أسوأ أزمة منشقين منذ عقود.. لماذا يتزايد رفض الإسرائيليين للانضمام إلى الجيش؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع تواصل العدوان على قطاع غزة والتصعيد في الضفة الغربية، هناك شيء يتغير داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو الرفض المتزايد للمشاركة في "العمليات العسكرية".

 وإلى جانب تزايد عدد جنود الاحتياط الذين يرفضون المشاركة في عمليات الجيش بغزة والضفة، يتنامى عدد المجندين المعاقبين في السجون الإسرائيلية. 

وقالت صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية: إن رؤية نساء ورجال يحملون أسلحة نصف آلية على أكتافهم تحوّل أخيرا إلى مشهد شائع في القدس. 

ويزداد الوضع سوءا في الحي اليهودي في البلدة القديمة؛ حيث يجوب العشرات من أفراد قوات الجيش الشوارع، ويتمثل الأمر المثير للاهتمام في صغر سنّهم.

التجنيد بالجيش

فبمجرد بلوغهم سن الرشد، يتعين على كل إسرائيلي، سواء كان يهوديا أو درزيا أو شركسيا، باستثناء اليهود الأرثوذوكس، التقدم للخدمة في جيش الاحتلال.

وبمجرد تجنيدهم، يجب على الرجال أن يخدموا لمدة لا تقل عن 32 شهرا والنساء لمدة 24 شهرا، فيما يعرّضهم عدم الاستجابة إلى السجن لعدة أشهر.

ونقلت الصحيفة أن صوفيا أور، إسرائيلية تبلغ من العمر 20 سنة، اتخذت قرار رفض الخدمة في الجيش عندما بلغت سن الرشد، رغم أنها فكرت في الأمر منذ أن كانت في الخامسة عشرة. 

وعلقت على القرار قائلة: "لقد كنت على وعي بما سيترتب عن قراري، ولست نادمة". 

وأضافت: "إن ما يفعله الجيش الإسرائيلي هو أمر غير أخلاقي على الإطلاق؛ ولا يساعدنا على بناء المستقبل أو إيجاد حل".

وأردفت أن "جرائم الحرب التي يرتكبها الجيش منذ سنوات، خاصة غزة، هي أشياء لا أستطيع ولا أرغب أبدا في المشاركة فيها".

وتابعت: "لقد أدركت أنني لا أستطيع المشاركة في هذه الجرائم فحسب، بل يتعين علي أيضا معارضتها وإجراء تغيير قدر المستطاع".

ومثلما هو متوقع، قوبل قرار الفتاة الإسرائيلية بحُكم بالسجن لمدة 85 يوما في سجن عسكري.

وذكرت أور للصحيفة أن "الأمر كان صعبا في بعض الأحيان". وكشفت أن الجيش حاول إقناعها بتغيير موقفها في كثير من المناسبات، ومنعها من رفض التجنيد، كما عمدوا إلى إسكاتها في السجن.

في المقابل، أثبتت هذه التجربة لأور أن الطريقة التي يُهين بها الاحتلال الفلسطينيين ويُعاملهم بها ليست مُجرد حكاية أو حادث عابر، "بل هو الأسلوب الذي يُفترض أن يعمل به. إن محاولته حلّ كل مشكلة بالقوة واضحة في كل مكان وفي كل جانب".

ونوهت الصحيفة إلى أن هذا الرفض وُلِد بشكل خاص بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023؛ حيث إنه كان أمرا لا يمكن تصوره تقريبا في المجتمع الإسرائيلي. 

وحتى الوقت الراهن، لا يزال هذا الموضوع شبه محرم؛ لأنه يعني مواجهة مباشرة مع قوات الجيش الإسرائيلي، الركيزة الأساسية التي بني عليها الكيان الصهيوني. 

انخفاض الأعداد

في الأثناء، أثارت التعديلات القضائية التي روجت لها حكومة بنيامين نتنياهو، في سنة 2023 موجة من المعارضة بين بعض جنود الاحتياط، الذين هددوا بمغادرة البلاد إذا لم يجر إلغاؤها.

لكن محاولة العصيان على التعديلات التي وصفتها المعارضة بأنها “انقلاب على القضاء” اختفت بعد هجوم السابع من أكتوبر. 

وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش تمكن إثر هجمات السابع من أكتوبر من حشد ما مجموعه 360 ألف جندي احتياطي، لكن، بعد مرور عام ونصف العام على بدء الحرب في غزة، أصبح الوضع مختلفا تماما. 

وفي هذا السياق، أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى انخفاض كبير في عدد الجنود الذين يخدمون في الاحتياط، فيما تختلف الأرقام من مصدر إلى آخر. 

وبحسب وزير الجيش يسرائيل كاتس، تراجع معدل الحضور وأصبح في حدود 80 بالمئة مقارنة بحوالي 120 بالمئة مباشرة بعد هجمات حركة المقاومة الإسلامية حماس.

 في المقابل، تشير تقارير أخرى إلى أن معدل الحضور قد يصل إلى 50 بالمئة أو حتى أقل. وفي مواجهة العدد المتزايد من جنود الاحتياط الذين يرفضون الخدمة، تتخذ سلطات الجيش تدابير أكثر صرامة. 

وخلال مايو/أيار 2025، ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أنه صدر حكم ضد اثنين من جنود الاحتياط بالسجن لمدة خمسة أيام لرفضهما تنفيذ عمليات بالضفة الغربية المحتلة أو في الحرب "غير القانونية بشكل واضح" في غزة. 

ووفقا لمنظمة "يش جفول" التي تدعم جنود الاحتياط الذين يرغبون في معارضة هذه الأوامر، فإن مئات الأشخاص عارضوا الامتثال للعمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية أو الاستمرار في الخدمة في الحرب بغزة.

وإلى جانب الاحتياط، عادت أزمة تجنيد المتدينين اليهود "الحريديم" إلى الواجهة في إسرائيل أخيرا عقب إطلاق الجيش حملة تطبيق قانون تستهدف الشباب المتدينين الذين لم يقدموا للخدمة العسكرية الإلزامية بعد صدور إشعارات التجنيد بحقهم.

وتأتي الأزمة مع قرار الجيش الإسرائيلي توسيع عدوانه على قطاع غزة وفي ظل مطالبات بمعاملة الحريديم بالتساوي مع نظرائهم.

لكن "الحريديم" يرفضون مبدأ الخدمة في الجيش الإسرائيلي ويقولون: إن مهمتهم بالحياة هي دراسة التوراة والتفرغ للعبادة، مما أثار تهديدات أخيرا بانسحاب أحزاب تمثل هذه الفئة من التحالف الحكومي.

خلافات داخلية

ونقلت الصحيفة عن يوئيل بريدال، الأستاذ المشارك في قسم علم الاجتماع بالجامعة العبرية في القدس، أن "نتنياهو يعيش على وقع خلاف مع قوات الأمن".

 وفيما يتعلق بجهاز المخابرات، يمكن الحديث عن مواجهة مباشرة بينه وبين رئيس الوزراء، وفق الصحيفة.

 ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد؛ حيث يوجد صدام بين جيش الاحتلال ونتنياهو، ومن هنا، يمكن استخلاص أن الأخير لن يجني الكثير من مواصلة الحرب.

وأشار الخبير إلى عوامل أخرى تؤثر على خطط نتنياهو التي تتعارض مع رفض التجنيد والانشقاق عن جيش الاحتلال. 

ومن جهة، يحتج العديد من الإسرائيليين بسبب ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين، وهو ما كشفت عنه رسائل الاعتراض ورفض الخدمة. 

وأردف: "نحن نتحدث الآن عن رقم يبلغ 18 ألف طفل توفي بسبب القصف الإسرائيلي. من الصعب جدا تبرير ذلك، أعتقد أن جزءا من هذا الرفض يعود إلى صدمة القتال ضد المدنيين". 

وتابع الخبير: "ففي كل حرب، هناك صدمة بالطبع، ولكن الأمر مختلف عندما يتعلق الأمر بالقتال ضد المدنيين".

ومن جهة أخرى، نوه إلى أن رفض الانضمام إلى جيش الاحتلال يعتمد بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي والمالي لكل فرد. 

ويقول الخبير "إنها قضية كبرى؛ لأنه يتعين علينا أن نفهم أن الحقوق في إسرائيل تعتمد على مشاركتك في الجيش من عدمها. هذا هو الواقع؛ إنها ليست فكرة خيالية، بل حقيقة". 

ويؤكد أن "مقاومة ذلك تتطلب في المقام الأول قدرا كبيرا من الشجاعة، وقدرة اجتماعية واقتصادية معينة؛ لأنه إذا لم تؤدّ الخدمة العسكرية ولم تعكس سيرتك الذاتية ذلك، فإن فرصك في الحصول على وظيفة تقل".

ولهذا السبب سترى أن العديد من الأشخاص الذين يرفضون الانضمام إلى الجيش هم من الطبقة المتوسطة أو العليا لأنهم قادرون على تحمل تكاليف ذلك ولكن هذا أيضا بدأ يتغير، وفق قوله.