زيارة جدعون ساعر إثيوبيا.. هل تمهد لتحالف إسرائيلي إثيوبي ضد مصر والحوثيين؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

التقى وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر  مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في 6 مايو/ آيار 2025، في زيارة أجراها الأول للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تزامنا مع تعرّض تل أبيب لقصف صاروخي يمني لإجبارها على إيقاف إبادة غزة.

وجاءت زيارة ساعر إلى إثيوبيا، بعد نحو شهرين من زيارة وزير الخارجية الإثيوبي جيديون تيموثي إلى إسرائيل، في مارس/ آذار 2025.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، كان الهدف من اللقاء "تعزيز العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل تهديدات الحوثيين لمضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي".

وتقع منطقة القرن الإفريقي على الجانب الغربي من المضيق؛ حيث توجد دول جيبوتي وإريتريا، وكذلك إثيوبيا، على الرغم من أنها لا تمتلك سواحل وتبعد عشرات الكيلومترات عن البحر.

تهديد مشترك

وفي مؤتمر صحفي خلال الزيارة، تطرق ساعر إلى هجمات الحوثيين والرد الإسرائيلي عليها قائلا: "بالأمس فقط، ضربوا صاروخا قرب مطارنا؛ إنهم يشكلون تهديدا لإسرائيل وإفريقيا وللمجتمع الدولي بأسره، وإسرائيل سترد عليهم".

وأشاد وزير الخارجية الإسرائيلي بـ"التحالف طويل الأمد بين القوتين الإقليميتين إسرائيل وإثيوبيا، والذي يرتكز على ركائز تاريخية وثقافية وأمنية"، حيث أكَّد ساعر على "الصلات العميقة بين الجانبين، والتي تعود إلى (العهود التوراتية)".

كما بحث مع رئيس الوزراء الإثيوبي ووزير الخارجية الإثيوبي تعميق العلاقات بين إسرائيل وإثيوبيا في جميع المجالات؛ السياسية والاقتصادية والأمنية.

وأكد ساعر خلال لقاءاته أن "الإرهاب يشكل تهديدا مشتركا لإسرائيل وإثيوبيا، وأن منظمة الشباب التي تهاجم إثيوبيا تتعاون مع الحوثيين الذين تدعمهم إيران"؛ إذ تواجه منطقة القرن الإفريقي نشاطا إرهابيا قادما من منظمة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تعمل بشكل رئيس من الأراضي الصومالية ضد الدول المجاورة مثل إثيوبيا وكينيا.

في هذا السياق، ترى الصحيفة أن "الربط الإسرائيلي الصريح بين الحوثيين وحركة الشباب في الصومال، مؤشر على رغبة تل أبيب في الحصول على دعم أديس أبابا في حربها التي بدأت تتوسع ضد الجماعة اليمنية".

وكان تقرير أممي قد أشار إلى أن ممثلي الحوثيين وحركة الشباب التقوا مرتين عام 2024، في حين تشير تقارير أخرى إلى توسيع الحوثيين تحالفاتهم مع أطراف في شرق إفريقيا.

"إلى جانب ما سبق، لا تقتصر هواجس إثيوبيا تجاه النشاط الحوثي على التعاون مع حركات صومالية مسلحة، فقد انعكس الاضطراب في جنوب البحر الأحمر سلبا على اقتصادها"، تقول الصحيفة.

وأكملت: "فقد كشفت شركة خدمات الشحن والخدمات اللوجستية الإثيوبية (المملوكة للدولة)، في مارس/آذار 2024، عن التأثر الكبير لأنشطة الاستيراد والتصدير في البلاد، نتيجة الأزمات الأمنية المستمرة في البحر الأحمر".

كما أشار موقع "أفريكا إنتلجنس"، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، إلى "التأثر الشديد لمشاريع البنية التحتية الطموحة في إثيوبيا، بما في ذلك بناء الطرق وتطوير المناطق الصناعية، جراء التأخير الناجم عن تباطؤ سلاسل التوريد نتيجة الاضطرابات الأمنية في المنطقة، مما وضع ضغوطا كبيرة على الجداول الزمنية والميزانيات".

أزمة أمنية

من جهة أخرى، لفتت الصحيفة إلى تزامن "زيارة ساعر مع تبادل القصف الصاروخي اليمني الإسرائيلي، وورود تقارير سودانية محلية عن قصف إماراتي بمسيّرات لمدينة بورتسودان، في الخامس والسادس من مايو/ أيار 2025، (انطلاقا من مياه البحر الأحمر)".

بالإضافة إلى عمليات "استحواذ وانتفاع مستمرة تقوم بها شركة موانئ أبو ظبي في الإقليم، مثل الاتفاق الموقع في الرابع من مايو/ أيار 2025 مع هيئة قناة السويس لتطوير منطقة شرق بورسعيد". 

والذي يمنح الشركة حقّ الانتفاع بمنطقة تبلع مساحتها 20 مليون متر مربع، لمدة 50 عاما، في مقابل عائد 15 بالمائة من إيرادات المشروع للحكومة المصرية.

ومن هنا، تقدّر الصحيفة أن "أولوية الزيارة تتمثل بدعم مساعي إثيوبيا إلى الحصول على منفذ على البحر الأحمر، فيما يرجح أن يكون ذلك مرحليا على حساب الصومال، التي تعارض رفقة مصر وإريتريا هذه الخطوة من حيث المبدأ".

وتعتقد "أن ساعر، الذي عقد لقاء (خاصا) مع آبي أحمد، قدّم دعم بلاده الكامل لإثيوبيا في الملف المذكور، في مقابل تعهد أديس أبابا بتعميق اصطفافها خلف الرؤية الإسرائيلية للأمن في البحر الأحمر والقرن الإفريقي".

وتابعت: "من جهتها، فإن إثيوبيا تنظر تقليديا إلى إسرائيل كشريك دائم ويعول عليه في دعم توجهاتها الخارجية، لا سيما في مسألتين، هما: الحصول على منفذ بحري ومواجهة الحركة المصرية المناهضة لذلك".

وفي أوائل أبريل/ نيسان 2025، أكد سفير إسرائيل لدى إثيوبيا، أبراهام نغوز، أن جهود أديس أبابا للوصول إلى البحر "مشروعة"، وتتماشى مع مبادئ التفاوض والتعاون الإقليمي.

ووفق الصحيفة، "يعكس هذا البيان الاتفاقيات بين إسرائيل وإثيوبيا، ويعزز التصور بأن الترتيبات الإقليمية في طور التشكيل بالفعل".

من جانبه، أوضح السفير الإثيوبي في إسرائيل، تسفاي ييتاي أن "المسؤولين الإسرائيليين أظهروا بادرة دعم لمذكرة التفاهم الإثيوبية مع إقليم (أرض الصومال)، وأنهم يعدون "إنشاء إثيوبيا لقوة بحرية في خليج عدن والبحر الأحمر فرصة للتعاون على تحقيق الاستقرار في المنطقة الإستراتيجية والمضطربة".

في حين "تنقل تقاريرعن دبلوماسي غربي في أديس أبابا أن وزير الدفاع الإثيوبي السابق، أبراهام بيلاي، أجاب عن تساؤلات دبلوماسيين غربيين عن مذكرة التفاهم مع أرض الصومال بأن البحرية الإثيوبية يمكن أن تساعد الأميركيين والأوروبيين في قتال الحوثيين في البحر الأحمر إذا كان لها قاعدة هناك"، كما أفادت الصحيفة.

إعادة تموضع

من جانب آخر، رأت "معاريف" أن "المشاركة الإثيوبية في مواجهة الحوثي قد تمثل مدخلا جديدا لإعادة صياغة العلاقة من جديد مع الولايات المتحدة في عهد ترامب، خاصة بعد التقارب الإثيوبي في العديد من الملفات مع روسيا والصين".

كما رأت أن "الحكومة الإثيوبية التي تواجه شلالا من الأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، تبدو بحاجة إلى الحصول على الدعم العسكري والاستخباراتي في مواجهة الحركات المتمردة في عدد من الأقاليم، هذا بالإضافة إلى أن اقتصادها يئنّ تحت وطأة تداعيات أزمة كورونا والحرب الأهلية المدمرة في تيغراي".

وأردفت: "وبذلك، تمثل الرغبة الإثيوبية في الانخراط في الأطر والمنظومات الخاصة بمواجهات التهديدات الأمنية في البحر الأحمر، من ضمنها الحوثيون، أداة للحصول على دعم الدول النافذة لتطلعاتها البحرية، وقد ألقت العديد من التصريحات أضواء كاشفة على العلاقة بين هذين الملفين".

من هذا المنطلق، يرى معهد دراسات الأمن القومي أن "عدوان الحوثيين قد يمثل فرصة لإعادة تموضع لإسرائيل بصفتها قوة استقرار في البحر الأحمر".

وفي مواجهة ضعف إمكانية التعاون الإسرائيلي مع دول البحر الأحمر العربية، أوصى المعهد باستكشاف سبل بديلة لإقامة شراكات إقليمية أو لتوسيع المنظمات القائمة المعنية بأمن هذا الشريان الحيوي، مما يضع دولا كإثيوبيا في قائمة أبرز المرشحين لهذا التعاون".

بدوره، يشير تحليل منشور على منصة "هورن ريفيو"، ومقرها أديس أبابا، إلى أن "التوسع الإسرائيلي في العلاقات مع القرن الإفريقي يكشف عن رؤى متنافسة للدبلوماسية والنفوذ الإقليميين".

وأردفت الصحيفة: "مما يضع تل أبيب في مواجهة مباشرة مع جهات كتركيا، التي تحولت إلى لاعب رئيس في المنطقة من خلال وجودها الراسخ في الصومال".

ورغم كل ما سبق، تعتقد الصحيفة أنه "لا ينبغي التعويل على إثيوبيا بشكل كبير"، فمن وجهة نظرها: "يبدو السلوك الإثيوبي حذرا إزاء العروض الإسرائيلية بالانخراط في ما وصفه ساعر بـ (القضاء التام على الإرهاب)، ورغم تأكيد نظيره الإثيوبي أهمية التعاون في هذا المجال، فإن التفاصيل المرتبطة بمدى هذا التعاون تظل غامضة".

وعزت هذا السلوك إلى "التعقيدات المرتبطة بالتوازنات الجيوسياسية الحساسة في البحر الأحمر؛ حيث إن الانحياز الإثيوبي الصريح والكامل لإسرائيل ضد الحوثيين، قد يقود إلى تعقيد علاقات أديس أبابا مع أطراف كإيران التي تجمعها روابط جيدة مع إثيوبيا".

وأضافت: "وقد كان من المفارقات أن تشهد العاصمة الإثيوبية توقيع الشرطة الفيدرالية الإثيوبية مذكرة تفاهم مع قائد قوات الأمن الداخلي الإيراني العميد أحمد رضا رادان، لتوسيع التعاون الثنائي في مجالات منها مكافحة الإرهاب، إبان زيارة ساعر للمدينة نفسها".

وتابع: "كما تزداد خطورة المشاركة العسكرية الإثيوبية ضد الحوثيين بالنظر إلى ما تعانيه إثيوبيا من صراعات داخلية في مناطق أمهرة وأوروميا والوضع غير المستقر في تيغراي".

"مما يثقل كاهل البلاد ويدفعها إلى التركيز على حل أزماتها الداخلية ويحد من قدرتها على الانخراط في عمليات حربية في الخارج"، وفق ما ذكرته الصحيفة.

وبالتالي، خلصت الصحيفة إلى أنه "بينما يتوافق انضمام إثيوبيا المحتمل لجهود إسرائيل في مواجهة الحوثيين مع مصالحها الإستراتيجية؛ فإن الإقدام على مثل هذه الخطوة يظل أمرا معقدا مرتبطا بواقع صراعاتها الداخلية وأعبائها الاقتصادية وحساسية التوازنات الجيوسياسية في البحر الأحمر".

حصار القاهرة

على صعيد آخر، نقلت الصحيفة عن مراقبين قولهم: إن "هذا اللقاء أثار قلق العالم العربي، خاصة مصر التي تربطها علاقات متوترة نسبيا مع إثيوبيا، ورغبة في الحفاظ على الأمن الداخلي لدول القرن الإفريقي، كما ترفض مساعي إسرائيل لتهجير الفلسطينيين".

مضيفة أن "تعاون إثيوبيا مع إسرائيل قد يخلق مصدرا آخر للضغط على المصريين في إطار تأسيس واقع جديد في الشرق الأوسط".

وبينما تسعى مصر إلى تفعيل خطة اعتمدتها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في مارس/ آذار 2025 لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين منها، يشير التقرير إلى أن "إسرائيل وأميركا يرفضان الخطة، ويتمسكان بخطة ترامب لتهجير الفلسطينيين، وهو الأمر الذي ترفضه مصر والأردن ودول عربية أخرى".

أما فيما يتعلق بملف الحفاظ على الأمن الإفريقي، فإن هذه القضية، التي وصفها التقرير بـ"الشائكة"، قد تتضرر إذا تحركت إسرائيل، أو حتى الولايات المتحدة، لإحباط الإرهاب في المنطقة، حسب الصحيفة.

وفي سياق متصل، توقعت الصحيفة "إمكانية إجراء محادثات بشأن إقامة قواعد إسرائيلية، هذا بالإضافة إلى ما نشر قبل سنوات عن وجود قواعد صواريخ إسرائيلية بالقرب من سد النهضة لمواجهة أي هجوم محتمل عليه".

"من جهتها، تبدو إثيوبيا معنية كذلك بتوسيع انخراطها العسكري والأمني في البحر الأحمر، بما في ذلك الحصول على قاعدة عسكرية، في مواجهة الإستراتيجية المصرية، حيث يخوض الطرفان صراعا مريرا على خلفية مواقفهما المتناقضة من سد النهضة"، تقول الصحيفة.

واستطردت: "ووفقا لدبلوماسي إثيوبي، فقد أشارت صور أقمار اصطناعية ملتقطة أوائل عام 2024، إلى أن البحرية المصرية نقلت أسطولها الرئيس من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر".

وأوضحت أن "هذه التوجهات المشتركة بين الطرفين تأتي في سياق المعاهدات والاتفاقيات السابقة بين إثيوبيا وإسرائيل، بهدف محاصرة مصر من الجهة الجنوبية، والتمدد في إفريقيا من خلال بوابة إثيوبيا".