيا والصين".
مزايا فريدة
وعقدت "منظمة الدول التركية" -التي تتألف من تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان كأعضاء، إلى جانب تركمانستان والمجر وقبرص التركية كمراقبين- قمتها الـ 11 في العاصمة القرغيزية "بيشكك" في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
موضوع القمة -التي حملت عنوان: "تعزيز العالم التركي: التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة والمستقبل الرقمي والأمن للجميع"- ركز على كيفية تمويل الزراعة المقاومة للمناخ والنمو الاقتصادي.
وفي حديثه عن هذه المنظمة، أشار المونيتور نقلا عن خبراء أن أعضاء "الدول التركية" يمتلكون مزايا فريدة تتمثل في موقعهم المركزي على طرق التجارة والخدمات اللوجستية الأوراسية، بالإضافة إلى الموارد الطبيعية الوفيرة.
كما أضافوا أن التراث الثقافي المشترك والتعاون المكثف في المجال الجغرافي السياسي، خاصة من خلال الأذرع التركية، يعزز من قدرة هذه الدول على التفاعل والتعاون بشكل فعال.
لكنهم حذروا أيضا من أن توقعات "التكامل التركي" على غرار الاتحاد الأوروبي قد تكون بعيدة المنال، لذلك لا ينبغي لتركيا أن ترى "منظمة الدول التركية" كبديل لعلاقاتها مع الغرب.
وتساءل الموقع الأميركي: هل يمكن أن تكون منظمة التعاون التركية بديلا لمجموعة "بريكس"؟
وتأسست "بريكس" عام 2006 من قبل البرازيل وروسيا والهند والصين، وانضمت إليها جنوب إفريقيا عام 2011.
وفي الأول من يناير/ كانون الثاني 2024، أصبحت مصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات أعضاء كاملين، في وقت يجرى الترحيب بانضمام تركيا التي لم تتخذ هذا القرار بعد.
وكانت القمم غير الرسمية، التي عقدها قادة الدول الناطقة بالتركية في تسعينيات القرن الماضي، قد أدت إلى تأسيس "مجلس التعاون التركي" عام 2009، مما مهد الطريق لتشكيل "منظمة الدول التركية" في عام 2021.
دور محوري لتركيا
وأسهمت سنوات من العزلة شبه التامة بين الشعوب التركية -بسبب حكم الاتحاد السوفيتي وديكتاتورية الزعيم الصيني ماو تسي تونغ؛ حيث يعيش ملايين الإيغور، وهم أقلية تركية ومسلمة- في تداخل لغوي وديني وثقافي بعد عام 1991.
هذا التفاعل أسفر عن تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي، كما يظهر بوضوح في إطار "منظمة الدول التركية" اليوم، وفق المونيتور.
بدوره، أشار الأكاديمي والأستاذ المساعد بجامعة الاقتصاد والتكنولوجيا (TOBB) في أنقرة، علي أوغوز ديريوز، إلى أن النهج التدريجي قد يكون جوهر قوة "منظمة الدول التركية".
وقال في حديثه للموقع: "بدلا من مقارنتها بالاتحاد الأوروبي المهيكل بشكل مؤسسي، يجب تقييم منظمة الدول التركية كنموذج أكثر مرونة وبراغماتية، مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)".
وأضاف "ديريوز" أن أعضاء المنظمة يجلسون على مصادر غنية من المعادن، فضلا عن الطرق التجارية واللوجستية القديمة والجديدة.
من جانبها، أشارت باحثة دكتوراه في معهد الدراسات العالمية بجامعة شنغهاي، مروة أركان أيدن، إلى التوسع السريع لمنظمة الدول التركية في مجالات التعاون السياسي والإستراتيجي بالإضافة إلى التجارة والاقتصاد.
وتستشهد على سبيل المثال، بالنمو المتزايد في التجارة بين تركيا وأذربيجان، التي تشمل ليس فقط الهيدروكربونات والدفاع، ولكن أيضا التجارة الإلكترونية.
وبلغت التجارة التركية-الأذرية نحو 8 مليارات دولار في 2023، وفقا لوكالة "الأناضول" التركية، بينما تفيد وزارة الخارجية التركية أن البلدين استثمرا أكثر من 30 مليار دولار في اقتصادهما المتبادل — 12 مليار دولار من تركيا إلى أذربيجان، و19 مليار دولار من باكو إلى أنقرة.
وقالت أيدن للموقع: "إذا تمكنا من تحقيق نفس التعاون مع الدول التركية الأخرى، فإن ذلك قد يؤدي إلى فتح أسواق كبيرة".
وتابعت: "لتحقيق ذلك، يجب اتخاذ خطوات جادة مثل تنظيم اجتماعات واستشارات مع الشركات والمستثمرين ورجال الأعمال لإنشاء منصة اقتصادية".
وبحسب وزير التجارة التركي، عمر بولات، ارتفعت التجارة بين الدول الأعضاء في "منظمة الدول التركية" من 33 مليار دولار عام 2022 إلى 42 مليار دولار في 2023.
قيود على المنظمة
وقال الموقع: "رغم تطلع العديد في تركيا إلى تشكيل تحالف تركي بالغ القوة، فإن منظمة الدول التركية لا تزال بعيدة عن هذا الطموح، على الأقل في الوقت الحالي".
“فعلى الرغم من أن المساحة الإجمالية لدول المنظمة تضاهي تقريبا مساحة الاتحاد الأوروبي، فإن إجمالي ناتجها المحلي لا يتعدى عُشر ما يحققه الأخير”.
كما يبلغ عدد سكان دول المنظمة 160 مليون نسمة، مقابل 450 مليونا في كتلة بروكسل.
وتابع: "هناك أيضا خطر يتمثل في أن ملايين الشعوب التركية المستقلة والمتطلعة قد تستفز روسيا والصين، اللتين تحتضنان ملايين من الأقليات التركية والمسلمة"، وهو ما أكده كل من "ديريوز" و"أيدن" في ملاحظاتهما.
ولتهدئة هذه المخاوف، أشارت "أيدن" إلى تصريح لرئيس الوزراء التركي السابق، بن علي يلدريم، الذي وصف فيه موسكو وبكين بأنهما "عضوان طبيعيان" في منظمة الدول التركية.
ويؤكد الموقع أن "الوصول لهذه الغاية لن يكون سهلا، ففي حين يشكل التنوع قوة، لا تزال هناك تباينات واسعة باحتياجات دول المنظمة ومصالحها".
على سبيل المثال، من المرجح أن تظل تركمانستان بصفة مراقب في المستقبل القريب، نظرا لنصوص دستورها التي تؤكد على "الحياد الدائم".
كذلك، انضمت المجر إلى المنظمة عام 2018، مدفوعة في الأساس بازدهار تجارتها مع الدول التركية وبإيمان راسخ يمتد عبر التاريخ بأن المجريين يشكلون فرعا من العائلة التركية.
ورغم أن رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، يبدو أكثر انسجاما مع القادة الأقوياء في العالم التركي مقارنة بشركائه في الاتحاد الأوروبي، فإنه لا يزال ينتقد بشدة ما يصفه بـ "أسلمة أوروبا" من خلال هجرة المسلمين ومعدلات الولادة.
وأشار "ديريوز" إلى حالة كازاخستان، التي تضم أقلية كبيرة من الناطقين بالروسية وتعد الصين وروسيا - وليس دول آسيا الوسطى - من أكبر شركائها التجاريين.
وتطرق إلى أن "سياسة التوازن التي تعتمدها تركيا في تعاملها مع القوى الكبرى تواجه قيودا، فعلى سبيل المثال، بينما تحرص أنقرة على إدارة علاقاتها مع موسكو بحذر وتتجنب المشاركة في أغلب العقوبات المفروضة عليها، تجد نفسها مجبرة على الانضمام إلى العقوبات ضد طهران".
من جانبها، لفتت "أيدن" إلى وجود ديناميكيتين تبدوان متناقضتين، قائلة: "تسعى منظمة الدول التركية إلى توسيع آفاق السياسة الخارجية لتركيا، متجاوزة النهج التقليدي القائم على الغرب".
"ومع ذلك، ورغم الروابط الثقافية العميقة، هناك اختلافات تاريخية وسياسية واضحة بين تركيا ودول آسيا الوسطى، مما قد يشكل تحديات أمام تشكيل هوية مشتركة وتعميق التعاون".
وأشار "ديريوز" إلى أن "منظمة الدول التركية لا تعد بديلا لعلاقات تركيا مع الغرب -الناتو (حلف شمال الأطلسي)، والاتحاد الأوروبي، ومجلس أوروبا- بل مكملة لها، كما أن الروابط الغربية لأنقرة تجعلها شريكا أكثر جاذبية لأعضاء المنظمة".