قبل فوات الأوان.. لماذا حرصت السعودية وإيران على احتواء حرب الهند وباكستان؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

عندما تلبَّدت سماء جنوب آسيا بغيوم الحرب، لم تكن واشنطن هي من حطّت رحالها في دلهي، بل طهران والرياض، في مسعى دبلوماسي هادئ لاحتواء التصعيد.

واستعرض "كبير تانيجا"، نائب مدير وزميل في برنامج الدراسات الإستراتيجية لشؤون الشرق الأوسط في مؤسسة الأبحاث الهندية "أوبزيرفر ريسيرش فاونديشن"، دوافع كل من إيران والسعودية للتدخل دبلوماسيا في جولة التصعيد الأخيرة بين الهند وباكستان.

وتصاعد التوتر بين الهند وباكستان في 22 أبريل/نيسان 2025 عقب هجوم مسلح استهدف سائحين في منطقة باهالغام بإقليم جامو وكشمير الخاضع للإدارة الهندية، وأسفر عن مقتل 26 شخصا وإصابة آخرين.

دبلوماسية مكوكية

وفي مقاله الذي نشرته المؤسسة قال "تانيجا": إن القوتين النوويتين كانتا على شفا الحرب مجددا. ولم يتمكن المجتمع الدولي، ولا سيما الغرب، المنشغل بأزماته الداخلية، لفترة طويلة، من دفع الجانبين إلى تهدئة الوضع.

وبعد حوالي ثلاثة أيام من بدء عملية "سيندور" -وفق المسمى الهندي لها- وبينما صعّدت كل من الهند وباكستان هجماتها على القواعد العسكرية للأخرى، نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي إعلانا عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

إلا أنه قبل الدور الأميركي، وصلت دولتان غير معروفتين بانخراطهما في العلاقات الهندية الباكستانية إلى نيودلهي للتحاور مع نظيرتيهما بشأن هذه القضية تحديدا، وهما الخصمان الإقليميان، السعودية وإيران.

وقد حظيت هذه الزيارات باهتمام كبير -وفق المقال- نظرا لمحاولات باكستان إصدار بيان تضامن عبر منظمة التعاون الإسلامي.

وقال الباحث الهندي: إن بلاده ظلت ملتزمة بسياستها على مدى السنوات، رافضةً السعي إلى وساطة طرف ثالث أو السماح بها في قضية ثنائية حساسة مثل كشمير.

لكن التحركات الدبلوماسية القادمة من الرياض وطهران، في خضم التصعيد العسكري بين الجانبين، أضافت بُعدا مثيرا للاهتمام لما تسعى إليه دولتا الشرق الأوسط، السنية والشيعية على التوالي، من خلال التواصل المباشر والدبلوماسية المكوكية.

الدبلوماسية الإيرانية

فوصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد في زيارة ليوم واحد، دعا خلالها الهند وباكستان إلى خفض التصعيد.

وعلى الرغم من أن الزيارة لم تُقدَّم بصفتها وساطة حصرا؛ حيث كان مُخططا لها قبل أسابيع، فإن الأزمة المتفاقمة تصدرت جدول أعمالها، فبعد ساعات قليلة من اندلاعها، وصل المسؤول الإيراني إلى الهند.

وأفاد تانيجا بأن "زيارات عراقجي إلى كلا البلدين نُسّقت بعناية لتقليل الانطباع بأن قضية كشمير هي السبب الوحيد لهذا الحراك الدبلوماسي".

فعلى الأقل في نيودلهي، تمحورت زيارة الوزير الإيراني حول الاجتماع العشرين للجنة المشتركة بين الهند وإيران؛ حيث نوقشت ملفات متنوعة من التجارة إلى الزراعة.

وأشار البيان الرسمي إلى أن الوفد الإيراني أُحيط علما بـ "الروابط العابرة للحدود" المتعلقة بالهجوم في باهالغام، وأن الجانبين "أدانا بشدة الإرهاب بجميع أشكاله". أما بالنسبة لنيودلهي، فقد مثّلت الزيارة فرصة مناسبة لكسب الدعم من جارٍ آخر لباكستان.

ويرى الباحث الهندي أن دوافع اهتمام إيران بالمساعدة في المحادثات بين الهند وباكستان تُعدّ أقرب إلى التخمين، خاصة أن العلاقات بين إسلام آباد وطهران ليست خالية من التوترات الكبيرة؛ إذ تبادل البلدان إطلاق الصواريخ قبل أكثر من عام فقط.

وقد حافظت إيران على موقف نسبي من الحياد خلال التصعيد العسكري الكبير السابق في "حرب كارجيل" عام 1999.

ومع ذلك، يمكن تحليل بعض الجوانب الظاهرة في هذا السياق، وفق المقال.

أولا، منذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان عام 2021، تنعم إيران بهدوء نسبي على جبهتها الشرقية، باستثناء القضايا الإقليمية المزمنة التي تمتلك القدرة على إدارتها.

فقد كانت حدود إيران محاطة بالقوات المسلحة بفعل الوجود الأميركي وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان وباكستان خلال سنوات "الحرب على الإرهاب".

لكن عودة التوترات العسكرية الواسعة في هذه المنطقة قد تستنزف موارد سياسية وعسكرية ضرورية لطهران في تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط، وعلى رأسها مواجهتها مع إسرائيل، وفق المقال.

ثانيا، ربما تسعى إيران إلى تقديم نفسها كجهة مستعدة للعب دور الوسيط من أجل السلام، على غرار ما يقوم به بعض خصومها العرب، مثل السعودية والإمارات.

وقد تُشكّل علاقتها الوثيقة مع الصين عاملا مساعدا في هذا المسعى، من خلال إتاحة الوصول إلى كل من إسلام أباد وبكين، لا سيما أن الصين كانت قد رعت اتفاق التقارب بين الرياض وطهران.

غير أن هذه الفرضية تضعف أمام حقيقة أن مستشار الأمن القومي الهندي، أجيت دوفال، أجرى محادثات مباشرة مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي حول هذه التطورات.

الدبلوماسية السعودية

وفي السياق، أشار تانيجا إلى أن وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، وصل إلى نيودلهي في زيارة غير معلنة تزامنت مع وجود الوفد الإيراني.

وقد اتسم التحرك السعودي إزاء الأزمة بطابع دبلوماسي هادئ يجري خلف الكواليس، مدفوعا بكون الرياض تملك نفوذا جيدا داخل الأوساط السياسية والعسكرية الباكستانية، وفق المقال.

وقال: إن "لقاء الجبير مع مكتب رئيس الوزراء الهندي –رغم الغموض حول ما إذا كان قد التقى فعليا برئيس الوزراء ناريندرا مودي– حمل إشارة إلى استعداد الرياض للعب دور ما إذا طُلب منها ذلك".

ورغم غياب أي روايات علنية، يرجح الباحث الهندي الفرضية القائلة بوجود دور أميركي خلف جهود الوساطة التي قادتها الرياض بين الهند وباكستان، وربما حملت من خلالها رسائل متبادلة بين الجانبين.

وفي عام 2023، حصلت باكستان -التي كانت تعاني من أزمة اقتصادية- على دعم مالي بقيمة ملياري دولار من السعودية. وبعد عام مددت الرياض فترة سداد ديون بقيمة 3 مليارات دولار، بعدما فشلت إسلام آباد في الوفاء بالتزاماتها.

وهذا يعني -وفق المقال- أن السعودية تملك أدوات ضغط مالية يمكن تفعيلها للتأثير على الحكومة المدنية، والأكثر أهمية من ذلك، على المؤسسة العسكرية، فإذا واجه الجيش ضائقة مالية، فإن قدراته التشغيلية وتكاليف الأفراد قد تتضرر بشكل كبير.

وعلى الجانب الآخر، إلى جانب حزمة الإنقاذ التي قدمها صندوق النقد الدولي لباكستان بقيمة مليار دولار خلال فترة التوتر، قد تسعى القوى العربية إلى تقديم حوافز اقتصادية إضافية للدولة، لمنعها من إلحاق الضرر بنفسها مرة أخرى، وفق تعبير الباحث الهندي.

وكانت شراكة الدعم الاقتصادي المذكورة آنفا مرتبطة في السابق أيضا باحتياجات السعودية الدفاعية. فبعد الثورة الإيرانية عام 1979، التي جاءت بآية الله الخميني إلى السلطة، وقّعت الرياض وإسلام أباد اتفاقية بروتوكول عام 1982 لنشر عسكريين باكستانيين في المملكة لتوفير الأمن والتدريب.

وقد أدى هذا الاتفاق إلى نشر ما يصل إلى 15 ألف جندي باكستاني، وربما أكثر، سنويا في السعودية، مما أسهم في بناء منظومة تعاون وثقة فريدة بين البلدين.

وقد نُظّم هذا الترتيب في عهد الجنرال محمد ضياء الحق، الذي روّج بقوة للإسلام، وبشكل أكثر تحديدا، للهوية السنية، لترسيخ هوية باكستان.

وفي عام 1999، وأثناء "حرب كارجيل"، زار وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز منشآت باكستان النووية قرب إسلام أباد.

وأكد المقال أن باكستان هي خيار الرياض الأسرع لامتلاك سلاح نووي عند الحاجة، في ظل سجلها المعروف في نشر التكنولوجيا النووية.

وفي 2017 تولّى الجنرال الباكستاني السابق رحيل شريف قيادة تحالف عسكري تقوده السعودية ويضم 39 دولة. ومع ذلك، رفضت باكستان في عهد نواز شريف إرسال قوات للحرب في اليمن، خشية إثارة غضب جارتها إيران.

وقال "تانيجا": "في النهاية، بدا وصول إيران والسعودية إلى نيودلهي في توقيت يصعب عدّه مرتبطا فقط بالعلاقات الثنائية. فالهند تؤكد منذ زمن رفضها لأي وساطة خارجية في خلافاتها مع باكستان، بينما تسعى إسلام أباد إلى تدويل قضية كشمير قدر الإمكان".

وعلى هذا الصعيد، يبدو أن دعوات باكستان لتدخل المجتمع الدولي قد نجحت، رغم أن الدعم العلني اقتصر على دول مثل الصين وتركيا وأذربيجان.

لكن يرى "تانيجا" أن تتضاءل قدرة باكستان على الحفاظ على موقعها داخل العالم الإسلامي، خصوصا في الخليج، مع مرور الوقت، ويعلل ذلك بأن "قوى خليجية كالسعودية والإمارات اتخذت مواقف واضحة وحازمة ضد الجماعات المسلحة".

"ويزداد هذا التوجه وضوحا في مؤسسات إسلامية مؤثرة مثل منظمة التعاون الإسلامي، ما يجعل من الصعب على إسلام أباد المناورة كما في السابق"، هكذا خلص الباحث الهندي.